عدد الابيات : 60
طباعةبَنِي الْعُرْبِ، أَيْنَ الْمَجْدُ وَالْمَكَارِمُ؟
وَأَيْنَ حُمَاةُ الدَّارِ، أَيْنَ الضَّرَاغِمُ؟
تَرَكْنَا عُهُودَ الْعِزِّ تَلْقَى مَصِيرَهَا
وَصِرْنَا غُثَاءً وَاللَّيَالِي تُحَاكِمُ
تَفَرَّقْنَا أَشْلَاءَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ
تُهِينُ كَرَامَتَنَا حُرُوبٌ غَوَاشِمُ
عَشِقْنَا سَرَابَ الْوَهْمِ، نَرْكُضُ خَلْفَهُ
وَضَاعَتْ أَمَانِينَا، وَغَابَ التَّلَازُمُ
رَمَيْنَا حُمَى الْأَخْلَاقِ خَلْفَ ظُهُورِنَا
وَغَابَتْ عَنِ الدَّرْبِ النُّجُومُ الْأَجَارِمُ
فَمَا عَادَ فِينَا مَنْ يَثُورُ لِحَقِّنَا
وَلَا فَارِسٌ فِي الْحَيِّ يُصْغِي لِآثِمِ
تَآكَلْنَا شِقَاقًا، وَاسْتَبَدَّ بِنَا الْهَوَى
فَصَارَتْ خُطَانَا فِي الضَّيَاعِ تُسَاقَمُ
وَكَأَنَّنَا نَسِينَا أَمْجَادَنَا وَتَارِيخَنَا
وَفِي كُلِّ أَرْضٍ هَامَةُ الْعِزِّ تُسْحَمُ
كَأَنَّا نَسِينَا كَيْفَ كُنَّا قَوَافِلًا
تُضِيءُ لَهَا الْأَخْطَارُ سَيْفًا وَصَارِمُ
وَأَصْبَحْنَا أَشْلَاءَ فُرْقَةٍ وَذِلَّةٍ
وَبِتْنَا غُثَاءَ بَحْرٍ وَالْحَيَاةُ تُقَاوِمُ
أَيَا وَيْحَ قَوْمِي، كَمْ هَوَتْ بِنَا الْقُوَى
وَجَفَّتْ يَنَابِيعُ الْوَفَاءِ التَّلَاحُمُ
غَدَوْنَا بَقَايَا أُمَّةٍ دُونَ وَحْدَةٍ
إِذَا هَبَّ رِيحٌ تَتَهَاوَى الدَّعَائِمُ
وَصِرْنَا كَمَا السَّيْلِ الْجَمُوحِ تَفَرُّقًا
وَفِي لُجَّةِ التِّيهِ التَّهَافُتُ قَائِمُ
تَخَاذَلَ أَهْلُ الْحَقِّ، وَاخْتَلَّتِ الرُّؤَى
وَذَاقُوا الْهَوَانَ حِينَ غَابَ الْعَزَائِمُ
تَرَاجَعَتِ الْآمَالُ فِي كُلِّ مَشْهَدٍ
كَأَنَّ الْمَدَى فِي ظُلْمَةٍ لَا تُقَاوَمُ
وَأَمْجَادُنَا بَاتَتْ حَكَايَا نُرَدِّدُهَا
نُغَنِّي بِهَا مَاضٍ تَوَلَّى، وَمَجْدٌ نَائِمُ
فَمَنْ لِلْيَتَامَى فِي الدُّرُوبِ تَشَتَّتُوا؟
وَمَنْ لِلثَّكَالَى حِينَ تَغْزُو الْمَآثِمُ؟
وَمَنْ لِلضَّحَايَا فِي رَحَى كُلِّ فِتْنَةٍ
إِذَا ظَنَّ كُلٌّ أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ صَائِمُ؟
لَقَدْ سَقَطَتْ تِلْكَ الْقِلَاعُ وَأَهْلُهَا
وَخَانَتْ لَنَا الْأَيَّامُ، وَاشْتَدَّ الظَّالِمُ
كَأَنَّ دِمَانَا مَا لَهَا صَوْتُ غَائِرٍ
وَكَأَنَّ الْأَسَى فِينَا كَرًى وَمَلَاحِمُ
وَفِي كُلِّ قَلْبٍ حَسْرَةٌ مِنْ ضَيَاعِنَا
وَفِي كُلِّ عَيْنٍ دُمُوعُ حَيْرَةٍ لَا تُقَاوَمُ
فَأَيْنَ نَحْنُ لِكِتَابِ اللَّهِ يَرْفَعُ رَايَةً
وَأَيْنَ هُدَاةُ الْقَوْمِ، أَيْنَ الْحَمَاجِمُ؟
أُمَّةُ الْإِسْلَامِ أَضْحَتْ طَيْفَ غُرْبَةٍ
وَأَضْحَى هَوَانُ الْعَرَبِ شَبَحًا يُلَازِمُ
وَإِنْ قِيلَ فِينَا إِنَّنَا خَيْرُ أُمَّةٍ
فَمَا عَادَ فِينَا مَنْ يُقِيمُ الْمَعَالِمُ
كَأَنَّا نَجَوْنَا فِي الظَّلَامِ مُنِيرَةً
وَلَكِنَّنَا بِتْنَا مِنْ غَيْرِ نَجْمٍ نُصَارِمُ
أَلَا يَا بَقَايَا النُّورِ فِينَا اصْحُوا لَنَا
فَإِنَّ الْيَقِينَ وَحْدَهُ الْحَقُّ حَازِمُ
أَيَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ، كِدْتِ تَضِيعُ فِي
رَحَى الظُّلْمِ، وَالْآمَالُ فِيهَا تُهَدَّمُ
غَدَتْ رَايَةُ التَّوْحِيدِ فِينَا مُمَزَّقَةً
وَكَأَنَّا غَرِيبٌ مَا لَهُ الْيَوْمَ جَازِمُ
كَأَنَّ الْعُقُولَ غَابَ فِيهَا نُورُهَا
وَحَلَّتْ ظَلَامَاتٌ تَهِيمُ وَتُعْتِمُ
إِذَا قِيلَ هَذَا الْحَقُّ، أَعْرَضَ أَهْلُهُ
وَإِنْ جَاءَهُمْ بَاطِلٌ تَرَى الْكُلَّ يَحْكُمُ
تَهَاوَتْ حُصُونُ الْعِزِّ فِينَا وَقَدْ غَدَتْ
لِأَعْدَاءِ دِينِ الْحَقِّ سَهْمًا وَمَرْغَمُ
فَكَمْ مِنْ دِمَاءٍ فِي الدُّرُوبِ أُرِيقَتِ
وَكَمْ مِنْ صُرُوحٍ فِي الْهَوَانِ تُهَدَّمُ
وَكَمْ مِنْ دِيَارٍ كُنَّ بِالْأَمْسِ شَامِخًا
وَبَاتَتْ رَمَادًا وَالْحُطَامُ يُقَسَّمُ
أَيَصْرُخُ أَحْرَارٌ وَلَا مَنْ يُجِيبُهُمْ؟
أَضَاعَتْ مَسَاعِي الْخَيْرِ، وَالْحَقُّ يُهْزَمُ؟
تُرَى، هَلْ لَنَا فِي لَيْلِنَا مِنْ كَرَامَةٍ؟
وَهَلْ بَعْدَ كُلِّ الذُّلِّ فَجْرٌ يُتَمَّمُ؟
لَقَدْ ضَاعَ مَجْدُ الْعَرَبِ بَيْنَ جُمُوعِنَا
وَصَارَ الْهَوَى فِينَا دَلِيلًا وَنَاظِمُ
غَدَوْنَا نُجَارِي مَنْ يُعِيدُ لَنَا الْأَذَى
وَصِرْنَا رِمَاحًا فِي يَدِ الْعَدُوِّ تُقَسَّمُ
تَرَكْنَا الْأَيَادِي لِلْعَوَاصِفِ تُحَطِّمُ
وَفِينَا مِنَ الْآمَالِ عَزْمًا مَا لَا يُهَدَّمُ
فَيَا وَيْحَ قَلْبِي، كَيْفَ نَنْسَى مَجْدَنَا
وَأَرْوَاحُ أَجْدَادٍ عَلَى الْعَهْدِ تُقْسِمُ
مَضَى الْعَهْدُ يَا قَوْمِي وَحَلَّتْ مَكَانَهُ
عُصُورٌ مِنَ التِّيهِ جَهْلٍ وَذُلٍّ وَمَغْرَمُ
كَأَنَّا غَدَوْنَا لِلرِّيَاحِ بُذُورَهَا
تُشَرِّدُنَا الْأَيَّامُ أَحْزَانًا وَتَجَهُّمُ
نَرَى الْعِزَّ فِي غَيْرِنَا، وَنَظَلُّ فِي
ظَلَامٍ، وَفِي أَعْمَاقِنَا الْيَأْسُ يُرْسَمُ
كَأَنَّا نَسِينَا صَوْتَ عِزٍّ وَكِبْرِيَاءٍ
وَصِرْنَا نُقَاوِمُ كُلَّ فَرْحَةٍ تَجُمُّ
أَلَيْسَ بِنَا قَوْمٌ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى؟
فَكَيْفَ اسْتَكَانَتْ بِالْخُطُوبِ الْأَنْجُمُ؟
غَدَوْنَا كَأَمْوَاجٍ تَعِيشُ تَلَاطُمًا
وَلَا مِنْ بَصِيرٍ لِلْغَيَاهِبِ يَفْهَمُ
وَهَا نَحْنُ نَشْكُو مِثْلَ أُمٍّ فَقَدَتْ
أَبْنَاءَهَا فِي لُجَّةِ التِّيهِ تَحْرِمُ
مَضَى الشُّرَفَاءُ، وَاسْتَبَدَّ بِمَجْدِنَا
أُنَاسٌ بِأَحْلَامٍ وَضَاعَ الْمَحَارِمُ
وَكَادَتْ دِمَاءُ الْأَحْرَارِ تَذْهَبُ
هَدَرًا، كَأَنَّ الْأَمْجَادَ فِيهَا تُحَطِّمُ
إِذَا قِيلَ مَنْ نَحْنُ نَقُولُ مَجْدَنَا
لَكِنَّ الْقُلُوبَ مِنَ الْجِرَاحِ تُؤْلِمُ
نُكَابِرُ فِي لَيْلِ الظَّلَامِ وَأَنْفُسُنَا
فِي كَسْرٍ، وَقُلُوبُ الْعِزِّ تَذُمُّ
أَيَا قَوْمُ، يَا صَفْوَةَ الْأَحْرَارِ بِعِزِّنَا
هَيَّا نُعِيدُ، طَيْفَ الْأَمْجَادِ نُسَلِّمُ
نَمْضِي كَمَا مَضَى السَّلَفُ لِلْعِزِّ
نَمْضِي، وَنَبْنِي كَمَا عَاهَدْنَا الْأَسْلَمُ
فَيَا وَيْحَنَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا بَقَايَةٌ
عَلَى هَامِشِ الْأَيَّامِ يُلْقَى الْحُوَاطِمُ
أَلَا يَا بَنِي الْعُرْبِ انْهَضُوا وَاتَّحِدُوا
فَلَا عِزَّ إِلَّا وَالْقُلُوبُ وَحْدَةً عَوَاصِمُ
وَلَعَلَّنَا نُعِيدُ فِي الصَّرْحِ بَهَاءَهُ
وَنُوقِظُ مَا قَدْ كَانَ يَوْمًا يُنَظَّمُ
إِذَا كَانَ فِينَا مَنْ يُدَافِعُ لِلْعَلْيَاءِ
فَإِنَّ الْغَدَ كُلَّ أَمَلٍ سَيَهْدِمُ يُكْتَمُ
سَنَبْنِي عَلَى حُبٍّ وَسَيْفِ مَعَزَّةٍ
وَفِي كُلِّ صَدْرٍ فِي الْغَدِ يَسْلَمُ
سَنَبْنِي عَلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ
وَنَجْمَعُ بَنِي الْعَرَبِ لِلْخَيْرِ نَظْلِمُ
فَيَا أُمَّتِي قُومِي لِعَوْدِكِ وَانْتَفِضِي
وَكُونِي عَلَى صَرْحِ الْمَعَالِي تُحْكَمُ
1019
قصيدة