عدد الابيات : 48
أَذَّنَتْنَا بِنَأْيِهَا الْوَلْهَاءُ
فَاسْتَبَدَّتْ بِقَلْبِنَا الْبَلْوَاءُ
رُبَّ دَارٍ تَزُولُ عَنْهَا اللَّيَالِي
وَالْوُجُودُ الْمُمِيتُ فِيهَا بَقَاءُ
لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَلْتَقِي النَّفْسُ
يَوْمًا؟ بَعْدَ صَرْمٍ كَأَنَّهُ الْوَيْلَاءُ
بَيْنَ بَرْقَةِ الْحُبِّ حَتَّى رُبُوعِي
وَالْهَوَى وَالْغَرَامُ فِيهَا سَمَاءُ
كُلَّمَا جَاءَنِي نَسِيمُ لِقَاءٍ
رَدَّنِي عَنْ رَجَائِهِ الْأَنْوَاءُ
فَبِعَيْنَيَّ أَحْرَقَتْهُمْ سَاْرَةٌ
وَهِيَ نَارٌ، وَلَيْسَ فِيهَا ضِيَاءُ
كُلَّمَا زَارَنِي طَيْفُهَا نَحْوَ لُبِّي
ضَجَّ فِيهِ الْوُجُودُ وَالْبَأْسَاءُ
فَبِقَلْبِي مِنَ الْجَوَى نَارُ وَجْدٍ
مَا أَطَفَّتْهَا الْأَيَّامُ الرِّخَاءُ
حُبُّهَا الْعَذْبُ فِي الْفُؤَادِ أَسِيرٌ
مِثْلَ سَيْفٍ يُدَاوِيهِ الْإِدْمَاءُ
هِيَ بَدْرٌ، وَمَنْ يُسَاوِي بُدُورًا؟
فَالْمَسَاءُ الْحَزِينُ فِيهِ الْمَاءُ
لَوْ تَرَانِي وَالْقَلْبُ يَشْكُو عَذَابًا
أَنْطَقَتْنِي الدُّمُوعُ وَالشَّكْوَاءُ
وَسَقَتْنِي مِنَ الرَّجَاءِ وَعْدًا
ثُمَّ وَلَّتْ، فَأَيُّهُ الْعَهْدَاءُ؟
يَا سُرَارَةُ، أَمَا لِرَحْمَةِ قَلْبٍ
ذَابَ شَوْقًا وَمَا لَهُ إِمْلَاءُ؟
مَا رَأَيْتُ الْوُرُودَ إِلَّا كَأَنِّي
أَلْمَحُ الْحُزْنَ فِيهِ وَالْبُؤَسَاءُ
يَا ابْنَةَ الْعِزِّ، مَنْ يُنَازِعُ حُسْنًا
فِيهِ سِحْرٌ، وَفِيهِ لِي أَدْوَاءُ؟
يَا مُنَى الْقَلْبِ، أَيْنَ وَعُودٍ بَانَتْ
خُلْفُهُ وَاسْتَبَدَّتِ الْوَجْهَاءُ
وَإِذَا الرُّوحُ قَالَ طُوبَى لِوَصْلٍ
فَإِذَا الْبُعْدُ نَابَ، فَالْأَرْزَاءُ
لَوْ تَرَى كَيْفَ عِشْقُهَا نَارُ شَوْقٍ
تَحْتَ رَمَادٍ وَفِيهِمُ الْأَشْلَاءُ
فَإِذَا عَادَ ذِكْرُهَا أَلْهَبَ النَّا
رَ جَسَدِي، وَالْكَمَدُ الْمُضْنَاءُ
وَإِذَا قُلْتُ مَا دَهَانِي؟ فَإِنِّي
مِنْ جَوَى الْحُبِّ صَادِرٌ وَوَرَاءُ
يَا فُؤَادِي، هَلِ انْقِطَاعُكَ دَاءٌ؟
أَمْ تَرَى بِالْوِصَالِ فِيهِ الشِّفَاءُ؟
وَإِذَا قُلْتُ يَا سُرَارَةُ اصْطَبِرْنَا
قَالَ حُبِّي: مَتَى يَكُونُ اللِّقَاءُ؟
فَسَأَلْتُ اللَّيَالِي: هَلْ مِنْ رَجَاءِ؟
فَأَجَابَتْ: وَلَيْسَ فِيهَا رَجَاءُ
فَبَقِينَا وَفِي الْجَوَى نَارُ شَوْقٍ
لَمْ تَزِدْنَا سِوَى اللَّهِيبِ النَّسْمَاءُ
آذَنَتْنِي بِبَيْنِهَا الْعَلْيَاءُ
فَبَكَيْتُ الدُّمُوعَ وَسَالَ الْجَوَاءُ
قَدْ تَوَلَّتْ وَالْقَلْبُ يَخْفِقُ شَوْقًا
وَالْحَشَا فِي لَهِيبِهِ يَتَلَظَّى وَفَاءُ
فَهْيَ بَدْرٌ يُنِيرُ لَيْلَ فُؤَادِي
وَهْيَ شَمْسٌ يَذُوبُ فِيهَا الضِّيَاءُ
كُلَّمَا غَابَ وَجْهُهَا عَنْ عُيُونِي
ضَجَّتِ الرُّوحُ وَاشْتَكَى الْأَحْشَاءُ
يَا رِيَاحَ الصَّبَا سَلِيهَا رُوَيْدًا
هَلْ عَلَى الْعَهْدِ بَعْدَنَا أَسْرَاءُ؟
هَلْ تَذَكَّرْتِنِي إِذَا اللَّيْلُ أَرْخَى
سِتْرَهُ، أَمْ تَجَهَّمَتْ أَنْوَاءُ؟
لَيْتَ شِعْرِي، أَأَنْتِ تَدْرِينَ شَوْقِي؟
أَمْ تَرَيْنِي وَحُرُّ وَجْدِي خَفَاءُ؟
فَالْهَوَى فِي دِمَائِنَا أَمْرُ رُوحٍ
يُنْفَخُ الْحُبُّ فِيهِ وَهُوَ الْفِدَاءُ
حُبُّهَا فِي الْفُؤَادِ طَبْعٌ قَدِيمٌ
ثَابِتٌ كَالنُّجُومِ وَهُوَ السَّنَاءُ
إِنْ بَعُدْنَا تَلَظَّعَ الْقَلْبُ وَجْدًا
وَإِنِ اقْتَرَبْنَا هَامَ مِنَّا الْهَوَاءُ
لَيْسَ إِلَّا الْحُبُّ فِي الْكَوْنِ يَحْيَا
وَبِهِ يَسْتَقِيمُ فِينَا الدُّهَاءُ
يَا رَبِيعَ الْوُجُودِ، يَا زَهْرَ رُوحِي
يَا سَنًا فِي دُجَايَ، يَا بَدْرَ هَاءُ
إِنَّ حُبِّي لَكِ الْجَلَالُ الْمُفَدَّى
فَهْوَ دِينِي وَهُوَ فِي الْعُمْرِ مَاءُ
مَا بَدَتْ نَظْرَةٌ مِنَ الْعَيْنِ إِلَّا زُلْزِلَ
الْقَلْبُ وَانْتَحَى الْوَجْدُ دَاءُ
يَا سُلَافَ الْجِنَانِ، يَا نَبْعَ نُورٍ
فِيهِ عِطْرِي وَفِيهِ بَرْدِي وَضَاءُ
إِنَّ عَيْنَيْكِ دُرَّتَانِ غَوَّاصَتَا
فِي بِحَارٍ مِنَ السَّنَاءِ إِضَاءُ
لَا تُكَابِرْ، فَالْعِشْقُ صَوْتُ الْحَيَاةِ
وَبِهِ فِي الزَّمَانِ يَحْلُو النِّدَاءُ
وَبِهِ لَيْلَةُ الْمُحِبِّ تُضِيءُ
وَبِهِ كُلُّ وِصْلَةٍ الْوَحْنَاءُ
هَلْ أَتَانَا أَحَدٌ بِشِعْرٍ كَهَذَا؟
يُفْتِنُ الْقَلْبَ فِيهِ صُبْحٌ وَضَاءُ؟
قَدْ تَحَدَّيْتُ فِي الْفَصَاحَةِ قَوْمًا
فَهْيَ أَنْفَاسِي، وَالْعُلَى وَالْعَلَاءُ
يَا رِيَاضَ الْمَدِيحِ صُوغِي كَلَامِي
إِنَّ هَذَا النَّظْمَ الْمَلِيحَ جَوَاءُ
لَا تُجَادِلْ بِلَاغَتِي وَكَلَامِي
إِنَّنِي لِلْبَيَانِ الدُّرُّ الْوَبَاءُ
هَكَذَا كَانَ أُسْلُوبُ أَهْلِ الْمَعَالِي
يَرْتَقُونَ الْعُلَا وَفِيهِ الْإِبَاءُ
قَدْ أَسَّسْتُ الشِّعْرَ الَّذِي يَتَحَدَّى
وَجَمَعْتُ الْمَعَانِي فِيهَا السَّخَاءُ
1280
قصيدة