عدد الابيات : 91
طباعةغَادَةٌ تَسْرِي كَمَا الْوَهْمِ إِذَا
جَادَهَا الْحُسْنُ بِآيَاتِ الظَّفَرْ
مُقْلَةٌ تَسْبِي الْفُؤَادَ، إِنْ نَأَتْ
غَمَزَتْ بِالْعِشْقِ فِي عُمْقِ النَّظَرْ
تَنْسِجُ الْآمَالَ فِي أَنْفَاسِهَا
مِثْلَمَا الْوَعْدُ يَجِيءُ وَيَنْحَسِرْ
شَعْرُهَا لَيْلٌ تَهَادَى فَوْقَهُ
كَوْكَبُ الْأَلْحَاظِ فِي سِرٍّ خَفَرْ
ثَغْرُهَا كَوْثَرُ نَبْعٍ صَادِحٍ حِينَ
يُغْرِي الصُّبْحَ بِالشَّهْدِ الْعَطِرْ
صَوْتُهَا كَالْوَتَرِ إِذْ يَنْسَابُ فِي
عَرْشِ وَجْدِي، رَاقِصًا بَيْنَ الْوَتَرْ
قَسَمَاتٌ صِيغَتِ الْإِبْدَاعَ، إِذْ
أَلْبَسَ الْإِلْهَامُ حُسْنَهَا الزَّهَرْ
بَهْكَةٌ فِي حُسْنِهَا أَعْيَا الْبَصَرْ
بَرْقُهَا يَخْطَفُ مِنْ أُفُقِ الْقَدَرْ
عَرْفُهَا يَسْرِي كَمَا النَّسْمِ إِذَا
لَفَّ أَغْصَانَ الصَّبَا سِرًّا خَفَرْ
نَجْلُ عَيْنٍ حَارَ فِيهَا مُقْلَةٌ
كَسَنَاءِ الشَّمْسِ فِي أَوْجِ الظَّهَرْ
شَعْرُهَا أَثْقَلَ لَيْلًا غَرَّدَتْ
فِيهِ أَطْيَارُ الْمَدَى بَعْدَ السَّمَرْ
وَجْهُهَا نَسْجُ الْقُرُونِ حِينَ مَا
أَفْتَقَ الدَّهْرُ جَلَالًا مِنْ حَجَرْ
ثَغْرُهَا مَزْنٌ إِذَا أَجْهَشَ بِهِ
غَيْثُ وَدْقٍ كُلَّمَا أَزْهَرَ زَهَرْ
صَوْتُهَا نَايُ الرُّوحِ يَشْدُو خَافِقًا
يَغْمِرُ الْأَفْلَاكَ وَالسَّمْعَ انْفَجَرْ
هَامَ فِي أَضْلَاعِ قَلْبِي ذِكْرُهَا
كَالسِّرَاجِ الْوَهْجِ يَسْرِي فِي سَقَرْ
قَدْ شَرِبْتُ الْعِشْقَ حَتَّى مَا بَقِي
فِي فُؤَادِي غَيْرُ آهَاتِ السَّحَرْ
يَا لَهَا نَارًا تُذِيبُ مُهْجَتِي
وَلَهَا أَسْقَامُهَا تَغْدُو وَتَكِرْ
قُلْتُ يَا نَفْسُ ارْفُقِي بِشَجْوِنَا
فَإِذَا بِالْوَجْدِ يَشْتَدُّ كَالْقَدَرْ
أَشْتَكِي لَيْلَ الْهَوَى، فَيُعِيدُنِي
كُلُّ أَنِينٍ لِجُرْحٍ مَا انْتَثَرْ
كَمْ بَكَيْتُ الشَّوْقَ حَتَّى خِلْتُنِي
لَمْ أَزَلْ أُوغِلُ فِي دَمْعٍ نَهَرْ
أَيْنَ أَنْتِ الْآنَ؟ هَلْ تُدْرِي بِيَ؟
أَمْ تُرَاهُ الْغَدْرُ فِي لَحْظِكِ غَفَرْ
كُلَّمَا غَابَتْ ظِلَالُكِ أَضْرَمَتْ
فِي فُؤَادِي وُحْشَةً تَشْقَى وَتَذَرْ
كَمْ دَهَتْنِي فِي هَوَاكِ أَسِرَّةٌ
حَاكَهَا الدَّهْرُ بِأَوْجَاعِ الْكِبَرْ
غُرِّبَتْ نَفْسِي عَلَى جُرْحِ الْمُنَى
وَانْطَوَى الْأَمَلُ فِي صَمْتِ الْحَذَرْ
يَا نَسِيمَ الرُّوحِ هَلْ تُدْنِي لَنَا
مَنْ سَلَتْنَا وَتَرَتْ عَهْدَ الْقَمَرْ؟
أَوْجَعَتْنِي فِتْنَةٌ فِي حُسْنِهَا
كُلَّمَا أَدْنَيْتُهَا زَادَتْ حَذَرْ
غَادَةٌ مِثْلُ الصَّبَا تَسْرِي عَلَى
جَمْرِ أَشْوَاقِي وَتُغْرِي بِالسَّفَرْ
أَضْرَمَتْ نَارًا بِأَقْصَى خَافِقِي
فَتَوَارَى الصَّبْرُ فِي صَمْتِ الْوَتَرْ
كُنْتُ أَحْسَبُنِي مَلِيكًا مُقْتَدِرْ
حَتَّى أَصْبَحْتُ سَجِينًا فِي الْوَتَرْ
قَدْ تَهَاوَى عِزُّ صَبْرِي نَحْوَهَا
كَالسَّحَابِ الْمُنْهَمِرْ دُونَ الْحَصَرْ
يَا حَبِيبًا طَافَ فِي أَوْرَادِنَا
أَيْنَ عَهْدُ الْوَصْلِ؟ أَيْنَ الْمُسْتَقَرْ؟
يَا حَبِيبَةَ الرُّوحِ، هَلْ يُغْنِي الْهَوَى؟
أَمْ يَزِيدُ الْجُرْحَ نَزْفًا مُسْتَتِرْ؟
كُلَّمَا نَاجَيْتُ طَيْفًا مِنْ لِقَاكِ
عَادَ فِي الْقَلْبِ كَسَهْمٍ قَدْ قَطَرْ
أَنْتِ أُغْنِيَتِي الَّتِي لَمْ تُكْتَمَلْ
نَغَمًا تَتْلُوهُ أَوْتَارُ الْقَدَرْ
كَمْ بَنَيْتُ الْوَصْلَ فِي أَحْلَامِنَا
فَأَتَتْ أَيْدِي الْفِرَاقِ تَنْفَطِرْ
أَنْتِ يَا مَنْ حُسْنُهَا أَخْفَى الضُّحَى
وَأَضَاءَ اللَّيْلَ بِالْبَدْرِ الْأَغَرْ
لَا تَظُنِّي أَنَّنِي أَنْسَى الْهَوَى
إِنَّمَا أَحْيَا بِهِ، بَلْ أَحْتَضِرْ
كُلُّ نَفْسٍ مِنْكِ أَوْجَاعٌ أَتَتْ
وَكُلُّ طَيْفٍ مِنْكِ وَعْدٌ مُنْكَسِرْ
يَا جَمِيلَ الْحُسْنِ، أَيْنَ الْمَفَرُّ؟
كُلُّ سُبُلِ الْعَيْشِ أَغْصَانٌ قُصِرْ
قَدْ تَرَكْتِ الدَّهْرَ يَسْقِي مُهْجَتِي
غُصَصًا أَمْضَتْ فُؤَادِي فِي السَّفَرْ
يَا شَذَا الْآمَالِ، يَا نَبْضَ الْمُنَى
أَنْتِ دَرْبُ الْعُمْرِ إِنْ طَالَ السَّفَرْ
قَدْ سَكَبْتِ الْحُزْنَ فِي أَقْدَاحِنَا
فَتَهَاوَى النَّبْضُ فِي صَمْتِ الضَّجَرْ
أَضْرَمَتْ نَارَ الْهَوَى فِي أَضْلُعِي
حَتَّى اسْتَحَالَ الْجَوْفُ كَالنَّارِ الْعَصِرْ
يَا نَسِيمًا زَارَنِي مُسْتَتِرًا
أَيْنَ أَنْتِ الْآنَ؟ قَدْ ضَاقَ النَّظَرْ
أَسْأَلُ اللَّيْلَ الَّذِي يَطْوِي الْمُدَى
هَلْ رَأَى طَيْفًا كَطَيْفِ الْمُنْتَظَرْ؟
قَدْ رَأَيْتُ الْبَدْرَ يَخْتَالُ بِهِ
كُلُّ نُورٍ لَيْسَ إِلَّا مَا اسْتَتَرْ
يَا حَبِيبَةَ الْعُمْرِ، مَا أَقْصَاكِ عَنْ
رُوحِ عَاشِقٍ فِي وَجِيفٍ قَدْ فَتَرْ
قَدْ بَكَتْنِي السُّحْبُ فِي لَيْلِ الْجَوَى
وَأَنَتْ أَرْضِي فَصَارَتْ كَالْحَفَرْ
يَا مَلِيكَةَ الْقَلْبِ، عُودِي لِلِّقَا
قَدْ أَعْيَانِي الشَّوْقُ فِي دَرْبٍ خَطِرْ
كُلُّ دَمْعٍ فِي فُؤَادِي صَرْخَةٌ
تَسْأَلُ الْأَيَّامَ: هَلْ يَأْتِي الْوَطَرْ؟
يَا مَلِيكَةَ الْحُسْنِ، قَدْ أَعْيَتْ خُطَايَ
وَكَأَنَّ الدَّرْبَ فِي صَمْتٍ انْكَسَرْ
كُلَّمَا نَاجَيْتُ شَوْقًا لِمُحَيَّاكِ
أَصْمَتَ الْوَجْدُ قَوَافِيهِ الْوَطَرْ
يَا بَهَاءً أَذْهَلَ الْفَجْرَ سَنَاهُ
حَتَّى غَدَا الْفَجْرُ كَحُلْمٍ قَدْ نَفَرْ
أَنْتِ شِعْرُ الْعُمْرِ، أَنْتِ لَحْنُهُ
كُلُّ بَيْتٍ فِيكِ تَرْجِيحٌ ظَفَرْ
يَا عَرُوسَ الْوَصْلِ، أَيْنَ الْعَهْدُ فِينَا؟
كَيْفَ ضَاعَ الْحُبُّ فِي لَيْلٍ أَغَرْ؟
كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تَكُونِي مَنْجَدِي
فَإِذَا بِالْوَصْلِ سَيْفٌ قَدْ شَطَرْ
يَا لَهِيبَ الشَّوْقِ، قَدْ أَفْلَيْتَنِي
حَتَّى أَصْبَحْتُ رَمَادًا مُسْتَعِرْ
أَشْتَكِي لِلَّيْلِ مِنْ حُزْنِي، فَمَا
زَادَنِي إِلَّا أَنِينًا مُسْتَتِرْ
يَا نَسِيمَ الصُّبْحِ، هَلْ أَنْتَ الَّذِي
يَحْمِلُ الْعُمْرَ لِطَيْفٍ قَدْ عَبَرْ؟
كُلُّ أَطْيَافِ الْمَدَى تَحْكِي لَنَا
أَنَّ فِي الشَّوْقِ بَلَاءً لَا يُغَرْ
يَا رُؤَى الْعَيْنِ الَّتِي أَدْمَتْ فُؤَادِي
أَنْتِ أَصْدَاءُ الْخُلُودِ الْمُسْتَعَرْ
أَنْتِ وَعْدٌ كُلَّمَا أَمْسَكْتُهُ
طَافَ كَالْحُلْمِ بِجُنْحِ الظِّلِّ فَرْ
أَنْتِ نَجْمٌ لَا يُطَالُ مَنَالُهُ
يَغْزِلُ اللَّيْلَ بِضَوْءٍ يَسْتَطِرْ
كَمْ سَقَانِي الْوَصْلُ مِنْ أَفْرَاحِهِ
حَتَّى اسْتَحَالَتْ لِأَشْجَانٍ كَدَرْ
كُنْتِ فِي أُفُقِ الْمُنَى نُورًا بَدَا
ثُمَّ غَابَ الْبَرْقُ فِي لَيْلٍ عَسِرْ
يَا سَنَاءَ الْحُسْنِ، كَيْفَ السَّبِيلُ؟
وَكُلُّ أَبْوَابِ الْهَوَى بَاتَتْ أَسِرْ
قَدْ أَتَيْتُ الدَّهْرَ أَرْجُو قُرْبَكِ
فَإِذَا بِي فِي سُجُونِ الْمُنْتَظَرْ
كُلَّمَا لَاحَتْ ذُرَا عَيْنَيْكِ لِي
سَقَطَ الْقَلْبُ كَطَيْرٍ فِي الشَّرَرْ
أَضْرَمَتْنِي نَارُ شَوْقٍ هَائِلٍ
وَحَصَادُ الْعُمْرِ دَمْعٌ مُسْتَطَرْ
يَا حَبِيبَةَ الرُّوحِ، هَلْ يَهْدَأُ الْفُؤَادُ؟
أَمْ سَيَبْقَى فِي هَوَانٍ يَفْتَقِرْ؟
يَا بَهَاءَ الْعُمْرِ، يَا أَسْمَى الْمُنَى
كَيْفَ أَخْفَيْتِ الْمَدَى عَنَّا وَغَرْ؟
أَنْتِ حُلْمٌ فِي جَلَالٍ غَامِضٍ
يَرْتَدِي الضَّوْءَ وَفِي الظُّلْمَاءِ سَرْ
يَا سُلَافَ الرُّوحِ، يَا سِرَّ الْهَوَى
كُلُّ عَهْدٍ دُونَ عَيْنَيْكِ انْكَسَرْ
قَدْ شَرِبْتُ الْوَصْلَ كَأْسًا مِنْ لَظَى
فَإِذَا الْأَشْوَاقُ سُمٌّ فِي الضَّجَرْ
يَا نَسِيمَ الْفَجْرِ، هَلْ تُخْفِي صَدَاكِ؟
أَمْ تُرَانِي فِي سَرَابٍ مُنْحَسِرْ؟
كَمْ سَأَلْتُ اللَّيْلَ عَنْ سِرِّ النَّوَى
فَأَجَابَ اللَّيْلُ دَمْعًا يَسْتَعِرْ
كُنْتُ أَرْجُو لِلْقُلُوبِ طُمَأْنِينَةً
فَإِذَا الْأَفْرَاحُ أَحْلَامٌ غَبَرْ
يَا نِدَاءَ الرُّوحِ، هَلْ فِي الْبُعْدِ أَمَلٌ؟
أَمْ هَذَا الدَّهْرُ نَارٌ تَفْتَقِرْ؟
كُلُّ نَجْمٍ فِي السَّمَاوَاتِ شَقِي
يَرْتَجِي نُورَكِ فِي لَيْلٍ كَدَرْ
يَا عَرُوسَ الْوَصْلِ، أَيْنَ الْمَوْعِدُ؟
قَدْ تَسَاوَى فِي دَمِي سُكْرٌ وَمَرْ
يَا بَهَاءَ الطُّهْرِ فِي عَيْنَيْكِ، هَلْ
غَابَ عَنْ مِحْرَابِ شَوْقِي مَنْ حَضَرْ؟
يَا جَمَالًا أَوْرَقَ الْأَوْجَاعَ فِي
خَافِقِي، فَاضَتْ بِهِ كَأْسُ الْقَدَرْ
كُنْتِ أُغْنِيَةً عَلَى شَفَةِ السَّمَا
أَنْتِ لَحْنُ النَّجْمِ، أَنْتِ الْمُنْتَظَرْ
يَا نُبُوءَاتِ الْغَرَامِ السَّامِيَاتِ
أَنْتِ فِي حَقْلِ الْمَدَى زَهْرٌ أَغَرْ
كَمْ شَرِبْتُ الْحُزْنَ فِي كَفَّيْكِ، حَتَّى
صَارَ جَوْفُ الْعُمْرِ بُرْكَانًا زَمَرْ
أَضْرَمَتْنِي نَارُ حُبٍّ كَيْفَ أُطْفَاهَا
الْوَرَى؟ قَدْ صَارَ قَلْبِيَ فِي سَقَرْ
كُلَّمَا نَاجَيْتُ طَيْفَكِ، زَارَنِي
صَمْتُ دَهْرٍ فِي أَنِينٍ مُسْتَتِرْ
يَا مَرَايَا الرُّوحِ، هَلْ تُخْفِي عَنَا
لَوْعَةَ الْمَحْبُوبِ فِي لَيْلِ السَّهَرْ؟
كُلُّ مَا فِي الْكَوْنِ يَبْكِي خَلْفَنَا
كُلُّ دَمْعٍ فِي الْمَدَى قَلْبٌ أُسِرْ
يَا حَبِيبَةَ الرُّوحِ، هَلْ يُرْجَى نَجَا؟
أَمْ أَعِيشُ الْعُمْرَ أَطْلَالًا وَحُفَرْ؟
1280
قصيدة