عدد الابيات : 38
هَذِي الْحُرُوفُ، وَعُلَاهَا سِرُّ مُنْتَطِقٍ
يَحْكِي الْخُلُودَ، تُحْيِي الْكَوْنَ عَبَقَا
قَدْ جَاءَنِي الشِّعْرُ فِي بُوحٍ مُقَدَّسِهِ
فَكَانَ لِلنُّورِ فِي مِحْرَابِهِ شَفَقَا
أَتَاكَ الشِّعْرُ مِنْ عَيْنِ السَّمَا عِطْرًا
يُغَازِلُ الْحُسْنَ فِي أُفُقِ الْهَوَى رِفْقَا
أَنَا الَّذِي حِينَ نَاجَتْنِي قَافِيَتِي
أَبْنِي بِهَا الْمَجْدَ، حَتَّى صَارَ مُلْتَحِقَا
أَغْزِلُ النُّورَ مِنْ أَشْوَاقِهِ مُسْتَبِدًّا
وَفِي رِدَاءِ الْخُلُودِ أَرْتَقِي أَلَقَا
يَا سِحْرَ شِعْرِي، بَدَتْ قُدْسِيَّةً وَهَجًا
فَصَارَتِ الْأَرْضُ لِلْأَشْعَارِ مُعَنَّقَا
أَتَاكَ الْحَرْفُ مِنْ عَيْنِ السَّمَا شَرَقًا
وَخَطَّ فِي أُفُقِ الْإِبْدَاعِ مُصْدِقَا
أُعَانِقُ الْكَوْنَ إِنْ نَاجَتْنِي حُرُوفُهُ
وَأَغْزِلُ النُّورَ فِي دَرْبِ الْهَوَى عُشُقَا
يَا شَمْسَ حَرْفِي، عَلَى مِحْرَابِكِ انْكَبَّتْ
قَوَافِي السَّمَا وَصَارَ النُّورُ مُتَدَفِّقَا
كَأَنَّنِي نَجْمُ لَيْلٍ صَاغَ مُعْجِزَتِي
وَالدَّهْرُ يُسْقِي رَبِيعَ الْوَصْلِ مُتَّسِقَا
أُرْسِلُ الْبَحْرَ فِي أَحْشَاءِ كَوْكَبِنَا
فَيُثْمِرُ الْحُبُّ وَالْأَشْوَاقُ مُرْتَبِقَا
هَذَا كِتَابِي، وَفِي كَفِّي قَوَافِلُهُ
كَالنَّهْرِ يَجْرِي، وَصِدْقُ الْعَهْدِ قَدْ سَبَقَا
هَذِي قَوَافِيَّ، صَرْحٌ لَا يُزَاحِمُهُ
مَنْ رَامَ مِثْلَ عُلَاهُ، فَهُوَ قَدْ أُرْهِقَا
أَنَا الَّذِي إِذَا نَادَتْنِي الْقَوَافِي، أَتَتْ
كَأَنَّهَا النَّجْمُ فِي أَفْلَاكِهِ احْتَدَقَا
إِنْ أَرَدْتَ سَمَاءَ الشِّعْرِ رَافِعَةً
فَحَرْفِي بِنَاءٌ لَهَا، بَاقٍ وَمُنْبَثِقَا
إِنِّي غَزَلْتُ قَصِيدِي مِنْ تَأَمُّلِهِ
فَصَارَ فِي الْكَوْنِ رُوحًا تُرْتَجَى وَثِقَا
تَأَمَّلِ النُّورَ فِي أَحْرُوفِي، وَاقْرَأْ
بِعَيْنِ قَلْبِكَ، تَجِدْ أَسْرَارَهَا غَلَقَا
فِلَسْطِينُ أَنْتِ الْهَوَى، الرُّوحُ، وَالْغَدُ
أَرْضَ الْكَرَامَةِ، قُدْسِيَّ الْهَوَى رَمَقَا
أَبْنَاؤُكِ الْغُرُّ فِي السَّاحَاتِ مَوْكِبُهُمْ
أُسُودُ مَجْدٍ، تَرَى التَّارِيخَ مُنْطَلَقَا
مِنْ أَجْلِ عَيْنَيْكِ يَا قُدْسُ، انْبَرَى بَطَلٌ
كَأَنَّهُ الصَّخْرُ فَوْقَ الطُّغْيَانِ قَدْ طَرَقَا
يَا زَهْرَةَ الْقُدْسِ، نَبْضُ الْقَلْبِ يَسْكُنُهَا
وَفِيكِ سِرُّ الْخُلُودِ الطَّاهِرِ اعْتَنَقَا
مِنْ أَجْلِ عَيْنِكِ، نُفْنِي كُلَّ مَا وُهِبَتْ
أَيَّامُنَا، وَنَزِيدُ الْمَجْدَ مُسْبَقَا
أَبْنَاؤُكِ الْغُرُّ فِي سَاحَاتِ مَعْرَكَةٍ
كَأَنَّهُمْ أُسُودُ الْعِزِّ، قَدْ صَدَقَا
فِلَسْطِينُ أَنْتِ دَفْقُ الْحُبِّ فِي أَدَبِي
وَأَنْتِ نَبْضُ قَصِيدٍ فِي الْوَرَى عِشْقَا
نُحْيِي الْكَوَاكِبَ إِنْ خَفَّتْ ضِيَاؤُهَا
وَنَمْنَحُ الشَّمْسَ شَوْقًا عَاشَ مُرْتَفِقَا
نُوقِظُ النُّورَ فِي عَيْنِ الْكَوَاكِبِ إِنْ
خَفَتَتْ، وَنَصْرِفُ عَنْ سُوحِ الْهَوَى غَبَقَا
رَسَمْتُ فِي الْبَحْرِ أَحْلَامِي مُحَلِّقَةً
حَتَّى اسْتَوَى الْحُبُّ فِي أَجْوَائِهِ شَوْقَا
يَا صَاحِبَ الْحَرْفِ، إِنَّ الشِّعْرَ مَدْرَسَةٌ
تُحْيِي النُّفُوسَ، وَتُبْقِي الْمَجْدَ مِثْقَا
يَا أُمَّةَ الشِّعْرِ، هَذَا مَا اجْتَرَحْتُ، فَمَنْ
يُجَارِي السَّمَاءَ؟ إِنَّ الشِّعْرَ قَدْ حُرِقَا
هَذَا كِتَابِي، فَإِنْ كَانُوا يُجَارُونِي
فَلْيُبْدِعُوا مِثْلَ حَرْفِي، إِنْ كَفَى شَرَقَا
أَنَا ابْنُ شِعْرٍ إِذَا مَا رُمْتَ قَافِيَتِي
وَقَفْتَ مَذْهُولًا كَمَنْ أَدْرَكَ الْحُقُقَا
وَأَبْنِي مَعَاجِزَ الْحْرُوفِ مُلْتَحِفًا
رِدَاءَ مَنْ سَكَنُوا الْأَحْلَامَ وَاتَّفَقَا
إِنْ تَسْأَلُوا عَنْ مَدَاي، الْحَرْفُ يَعْرِفُنِي
كَالنُّورِ يَجْرِي، وَكَالْبَدْرِ الَّذِي حَدَقَا
وَإِنْ أَرَدْتَ سَمَاءَ الشِّعْرِ رَافِعَةً
فَحَرْفِي بِنَاءٌ لَهَا، بَاقٍ وَمُنْدَفِقَا
يَا مَنْ تُحَلِّقُ فِي آثَارِ بَاحِثِنَا
هَذَا الْمَقَامُ، فَقُلْ مَنْ ذَا الَّذِي سَبَقَا؟
كَالنَّهْرِ يَجْرِي، وَصِدْقُ عَهْدٍ قَدْ سَبَقَا
يُجَارِي السَّمَاءَ؟ إِنَّ الشِّعْرَ قَدْ خُلِقَا
1280
قصيدة