عدد الابيات : 51
كِلِينِي لِحُزْنٍ يَا سَارَةُ عَاتِبِ
فَقَدْ بَاتَ جِسْمِي كَالْهَشِيمِ الْمُجَاذِبِ
وَلَيْلٍ طَوِيلٍ لَا يُفَارِقُ أَعْيُنِي
يَجُرُّ الْمَنَايَا فَوْقَ دَرْبِ الْعَجَائِبِ
تَطَاوَلَ حَتَّى قُلْتُ يَا مَوْتُ خُذْ
بَقِيَّتِي فَإِنِّي فِي هَوَاهَا لَذَائِبِ
أُحِبُّكِ مِثْلَ الشَّمْسِ تُشْرِقُ فِي دَمِي
وَفِي نَبْضِ قَلْبِي وَالْعُيُونِ الْحَوَاجِبِ
إِذَا قِيلَ مَا الْحُبُّ؟ قُلْتُ مَنَازِلِي
بِعَيْنَيْكِ أُدْرِيكَ الْعُيُونَ الْغَرَائِبِ
يُحَدِّثُنِي اللَّيْلُ الطَّوِيلُ وَقَلْبُهُ
بِشَوْقٍ يُنَاجِي فِي هَوَاكِ السَّحَائِبِ
فَإِنْ جَاءَ يَوْمِي فَاذْكُرِينِي وَرَدِّدِي
حُرُوفِي الَّتِي مِنْ حُبِّنَا فِي الْكَتَائِبِ
وَلَا تَحْمِلِي الْأَسَى وَابْكِي فَقِيرًا
مَضَى وَهُوَ بَاقٍ فِي الْقُلُوبِ السَّوَاكِبِ
وَإِنْ سَارَ رَكْبِي فِي تُرَابِي فَرَدِّدِي
هُنَا كَانَ عِشْقٌ لَا يُفَرِّقُهُ نَائِبِ
سَيَبْقَى هَوَاكِ النُّورَ فِي ظُلْمَةِ الثَّرَى
وَسَيَرْوِي تُرَابِي قِصَّةَ الْعُمْرِ نَاقِبِ
فَإِنْ مِتُّ يَوْمًا بِجَسَدٍ فَاعْلَمِي أَنَّنِي
عَشِقْتُكِ حَتَّى قِيلَ: مَاتَ الْحَبَائِبُ
سَأُوصِي الرِّيَاحَ إِنْ مَرَّتْ بِدَارِكِ
تُقَبِّلُ وَجْهَ الْأَرْضِ فَوْقَ الرَّكَائِبِ
وَإِنْ سَارَ غَيْمٌ فَوْقَ قَبْرِي دَعِيهِ
يُمَرِّرُ مَاءَ الشَّوْقِ فَوْقَ الْمَرَاكِبِ
أَلَمْ تَسْمَعِي فِي اللَّيَالِي أَنِينِي؟
وَكَيْفَ تَبْكِينِي وَأَنْتِ السَّبَائِبُ؟
وَإِنْ سَأَلُوا يَوْمًا مَنِ الْعَاشِقُ الَّذِي
تَمَزَّقَ فِي الْحُبِّ وَانْهَالَ شَاحِبِ؟
فَقُولِي: فَتًى عَافَ الدُّنْيَا وَمَتَاعَهَا
وَكُلُّ الْمُنَى لَا تَسْتَوِي وَالْمَوَاهِبِ
فَقَدْ كَانَ يَرْوِي فِي هَوَاكِ أَغَانِيًا
وَكُلُّ الْكَوَاكِبِ بِصَوْتِهِ تَصْرُخُ تَائِبِ
فَإِنْ غَابَ صَوْتِي وَأُطْفِئَ نُورُهُ
فَلَا تَحْزَنِي، فَالنُّورُ يَسْرِي بِغَارِبِ
سَأُسْكِنُ رُوحِي فِي السَّمَاءِ وَأُنْشِدُ
حُرُوفَ الْهَوَى فِي أُفُقٍ لَا يُحَارِبِ
سَأَهْتِفُ فِي النَّجْمِ: يَا نَجْمُ بَلِّغْ
إِلَى سَارَةَ الْعَيْنِ حُبِّي الْعَجَائِبِ
وَإِذَا جَاءَ يَوْمُ مَوْتِي فَلَا تَحْزَنِي
وَأَطْلِقِي مِنْ عَيْنِكِ الطُّهْرَ هَاطِبِ
سَأَبْقَى كَمَا كُنْتُ أَهْوَاكِ دَائِمًا
وَإِنْ فَارَقَ الْجِسْمُ رُوحِي الْحَبَائِبِ
فَلَا تَذْكُرِي يَوْمًا مَمَاتِي وَإِنَّمَا
اذْكُرِي أَنَّنِي فِي الْهَوَى كُنْتُ وَاهِبِ
سَأُوصِي النَّسَائِمَ فِي اللَّيْلِ حِينَمَا
تَمُرُّ بِدَارِيكِ أَنْ تُلْقِي مَآرِبِي
وَإِنْ لَاحَ فَجْرٌ فِي السَّمَاءِ مُوَدِّعًا
فَلَا تَنْسَيَنْ حُبِّي وَذِكْرَى مَذَاهِبِي
فَإِنِّي وَإِنْ عَافَ الْمَنَايَا جَسَدِي
فَرُوحِي إِلَى عَيْنَيْكِ تَهْفُو كَهَارِبِ
أَحِبِّينِي رُوحًا إِذَا عِشْتُ فِيكِ
وَإِنْ غِبْتُ فَاذْكُرِي حَبِيبَكِ غَائِبِ
وَإِنْ زَارَ طَيْفِي بَيْنَ حُلْمِكِ لَيْلَةً
فَقُولِي: سَلَامًا أَيُّهَا الْعَوَائِبِ
فَإِنِّي وَإِنْ طَالَتْ بِيَ الدُّهُورُ غَرِيبًا
فَحُبُّكِ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالنَّفْسِ وَاجِبِ
وَلَا تَحْسَبِي أَنِّي إِذَا مِتُّ أَغْفُو
فَحُبُّكِ نُورٌ فِي الثَّرَى وَالسَّحَائِبِ
سَأَهْتِفُ يَا سَارَةُ فِي كُلِّ صُبْحٍ
وَفِي كُلِّ لَيْلٍ بَيْنَ بَدْرٍ وَكَوْكِبِ
فَإِنْ جَاءَ فَجْرُ الْوَدَاعِ وَمَا لِيَ
سِوَى قُبْلَةٍ بِالرُّوحِ وَالْجِسْمِ ذَاهِبِ
إِذَا جَاءَ لَيْلٌ فِيهِ شَوْقُكِ عَارِمٌ
فَنَادِي بِاسْمِي بِالْهَوَاءِ السَّوَاحِبِ
فَإِنِّي سَأُجِيبُكِ يَا قُرَّةَ الْعَيْنِ
وَإِنْ كُنْتُ فِي قَبْرٍ عَظِيمِ الْمَنَاكِبِ
فَإِنِّي سَأَبْقَى بِالْهَوَى طُولَ عُمْرِي
وَلَوْ غَابَ جِسْمِي فَالْحَنَايَا مَوَاهِبِ
سَأَبْقَى إِلَى يَوْمِ اللِّقَاءِ مُحِبًّا
وَلَوْ غِبْتُ فِي التُّرْبِ بَيْنَ الْغَيَاهِبِ
وَإِنْ جَاءَ نَادٍ يَسْأَلُ الْأَرْضَ عَنِّي
فَقُولِي لَهُ: هَذَا فُؤَادِي وَصَاحِبِي
هُنَا كَانَ يَهْوَى، هُنَا كَانَ يَبْكِي
هُنَا كَانَ يَحْكِي لِسَارَةَ عَاجِبِي
إِذَا زُرْتِ قَبْرِي يَا سَارَةُ يَوْمًا
فَضُمِّي الثَّرَى، ثُمَّ قُولِي: حَبَائِبِي
وَإِنْ نَامَ حُبِّي فِي اللَّحْدِ يَوْمًا
فَحُبُّكِ صَحْوٌ فِي الْجَنَانِ الْمَرَاتِبِ
وَإِنْ جَاءَ نَجْمٌ يُسَائِلُ عَنِّي
فَقُولِي: هُوَ الْعِشْقُ وَالنُّورُ رَاكِبِي
وَإِذَا جَاءَ فَجْرٌ وَلَمْ أَكُ بَيْنَكِ
فَابْحَثِي عَنِّي فِي الْهَوَاءِ السَّوَاحِبِ
فَإِنِّي سَأَجْرِي بِالْغُيُومِ حَنِينًا
وَأُهْطِلُ دَمْعًا فَوْقَ أَوْرَاقِ زَاهِبِ
وَإِنْ ضَاعَ صَوْتِي فِي الرِّيحِ نَوْحًا
فَذَاكَ هُوَ الْعِشْقُ فِيكِ يُحَارِبِ
أُحِبُّكِ دَهْرًا، أُحِبُّكِ عُمْرًا وَإِنْ
كَانَ حُبِّي فِي الْجِدَارِ الْكَوَاكِبِ
فَسَارَةُ نُورٌ، وَسَارَةُ عُمْرِي
وَسَارَةُ دَرْبِي، وَنَبْضُ جَنَانِبِ
وَإِنْ جَاءَ يَوْمٌ تَرَيْنِي شَهِيدًا
فَلَا تَحْزَنِي، بَلِ اذْكُرِينِي بِطَائِبِ
سَتَجِدِينَ لَحْنَ صَوْتِي يَدُورُ حَوْلَكِ
كَنَسْمَةِ صُبْحٍ فِي الْخُدُودِ الرَّطَائِبِ
وَإِنْ غِبْتُ عَنْكِ يَوْمًا، وَطَالَ فِرَاقِي
فَسَارَةُ دَهْرِي، وَأَنْتِ الْمَآرِبِ
أُحِبُّكِ حُبًّا خَيَالًا يُزَيِّنُ دَرْبِي
وَإِنْ جِئْتُ حَافِيًا نَحْوَ مَطَالِبِي
فَحُبُّكِ زَادِي وَسِحْرِي وَصَلَاتِي
وَأَدْمُعِي عَلَى مِحْرَابِكِ مَذَانِبِ
1280
قصيدة