عدد الابيات : 41
عَيْنَاكِ بَحْرَانِ اغْتَرَفْتُ عُبُوقَهُمَا
وَالرُّوحُ فِي جَوْفِهِمَا تَغْتَالُنِي طَرْفَا
لَوْ شِئْتِ أَغْلَقْتِ فِي الدُّنْيَا مَنَافِذَهَا
وَفَتَحْتِ فِي الْأُفُقِ مَا لَا يُوصِفُ الْوَصْفَا
يَسْبِي النُّهَى بَسْمَةٌ تَجْرِي بِأَحْدَاقٍ
كَالسِّحْرِ يَفْتَحُ بَابَ الْغَيْبِ إِذْ عَطَفَا
وَالنُّورُ يَسْرِي عَلَى الْخَدَّيْنِ مُبْتَهِجًا
كَالصُّبْحِ يَجْلُو دُجَىً أَعْيَا وَمَا كَفَّا
وَالْعُمْرُ يُزْهِرُ فِي رُؤْيَاكِ مُبْتَسِمًا
وَالْقَلْبُ يَنْسَى شَجَاهُ حِينَ يَسْتَنْفَا
أَحْبَبْتُ فِي عَيْنِكِ الدُّنْيَا بِرِقَّتِهَا
وَالرُّوحَ فِي عِشْقِهَا تُرْوَى بِمَا اغْتَرَفَا
إِنْ سَاءَلُوا عَنْ هَوَايَ، قُلْتُ مُلْهِمَتِي
مِنْ جَفْنِهَا نَشْأَةُ الْإِبْدَاعِ وَالْكَلَفَا
إِنِّي رَأَيْتُ السَّمَاءَ الزُّرْقَ تَسْكُنُهَا
وَالنَّجْمَ يَخْشَعُ إِنْ أَلْقَتْ لَهُ حَرْفَا
لَوْ أَدْمَنَ النَّظَرُ الْأَعْمَى لِمُلْكِهِمَا
لَرَاحَ يُبْصِرُ فِي الْأَجْفَانِ مَا عُرِفَا
فَاحْكِي لِيَا عَيْنُ عَنْ سِرٍّ تَضُمُّهُمَا
لِيَبْقَ فِي خَلَدِي نُورًا إِذَا اقْتَرَفَا
أَشْرَقْتِ كَالشَّمْسِ فِي دُنْيَايَ مُبْتَهِجَةً
وَصِرْتِ فِي حُلُمِي فَجْرًا إِذَا اقْتَفَى
زَهْرُ الْحَدَائِقِ يَجْثُو حِينَ تَلْمَحُهُ
عَيْنَاكِ يَخْشَى مِنَ الْأَشْوَاقِ إِذْ جَفَّا
كَأَنَّ فِي عَيْنِكِ الْأَمْطَارَ تَسْكُنُهَا
فَتَخْضَرُّ بِالسِّرِّ أَرْضُ الْقَلْبِ إِذْ جَفَّا
يَسْبِي الْفُؤَادَ لَهَا بَسْمٌ بِهِ غَزَلٌ
وَيَرْسُمُ السِّحْرَ أَلْوَانًا بِمَا اخْتَطَفَا
كَمْ نَخْلَةٍ بَاتَتِ الْأَغْصَانُ تَحْسُدُهَا
إِذَا تَثَنَّتْ فَصَارَ الْجَوُّ مُرْتَجَفَا
وَالرُّوحُ تَشْرَبُ مِنْ عَيْنَيْكِ عَذْبَتَهَا
حَتَّى يَصِيرَ نَهَارِي حُلْوَةً وَ وَفَّا
لَوْ شَاءَ حُسْنُكِ مَا أَفْنَى الزَّمَانَ لَنَا
لَكِنْ أَضَاءَ لَنَا حُلْمًا بِمَا اقْتَرَفَا
وَالصَّبْحُ يَسْأَلُ مَاذَا فِي عُبُورِهِمَا
فَتَجْلُبُ الْبَسْمَةَ الدُّنْيَا بِمَا كَفَّا
كَمْ لَيْلَةٍ كُنْتُ فِي ظُلْمَائِهَا وَهَنًا
حَتَّى أَتَى بَصَرٌ مَسْكُونٌ بِمَا طَفَا
فَاقْرَأْ عُيُونَكِ لِي حُرُوفَ مُعْجِزَتِي
فَإِنَّهَا لِرَحِيلِ الْوَهْمِ أَنْصَفَا
أَرْسَلْتِ قَلْبِي كَطَيْرٍ حِينَ لَمْ تَزَلِ
عَيْنَاكِ تُبْحِرُ فِي الْأَحْلَامِ إِذْ صَفَّا
فَاقْبَلْتُ أَسْعَى كَطِفْلٍ فِي جَنَائِنِهِ
يَخْشَى إِذَا نَامَ أَنْ يَصْحُوَ عَلَى جَفَا
لَمَّا نَظَرْتُ إِلَى الْأَجْفَانِ مُفْتَتِنًا
شَعَرْتُ أَنِّي عَبْدُ الْحُبِّ إِذْ أَتَفَا
أَصْبَحْتُ أَحْمِلُ فِي الْأَجْفَانِ عَالَمَهَا
وَصِرْتُ فِي جُنْحِهَا مَنْ أَلْحَظَ الْخَطْفَا
فَارْحَمْنِيَا عَيْنَاكِ إِنِّي صِرْتُ مُنْهَزِمًا
فَكُلُّ نَظْرَةِ حُبٍّ تَرْجُمُ الْكَتْفَا
عَيْنَاكِ أَسْرَارُ دُنْيَايَ الَّتِي خَفِيَتْ
وَكُلُّ مَا فِيهِمَا يُفْضِي لِمَا احْتَجَفَا
تَسْبِي النُّفُوسَ كَمَا النَّايُ يَسْبِي هَوَى
يَجْلُو بِصَوْتِهِ حُزْنًا كَانَ قَدْ أَلْفَا
كَمْ طَائِرٍ فِي سَمَاءِ الْحُبِّ مُغْتَرِبٍ
أَلْقَى بِجَنَاحِهِ عِنْدَ الْهَوَى زَلْفَا
أُغْمِضْتُ عَيْنَيَّ، فَالْإِبْصَارُ تَسْكُنُهَا
وَصَارَ نَفْسِي كَمَنْ قَدْ شَاخَ وَاقْتَرَفَا
فَاقْتَرِبِي يَا سَنَا الرُّوحِ الَّذِي بَهَرَتْ
مَحَافِلَ الْعَاشِقِينَ حِينَ قَدْ هَتَفَا
عَيْنَاكِ لِلْعُمْرِ أَوْتَارٌ تُغَنِّي هَوَى
يَعْزِفْنَ نَغْمَةَ أَحْلَامٍ بِمَا كَتَفَا
كَمْ زَارَ قَلْبِي سَنَا الْأَحْلَامِ يَسْأَلُهُ
عَنْ لَحْظَتَيْنِ إِذَا قَدْ صَارَتَا زُهَفَا
وَلَوْ نَظَرْتِ إِلَى أَوْجَاعِي، مَا بَقِيَتْ
فِي الْقَلْبِ إِلَّا جِرَاحٌ قَدْ أَرَى طَفَا
عَيْنَاكِ لِلرُّوحِ مَأْوًى لَا يُغَادِرُهُ
مَنْ كَانَ مَغْرُورِقَ الْأَحْزَانِ مُنْتَصِفَا
فَكُلُّ مَا فِي جَمَالِ الْحُسْنِ قَدْ جُمِعَتْ
فِي لَحْظَتَيْكِ، وَمَا فَاقَتْهُمَا صُدَفَا
هَذِي حُرُوفِي بَنَتْ صَرْحَ الْهَوَى أَمَلًا
لِيَكُونَ فِي عَيْنِكِ التَّأْرِيخُ وَالْأُلَفَا
فَاقْرَئِي شِعْرِي وَأَحْيِي مَا تَبَقَّى بِهِ
مِنْ عُمْرِ قَلْبِي الَّذِي قَدْ خَانَهُ زَفَّا
وَلْتَشْهَدِ الْأَرْضُ أَنِّي قَدْ تَفَانَيْتُ فِي
حُبٍّ تَجَاوَزَ كُلَّ الْوَصْفِ إِذْ احْتَفَا
عَيْنَاكِ خَاتِمَةُ الدُّنْيَا وَمَبْدَؤُهَا
وَكُلُّ شَيْءٍ سِوَاهُمَا قَدْ صَارَ مُنْصَرَفَا
فَاسْمَعِي دَعْوَةَ قَلْبٍ كَانَ مُنْفَطِرًا
وَصِيرِي مَلَاذًا لِمَنْ قَدْ عَاشَ مُرْتَجَفَا
1280
قصيدة