عدد الابيات : 102
طباعةحَمَيْنَا الشَّامَ مِنْ ظُلْمٍ قَدِيمٍ
وَسَطَّرْنَا الْجَلَالَ مُؤَرِّخِينَا
بِأَيِّ ذَرِيعَةٍ قُصِفَتْ رُبُوعٌ
وَصَارَ الْحَجْرُ يُبْكِي الطَّيِّبِينَا
بِأَيِّ ذَرِيعَةٍ دُكَّتْ مَآذِنْ
وَصَارَ اللَّهْوُ عُنْوَانَ الْخَؤُونَا
دِمَشْقُ، وَكُلُّ سُورِيٍّ جَرِيحٍ
هُوَى الْأَوْطَانِ نُبْقِيهِ رَهِينَا
إِذَا الْجَلَّادُ طَاشَ، فَلَا أَمَانٌ
وَلَا عَهْدٌ يُقَامُ لِظَالِمِينَا
أَلَا قُلْ لِلْمُدَجَّجِ بِالْخَرَابِ
سَنَغْدُو فَوْقَ أَنْقَاضِكَ بَانِينَا
أَتُرْهِبُنَا الْقَذَائِفُ؟ قَدْ نَسَجْنَا
رُبَى الْعَلْيَاءِ مِنْ خَلْقٍ دِرِينَا
فَهَذَا الْغَاصِبُ الْمَأْفُونُ عَارٌ
سَيُمْحَى، وَالْمَصِيرُ لَهُ سَجِينَا
أَلَا يَا أَيُّهَا الطُّغْيَانُ صَبْرًا
فَإِنَّا فِي الْوَغَى حُرًّا مَكِينَا
تَعَالَوْا يَا طُغَاةُ، فَهَذِي الشَّامُ
تُغَنِّي بَأْسَنَا، وَلَظَى وَحِينَا
أَتَحْسَبُ يَا غَبِيَّ الْحُكْمِ أَنَّا
سَنَتْرُكُ أَرْضَنَا طُعْمًا مُهِينَا
رَصَاصُكَ فَوْقَ أَطْفَالٍ شَظَايَا
تَفِرُّ غَدًا كَأَحْلَامِ الْمُجُونَا
وَسَوْفَ تَرَى دُمُوعَكَ حِينَ تَنْهَارُ
وَتُسْقَى مِنْ دِمَاءِ الْخَاسِرِينَا
أَلَا يَا أَيُّهَا الْجَلَّادُ، مَهْلًا
غَدًا تُمْحَى وَتُلْعَنُ كَاللَّعِينَا
أَتَدْرِي أَنَّ صَرْخَاتِ الصِّغَارِ
تُشَيِّدُ فِي ثَبَاتِهِمُ السَّفِينَا
وَأَنَّ الْأُمَّ، مِفْتَاحُ الْمَآسِي
تَذُودُ عَنِ الْحِمَى قَلْبًا رَزِينَا
رَصَاصُكَ يُصِيبُ الْيَوْمَ ظِلًّا
وَغَدًا نَغْدُو الْجِبَالَ وَلَا تَلِينَا
إِذَا أَرْدَاكَ بُغْضُكَ فِي جَحِيمٍ
سَنُصْلِيهِ عَلَى رَأْسِ الْخَؤُونَا
كَأَنَّ الطَّيْرَ تُخْبِرُ كُلَّ فَجْرٍ
بِأَنَّ اللَّهَ خَصَّكَ بِالْخِزِينَا
سَنَصْمُدُ فَوْقَ أَشْلَاءِ الْجِرَاحِ
كَمَا الْجُلْمُودُ يَرْفُضُ أَنْ يَلِينَا
إِذَا عَزَمَ الْأُبَاةُ فَلَا انْكِسَارٌ
وَلَا اسْتَسْلَمْنَا فِي يَوْمٍ حَزِينَا
وَكَمْ مِنْ طَاغِيَةٍ زَالَتْ يَدَاهُ
وَصَارَ الْعَرْشُ مِزَقًا لِلسَّفِينَا
هُنَا التَّارِيخُ يَسْمَعُ صَوْتَ شَعْبٍ
كَأَنَّ صَدَى الْجِبَالِ بِهِ دَفِينَا
إِذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْنَا نَازِلَاتٌ
قَلَبْنَاهَا هُدًى لِلنَّائِمِينَا
غَدَوْنَا وَالْمَلَاحِمُ فِي يَدَيْنَا
كَأَنَّا الْقَدَرُ، يَقْصِمُ الْجَفِينَا
وَكُلُّ دِمَائِنَا أَضْحَتْ لِوَاءً
يُرَاوِدُ حُلْمَ أَجْيَالٍ أَمِينَا
سَنَرْوِي لِلْمَلَاحِمِ كَيْفَ كُنَّا
نَفِي بِالْعَهْدِ فِي وَقْتِ الْعَرِينَا
تَعَلَّمْنَا الثَّبَاتَ عَلَى الرَّزَايَا
وَصُغْنَا مِنْ دِمَاءِ الْحُرِّ دِينَا
هِتَافُ الْحُرِّ فِي الْآفَاقِ نَارٌ
تُذِيبُ جِبَالَ طَاغِيَةٍ رَهِينَا
بَنَيْنَا فِي الْقُلُوبِ قُصُورَ عَزٍّ
وَسَيْفُ الْحَقِّ يَثْنِي الْمُعْتَدِينَا
نُعَانِقُ فِي اللَّيَالِي حُلْمَ شَعْبٍ
إِذَا مَلَّتْ قُيُودًا، لَنْ تَلِينَا
دِمَاؤُكِ يَا شَآمُ لَنَا سَبِيلٌ
سَنَصْنَعُ مِنْ عَذَابِكِ فَاتِحِينَا
دِمَاؤُكِ يَا شَآمُ لَنَا شُمُوعٌ
تُضِيءُ عَلَى الْمَدَى دَرْبَ السَّفِينَا
هُنَا دِجْلَةُ الْفِدَاءِ، وَهَذِي الشَّامُ
لِلنَّصْرِ تُغَنِّي الظَّالِمِينَا
لَنَا التَّارِيخُ، يَشْهَدُ فِي ثَبَاتٍ
بِأَنَّا الْغَالِبُونَ، وَإِنْ بُلِينَا
صَبَرْنَا كَيْ تُرَاقَ رُؤُوسُ بَاغٍ
صُنْعِنَا فِي الْعُلَا عَزْمًا مَكِينَا
تُرَاكَ نَسِيتَ أَنَّا حِينَ نَفْنَى
نَعُودُ عَلَى حُطَامِكَ فَاتِحِينَا
فَهَذَا النَّصْرُ دَيْدَنُنَا أَبَدًّا
وَهَذِي الشَّامُ، تَعْرِفُ مَنْ أَتَيْنَا
هُنَا أَرْضُ الْكَرَامَةِ، حَيْثُ لَمَّا
سَقَيْنَاهَا دِمَاءَ الْأَوْفِيَنَا
وَهَذَا الْمَجْدُ يُنْسَجُ مِنْ رُؤَانَا
كَمَا طَوَّقْنَا بِالْحَقِّ الْجَبِينَا
عَلَى أَسْوَارِهَا سُطِرْنَ ذِكْرَى
كِرَامٍ شَيَّدُوا مَجْدًا أَمِينَا
غَدًا تَجْثُو الْعُرُوشُ عَلَى رَمَادٍ
وَيُكْسَرُ حِقْدُهُمْ جُبْنًا رَهِينَا
أَلَا فَانْظُرْ! دِمَشْقُ غَدًا سَتَأْتِي
كَطَلْعَةِ عَابِدٍ نَوْرًا مَصُونَا
سَيَغْسِلُ قَاسِيُونُ دُمُوعَ أَهْلِي
وَيَزْرَعُ فَوْقَ جُرْحِهِمُ الْيَاسَمِينَا
وَنَفْدِي شَامَنَا مِثْلَ الْوَصَايَا
وَمَا خُنَّا الرَّجَاءَ وَلَا انْحَنَيْنَا
غَدًا تُبْنَى الْمَآذِنُ مِنْ جَدِيدٍ
وَتَرْجِعُ فِي السَّمَاءِ لَهَا الْحَنِينَا
سَيَنْثُرُ طِفْلُنَا فَوْقَ الضِّفَافِ
حُرُوفَ الْمَجْدِ، قُرْآنًا مُبِينَا
هُنَا الشَّامُ الَّتِي نَهَضَتْ كَطَوْدٍ
تُضِيءُ بِنُورِهَا دَرْبَ السُّفِينَا
غَدًا تُزْهِرُ عَلَى سُورِ الْمَعَالِي
زُهُورٌ، تَسْبِقُ الْحُلْمَ الْمُبِينَا
سَنَكْتُبُ بِالدِّمَاءِ غَدًا سَلَامًا
وَيُبْنَى بِالْعَزِيمَةِ مَا رَمَيْنَا
إِذَا طَاغُوتُ هَذَا الْعَصْرِ أَفْنَى
حُرُوفَ الْحَقِّ، كُنَّا النَّاسِخِينَا
وَكُنَّا فِي الْحُرُوبِ يَرَاعَ صِدْقٍ
وَفِي السِّلْمِ الْبِنَاءَ الْمُطْمَئِنِينَا
لَنَا إِرْثُ الْحَضَارَاتِ الْعَتِيدُ
وَعِزٌّ يُشْعِلُ الدُّنْيَا حَنِينَا
تُرَى، هَلْ بَعْدَ كُلِّ الْجَوْرِ تُنْسَى
دِمَاءٌ أَنْبَتَتْ وَرْدًا جَنِينَا
سَنُفْلِتُ مِنْ قُيُودِ اللَّيْلِ حَتْمًا
وَنَصْنَعُ صُبْحَ شَامِكِ رَاغِمِينَا
لِأَنَّ الشَّامَ آيَةُ كُلِّ حُلْمٍ
وَآيَةُ عِزِّنَا عَبْرَ السِّنِينَا
غَدًا تُشْرِقُ سَمَاءُ الْمَجْدِ حُبًّا
وَيُولَدُ مِنْ دِمَاهَا الْعَابِرِينَا
سَيُزْهِرُ قَاسِيُونُ غَدًا حَيَاةً
تُظَلِّلُ بِالْأَمَانِ النَّابِتِينَا
إِذَا صَاحَتْ رِيَاحُ الظُّلْمِ يَوْمًا
فَإِنَّ شُمُوخَهَا يَبْقَى أَمِينَا
تَمُدُّ الْجِسْرَ بَيْنَ الْأَمْسِ فَخْرًا
وَبَيْنَ غَدٍ بِهِ تُحْيِي الْمَتِينَا
إِذَا سَادَتْ دُرُوبُ الْخَوْفِ حَوْلًا
تَرَى أَبْنَاءَهَا عَنْهَا حُمِينَا
تُنَادِي الْعَالَمِينَ غَدًا بِبُشْرَى
هُنَا نُورُ الْحَضَارَاتِ الْيَقِينَا
عَلَى أَكْتَافِهَا شُبَّانُ فَجْرٍ
يَرُومُونَ السَّمَا قَصْدًا مُبِينَا
يَصُوغُونَ الْغَدَ الْمَأْمُولَ حُبًّا
لِتَبْقَى فِي الْمَعَارِفِ رَافِلِينَا
هُنَا الشَّامُ الَّتِي مَا زَالَ حُلْمًا
يُعَلِّمُ كَيْفَ نَبْقَى صَامِدِينَا
إِذَا التَّارِيخُ خَطَّ رُؤَاهُ مَجْدًا
فَسَوْفَ يَرَاهُ شَامَكِ مُسَطِّرِينَا
هِيَ الشَّامُ الَّتِي عَلَّمَتْ شُعُوبًا
بِأَنَّ النُّورَ يَنْبَعُ مِنْ جَبِينَا
تُضِيءُ دُرُوبَهَا أَمَلًا يُرِينَا
بِأَنَّ الْعَدْلَ يَسْكُنُ الْمُخْلِصِينَا
هُنَا الشَّامُ الَّتِي زُرِعَتْ بِقَلْبٍ
تَفِيضُ لَهُ الْحُرُوفُ مُؤْتَلِقِينَا
وَغَدًا تُشْرِقُ الشَّامُ مِنْ جَدِيدٍ
وَيَصْدَحُ فِي الْمَدَى صَوْتُ الْيَقِينَا
كَأَنَّ الْمَجْدَ أَهْدَابٌ تَلَاقَتْ
فَصَاغَتْ فِي الْعُلَا وَجْهًا أَمِينَا
تَشُقُّ الدَّرْبَ فِي دُنْيَا الْمَعَالِي
وَتَرْفَعُ رَايَةَ الْعَدْلِ الثَّمِينَا
عَلَى جُدْرَانِهَا تَارِيخُ عَزْمٍ
تُظَلِّلُهُ الْمَلَاحِمُ وَالْأَنِينَا
تُحْيِي فِي الْغَدِ الْإِنْسَانَ عَدْلًا
وَتُنْصِفُ مَنْ أَتَاهَا مُسْتَجِيرَا
سَتَسْرِي قَاسِيُونُ كَنَجْمِ فَجْرٍ
يُضِيءُ مَآذِنَ الدُّنْيَا حَنِينَا
وَتُشْرِقُ كُلُّ أَسْوَاقِ الْخُزَامَى
حَيَاةً تُسْكِنُ الْأُفُقَ السَّكِينَة
سَيَجْلِسُ كُلُّ أَطْفَالِ السَّلَامِ
عَلَى أَرْصِفَةِ دِمَشْقَ مُكَرَّمِينَا
سَيَرْوِي النَّهْرُ تَارِيخًا جَدِيدًا
يُرَدِّدُهُ الْجَدَاوِلُ وَالْعَرِينَا
فَإِذَا بِالسَّيْفِ يَبْرُقُ فِي أَكُفٍّ
كَأَنَّ الشَّمْسَ قَدْ سَكَنَتْ يَدِينَا
نُطَارِدُ كُلَّ طَاغِيَةٍ فَخُورٍ
سَعَى بِالْأَرْضِ يُشْعِلُ حِقْدًا دَفِينَا
نَجُوبُ اللَّيْلَ فِي صَفٍّ كَثِيفٍ
كَأَنَّ السَّيْلَ يَعْصِفُ بِالْحُصُونَا
تُقَارِعُنَا السَّمَاءُ بِكُلِّ بَرْقٍ
فَنَرْمِيهَا عَزَائِمَنَا سَفِينَا
وَنَفْنَى دُونَ شَامِ الْعِزِّ فَخْرًا
وَقَدْ نَبْنِي بِدَمْعِ الْجُرْحِ دِينَا
أَلَسْنَا فِي الْقِتَالِ إِذَا صَدَعْنَا
تُهَابُ عُرُوشُهُمْ أَيْنَ الْتَقَيْنَا
سُيُوفُ الْحَقِّ تَنْهَشُ كُلَّ بَاغٍ
وَتُغْمَدُ فِي رِقَابِ الْمُعْتَدِينَا
وَفِي سَاحَاتِنَا نَارٌ تُضِيءُ
ظَلَامَ اللَّيْلِ، تَقْتَحِمُ الْكَمِينَا
نُقَارِعُ دُجَّةَ الطُّغْيَانِ حَتَّى
تَخِرَّ جِبَالُهُمْ خَوْفًا عَلَيْنَا
تَكَسَّرَتِ السَّلَاسِلُ يَوْمَ قُمْنَا
وَهَدَّتْ صَرْخَةُ الْأَحْرَارِ طِينَا
رَأَيْنَا الظُّلْمَ يَسْقُطُ فِي عُيُونٍ
غَدَتْ تَخْشَى اللِّقَاءَ بِنَا هُزِينَا
تُرَفْرِفُ رَايَةُ الْأَحْرَارِ فَخْرًا
وَيُشْرِقُ نَجْمُهَا شَوْقًا دَفِينَا
نُعِيدُ لِدَرْبِ شَامِ الْمَجْدِ حُسْنًا
وَقَدْ نَبْنِي صُرُوحًا خَالِدِينَا
وَنَرْسُمُ فَوْقَ قَاسِيُونَ عَهْدًا
بِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُبْنَى سَجِينَا
وَتَعْلُو ضِفَّةُ الْأَوْطَانِ صَرْحًا
يُظِلُّ الْعَدْلَ وَالْحَقَّ الْمُبِينَا
أَلَا فَانْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ انْتِصَارًا
تُطَوِّقُهُ الْجُمُوعُ مُهَلِّلِينَا
هُنَا الْأَبْطَالُ فِي سَاحِ الْفِدَاءِ
كَأَنَّ الْأَرْضَ تَرْتَجِفُ اسْتِكَانَا
عَلَى مَيْدَانِهِمْ رَكَعَتْ جَبَابِرُ
وَغَابَ سُيُوفُهُمْ عَمَّنْ رَمَوْنَا
تَكَسَّرَتِ الْقِلَاعُ بِحَدِّ بَأْسٍ
أَبَى إِلَّا الرَّدَى لِلْمُعْتَدِينَا
فَمِنْ دَمِنَا سَقَيْنَا الْأَرْضَ حَتَّى
غَدَتْ خَضْرَاءَ تُزْهِرُ طَلْعَ دِينَا
وَفِي قَاسِيُونَ أَنْشَأْنَا سَلَامًا
غَدًا تُنَبِّي بِهِ الْأَرْضُ الْقُرُونَا
هُنَا "بَرَدَى" يُعِيدُ لَحْنَ فَخْرٍ
يُحَدِّثُ عَنْ صُمُودِ الْأَوَّلِينَا
دِمَشْقُ، وَأَنْتِ تَاجُ النَّصْرِ بَهْرًا
تُطَوِّقُ الْمَجْدَ عَرْشًا مُطْمَئِنَّا
وَنَحْنُ عَلَى دُرُوبِ الْحَقِّ نَمْضِي
فَتُشْرِقُ شَامُنَا نَصْرًا مُبِينَا
1391
قصيدة