عدد الابيات : 79
طباعةأَمِنْ تَأَوُّلِ أَسْرَارِ الْوُجُودِ ارْتَوَى
قَلْبِي بِمِحْنَتِهِ أَمْ زَادَ فِي الْأَلَمِ؟
وَمَنْ سَقَى طَيْنَ هَذَا الْكَوْنِ بِالْحِكَمِ
إِلَّا النَّبِيُّ سَقَى الْأَنْوَارَ مِنْ فَمِ
سِرُّ الْبَدِيعِ تَجَلَّى فِي جَبِينِكَ يَا
مَنْ حَطَّمَ الْكُفْرَ فِي أَعْلَاكَ بِالْقِيَمِ
خَطَّتْ يَدُ اللَّهِ فِي خَدَّيْكَ آيَةً
تَعْشَى عُيُونُ الْحِجَى عَنْ نَظْرَةِ الْفَهَمِ
أَأَنْتَ فِي الْأَرْضِ مِلْءُ السَّمْوِ أَمْ سَنَأٌ
جَازَ السَّمَاءَ بِلَا دَرَجٍ وَلَا سُلَّمِ
أَمْ أَنْتَ كَلِمَةُ رُوحِ الْقُدْسِ مَنْطَقَةً
تَعْيَا الْبَرَايَا بِفَهْمِ السِّرِّ وَالرَّمَمِ
مَزَجَ الْحَدِيثُ بِقُرْآنٍ فَأَصْبَحَتْ
أَحْكَامُهُ مِزَاجَ النُّورِ وَالْعَلَمِ
يَا مَنْ حَوَى مَلَكُوتَ الْأَرْضِ طِفْلَةً
وَرَعَى النُّبُوَّةَ فِي أُمِّيِّهِ الْأُمِّ
لَوْلَاكَ لَمْ تَبْرَحِ الْأَجْسَادُ سُجَّدَةً
لِلْحَجَرِ الْمَسْحُورِ فِي قَفْرٍ مِنَ الرَّغَمِ
أَنْتَ الَّذِي فَلَقَ الْأَغْلَاقَ وَانْفَتَحَتْ
بِالرَّحْمَةِ الْعُظْمَى سَدَائِرُ كُلِّ أُمَمِ
أَتَتْكَ أُمُّكَ آيَاتُ النُّبُوَّةِ فِي
حُلْمٍ يُعَاتِبُ تَأْوِيلًا بِلَا حُلُمِ
قَالَتْ: رَأَيْتُ انْفِجَارَ النُّورِ مُنْسَكِبًا
مِنْ فَوْقِ أُفُقِكَ حَتَّى احْتَازَ كُلَّ فَمِ
يَا شَاهِدَ السَّبْعِ الطِّبَاقِ أَلَمْ تَرَ مَا
أَخْفَى الْبَصَائِرَ مِنْ خَفْيٍ وَمِنْ عَصَمِ
أَنْتَ الَّذِي جَاوَزَتْ آثَارُ قَدَمِكَ فِي
الْمِعْرَاجِ أَخْفَى مَسَارٍ غَيْرِ مُلْتَزَمِ
حَارَتْ عُقُولُ بَنِي الْآدَمِ فِي شَأْوٍ
تَسْبِيقُهُ لِجَمِيعِ الرُّسْلِ كَالْحَرَمِ
مَا زِلْتَ تَرْفَعُ أَسْبَابًا مِنَ الْعُلَى
حَتَّى مَلَأْتَ فَضَاءَ الْكَوْنِ بِالْكَرَمِ
أَتَعْجَزُ الْبُرْدَتَانِ أَنْ تَسْجَعَا فِي
مَدْحِ الَّذِي سَجَعَ الْقُرْآنُ فِي الْفَمِ
هَذَا النُّورُ فِي الْآفَاقِ قَدْ تَرَنَّمَا
وَالْعَرْشُ يَحْكِي لِوَاءَ الْحُبِّ وَالْكَرَمِ
فَاقْرَؤُوهَا بِعُيُونِ التَّقْوَى وَالْإِيمَانِ
وَدَعُوا الدُّنُونِ كَمَا يَذْرُو هَبَابُ الظُّلَمِ
أَمِنْ نُورِكَ الْوَهَّاجِ انْشَقَّتْ ظُلَمِ
وَفِي قَلْبِ كُلِّ الْأَكْوَانِ نَارُ الْكَرَمِ
أَنْتَ الَّذِي سَجَدَتْ أَقْدَامُهُ شَرَفًا
فَمَا لِثَنَايَا الزَّمَانِ إِلَّا لَهُ صِدْقُ فَمِ
سَرَى الْهُدَى لِدُجَى الْأَحْقَابِ مُنْبَعِثًا
كَمَوْجِ بَحْرٍ يُرَصِّعُ بِالْمَاءِ دُرَّهُ الْعَدَمِ
وَأَلْقَمَ الْكُفْرَ أَفْوَاهًا تَهُزُّ بِهَا جَدَفًا
رُبَى الْعُلَا سَيْفَهُ الْمَاسِيَّ وَالْقِيَمِ
يَا مَنْ بِهِ اسْتَقَلَّتْ أُمُّهُ قَمَرًا
وَحَمْلُهَا نُورُ رَبٍّ لَيْسَ يَنْفَصِمِ
وَوَلَدَتْهُ بِلَا أَسْقَاطِ أُمَّتِهَا فَهْوَ
الْفَتَى الْكَمَلُ الْمَحْفُوظُ لَمْ يُرَمِ
أَتَانَا يَهْدِمُ أَصْنَامَ الضَّلَالِ كَمَا
تَهْدِمُ رِيحُ الصَّبَا أَحْلَامَ كُلِّ وَهَمِ
مُحَمَّدٌ شَمْسُ دِينٍ لَا يُغَيِّبُهَا
سَحَابُ كُفْرٍ وَلَا يُخْفِي ضِيَاءَ أُمَمِ
أَتَعْجَزُ الْبُرْدَتَانِ أَنْ تَسْجَعَا فِي
مَدْحِ الَّذِي سَجَعَ الْقُرْآنُ فِي الْفَمِ
أَمْ كَيْفَ تَبْلُغُ أَقْدَارُ الْبُحُورِ إِلَى
سَحَابَةٍ فِي سَمَاءِ اللَّهِ لَمْ تَحُمِ
خُذْهَا صَلَاةً تُنَاطِحُ السَّمَاءَ بِمَا
أَنْهَلَّ مِنْ فَجْرِهَا فِي كُلِّ مُلْتَحَمِ
تَسْطُو بِمَجْدٍ عَلَى أَسْمَاءِ مَنْ مَضَوْا
كَمَا يُسَطِّرُ بَرْقٌ حُكْمَهُ الْقِدَمِ
يَا سَيِّدَ الْوَرَى مَنْ تُرْضِيهِ خَطَّتَهُ
وَمَنْ لِجَاهِكَ يَا مَاحِيَ الظُّلَمِ
أَنْتَ الْحَبِيبُ الَّذِي أَهْوَى فُؤَادُهُ
رِضَا الْإِلَهِ فَمَا يَرْضَى سِوَى الْأُمَمِ
حَكَّمْتَ فِي الْقَلْبِ قُرْآنًا يُرَاقِصُهُ
سِرُّ الْوُجُودِ فَلَمْ تَعْدِلْ وَلَا ظُلِمِ
وَكُنْتَ نَبِيًّا أُمِّيًّا لَكِنْ عُلُومُهُ
تَفُوقُ أَزْمِنَةً فِي عِلْمِهَا الْهِمَمِ
أَعْيَا الزَّمَانَ فَمَا يَمْلِكُ جَارِيَةً
تُنَافِسُ الْبَدْرَ فِي الْحُسْنِ وَالْعِظَمِ
فَكَيْفَ تَبْغِي مَدِيحًا مِثْلَ قَدْرِكَ مَنْ
يَبْغِي سَمَاءً بِأَجْنَاحٍ مِنَ الْوَرَمِ؟
أَنْتَ الَّذِي شَقَّتِ الْأَقْدَارُ أَفْقَهُ لَهُ
فَخَطَّ فِي كُلِّ قَلْبٍ سِيمَةَ الْقِسَمِ
وَسَارَ فِي الْأَرْضِ يَهْدِي الْخَلْقَ مُنْفَرِدًا
كَالنَّهْرِ يَجْرِي بِتَسْدِيدٍ مِنَ الْحَكَمِ
أَغْرَقْتَ دُنْيَا الضَّلَالِ الْبِيضَ فِي دَمِهَا
وَأَنْتَ بَحْرٌ تُرَاقِي الْحَقَّ فِي الْعَلَمِ
وَخَطَّ فِي كُلِّ صَحْرَاءٍ وَمُعْتَرَكٍ
أَنَّ الْهُدَى لَيْسَ يَبْقَى فِي يَدِ الْأُمَمِ
أَقْسَمْتُ بِالْمُصْطَفَى مَا ضَاقَ رُتْبَةَ
مَنْ رَفَعَ الْبُنْيَانَ فِي دِينٍ بِلَا أَسَمِ
وَمَنْ دَعَا لِلْهُدَى أَقْوَامَهُ فَرَأَوْا
شَمْسَ الْحَقِيقَةِ تَهْدِي فِي دُجَى الظُّلَمِ
يَا مَنْ رَأَى فِي الْمَعَارِيجِ الْعُلَا سَنًا
مَا رَاعَ جِبْرِيلَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَمِ
وَوَصَلَ الْعَرْشَ يَمْشِي فِي سَمَائِهِ
كَمَا يَمِيدُ الْغَمَامُ الْمُسْبِلُ الدِّيَمِ
أَرْسَى قَوَاعِدَ دِينٍ لَا تَزُولُ بِهِ
رِيَاحُ كُفْرٍ وَلَا تَنْهَارُ فِي الْحُكُمِ
وَبَارَكَ اللَّهُ فِي أُمٍّ أَتَتْ بِهِ
نُورًا يُشَرِّقُ أَسْبَابًا مِنَ الْعَدَمِ
أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجَتْ أُمُّ الْقُرَى نَبِيًّا
تَحْكُمُ فِي الْخَلْقِ بِالْقُرْآنِ وَالْقِيَمِ
لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي جَبِينِ الدَّهْرِ آيَتُهُ
لَمَا تَحَدَّثَ عَنْ نُورٍ وَلَا أُلَمِ
أَمِنْ مَوْلِدِكَ انْشَقَّتْ أَسْطُرُ النُّورِ
وَفِي الْكَوْنِ انْفَتَحَتْ أَبْوَابُهُ الْحِكَمِ
يَوْمَ اسْتَهَلَّتْ بِكَ الْأَرْضُ ابْتِهَالًا
وَقَالَ عَرْشُ الرَّحِيمِ: "تَمَّ مُلْتَزَمِي"
وَفِي سَنَاءِ "ذِي سَلَمٍ" بَدَا طَلْعَتُكَ
تَهْدِي الْبَشَرِيَّةَ الْمَغْضُوبَةَ الْعَمَمِ
وَالْفِيلُ يَرْكُضُ فِي أَصْحَابِ "أَبْرَهَةٍ"
تَرْمِيهِمُ الطَّيْرُ بِالنَّارِ وَبِالْحَجَمِ
وَحِينَ أَخَذَتْ "حَلِيمَةُ" مِنْ نَسِيمِكَ
بَرَكَةً تَسْقِي رَبِيعَهَا الْأَعْقَمِ
رَأَتْ يَدَ اللَّهِ تَرْعَى مُهْجَةَ الْمُصْطَفَى
فِي كُلِّ غِيلَانِ صَحْرَاءٍ وَمُعْتَصَمِ
وَفِي "شِعَابِ الْحِرَاءِ" انْفَجَرَ الْوَحْيُ
يُنَادِي: "اقْرَأْ " فَزَاغَتْ عَيْنُ كُلِّ أَمِ
وَسَارَ جِبْرِيلُ فِي أُفُقِ النُّبُوَّةِ
يَحْمِلُ سِرَّ الرَّسَالَةِ لَمْ يُكَتَمِ
أَتَعْجَزُ "الْبُرْدَةُ" الْمَشْدُوَّةُ أَنْ تَرْوِي
سِرَّ اجْتِلَاءِكَ فِي "إِسْرَائِهِ" الْأَعْظَمِ؟
أَمْ كَيْفَ تَبْلُغُ أَقْدَارُ الْبُحُورِ إِلَى مَنْ
سَارَ بِاللَّيْلِ يَمْشِي فَوْقَ مُنْخَسِمِ؟
سِرْتَ إِلَى "سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى" بِرِجْلِكَ
تَرْكُضُ فِي مَلَكُوتِ اللَّهِ كَالْعَلَمِ
وَوَصَلْتَ عَرْشَ الرَّحِيمِ بِغَيْرِ حَاجِبٍ
كَالشَّمْسِ تَخْطُو إِلَى أُفُقٍ بِلَا أَدَمِ
وَفِي "بَدْرٍ" لَاحَ نُورُكَ فِي صَفَائِحِ
سُيُوفٍ تَنْزِفُ الْكُفْرَ انْتِصَارًا لِدَمِ
وَأَنْتَ تَمُدُّ يَدَ الْمَجْدِ الْمُؤَيَّدِ
فَتَرْجِعُ الْأَرْضُ مَرْعًى لِلْهُدَى مُنْعَمِ
وَفِي "أُحُدٍ" اسْتُشْهِدَ الصَّحْبُ كَرَامَةً
لَكَ الْمُعَظَّمِ فِي خِلْوَانِهِ الْقِدَمِ
وَقُلْتَ: "رِضًا بِقَضَاءِ اللَّهِ" وَانْثَنَتْ
أُمَّةٌ تَحْمِلُ التَّأْوِيلَ وَالْحِكَمِ
وَفِي "الْحُدَيْبِيَةِ" الْفَتْحُ الْمُبِينُ دَعَا
قَلْبُ النَّبِيِّ إِلَى صَبْرٍ بِلَا ضَرَمِ
وَعَادَ مَكَّةَ فَتْحًا لِلْقُلُوبِ كَمَا
يَعُودُ غَيْثٌ إِلَى أَرْضٍ بِلَا نِغَمِ
أَنْتَ الَّذِي أَسْكَنَ الْقُرْآنَ فِي صَدْرٍ
أُمِّيٍّ يَرْقُبُ التَّأْوِيلَ وَالْحِكَمِ
فَلَمْ تَزَلْ تَتْلُو آيَاتٍ تُحَيِّرُهَا
عُقُولُ مَنْ خَطَّ فِي أَحْكَامِهِ الْقِسَمِ
وَفِي "خَيْبَرَ" انْهَزَمَتْ أَسْطُولُ جَاهِلِيَّةٍ
وَانْشَقَّ بَابُ الْحِصَارِ عَنْ يَدٍ تَرِمِي
وَفِي "حُنَيْنٍ" تَرَاكَضَ جَيْشُ أَحْزَابٍ
كَالْبَحْرِ يَرْجِعُ مَخْضُوبًا مِنَ الْعَلَمِ
يَا مَنْ رَأَى فِي "غَارِ ثَوْرٍ" مَلَائِكَةً
تَرْعَاهُ وَاللَّيْلُ مَطْوِيٌّ عَلَى أَلَمِ
وَالْكُفْرُ يَطْوِي الْمَدِينَةَ بِاحْتِقَارِهِ
وَاللَّهُ يَنْشُرُ فِي الْآفَاقِ مُبْتَسِمِ
أَتَعْجَزُ الْأَقْلَامُ أَنْ تَرْوِيَ فَخْرَةً
لِلْمُصْطَفَى"تَبُوكَ" وَ"خَيْبَرِ"فِي يَوْمِ ؟
أَمْ كَيْفَ تَنْسُجُ أَحْلَامَ الْمَدِيحِ لِمَنْ
سَادَ الْوَرَى فِي جَلَاءِ الدِّينِ وَالْعِظَمِ؟
أَنْتَ الَّذِي أَشْبَعَ الْجَائِعِينَ حَنَانًا
وَسَوَّى بَيْنَ أَقْوَامٍ عَلَى سَقَمِ
وَعَلَّمَ الْعَالَمِينَ الْحُرْمَةَ الْعُظْمَى
لِأُمٍّ رَاعَتْ حَقِيقَةَ كُلِّ مُحْتَرَمِ
وَفِي "وَدَاعِكَ" أَبْكَى الْأَرْضَ وَالسَّمَا
وَقُلْتَ: "لِيَبْكِ مَنْ كَانَ لَهُ فَمِ"
وَمَضَيْتَ إِلَى الرَّحِيقِ الْأَرْوَحِ الَّذِي
يَسْقِي الْحَنَايَا بِرِضْوَانٍ مِنَ النِّعَمِ
1310
قصيدة