الديوان » العصر المملوكي » بهاء الدين زهير » ركد الرجاء فما يهزك مأرب

عدد الابيات : 80

طباعة

رَكَدَ الرَجاءُ فَما يَهُزُّكَ مَأرِبُ

وَمَضى المِراحُ فَما يهيجُكَ مُطرِبُ

شَمسَ الزَمانُ فَما يَلينُ وَرُبَّما

أَخَذَ الصَبِيُّ عِنانَهُ يَتَلَعَّبُ

وَأَرى الحَوادِثَ جامِحاتٍ بَعدَما

غَنِيَت نَزائِعُها تُقادُ وَتُجنَبُ

في الجانِبِ الوَحشِيِّ مِنها مُرتَقىً

ما يستطاع وَسُورَةٌ ما تُغلَبُ

أَلقَت جَوافِلها بِشَعبٍ رازِحٍ

أَلِفَ الهَوانَ يُجَرُّ فيهِ وَيُسحَبُ

عَرَفَ النَوائِبَ ناشِئاً وَعَرَفنَهُ

كَهلاً يَكُبُّ عَلى اليَدَينِ وَيَحدَبُ

وَلَئِن نَضا بُردَ الشَبابِ فَما نَضا

مِن جَهلِ ذي العِشرينَ ما يَتَجَلبَبُ

وَيحَ الكِنانَةِ كَيفَ تَلعَبُ أُمَّةٌ

شَمطاءُ واهِنَةٌ وَشَعبٌ أَشيَبُ

يَرجو وَيَأمُلُ وَالحَياةُ صَريمَةٌ

تَمضي نَوافِذُها وَعَزمٌ يَدأَبُ

ادفَع بِنَفسِكَ لا تَكُن مُتَهَيِّباً

ما اِعتَزَّ في الأَقوامِ مَن يَتَهَيَّبُ

عَجزُ الفَتى في ظَنِّهِ وَرَجائِهِ

الظَنُّ يُخلِفُ وَالرَجاءُ يُخَيَّبُ

شَرَفُ الحَياةِ وَعِزُّها لِمُغامِرٍ

يَمضي فَلا يَلوي وَلا يَتَنَكَّبُ

اشرَع لِأُمَّتِكَ الحَياةَ وَلا يَكُن

لَكَ في حَياتِكَ غَيرُ ذَلِكَ مَأَرِبُ

لَم يَعرِفِ الأَقوامُ حَقّاً واجِباً

إِلّا وَخدمتُها أَحَقُّ وَأَوجَبُ

لَو شِئتَ لَم تَعتَب عَلَيكَ وَلَم يَلُم

وَطَنٌ أَسَأتَ بِهِ الصَنيعَ مُعَذَّبُ

تَعِبُ المَطالِبِ وَالرَجاءِ مُفَجَّعٌ

ما اِنفَكَّ يُرزَأُ بِالخُطوبِ وَيُنكَبُ

ترمي يَدُ الحِدثانِ مِنهُ مُرَوَّعاً

حَلَّ العِقابُ بِهِ وَأَنتَ المُذنِبُ

هَل عِندَ نَفسِكَ لِلحِفاظِ بَقِيَّةٌ

تَحمي البَقِيَّةَ مِن حَياةٍ تُسلَبُ

ذَهَبَ الأُلى كانوا الغِياثَ لِأُمَّةٍ

حاقَ البَلاءُ بِها وَضاقَ المَذهَبُ

صَدَعَت تَصاريفُ الخُطوبِ رَجاءَها

فَهَوى وَطاحَ بِها الزَمانُ القُلَّبُ

بَطَشَت أَنامِلُها فَأَعوَزَ ساعِدٌ

وَأَعانَ ساعِدُها فَخانَ المَنكِبُ

ذَهَبَت مُلِمّاتُ الزَمانِ بِنورِها

مِمّا تَكُرُّ عَلى الهُداةِ وَتَجلِبُ

في كُلِّ مَطلَعِ شارِقٍ وَمَغيبِهِ

قَمَرٌ يَزولُ وَفَرقَدٌ يَتَغَيَّبُ

رُزِئَت بنيها الصالِحينَ وَغودِرَت

وَلهَى مُرَوَّعَةً تَرِنُّ وَتَندُبُ

تَلِغُ العَوادي في نَقيعِ دِمائِها

فَيَطيبُ مِن فَرطِ الغَليلِ وَيَعذُبُ

لَم يَبقَ مِنها غَيرُ شِلوٍ مُسلَمٍ

عَكَفَت عَلَيهِ ضِباعُها وَالأَذؤُبُ

يَدعوالحُماةَ الناصِرينَ وَدونَهُم

نابٌ يَهالُ النَصرُ مِنهُ وَمَخلَبُ

نامَ الخَلِيُّ فَما يُحِسُّ مُصابَها

وَأَبى عَلَيَّ النَومَ قَلبٌ مُتعَبٌ

تَجِدُ القُلوبُ عَزاءَها وَعَزاؤُهُ

أَعيا وَأَعوزُ ما يُرامُ وَيُطلَبُ

عَزَّيتُهُ فَأَبى وَما مِن ريبَةٍ

غَيري يَخونُ وَغَيرُهُ يَتَرَيَّبُ

وَأَنا الوَفِيُّ إِذا تَقَلَّبَ خائِنٌ

شَرُّ الرِجالِ الخائِنُ المُتَقَلِّبُ

لَم أَدرِ إِذ جُنَّ الظَلامُ أَلَوعَةٌ

بَينَ الحَشا أَم ذاتُ سُمٍّ تَلسَبُ

في القَلبِ مِن مَضَضِ الهُمومِ مُثَقَّفٌ

ماضٍ وَمَكروهُ الضَريبَةِ أَشطَبُ

قُل لِلفَوارِسِ وَالأَسِنَّةِ وَالظُبى

الهَمُّ أَطعَنُ في القُلوبِ وَأَضرَبُ

لَو طارَ في الهَيجاءِ عَن يَدِ قاذِفٍ

ذابَ الحَديدُ لَهُ وَريعَ الأُسرُبُ

حَربٌ يَصُدُّ البَأسُ عَن هَبَواتِها

وَيَهابُ غَمرَتَها الكَمِيُّ المِحرَبُ

ما الحَربُ مَوقِعَةٌ يَطيحُ بِها الفَتى

الحَربُ ما يُشقي النُفوسَ وَيُنصِبُ

كَذَبَت ظِلالُ السِلمِ كَم مِن وادِعٍ

فيهِنَّ يَرجو لَو يُصابُ فَيُعطَبُ

ما العَيشُ في ظِلِّ الهُمومِ بِنافِعٍ

المَوتُ أَنفَعُ لِلحَزينِ وَأَطيَبُ

رَيبُ المنونِ إِذا الحَياةُ تَنَكَّرَت

أَدنى لِآمالِ النُفوسِ وَأَقرَبُ

مِصرُ الحَياةُ وَحُبُّها الشَرَفُ الَّذي

بِطِرازِهِ العالي أُدِلُّ وَأُعجَبُ

نَفسي وَما مَلَكتَ يَدايَ لِأُمَّتي

وَسَراةُ آبائي وَمَن أَنا مُنجِبُ

عَلَّمتُهُم حُبَّ البِلادِ أَجِنَّةً

وَذَوي تَمائِمَ يُنصِتونَ وَأَخطُبُ

يَقضي سُلَيمانُ المُبارَكُ حَقَّها

وَتَصونُ حُرمَتَها الرَضِيَّةُ زَينَبُ

أَبُنَيَّ إِنَّكَ لِلبِلادِ وَإِنَّها

لَكَ بَعدَ والِدَكَ التُراثُ الطَيِّبُ

شَمِّر إِزارَكَ إِن نُدِبتَ لِنَصرِها

إِنَّ الكَريمَ لِمِثلِ ذَلِكَ يُندَبُ

وَإِذا بُليتَ بِجاهِلٍ يَستامُها

فَقُلِ المَنِيَّةُ دونَ ذَلِكَ مَركَبُ

مَهلاً فَما وَطَني الأَعَزُّ بِضاعَةٌ

تُزجى وَلا قَومي مَتاعٌ يُجلَبُ

أَمسِك يَدَيكَ فَإِنَما هِيَ صَفقَةٌ

سوأى يُسَبُّ بِها الكَريمُ وَيُثلَبُ

ما شَقَّ مَكروهُ الأُمورِ عَلى اِمرِئٍ

إِلّا وَتِلكَ أَشَقُّ مِنهُ وَأَصعَبُ

وَلَقَد رَأَيتُ مِنَ العَجائِبِ ما كَفى

فَإِذا الَّذي مَنَّيتَ نَفسَكَ أَعجَبُ

أَأَبيعُ عَظمَ أَبي وَلحمَ عَشيرَتي

المَجدُ يَغضَبُ وَالمَروءَةُ تَعتِبُ

وَإِذا الفَتى المَغرورُ باعَ بِلادَهُ

فَالمالُ مِن أَعدائِهِ وَالمَنصِبُ

ما المَرءُ إِلّا قَومُهُ وَبِلادُهُ

فَاِنظُر إِلى أَيِّ المَواطِنِ تُنسَبُ

وَاِستَفتِ أَصداءَ القُبورِ فَإِنَّها

لَتَبينُ عَن مَعنى الحَياةِ وَتُعرِبُ

إِنَّ الرُفاتَ لَتَستَعِزُّ بِأَرضِها

وَثَرى البِلادِ إِلى النُفوسِ مُحَبَّبُ

لَيسَ التَعَصُّبُ لِلرِجالِ مَعَرَّةً

إِنَّ الكَريمَ لِقَومِهِ يَتَعَصَّبُ

عَوِّد بَنيكَ الخَيرَ إِنَّ نُفوسَهُم

صُحُفٌ بِما شاءَت يَمينُكَ تُكتَبُ

ما لِلبَنينِ مِنَ الخِلالِ سِوى الَّذي

سَنَّت لَهُم أُمٌّ وَأَورَثَهُم أَبُ

لِلمَرءِ مِن شَرَفِ العَشيرَةِ زاجِرٌ

وَمِنَ الخِلالِ الصالِحاتِ مُؤَدِّبُ

وَلِكُلِّ نَفسٍ في الحَياةِ سَبيلُها

وَنَصيبُها مِمّا تَجُرُّ وَتَكسِبُ

مِن أَنعُمِ التاريخِ أَنَّ حِسابَهُ

حَقٌّ وَأَن قَضاءَهُ لا يُشجَبُ

تَقِفُ الخَلائِقُ تَحتَ رايَةِ عَدلِهِ

فَيُقامُ ميزانُ الحُقوقِ وَيُنصَبُ

في مَوقِفٍ جَلَلٍ تَجيشُ جُموعُهُ

فَيُداسُ فيهِ مُتَوَّجٌ وَمُعَصَّبُ

مَلَكَ الزَمانَ فَما لِعَصرٍ موئِلٌ

يَحميهِ مِنهُ وَما لِجيلٍ مَهرَبُ

دَجَتِ الحَقائِقُ حِقبَةً ثُمَّ اِنبَرى

فَتَبَلَّجَت وَاِنجابَ عَنها الغَيهَبُ

يا نيلُ وَالموفونَ فيكَ قَلائِلٌ

لَيتَ الذُعافَ لِمَن يَخونُكَ مَشرَبُ

أَيَخونُ عَهدَكَ غادِرٌ فَيَضُمُّهُ

ما بَينَ جانِحَتَيكَ وادٍ مُخصِبُ

قَتَلَ الوَفاءَ فَما غَضِبتَ وَإِنَّما

يَحمي الحَقيقَةَ مَن يَغارُ وَيَغضَبُ

تَهَبُ الحَياةَ لَهُ وَلَيسَ لِقاتِلٍ

في غَيرِ حُكمِكَ مِن حَياةٍ توهَبُ

أَولَعتَ بِالغَدرِ النُفوسَ وَغَرَّها

أَمَلٌ يُخادِعُها وَبَرقٌ خُلَّبُ

ما لِلحَقيقَةِ مَن يُحامي بَعدَ ما

وَهنَ الأَشَدُّ مِنَ الحُماةِ الأَصلَبُ

سَلني بِأَدواءِ الشُعوبِ فَإِنَّني

طَبٌّ بِأَدواءِ الشُعوبِ مُجَرِّبُ

إِنَّ الشُعوبَ إِذا اِستَمَرَّ جُثومُها

جَثَمَ الرَدى مِن حَولِها يَتَرَقَّبُ

لَيسَ الشِفاءُ بِزائِلٍ عَن أُمَّةٍ

حَتّى يَزولَ تَفَرُّقٌ وَتَحَزُّبُ

مَن لي بِشَعبٍ في الكِنانَةِ لا القُوى

تَنشَقُّ مِنهُ وَلا الهَوى يَتَشَعَّبُ

مُتَأَلِّبٌ يَبغي الحَياةَ كَأَنَّهُ

جَيشٌ عَلى أَعدائِهِ يَتَأَلَّبُ

اللَهُ يقدِرُ لِلشُعوبِ حَياتَها

وَيُجيرُها مِمّا تَخافُ وَتَرهَبُ

وَإِذا قَضى أَمراً فَلَيسَ لِحُكمِهِ

بَينَ المَمالِكِ وَالشُعوبِ مُعَقَّبُ

أَينَ الرِجالُ العامِلونَ فَإِنَّما

تَبقى المَمالِكُ بِالرِجالِ وَتَذهَبُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن بهاء الدين زهير

avatar

بهاء الدين زهير حساب موثق

العصر المملوكي

poet-Baha-Aldin-Zuhair@

449

قصيدة

6

الاقتباسات

606

متابعين

زهير بن محمد بن علي المهلبي العتكي، بهاء الدين. شاعر، كان من الكتّاب، يقول الشعر ويرققه فتعجب به العامة وتستملحه الخاصة. ولد بمكة، ونشأ بقوص. واتصل بخدمة الملك الصالح أيوب ...

المزيد عن بهاء الدين زهير

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة