عدد الابيات : 71
طباعةأَيَا قَلْبُ، لَا تَجْزَعْ وَلَا تَكُ صَادِحًا
بِأَنِينِ شَوْقٍ مِثْلِ نَايٍ وَنُوَّاحِ
أَمَا كُنْتَ فِي دَرْبِ الْحَيَاةِ مُكَابِرًا
فَمَا بَالُ حُبٍّ قَدْ أَذَابَك بِالْجِرَاحِ؟
رَأَيْتُ السَّنَا فِي مُقْلَتَيْهَا بَدِيعَةً
كَأَنَّ شُعَاعَ الْفَجْرِ فِي طَرْفِ رُمَّاحِ
تَفِيضُ بِعِطْرِ الْمِسْكِ إِنْ مَرَّتْ بِنَا
وَإِنْ غَابَتِ الْأَغْصَانُ تَغْدُو بِلَا قَاحِ
إِذَا مَا دَنَتْ، فَالصَّمْتُ يَغْدُو هَيْبَةً
كَأَنَّ كَلَامَ الْكَوْنِ يَذْوِي بِالْأَفْرَاحِ
وَإِنْ غَابَتِ الدُّنْيَا، تُعِيدُ لَهَا السَّنَا
بِلَمْحَةِ طَرْفٍ مِثْلِ بَرْقٍ لَمَّاحِ
فَيَا نُورَ دَرْبٍ بَيْنَ أَضْلُعِ عَاشِقٍ
يُصَارِعُ لَيْلَ الشَّوْقِ بِالنَّارِ وَالْآحِ
مَلَكْتِ فُؤَادِي، يَا رَقِيقَةَ مَنْطِقِي
وَفِي صَوْتِكِ الْعَذْبِ انْسِكَابُ الْأَقْدَاحِ
أَيَا زَهْرَةً فِي الْقَلْبِ بَاتَتْ مُورِقًا
وَرَغْمَ الْجَفَافِ الطُّولِ تَزْهُو بِالْأَرْوَاحِ
رَأَيْتُكِ حُلْمًا بَاتَ حَيًّا بِنَاظِرِي
وَهَا أَنْتِ فِي دُنْيَايَ مِثْلُ ضِيَاءِ صَبَّاحِ
فَمَهْلًا، أَيَا قَلْبٌ، تَعَلَّمْ صَبْرَكَ
فَإِنَّ الْهَوَى لِلْمُخْلِصِينَ بِلَا جَنَاحِ
كَأَنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ خَطَّ عَلَى الثَّرَى
قَوَامًا بِهِ الْأَلْوَاحُ تَعْنُو لِأَلْوَاحِ
إِذَا ابْتَسَمَتْ فَاللَّيْلُ يَغْدُو مُشْرِقًا
كَأَنَّ ضِيَاءَ الصُّبْحِ يَسْطَعُ مِنْ تُفَّاحِ
لَهَا فِي هُدُوءِ الْعَيْنِ سِرٌّ مُهَيْمِنٌ
كَأَنَّ نُجُومَ اللَّيْلِ أُودِعَتِ الْأَصْدَّاحِ
إِذَا مَا مَشَتْ، فَالرِّيحُ تَغْدُو حَالِمًا
كَأَنَّ رَبِيعَ الْأَرْضِ فِي خُطَاهَا لَاحِ
تُحَاكِي كَمَالَ الْبَدْرِ فِي أَوْجِ ضَوْئِهِ
وَفِي وَجْهِهَا بُشْرَى الْقُلُوبِ لِمُرْتَاحِ
أَرَى فِي ثَنَايَاهَا الْحَيَاةَ مُتْرَفَةً
كَأَنَّ النَّدَى فِي الزَّهْرِ يُغْدِقُ بِالْأَمْلَاحِ
تُضِيءُ إِذَا جَنَّ الظَّلَامُ بِوَجْهِهَا
كَضَوْءِ مَنَارَاتٍ تُرْشِدُ الْأَرْوَاحِ
تَخَالُ حَدِيثَ الثَّغْرِ نَبْعَ جَدَاوِلٍ
تَفِيضُ لَنَا شَهْدًا بِأَلْفَاظٍ مِلَاحِ
وَإِنْ ضَحِكَتْ، أَشْرَقَتْ سَمَاوَاتُ قَلْبِنَا
كَأَنَّ رُعُودَ الْحُبِّ تُمْطِرُ بِالْأَفْرَاحِ
أَيَا زَهْرَةً لَمْ يَعْرِفِ الْوَرْدُ سِرَّهَا
وَلَا غَيْمَةٌ هَطَّالَةٌ عِطْرًا بِسَمَاحِ
أَرَانِي عَلَى أَعْتَابِ حُسْنِكِ شَاعِرًا
تُفِيضُ حُرُوفِي كَاللَّآلِئِ فِي الْفِصَاحِ
وَفِي كُلِّ بَيْتٍ عَنْ جَمَالِكِ حِكْمَةٌ
كَأَنَّكِ كَوْنٌ يَحْتَوِي كُلَّ الْأَمْدَاحِ
أَيَا لَيْلُ، هَلْ تُخْفِي شُجُونِي فِي الدُّجَى؟
وَهَلْ تَسْتُرُ الْأَشْوَاقَ عَنْ وَجْدِي الْمُبَاحِ؟
تُصَارِعُنِي الذِّكْرَى، فَيَغْدُو ظَلَامُهَا
كَطَيْفٍ يُعِيدُ الْبَوْحَ مِنْ قَلْبٍ جِرَاحِ
فَمَا بَالُ حُلْمِي لَا يُشَارِكُنِي الْهَوَى؟
وَمَا بَالُ صَبْرِي صَارَ وَهْمًا وَأَشْبَاحِ؟
إِذَا مَرَّ طَيْفُهَا فِي خَيَالِ مَلَامِحِي
رَأَيْتُ خُيُوطَ الشَّمْسِ تَهْرُبُ مِنْ رَاحِي
وَإِنْ لَامَنِي قَوْلِي عَنِ الْحُبِّ حَاسِدٌ
قُلْتُ الْهَوَى سِرُّ الْجَمَالِ بِلَا كِفَاحِ
فَيَا مُهْجَتِي، صَبْرِي دَلِيلُ كَرَامَتِي
وَفِي حُبِّهَا أَسْمُو بِأَخْلَاقِي الْوَضَّاحِ
أَذُوبُ عَلَى صَوْتِ النَّدَى حِينَ تَهْمِسُ
كَأَنَّ أَغَانِي الْكَوْنِ سُكِبَتْ فِي الْمَرَاحِ
أَرَى لَيْلَ شَوْقِي لَا يُجَافِيهِ فَجْرُهُ
وَكَيْفَ يُغَادِرُ دُونَ عِطْرِهَا الْفَوَّاحِ؟
إِذَا كَانَ حُبِّيَ ذَنْبَ رُوحِي، فَإِنَّنِي
أُعَانِقُ ذَنْبِي دُونَ خَوْفٍ أَوْ جِمَاحِ
فَلَيْسَ الْهَوَى إِلَّا فَضِيلَةَ عَاشِقٍ
يُصَارِعُ أَشْوَاكَ الْحَيَاةِ بِلَا جَنَاحِ
وَفِي كُلِّ جُرْحٍ نَالَ قَلْبِي حِكْمَةٌ
تُعِيدُ لَنَا مَعْنَى الْهَوَى فِي أَوْجِ نَجَاحِ
رَأَيْتُكِ فَجْرًا حِينَ جَاءَ مُسَافِرًا
كَأَنَّكِ نُورٌ حَلَّ فِي ظُلْمِ الْأَتْرَّاحِ
فَمَدَدْتُ كَفِّي كَيْ أُصَافِحَ نَجْمَةً
وَأَوْدَعْتُهَا فِي الْقَلْبِ تَسْكُنُ كَالْوِشَاحِ
وَكَانَتْ مَلَامِحُكِ الْحِسَانُ قَصِيدَةً
تُرَتَّلُ فِي الْأَعْمَاقِ دُونَ افْتِضَاحِ
إِذَا مَرَّ عِطْرُكِ فِي الْأَنَامِلِ عَابِثًا
رَأَيْتُ الْوُجُودَ يُنِيرُ فِي ظِلِّ الْأَرْيَاحِ
وَإِنْ قُلْتِ لِي: مَهْلًا، تَأَخَّرْ حُلْمُنَا
أَجَبْتُ: الْهَوَى يُرْجَى بِلَا طُولِ إِلْحَاحِ
فَيَا زَهْرَةَ الْأَيَّامِ، مَهْلًا، أَفِيضِي
عَلَى مُهْجَتِي، فَمَا عَرَفْتُ سِوَى الْكِفَاحِ
أَتَيْتِ وَفِي كَفَّيْكِ أَسْرَارُ فَرْحَتِي
وَفِي مُقْلَتَيْكِ السِّحْرُ مَكْنُونُ ارْتِيَاحِ
أَيَا أَجْمَلَ اللَّحَظَاتِ حِينَ تَلَاقَيَا
زَمَانُ الْهَوَى صَارَ أَبَدِيًّا بِالْمَدَى الْبَاحِي
وَفِي طَرْفِكِ الْمَسْلُولِ سَيْفٌ لِقَاتِلِي
إِذَا مَا لَمَحْتِ الْقَلْبَ بِلَحْظَةِ السَّاحِ
أَحِسُّ بِأَنَّ الْكَوْنَ يَرْقُصُ حَوْلَنَا
كَأَنَّ النُّجُومَ بَسَطَتْ كَفَّ الْأَمْرَاحِ
تَكَلَّمْتِ، فَانْسَابَتْ حُرُوفُكِ سِحْرًا
أَعَادَ لَنَا شَوْقًا بِلَيْلٍ مِنَ الصَّبَاحِ
إِذَا قُلْتُ: أَهْلًا، كُنْتِ وَرْدَ تَحِيَّتِي
وَكُنْتِ الْقَصِيدَ الطَّيِّبَ لِحُسْنِ إِيضَاحِي
وَفِي لَحْظَةِ اللِّقَاءِ خُطَّتْ حِكَايَةٌ
سَتُرْوَى لَنَا فِي الْعُمْرِ مِنْ دُونِ إِزَاحِ
بَكَيْتُ، وَلَكِنْ لَمْ أَزَلْ فِي صَلَابَتِي
كَأَنِّي صُخُورُ الْبَحْرِ تَقْسُو فِي الرِّيَاحِ
فَيَا قَلْبُ، صَبْرًا إِنْ تَبَاعَدَ حُلْمُنَا
فَمَا كُلُّ دَرْبٍ صَافِيًا دُونَ أَتْرَاحِ
إِذَا حَالَ بَيْنِي وَاللِّقَاءِ أَوَاصِرٌ
فَإِنَّ الْجِبَالَ لَا تُزَحْزَحُ فِي النَّوَاحِي
وَإِنْ غَابَ صَوْتُهَا عَنِّي بُرْهَةً
سَمِعْتُ صَدَاهَا فِي الْحَنَايَا وَفِي الْبَوَاحِ
تَمَنَّيْتُ أَنْ أَنْجُوَ بِهَا مِنْ قُيُودِنَا
وَأَهْرُبَ مِنْ عَيْنَيَّ نَحْوَ رِضَا الْمَلَاحِ
وَلَكِنْ أَيَا لَيْتَ الْحَيَاةَ عَانَدَتْ
مَعَ الْعُرْفِ وَالْقَيْدِ الثَّقِيلِ عَلَى الْأَرْوَاحِ
فَمَا الْحُبُّ إِلَّا نَارُ حُلْمٍ مُهَيْمِنٍ
تُضِيءُ إِذَا جَفَّتْ سِنِينَ بِلَا مُزَاحِ
فَكَمْ قُلْتُ: يَا لَيْلُ اجْمَعْنِي بِحُبِّهَا
وَكَمْ قُلْتُ: يَا صُبْحُ أَبْعِدْ عَنِّي الْجِرَاحِ
وَلَكِنْ إِذَا مَا فَرَّقَتْنَا يَدُ الْعِدَى
فَحَسْبِي خَيَالٌ مِنْ لِقَاهَا بِالرَاحِ
إِذَا كُنْتُ أَهْوَاهَا، فَإِنَّ رَوَائِعِي
سَتُنْسَجُ فِي شِعْرِي لَهَا دُونَ ارْتِيَاحِ
فَهَلْ تَعْرِفُ الْأَيَّامُ أَنَّا عُشَّاقٌ
وَأَنَّ الْهَوَى لَا يُطْفَأُ بِالنَّأْيِ وَالْجِرَاحِ؟
فَيَا لَيْتَ قَلْبًا فِي سَمَاءِ حُبِّنَا
يَرْنُو كَطَيْرٍ فِي فَضَاءٍ بِلَا جَنَاحِ
أَيَا زَهْرَةَ الْعُمْرِ الَّتِي لَنْ تَذْبُلَ
وَلَوْ جَفَّتِ الْأَيَّامُ فِي سَيْرِ الْأَرْوَاحِ
رَأَيْتُكِ فَوْقَ الْحُلْمِ أَجْمَلَ مَلْحَمَةٍ
كَأَنَّكِ نُورُ الْكَوْنِ فِي عِزِّ الْأَتْرَاحِ
إِذَا قُلْتُ: حُبِّي خَالِدٌ فِي مَسِيرَتِي
فَإِنَّ شِعَارِي لَا يُبَاعُ وَلَا يُبَاحِ
لَقَدْ صِرْتِ فِي عُمْقِ الْفُؤَادِ عَشِيقَةً
تُضِيءُ كَصَدْرِ الْبَدْرِ فِي عُرْسِ السَّمَاحِ
رَأَيْتُ الدُّجَى يَخْشَى مَلَامِحَ حُسْنِهَا
وَيَهْرُبُ مِنْ صُبْحٍ أَطَلَّ بِلَا فُصَاحِ
وَإِنْ قُلْتُ: آهَاتِي شُهُودُ مَحَبَّتِي
فَمَا كُنْتُ يَوْمًا فِي الْهَوَى غَيْرَ جَمَاحِ
فَيَا قُبْلَةً حَطَّتْ عَلَى لَحْنِ أَضْلُعِي
وَأَزْهَرَتِ الصَّحْرَاءُ مِنْ دُونِ أَقْدَاحِ
لَكِ الْوَعْدُ أَنِّي لَوْ غَدَوْتُ مُيَتَّمًا
فَحُبُّكِ يَبْقَى فِي الْفُؤَادِ بِلَا افْتِضَاحِ
فَإِنِّي وَأَنْتِ الْآنَ كَنَجْمَيْنِ الْتَقَيَا
فِي لَيْلِ السَّمَاءِ عَلَى عَهْدٍ وَانْشِرَاحِ
وَفِي آخِرِ الْأَيَّامِ، يَبْقَى قَصِيدُنَا
نُقُوشًا عَلَى صَخْرِ الْحَيَاةِ بِلَا زِحَاحِ
أَيَا فِتْنَةً قَدْ كُنْتِ سِرَّ قَصِيدَتِي
وَهَا قَدْ مَلَكْتِ الْقَلْبَ فِي أَوْجِ الِانْشِرَاحِ
فَإِنِّي أَرَاكِي فِي خِتَامِ حِكَايَتِي
حُرُوفًا تُضِيءُ الْعُمْرَ كَالصُّبْحِ الْمِلَاحِ
1280
قصيدة