عدد الابيات : 36
كُفِّي دُمُوعَكِ لَا تُطِيلِي التَّعَجُّبَا
فَقَدْ جَفَّ دَمْعِي وَالْعُيُونُ تَلَهَّبَا
وَسَالَ الْأَسَى فِي الْقَلْبِ حَتَّى كَأَنَّهُ
دَمٌ يَتَدَفَّقُ فِي الْعُرُوقِ مُعَذَّبَا
سُرَارَةُ، لَا زَالَ الْهَوَى يُسْرِجُ الْأَسَى
وَيُوقِدُ فِي الْأَعْمَاقِ نَارًا تَأَجَّبَا
فَكَمْ لَيْلَةٍ بَاتَ السُّهَادُ يُنَازِعُ الْكَرَى
وَمَوْجُ الْبَيْنِ يُلْقِي التَّلَحُّبَا
أُرَاقِبُ نَجْمَ اللَّيْلِ يَمْشِي مُتَمَهِّلًا
كَأَنَّ عَلَى كَاهِلِ الدُّجَى مَنْ تَأَلَّبَا
أَقُولُ لَهُ يَا لَيْلُ هَلْ مِنْ مُحَدِّثٍ؟
فَإِنَّ الْأَسَى بِالْقَلْبِ أَمْسَى مَذْهَبَا
أُحِبُّكِ، لَا تَسْأَلِي الْقَلْبَ عَنْ مُهَجٍ
قَدِ انْدَثَرَتْ شَوْقًا، وَصَارَتْ تَذَهَّبَا
فَمَا ذُقْتُ مِنْ وَصْلٍ، وَنَالَنِي هَوَى
إِلَّا وَكَانَ الدَّهْرُ بِالْهَجْرِ الْمُعْرِبَا
سُرَارَةُ، إِنِّي فِي هَوَاكِ مُمَزَّقٌ
كَأَنِّي غَزَالٌ بَيْنَ سَبْعٍ وَمُخَالِّبَا
فَمَا بَالُ دَمْعِي جَرَى غَيْرَ مُمْسِكٍ؟
كَأَنَّ الَّذِي أَلْقَاهُ نَارُ قَلْبٍ تَلَهَّبَا
وَمَا زِلْتُ مُذْ فَارَقَكِ الْقَلْبَ مُوجِعًا
كَطَوْدٍ عَظِيمٍ قَدْ تَصَدَّعَ مُرْهِبَا
سُرَارَةُ، إِنَّ الدَّهْرَ جَارَ، وَإِنَّنِي
صَبُورٌ، وَلَكِنْ مَا وَجَدْتُ لَهُ سَبَبَا
إِذَا ذَكَرَتْ عَيْنَاكِ سَالَتْ مَدَامِعِي
كَأَنِّي قَضِيبٌ تَحْتَ بَرْقِ التَّصَبُّبَا
كَأَنَّ الَّذِي أَلْقَاهُ فِي الْحُبِّ زَلْزَلٌ
تَمَوَّجَ حَتَّى هَدَّ أَرْكَانِيَ الْهُدُّبَا
أَيَا دَارَ أَحْبَابِي الَّتِي قَدْ تَرَكْتُهَا
كَأَطْلَالِ وَجْدٍ قَدْ تَعَرَّتْ تَهَدُّبَا
فَهَلْ مِنْ رَسُولٍ يُخْبِرُ الدَّارَ عَنْ فَتًى
كَوَاهُ الْأَسَى حَتَّى اسْتَحَالَ مُعَذَّبَا
فَمَا الْقَلْبُ إِلَّا الشَّوْقُ وَالْهَوَى
وَمَا الْحُبُّ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُتَرَّهبَا
وَلَوْ أَنَّ وَصْلِي كَالْغَيْثِ لَمْ أَكُنْ
أَقُولُ لِمَنْ أَلْقَاهُ: صِرْتُ مُعَذَّبَا
وَلَكِنَّهُ الدَّهْرُ الَّذِي يُشَتِّتُ بَيْنَنَا
وَكَأَنَّهُ رِيحٌ قَدْ هَبَّتْ بِاللَّهَّبَا
فَسِيرِي عُرَيْبَةُ حَيْثُ شِئْتِ فَإِنَّنِي
سَأَبْقَى عَلَى الْعَهْدِ الْقَدِيمِ مُنَصَّبَا
فَلَا تَحْسَبِي أَنِّي سَلَوْتُ، وَإِنَّمَا
غَرَامُكِ جَمْرُ نَارٍ لَا تَزَالُ تَتَأَجَّجَا
بَيْضَاءُ، إِنَّ الْعِشْقَ دَهْرٌ وَإِنَّنِي
بِهِ الْغَارِقُ حَتَّى أَغِيبَ وَأُغَيَّبَا
وَمَا الْحُبُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَتًى غَدَا
طَرِيحًا كَأَوْرَاقِ خَرِيفٍ بِالرِّيحِ تَهَّبَا
أَلَا فَاسْمَعِي قَوْلِي فَإِنِّي وَإِنْ غَدَوْتُ
حَزِينًا فَإِنَّ الْعِشْقَ عِنْدِي مُرَتَّبَا
وَقَدْ كُنْتُ فِي الْهَيْجَاءِ أَسَدًا مَهَابُهُ
إِذَا مَا دَنَا الْأَعْدَاءُ صَارَ مُلَهَّبَا
فَلَا السَّيْفُ يَنْبُو عَنْ يَمِينِي وَإِنَّنِي
إِذْ صَالَ ضَرِّي كَانَ الْمَوْتُ أَقْرَبَا
وَأَكْرَمُ قَوْمِي إِنْ دَعَانِي مُنَادِهِمْ
فَإِنِّي إِذَا مَا حَضَرْتُ جِئْتُ مُلَبَّبَا
وَإِنِّي لَبَحْرٌ فِي الْعَطَايَا وَإِنَّنِي
إِذَا جَادَ كَفِّي كَانَ لِلنَّاسِ مَذْهَبَا
فَلَا تَذْكُرُوا كَفِّي بِخَيْرٍ فَإِنِّي أَرَى
الْجُودَ دَيْنًا قَدْ وَجَدْتُ لَهُ سَبَبَا
فَإِنْ تَسْأَلُونِي عَنْ هَوَايَ فَإِنَّهُ
حَبِيبَةُ، قَدْ أَمْسَى الْفُؤَادُ لَهَا صَبَا
وَإِنِّي لَهَا، لَا شَكَّ، عَبْدٌ مُتَيَّمٌ
وَإِنِّي بِهَا، لَا شَكَّ، صِرْتُ مُعَذَّبَا
فَلَا تَلُومُونِي فِي هَوَاهَا، فَإِنَّنِي
أَرَاهَا سَمَاءً، أَشْرَقَتْ وَتَغَيَّبَا
وَإِنْ عَادَ وَصْلِي كَانَ قَلْبِي كَأَنَّهُ
نَخِيلٌ عَلَى وَادِي الْعَقِيقِ تَسَرْبَبَا
فَإِنْ مُتُّ يَوْمًا وَالْهَوَى بِجَوَانِحِي
فَلَا تَدْفِنُوا جَسَدِي، دَعُوهُ مُحَجَّبَا
فَقَدْ كَانَ لِي بِالْحُبِّ طُولُ عُمْرٍ
وَكَأَنِّي نَبِيٌّ قَدْ أَتَى وَاثِقًا مُتَنَبِّئَا
1280
قصيدة