عدد الابيات : 42
خذُوا بِقَلْبِي ذَاتَ الْخِمَارِ فَإِنَّنِي
رَأَيْتُ بِعَيْنِي فِي أَنَامِلِهَا حِمَمِ
دَمِي فَوْقَ كَفَّيْهَا يُحَدِّثُ عَنْ جَوًى
كَأَنَّ شَقَائِقَ النُّعْمَانِ مِنْ قَسَمِي
أَغَارُ عَلَيْهَا مِنْ أَبِيهَا وَأُمِّهَا
وَمِنْ خُطْوَةِ الْمِسْوَاكِ إِنْ دَارَ بالْفَمِ
أَغَارُ إِذَا لَمَسَتْ يَدَيْهَا جَدَائِلٌ
كَأَنِّي كَافِرٌ ضَاقَ بِالذَّنْبِ بِالْحَرَمِ
أَغَارُ عَلَى أَنْفَاسِهَا مِنْ عِطْرِهَا
وَمِنْ نَسْمَةٍ جَاءَتْ تَمُرُّ عَلَى فَمِ
أَغَارُ عَلَى أَعْطَافِهَا مِنْ ثِيَابِهَا
إِذَا أُلْبِسَتْهَا فَوْقَ جِسْمٍ مُنَعَّمِ
فَيَا ثَوْبُ مَهْلاً لا تُبَالِغْ فِي دِفْئِهَا
فَإِنِّي أَحَقُّ الْحُبَّ مِنْهَا وَأَكْرَمِ
وَأَحْسُدُ أَقْدَاحًا تُقَبِّلُ ثَغْرَهَا
إِذَا أَوْضَعَتْهَا مَوْضِعَ الْمَزْجِ فِي الْفَمِ
تَوَسَّدَتْ كَأْسَ الْمُدَامِ كَأَنَّهَا
بِأَنْفَاسِيَ الْحُرَّى تُقَاسِي وَتَحْتَدِمِ
عذاب الحب ومقتل العاشق:
خُذُوا بِدَمِي مِنْهَا فَإِنِّي قَتِيلُهَا
فَلَا مَقْصَدِي أَلَّا تَقُوتُ تَنَعُّمِي
وَلَا تَحْسَبُوا أَنِّي قُتِلْتُ بِصَارِمٍ
وَلَكِنْ رَمَتْنِي مِنْ رُبَاهَا بِأَسْهُمِ
سِهَامُ اللُّمَى وَاللَّهِ أَعْتَى مِنَ الْقَنَا
إِذَا غَاصَ رُمْحُ الْحُبِّ فِي الْقَلْبِ الْمُلَمِّ
أَنَا الْعَاشِقُ الْمَصْلُوبُ فِي مِحْرَابِهَا
فَمَنْ شَاءَ فَلْيَحْكُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَرُمِ
أَلَا فَاسْأَلُوا قَلْبِي، أَلَيْسَ بِقَبْرِهَا؟
وَفِيهِ صَدًى مِنْهَا يُصَلِّي وَيَعْتَصِمِ
وَلَا تَقْتُلُوهَا إِنْ ظَفِرْتُمْ بِقَتْلِهَا
وَلَكِنْ سَلُوهَا كَيْفَ حَلَّ لَهَا دَمِي
سَلُوهَا: أَمَا أَبْصَرَتْ عُيُونِي مُذْنِبَةً
تَجُوسُ دَمِي؟ فَالْعَيْنُ أَوَّلُ مُجْرِمِ
وَقُولُوا لَهَا يَا مُنْيَةَ النَّفْسِ إِنَّنِي
قَتِيلُ الْهَوَى وَالْعِشْقِ لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِي
وصف الحبيبة وجمالها الفريد:
لَهَا حُكْمُ لُقْمَانٍ وَصُورَةُ يُوسُفٍ
وَنَغْمَةُ دَاوُودَ وَعِفَّةُ مَرْيَمِ
تَجَمَّعَ فِيهَا كُلُّ وَصْفٍ مُقَدَّسٍ
فَأَعْجَزَتْ أَقْلَامَ الْبَرِيَّةِ وَالْعُلَمِ
هِيَ الْقُدْسُ تَمْشِي، لَا تُمَاثِلُ حُسْنَهَا
وَلَا الطُّهْرَ فِي عَيْنَيْنِ كَالْمَاءِ مِنْ زَمْزَّمِ
وَلِي حُزْنُ يَعْقُوبٍ وَوَحْشَةُ يُونُسٍ
وَآلَامُ أَيُّوبٍ وَحَسْرَةُ آدَمِ
تَخَضَّبَ كَفَّيْهَا دَمِي يَوْمَ نَأْيِهَا
كَأَنِّي نَبِيٌّ فِي فِدَى الْحُبِّ مُحْتَرَمِ
إِذَا غَاصَ رُمْحُ الْحُبِّ بِالْقَلْبِ الْمُلَمِّ
فَقُلْتُ: خَضَّبْتِ الْكَفَّ مِنِّي، فَهَكَذَا
يَكُونُ جَزَاءُ الْمُسْتَهَامِ الْمُتَيَّمِ
فَقَالَتْ: وَعِزُّ الْخَافِقَاتِ، وَمَا دَهَى
فُؤَادِي، سِوَى شَوْقٍ أَذَابَ تَكَلُّمِي
وَعَيْشُكِ مَا هَذَا خِضَابًا صَنَعْتُهُ
وَلَكِنَّ دَمْعَ الْوَجْدِ فَاضَ عَلَى دَمِي
بَكَيْتُ دَمًا لَمَّا نَأَيْتَ، وَمَسَحَتْ
يَدِي حُرَقَاتِي فَاحْمَرَرْنَ مِنَ الْأَدَمِ
فَإِنْ شِئْتِ فَاخْطَفِي بِقَلْبِي مُهْجَتِي
وَإِنْ شِئْتِ فَاعْفِي عَنْ فُؤَادِيَ الْمُضْرَمِ
فَيَا قَارِئِي، إِنْ كُنْتَ تَدْرِي مَا الْهَوَى
فَدَعْنِي… فَإِنَّ الْعِشْقَ أَبْلَغُ مِنْ فَمِي
وَإِنْ شِئْتَ فَاسْجُدْ فَوْقَ رَمْسِيَ بَاكِيًا
فَهَذِي ضُلُوعِي تَرْتَوِي مِنْ نَدَمِ
وَعِدْنِي، وَلَوْ وَهْمًا، بِأَنَّكِ قَادِمِي
فَقَلِيلُ وَهْمِكِ فِي دُمُوعِي نَاجِمِي
إِنْ كُنْتِ لَمْ تَصْفَحْ لِحُبٍّ صَادِقٍ
فَارْفُقْ بِمَنْ جَفْنُ الْمَسَافَةِ نَائِمِ
قَدْ كُنْتُ أَرْقُبُكِ الضِّيَاءَ فِي دُجَى
وَأُعِدُّ لِلنَّجْمِ الْغَرِيبِ تَرَاحُمِي
كُنْتِ الَّتِي فِي قَلْبِ أَشْلَائِي مَضَتْ
وَتَرَكْتِ نَبْضَ الْوُدِّ فِيَّ كَيَائِمِي
مَا زِلْتُ أَحْفَظُ كُلَّ يَوْمٍ عِشْتُهُ
فِي طَيْفِكِ الْمِسْكِيِّ وَالْمُتَرَحِّمِ
لَوْ كَانَ يُقْتَلُ بِالْهَوَى مَنْ عَاشَهُ
مَا قَامَ بَعْدِي فِي الْوَرَى مِنْ قَائِمِ
لَكِنَّهُ الْحُبُّ الْعَفِيفُ، كَأَنَّهُ
صَلَاةُ شَوْقٍ فِي الضُّلُوعِ وَقَسَمِي
كُنْتِ الْبِدَايَةَ فِي النِّهَايَةِ، لَمْ تَزَلْ
فِي الْغَيْبِ تُخْفِي نُورَكِ الْمُتَقَدِّمِ
وَأَنَا الَّذِي فِي كُلِّ حُزْنٍ ذَائِبٌ
مِنْ شِدَّةِ التَّذْكَارِ وَالْمُتَكَتِّمِ
كَيْفَ انْتَهَيْنَا؟ لَيْتَنَا لَمْ نَبْتَدِئْ
حَتَّى يَكُونَ الْجُرْحُ غَيْرَ مُلَمْلَمِ
أَمْ هَلْ سَتَرْجِعُ يَا هَوَايَ وَنَبْضَنَا؟
لَوْ مَرَّ طَيْفُكِ، كُنْتُ أَوَّلَ مُسْتَلِمِ
1380
قصيدة