عدد الابيات : 55
طباعةيَا شَامُ، يَا مَهْدَ أَسْلَافٍ وَمَجْدِ يَدِ
يَا نَبْضَ عَصْرٍ تَنَامَى فَوْقَ أَبَدِ
جُودِي عَلَيْنَا كَمَا جَادَتْ مَلَائِكَةٌ
مِنْ كُلِّ غَيْثٍ سَخِيٍّ دُونَ مُفْتَئَدِ
أَرْضُ الْعُرُوبَةِ، مَجْدُ الشَّرْقِ مَزْهَرُهَا
وَحُبُّهَا فِي دِمَاءِ الرُّوحِ كَالْعُمُدِ
يَا شَامُ، هَلْ عَادَتِ الْأَيَّامُ مُزْهِرَةً؟
هَلْ ضَحِكَ الْفَجْرُ فِي أَفْيَاءِ مُعْتَمَدِ؟
سُورِيَا، عَذْرَاءُ حُسْنٍ لَمْ تُدَنِّسْهَا
إِلَّا الْجِرَاحُ، وَجَيْشُ الظُّلْمِ فِي لُبَدِ
فِي كُلِّ قَلْبٍ قَصِيدٌ مِنْكِ يَحْمِلُهُ
وَفِي الشِّفَاهِ أَنَاشِيدٌ مِنَ النَّشَدِ
أَنْتِ الْجَمَالُ إِذَا أَبْدَى النَّسِيمُ هَوًى
وَأَنْتِ نُورٌ إِذَا أَغْفَى الْوَرَى بَرَدِ
يَا شَامُ، يَا دُرَّةَ الْأَوْطَانِ زَاهِيَةً
مَاضِيكِ تَاجٌ، وَحَاضِرُكِ عَلَى أُهُدِ
هَلْ أُرْضِعَتْ أَرْضُكِ الْأَحْرَارَ مِنْ مَهْدٍ؟
أَمْ أَنْبَتَتْهُمْ كَمَا يَنْمُو الرَّضِيعُ نَدِ؟
بِلَادُنَا، لَوْحَةٌ رَسَمَتْ مَلَائِكَةً
فِي الْأَرْضِ صَاغَتْهَا أَرْوَاحٌ مِنَ الْخَلَدِ
جُودِي عَلَيْنَا كَمَا جَادَ النَّبِيُّ لَنَا
بِسُورَةِ الْفَتْحِ، فَالْأَجْيَالُ فِي الْوَحَدِ
نُقْسِمُ بِاللَّهِ أَنْ تَبْقَى كَرَامَتُنَا
رَايَاتُ عِزٍّ عَلَى الْأَرْوَاحِ تَتَّقِدِ
إِنَّا خُلِقْنَا لِنَحْمِيَ الْأَرْضَ مِنْ غَدْرٍ
وَلَنْ نَعِيشَ وَفِي أَعْمَاقِنَا جَلَدِ
هَذِهِ سُورِيَا، حِمَى الشُّرَفَاءِ قَاطِبَةً
وَفِي سَمَائِكِ أَقْمَارٌ مِنَ الْعَهْدِ
مَنْ ذَا يُجَارِيكِ فِي عِزٍّ أَوْ فَاضِلَةٍ؟
يَا شَامُ، كُونِي لَنَا فِي الْقَلْبِ كَالسَّنَدِ!
يَا شَامُ، يَا دُرَّةَ الْأَزْمَانِ فِي خَلَدِ
وَيَا جَمَالًا سَرَى كَالطِّيبِ فِي الْأَبَدِ
يَا مَهْدَ أَبْطَالِ تَارِيخٍ تَبَارَكُهُ
رُوحُ الْخُلُودِ، وَعِشْقُ النُّورِ وَالرَّغَدِ
عَلَى تُرَابِكِ خَطَّ الْمَجْدُ مَلْحَمَةً
وَخَطَّ نَهْرُ الْعُلَا أَسْرَارَهُ بِيَدِ
دِمَشْقُ يَا عَرْشَ رُوحِ الشَّرْقِ، يَا مَلِكًا
مَا زَالَ يَسْكُنُهُ الْإِلْهَامُ فِي الْجَسَدِ
وَأَرْضُ حَوْرَانَ، فِي جَوْفِ الْجَمَالِ لَهَا
نَبْضُ الزَّمَانِ، كَصَوْتِ الْعُودِ فِي غَرَدِ
وَحَلَبُ، تَاجُ فَخَارٍ فَوْقَ هَامَتِهَا
كَالنَّجْمِ فِي كَبِدِ الْأَفْلَاكِ مُنْفَرِدِ
وَحَيْفَا دُرَّةُ شُطْآنٍ تُنَاجِيهَا
أَمْوَاجُ بَحْرٍ تُقِيمُ اللَّيْلَ فِي سُهْدِ
وَفِي بَعْلَبَكٍ، صُرُوحٌ بَاتَ يُزْهِرُهَا
عِطْرُ الْقَنَادِيلِ مِنْ أَرْوَاحِهَا الْخُلُدِ
وَكُلُّ قِمَّةِ جَبَلٍ فِي شَامِهَا مَلَكَتْ
قَلْبَ السَّمَاءِ، كَزَهْوِ الْغَارِ فِي الزَّرَدِ
يَا شَامُ، يَا حَاضِنَ الْأَرْوَاحِ فِي وَلَهٍ
وَيَا مَلَاذًا لِمَنْ ضَاقَتْ بِهِ بَلَدِ
رُوحُ الْكِرَامِ تَجَلَّتْ فِي سَمَاحَتِكُمْ
وَفِي صُمُودِ الْجِرَاحِ، الْعِزُّ فِي الْمَدَدِ
أَنْتُمْ إِذَا ضَاقَتِ الدُّنْيَا، مَلَاذُ رُؤَى
وَأَنْتُمُ الْعَدْلُ وَالْإِيمَانُ فِي الْعَدَدِ
مَا شَامُ إِلَّا بَيَانُ السِّحْرِ، مَلْحَمَةٌ
تَرْوِي الْحَكَايَا، وَتُبْقِي الْكَوْنَ فِي وَجْدِ
أَقْسَمْتُ لَا قَصِيدَةٌ قِيلَتْ تُنَافِسُهَا
وَلَا أَتَى الْمَرْءُ مِنْ أَشْعَارِهَا بِمَدِ
تَحَدَّ امْرَأَ الْقَيْسِ فِي بَيْتٍ يُقَارِبُهَا
فَهِيَ الْخُلُودُ، وَمَجْدُ الشِّعْرِ مُبْتَدِئِ
فَيَا شُعَرَاءَ، هَلُمُّوا نَحْوَ قَافِيَتِي
تَخْرُسُ الْحِبْرَ وَالْأَوْرَاقَ فِي الْعَدَدِ
يَا شَامُ، يَا مَلَكَ الْإِبْدَاعِ، مُعْجِزَةً
رَسَتْ عَلَى ضِفَّةِ الْأَشْعَارِ كَالْجُدُدِ
فِي كُلِّ حَرْفٍ سَنَاءٌ يَسْكُنُ الْأَبَدَ
وَفِيكِ لَحْنُ الْخُلُودِ، السِّحْرُ مُتَّقِدِ
فِي كُلِّ رُكْنٍ عَلَى أَرْضِكِ تَجَلَّتْ
آيَاتُ حُسْنٍ تُنَاجِي الشَّمْسَ بِالسُّدُدِ
بَيْرُوتُ يَا قِبْلَةَ الْأَحْرَارِ، زِينَتُهَا
نَبْضُ الْقُلُوبِ، وَصَوْتُ الْحَقِّ فِي الْوَدَدِ
وَفِي الْجَلِيلِ، صَدَى التَّارِيخِ يُعْلِنُهُ
كُلُّ السُّهُولِ الَّتِي صَالَتْ عَلَى الْمَدَدِ
وَفِي السُّوَيْدَاءِ عِزٌّ لَا يُضَاهِيهِ
إِلَّا الْجِبَالُ الَّتِي سَامَتْ عَلَى الْأَبَدِ
وَصَيْدَا يَا مَهْبِطَ الْأَبْطَالِ، قَدْ بَقِيَتْ
فِيكِ الْحَكَايَا تُضِيءُ الدَّرْبَ لِلْغُدُدِ
وَيَا قُدْسُ، يَا زَهْرَةَ الْأَزْمَانِ فِي شَجَنٍ
تَحْيَا بِقَلْبِ الْأَبِيِّ الْحُرِّ فِي كَبِدِ
كُلُّ الْحُرُوفِ إِذَا مَا لَامَسَتْ تُرْبَكِ
تُصْبِحُ كَنْزًا يُضِيءُ الْفِكْرَ كَالْعَقَدِ
يَا شَامُ، أَنْتِ حَكَايَا الْمَجْدِ نَكْتُبُهَا
بِحِبْرِ نُورٍ، وَرُوحِ الْعِزِّ فِي الْخُلُدِ
إِنِّي لَأُقْسِمُ لَوْ تَجْرِي الْقَصَائِدُ فِي
بَحْرِ الْخَيَالِ، لَمَا وَافَتْكِ بِالنَّشَدِ
يَا شَامُ، أَنْتِ الْجَلَالُ الْحَقُّ، أَعْظَمُهُ
تَرْجُو السَّمَاءُ مَنَارَاتٍ عَلَى الْجُدُدِ
وَفِيكِ لِلْحَقِّ أَنْغَامٌ تُسَافِرُ فِي
كُلِّ الْوُجُودِ، تُقِيمُ الْعَدْلَ بِالرَّغَدِ
يَا شَامُ، يَا لُغَةَ الْإِبْدَاعِ حِينَ نَرَى
فِي كُلِّ مَشْهَدِكِ الْإِعْجَازَ فِي الْأَمَدِ
فِيكِ الْقَصَائِدُ أَرْوَاحٌ مُعَلَّقَةٌ
تَسْرِي كَضَوْءٍ يُنَادِي اللَّيْلَ بِالسُّهُدِ
وَفِيكِ تَارِيخُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي سَفَرٍ
كَتَبُوهُ بِالْحِبْرِ، وَالْإِيمَانِ فِي الْجَلَدِ
مَا شَامُ إِلَّا كَيَانُ الْحُبِّ، مَلْحَمَةٌ
تُحَاكِي الْأَرْوَاحَ بِالْإِلْهَامِ فِي رَغَدِ
يَا شَامُ، يَا قِبْلَةَ الْأَزْمَانِ، مُلْهِمَةً
حُسْنَ الْفَصَاحَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَالرُّشْدِ
يَا شَامُ، أَنْتِ شُمُوخُ الْكَوْنِ فِي أَزَلٍ
وَمَجْدُ حَرْفٍ يُعِيدُ الشَّمْسَ لِلْبَلَدِ
إِنْ غَابَ عَنْكِ السَّنَا، عَادَتْ مَآذِنُكِ
كَالسِّرِّ تُحْيِي جَلَالَ النُّورِ فِي الْمَلَدِ
عُذْرًا لِكُلِّ الْقَصَائِدِ الَّتِي زَهَتْ
فَالشَّامُ وَحْدَكِ تَاجُ الْفَخْرِ لِلزُّهَدِ
أَنْتِ الْبِدَايَةُ، أَنْتِ النُّورُ، يَا أَبَدًا
يَا شَامُ، مَا مِثْلُكِ الْمَجْدُ قَدْ وُلِدِ
أَنْتِ الْخُلُودُ، وَعِطْرُ الرُّوحِ، يَا وَطَنًا
يَسْرِي كَأُنْشُودَةِ الْأَطْيَارِ فِي غَدِ
يَا شَامُ، أَنْتِ الْأَمَانُ الْمُرْتَجَى، أَبَدًا
وَأَنْتِ مَجْدُ الْعُلَا يَا شَامُ لِلْأَبَدِ
1053
قصيدة