عدد الابيات : 28
جَاءَتْ كَطَيْفٍ سَمَاوِيٍّ عَلَى الْأَلَقِ
تَمْشِي، فَتُسْكِرُ أَنْسَامَ الصَّبَا الْعَبِقِ
فِي كُلِّ خُطْوَةِ سِحْرٍ، مَا لَهُ مَثَلٌ
تُحْيِي الْمَدَى، وَتُنِيرُ الْقَلْبَ بِالْحَدَقِ
كَأَنَّهَا الْبَدْرُ فِي جُنْحِ الدُّجَى خَفَرَتْ
تَسْرِي، وَتُسْكِتُ نَبْضَ اللَّيْلِ بِالرَّشَقِ
يَا مَنْ نَسَجْتِ عَلَى الْأَكْوَانِ أُغْنِيَةً
كَأَنَّهَا الطُّهْرُ مَذْبُوحٌ عَلَى الْوَرَقِ
رُمُوشُهَا سَيْفُ مَجْدٍ قَدْ هَوَيْتُ بِهِ
يَا لِلْعُيُونِ، لَهَا أَمْرٌ عَلَى الْفُلَقِ
خُدُودُهَا رَوْضَةٌ خَمْرِيَّةٌ عَبِقَتْ
وَرْدًا تُعَانِقُهُ أَنْفَاسُ مُعْتَرِقِ
وَشَفَتَاهَا إِذَا مَا قَالَتَا كَلِمًا
شَهْدًا تَصُبُّ، وَتُحْيِي الْمَيِّتَ الْغَرِقِ
جَبِينُهَا قُبْلَةُ الْأَقْمَارِ إِنْ سَطَعَتْ
كَأَنَّهُ الشَّمْسُ تَسْرِي فِي مَدَى الْأُفُقِ
ضَحِكَتْ فَأَوْقَدَتِ الْأَكْوَانَ مِنْ طَرَبٍ
حَتَّى الْخَيَالُ بَكَى شَوْقًا عَلَى الطُّرُقِ
وَعِطْرُهَا نَغَمٌ لِلرُّوحِ مُرْسَلَةٌ
يَمْضِي فَيُحْيِي فُؤَادَ الْمُهْجَةِ الْغَسِقِ
قُلْتُ: افْتَدَيْتُكِ، يَا دُرَّ السَّمَا نَقَصَتْ
مِنْكِ الْكَوَاكِبُ، مَا أَبْقَتْ عَلَى الْبَهَقِ
قَالَتْ: أُحِبُّكَ حُبًّا لَا انْتِهَاءَ لَهُ
مَا دَامَ فِي الْقَلْبِ نَبْضٌ ثَابِتُ الْعَرَقِ
فَقُلْتُ: شَرَّعْتُ لِلدُّنْيَا مَحَبَّتَنَا
أَيَا مَلِيكَةَ قَلْبٍ لَيْسَ بِالْمَشَقِ
قَامَتْ تُعَانِقُنِي وَالْعِطْرُ مُنْدَلِقٌ
فِي حِضْنِهَا عَالَمٌ قَدْ ضَاقَ بِالْأَنِقِ
يَا مَنْ أَتَيْتِ، فَزَادَتْ فِيكِ مَمْلَكَتِي
نُورًا وَأَحْلَامَ وَجْدٍ هَائِمِ النَّسَقِ
وَجْنَتُكِ الْحُمْرُ أَعْلَامٌ مُشَعْشِعَةٌ
فِيهَا الْكُؤُوسُ، وَمَا بِالرَّاحِ مِنْ نَزَقِ
وَالشِّعْرُ كَاللَّيْلِ لَوْ نَادَى عَلَى طَرَبٍ
تَسَاقَطَ النَّجْمُ إِعْجَابًا عَلَى الْأُفُقِ
وَكُلُّ خَصْلَتِهِ مُوشًى تُهِيمُ بِهِ
فَوْقَ الْعِبَادِ، يُمِيتُ الشَّكَّ بِالصِّدْقِ
كَأَنَّهُ الْغَيْمُ يَرْوِي الزَّرْعَ مُنْسَكِبًا
فِي مَمْلَكَةِ السِّحْرِ أَوْ فِي وَاحَةِ الْعِشْقِ
أَنْتِ الْحَيَاةُ إِذَا مَا عَانَقَتْ وَجَعًا
وَأَنْتِ فَرَحِي إِذَا طَابَتْ يَدُ الْأَلَقِ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنِّي فِيكِ مُنْتَصِرٌ
حَتَّى اسْتَقَرَّتْ عُيُونُ الْمَجْدِ فِي عُنُقِي
قَبَّلْتُ وَجْهَكِ، وَالنَّجْمَاتُ شَاهِدَةٌ
مَا أَكْرَمَ اللَّهَ إِذْ أَهْدَاكِ فِي الْعُنُقِ
فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا مُعْجِزَةٌ
خُلِقْتُ لِلشِّعْرِ كَيْ أُحْيِي ذَوِي الْأَرَقِ
يَا كَوْكَبًا فِي دُجَى الْعُشَّاقِ مُرْسَلَةً
تُشْفِي الْقُلُوبَ، وَتَرْقَى فِي مَدَى الْأُفُقِ
لَا تَسْأَلِينِي عَنِ الْأَوْزَانِ يَا مَلَكِي
فَقَدْ كَتَبْتُكِ فَوْقَ الرُّوحِ بِالرَّمْشَقِ
وَإِنْ تَحَدَّانِي دُرَيْدٌ أَوْ أَخٌ جَلَدٌ
فَلْيَكْتُمُوا صَوْتَهُمْ، فَالشِّعْرُ فِي الْخَلَقِ
هَذَا الْخِتَامُ، وَأُهْدِيكِ الْخُلُودَ بِهِ
مُعَلَّقَةً تَتَحَدَّى عَظَمَةَ النُّطُقِ
1280
قصيدة