عدد الابيات : 40
فَبُحْتُ سِرِّي لِدُجًى مُعْتِمٍ
وَنُحْتُ وَالْقَلْبُ بِلَا صَوْبِ
وَسِرْتُ فِي التِّيهِ وَأَنَّى الْمَدَى
يَهْتَزُّ كَالرِّيشِ عَلَى الْعُشْبِ
تَحْجُبُنِي عَنْكِ خُطًى نَازِفَةٌ
تَذْرِي جُرُوحِي عَلَى الدَّرْبِ
فَيَا جَفْوَتِي، هَلْ لَنَا عَوْدَةٌ؟
أَمْ خَابَ ظَنِّي بِذِي الْقُرْبِ؟
وَسَقَتْ فُؤَادِي مِنْ ظِلَالِ اللَّظَى
كَأْسًا تُسَاقِطُ فَوْقَ مَذْهَبِي
وَمَضَتْ تُجَرِّدُنِي مِنَ أَضْلُعِي
وَتُثِيرُ مِنْهُنَّ الْغَرَامَ الصَّبِّي
يَا لَيْتَهَا لَمْ تَكْتُبِ الْعَهْدَ لِي
مَا دَامَ سَيْفُ الْهَجْرِ فِي الْكَتْبِ
أَحْرَقْتُ مِنْهَا الْحُرُوفَ لِكَيْ
لَا يَعْبُرَ الْأَمَلُ الْمُوغِلُ بِاللُّبِّ
فَإِذَا دَعَتْكَ لَهَا الْمَلَامِحُ فِي
عَيْنٍ تُخَبِّئُ وَجْهَ مُرْتَابِ
فَاحْذَرْ جُفُونَ السِّحْرِ إِنْ نَطَقَتْ
مِثْلَ الْخَنَاجِرِ تَغْرِسُ الشَّبَبِ
مَا كُلُّ نَجْمٍ فِي الدُّجَى نَيِّرٌ
بَعْضُ الضِّيَاءِ سَرَابُ مِكْذَابِ
وَالْحُبُّ نَهْرٌ إِنْ تَسَامَى غَدَا
جَمْرًا يُذِيبُ رُبَى الْمُجَذَّبِ
كَمْ مِنْ هَوًى عَذْبٍ تَمَنَّيْنَاهُ
سَارَتْ بِهِ الْأَقْدَارُ لِلسَّغَبِ
مَنْ ذَا يُدَاوِي جُرْحَ عَاشِقِهِ
إِنْ كَانَ سَقْمُ الْقَلْبِ فِي السَّبَبِ؟
مَا عَادَ يُسْعِفُنِي تَجَلُّدُنِي
وَالصَّبْرُ ذَابَ بِلَحْظَةِ الطَّلَبِ
أَمْضِي وَأَرْسُمُ ضَوْءَ ذَاكِرَتِي
فَيَمُوجُ لَيْلُ الصَّمْتِ بِالشُّهُبِ
كُلُّ الْجِرَاحِ لَهَا مَلَامِحُهَا
إِلَّا جُرُوحُ الْعِشْقِ فِي الْحَجَبِ
وَالذِّكْرُ نَارٌ كُلَّمَا انْطَفَأَتْ
عَادَتْ تُشِبُّ صَبَابَتِي، تُشَبِّبِ
تَرَكُوكَ فِي لَيْلِ الْمَلَامِحِ لَا
تَدْرِي بِمَنْ يَشْكُو لَهُ الْكَرْبِ
مَا كُنْتَ إِلَّا فِي مَدَى سَكَرَاتِهِ
تَرْجُو الْخُفُوقَ وَلَيْسَ مِنْ سَحْبِ
هِيَ فِي الْبُعَادِ مَلَاكُ أُمْنِيَةٍ
وَإِذَا دَنَتْ، أَلْقَتْكَ فِي الْعَطَبِ
وَتَمُدُّ فِي كَفِّ الْمُنَى أَمَلًا
لَكِنَّهُ يَغْدُو بِيَّ إِلَى السَّلَبِ
عَبَثًا أُخَبِّئُ شَوْقَ مُغْتَرِبٍ
قَدْ صَاغَنِي فِي الشَّوْقِ كَالْخَضِبِ
وَتَمَزَّقَتْ مِنِّي الْمَعَانِي كَمَا
يَتَهَافَتُ الْعِطْرُ عَلَى الْخَشَبِ
كُلُّ التَّحَايَا غَابَ عِطْرُ صَدَاهَا
مَا بَيْنَنَا إِلَّا صَدَى النَّدَبِ
وَالصَّمْتُ صَارَ لُغَةً ثَقِيلَةً
فَتَنَاثَرَتْ أَنْفَاسِيَ التُّرُبِ
لَمْ يَبْقَ فِي كَفِّي سِوَى أَلَمٍ
يَسْتَصْرِخُ الْأَشْوَاقَ فِي الطَّرَبِ
وَتَهِيمُ رُوحِي فِي ظَلَامِ اللِّقَا
تَحْتَالُ لِلْأَمَلِ الْمُنَى الْكُذُبِ
مَا بَيْنَنَا إِلَّا خُطًى عَرْجَاءُ
تَمْضِي كَأَنَّ الرَّمْلَ لَمْ يُثِبِ
لَا صَوْتَ يَهْدِينِي وَلَا قَمَرٌ
يُصْغِي لِأَنْفَاسِي وَلَا شُهُبِ
قَدْ كُنْتُ أَلْهَثُ فِي مَدَى سَفَرٍ
مَا فِيهِ غَيْرُ السُّهْدِ وَالتَّعَبِ
وَالنَّفْسُ مِنْ وَجْدٍ تُطَارِدُهَا
أَشْبَاحُ لَيْلٍ خَانَهَا الطَّلَبِ
ذَابَتْ خُطَايَ عَلَى رَصِيفِ نَوًى
مَا أَنْصَفَتْهُ الدَّرْبُ فِي الْحَسَبِ
وَسَكَبْتُ دَمْعِي كَيْ أُعَلِّلَهُ
فَأَبَى، وَكَادَ الشَّوْقُ أَنْ يَثُبِ
مَنْ كَانَ يَحْسَبُ أَنَّنِي خِفْتُ الْهَوَى
فَلْيَشْهَدَنَّ الْفَجْرَ فِي الْغَضَبِ
مَا لَانَ جَبْهَتُنَا وَلَا انْحَنَتِ
حَتَّى وَعَاثَ الدَّهْرُ فِي الْكُتُبِ
نُبْقِي الْوِصَالَ لِمَنْ أَجَلَّ دَمًا
وَنُقِيمُ حُبًّا لَا يُذِلُّ نُبُبِ
إِنِّي إِذَا مَسَّ الْأَسَى قَلَمِي
خَرَّ الزَّمَانُ لِعِزَّةِ الْخَطَبِ
وَإِذَا سَمَتْ مِنَّا الْمَعَانِي رَأَتْ
فِي الْعِزِّ أُفْقَ النَّبْضِ وَاللَّهَبِ
نَكْتُبْ جِرَاحَ الْعِزِّ فِي صَفَحَاتِنَا
لِيَعِيشَ فِيهَا الْحُرُّ بِالْعَجَبِ
997
قصيدة