عدد الابيات : 74
طباعةأَتَيْنَا بِالْمَلَاحِمِ سَاطِعِينَا
وَأَهْدَيْنَا الْمَدَى صَرْحًا مَكِينَا
هُنَا شَامُ الْبَهَاءِ لَنَا حَكَايَا
تُسَافِرُ فِي الْمَدَى فَخْرًا أَمِينَا
دِمَشْقُ الْمَجْدِ كَمْ خَطَّتْ حُرُوفًا
تُبَارِكُ فِي الْكَتَائِبِ صَارِمِينَا
هِيَ الشَّامُ الَّتِي سَادَتْ رُؤَاهَا
وَجَاءَتْ بِالْهُدَى تُهْدِي الْقَرِينَا
إِلَيْهَا الْأَرْضُ تَنْظُرُ فِي خُشُوعٍ
كَأَنَّ الْمَجْدَ مِنْ كَفِّ الْيَمِينَا
هِيَ الْأُمُّ الَّتِي حَمَلَتْ تُرَاثًا
وَصَاغَتْ لِلْمَلَاحِمِ مُرْتَقِينَا
تَمُدُّ إِلَى الْحَضَارَاتِ انْطِلَاقًا
وَتُبْقِي الْمَجْدَ فِي سَفَرٍ مَكِينَا
بَنَتْ صَرْحَ الْمَعَارِفِ فِي شُمُوخٍ
فَكَانَتْ لِلْعُلُومِ جُذُورَ دِينَا
عَلَى أَطْلَالِهَا سَارَتْ قَوَافِلُ
تُدَوِّنُ مَجْدَهَا حَرْفًا مُبِينَا
بِدِمَشْقٍ حُبِكَتْ آيُ الْقَصَائِدِ
وَكَانَتْ لِلْعُرُوبَةِ مَوْطِنِينَا
رُبَى بَرَدَى الَّتِي نَطَقَتْ بَيَانًا
وَكَانَتْ فِي الْمَدَى صَوْتَ الدَّفِينَا
هُنَا الْمَهْدُ الَّذِي أَهْدَى الْبَرَايَا
عُلُومًا أَرَّخَتْ حِقَبًا ثَمِينَا
لَهَا الْفَارُوقُ أَهْدَى نَصْرَ دِينٍ
وَخَطَّ بِهَا الْمُرَابِطُ قَلْبَ حِصْنَا
وَفِيهَا الْعَابِدُونَ أَضَاءَ دَرْبًا
وَأَرْسَوْا فِي الْيَقِينِ لَنَا سَفِينَا
هِيَ الشَّامُ الَّتِي عَبَرَتْ دُهُورًا
تُعَلِّمُ فِي الْمَدَى مَعْنَى الْيَقِينَا
مَآذِنُهَا تُنَاجِي كُلَّ طَيْفٍ
وَتُبْصِرُ فِي جَلَالَتِهَا السَّمِينَا
هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَارَتْ ضِيَاءً
وَأَشْرَقَتِ الْمَدَى نُورًا دَفِينَا
وَفِي سَاحَاتِهَا سَادَتْ عُصُورٌ
تُزَيِّنُ مَاضِيَ الدُّنْيَا الثَّمِينَا
عَلَى أَعْتَابِهَا صَلَّى الْمَدَى يَوْمًا
وَدَانَتْ لِلْحَضَارَةِ مُسْتَكِينَا
تَدَاعَتْ لِلثَّقَافَاتِ اعْتِرَافًا
بِأَنَّكِ لِلْمَفَاخِرِ أَوْلِينَا
إِذَا ذُكِرَ الْفُرَاتُ أَتَى نِدَاهُ
يُشِيدُ بِأَنَّ شَامَكِ قَدْ أَرِينَا
كَتَبْنَا فَوْقَ أَسْمَائِكِ وُجُودًا
لِتَبْقَى فِي الْحَضَارَاتِ الْجَبِينَا
وَفِيهَا النُّورُ أَنْشَأَ أَلْفَ بَيْتٍ
وَأَهْدَى لِلْحَضَارَةِ مَا رَمَيْنَا
بَنَتْ لِلشِّعْرِ قَصْرًا مِنْ ضِيَاءٍ
وَأَلْبَسَتْهُ تِيجَانًا ثَمِينَا
وَفِي سَاحَاتِهَا حُكْمُ الْعَدَالَةِ
وَفَوْقَ تُرَابِهَا الْحَقُّ اسْتَكِينَا
هُنَا شَامُ الْيَقِينِ لِكُلِّ حُلْمٍ
تُؤَلِّفُ مِنْ شَذَى الْحَرْفِ السَّفِينَا
إِذَا ضَاقَتْ بِنَا الدُّنْيَا أَضَاءَتْ
جَمَالَ اللَّهِ فِي أُفُقٍ تَبِينَا
هِيَ الْحَاضِنَةُ الَّتِي رَفَعَتْ لِوَاءً
عَظِيمًا فِي الزَّمَانِ وَفِي الْمَيَادِينَا
هُنَا الْأَوَّلُونَ خَطُّوا خَطَّ فَخْرٍ
وَأَهْدَوْا لِلزَّمَانِ بِهَا الْأَمِينَا
تَمُدُّ الْحُضْنَ لِلْأَيْتَامِ حُبًّا
وَتُبْقِي فِي الدُّرُوبِ لَهُمْ سُكِينَا
تَعَلَّمْنَا مِنَ الشَّامِ الْوَفَاءَ
وَأَهْدَتْنَا الصُّدُورَ مُحَبِّبِينَا
رَسَائِلُهَا إِلَى الْدُّنْيَا سَلَامٌ
وَآيَاتُ الْإِخَاءِ بِهَا رَسِينَا
دِمَشْقُ، وَمِنْكِ يَبْتَدِئُ الْحَضَارَاتُ
وَيُشْرِقُ فَجْرُهَا بَيْنَ الْمُنُونَا
الشَّامُ بَوَّابَةُ الْقِيَمِ الْعَالَمِيَّةِ
وَمِنْكِ شَعَّ النُّورُ رِفْدًا لِلْمُقْتَرِينَا
إِلَيْكِ الْأَحْرُفُ انْحَنَتِ اعْتِرَافًا
بِأَنَّكِ لِلْعُلَا رَمْزُ الْمُبِينَا
أَيَا شَامَ الْقِيَمِ، سَلِي الْمَدَى عَنْ
يَدَيْكِ إِذَا بَنَتْ صُرُوحَ الْأَمِينَا
فَأَنْتِ فِي الْمَكَارِمِ أُمُّ قَوْمٍ
وَفِيكِ تَجَلَّتِ الْأَرْوَاحُ حِينَا
وَكُلُّ رُبَى الْخِلَافَةِ قَدْ تَرَامَتْ
إِلَيْكِ تُنَاشِدُ الْحُرَّ الْأَمِينَا
تُقَدِّمِينَ الْقِيَمَ الْحُمْرَ دُسْتُورًا
تُعَلِّمُ كُلَّ ظَالِمٍ الْيَقِينَا
هِيَ الشَّامُ الَّتِي أَمْسَتْ مِثَالًا
تُجَدِّدُ مِنْ رُؤَاهَا الْعَالَمِينَا
تَمُدُّ يَدَ الْحَضَارَاتِ افْتِخَارًا
وَتَبْنِي فَوْقَ أَطْلَالِ السِّنِينَا
بَنَتْ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ شُعَاعًا
يَرَاهُ الْمُبْدِعُونَ مُبْهِرِينَا
وَفِي حَاضِرِهَا جِيلٌ فَتِيٌّ
يَرَى بِالْعِلْمِ نَهْجًا مُسْتَقِيمَا
يَغُوصُ بُحُورَ إِبْدَاعٍ عَمِيقٍ
لِيَحْيَا فِي الْمَعَالِي رَائِدِينَا
هُنَا الْإِنْسَانُ يَسْمُو فَوْقَ ظُلْمٍ
وَيُزْهِرُ بِالْكَرَامَةِ مُوقِنِينَا
تَظَلُّ حَضَارَةً أَبَدًا تُنَادِي
وَتَبْقَى لِلْكَرَامَةِ مُلْهَمِينَا
لَنَا الشَّامُ الَّتِي عَزَّتْ وَصَارَتْ
نِبْرَاسًا فِي الْفَضَاءَاتِ السَّمِينَا
هِيَ الْأُمُّ الَّتِي تَحْنُو بِأَخْلَاقٍ
وَتُنْصِفُ كُلَّ مَظْلُومٍ حَزِينَا
أَيَا شَامُ النُّهَى، لَكِ فِي رُؤَانَا
كِتَابٌ مِنْ قُلُوبِ الْعَاشِقِينَا
نَرَاكِ غَدًا نَمُوذَجَ كُلِّ عَصْرٍ
يَقُودُ الْعَالَمِينَ إِلَى الْمُبِينَا
تُحَرِّكُ نَبْضَ أُمَمٍ نَحْوَ مَجْدٍ
وَتَزْرَعُ فِي الدُّنَا فِكْرًا دَفِينَا
دِمَشْقُ، الْحَرْفُ يُزْهِرُ فِي رُبَاهَا
كَأَنَّ الْعِلْمَ مِنْهَا قَدْ بَدِينَا
إِذَا نَطَقَتْ سَمَاءُ الشَّامِ قَوْلًا
سَمِعْتَ الرَّعْدَ يُجْرِي الصَّامِتِينَا
تَجَمَّعَتِ الْحَضَارَاتُ افْتِخَارًا
بِأَنَّ الشَّامَ أُمٌّ، وَالْكِلِينَا
فَمِنْهَا سَالَ دَمْعُ الْخُلْدِ شِعْرًا
وَصَارَ الْكَوْنُ فِي سِحْرٍ رَهِينَا
عَلَى جُدْرَانِهَا كُتِبَتْ حَكَايَا
تُعَلِّمُنَا التَّحَدِّي مُرْهَفِينَا
هُنَا الْعِلْمُ الَّذِي جَابَ الْبَوَادِي
وَجَاءَ لِيُطْعِمَ الْعَقْلَ الْيَقِينَا
هُنَا الْأَرْضُ الَّتِي وَلَدَتْ كُتُبًا
فَصَارَتْ لِلْوَرَى نَهْرًا مَعِينَا
تَرَى الْأَخْلَاقَ فِي أُفُقِ الْمَعَالِي
وَتَرْفَعُ رَايَةَ الْحَقِّ الْمُبِينَا
إِذَا مَا الْفَجْرُ أَقْبَلَ مُسْتَبِينَا
أَتَى وَالْعَدْلُ يَسْقِي الْعَابِرِينَا
بَنَتْ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِثَالًا
وَأَصْبَحَتِ الشُّعُوبُ لَهَا رَهِينَا
وَفِي سَاحَاتِهَا صَوْتُ الْبِنَاءِ
يُبَارِكُ كُلَّ رُكْنٍ مُطْمَئِنَّا
هُنَا أَرْضُ الْعُرُوبَةِ تُنْبِتُ حُلْمًا
بِأَنَّ الْحَقَّ مَا زَالَ رَهِينَا
سَتَلْتَقِي الْحَضَارَاتُ افْتِخَارًا
عَلَى أَعْتَابِهَا، قَلْبًا يَقِينَا
وَإِنْ سَأَلُوا عَنِ الْغَدِ مَنْ تُرَاهُ؟
فَقُلْ: شَامُ الْبَهَاءِ تُضِيءُ دِينَا
تَمُدُّ يَدًا لِتُعْلِيَ كُلَّ شَعْبٍ
تُعَلِّمُهُ الْأَمَانَ مُبْدِعِينَا
وَتَبْقَى شَامُنَا لِلْأَرْضِ نَجْمًا
يُرَاقِبُهُ الْمُحِبُّ مُتَيَّمِينَا
دِمَشْقُ، وَيَاسَمِينُ الْمَجْدِ عِطْرٌ
يُعَلِّمُنَا الْحَيَاةَ مُوَحِّدِينَا
زَرَعْنَا فِي ثَرَاكِ الْمَجْدَ حَتَّى
غَدَا عَرْشَ الزَّمَانِ الْمُطْمَئِنَّا
كَأَنَّ الْيَاسَمِينَ خَطَا بَيَانًا
يُخَلِّدُ فِي السُّطُورِ الْأَوَّلِينَا
تُعَلِّمُ أُمَّةَ الْأَزْمَانِ عَدْلًا
وَتَبْنِي فِي سَمَاءِ الْحَقِّ دِينَا
هُنَا التَّارِيخُ يَسْكُنُ كُلَّ حَرْفٍ
فَمِنْ أُمِّ الْكِتَابِ شَرِبْنَا يَقِينَا
سَنُبْنِي فِي الْقِلَاعِ عُلُومَ عَصْرٍ
تَمُدُّ الْحُضْنَ نُورًا لِلْمُضِلِّينَا
شَوَامِخُ مِثْلُ قَاسِيُونَ نَسْمُو
وَنَبْلُغُ فِي الْفَضَاءِ الْمُشْرِقِينَا
1391
قصيدة