الديوان » لبنان » ناصيف اليازجي » المرء في الدنيا خيال قد سرى

عدد الابيات : 38

طباعة

المَرْءُ في الدُنيا خَيالٌ قد سَرَى

والعَيشُ مِثلُ الحُلم في سِنَةِ الكَرَى

والناسُ رَكْبٌ قد أناخَ بمَنزِلٍ

فبَنى على الطُّرُقِ المدائنَ والقُرَى

لا مَرحَباً إنْ جاءَتِ الدُّنيا ولا

أسَفاً إذا وَلَّتْ وما الدُّنيا تُرَى

هيَ كالسَّرابِ يَزيدُ مُهجةَ وارِدٍ

ظَمأً ويَملأُ مُقلتَيهِ مَنظَرا

غَرَّارةٌ يسبي الحكيمَ خِدَاعُها

مكراً ويُطغِي الفَيلَسُوفَ الأكبرا

لاحت لنا نارُ الحُباحِبِ في الدُّجَى

منها فخلنا أنَّها نارُ القِرَى

عِشْنا كأنَّا لم نَعِشْ ونموتُ عن

كَثَبٍ كأنّا لم نَكُنْ بينَ الوَرَى

ذَهَبَ الزَّمانُ ومَنْ طَواهُ مُقدَّماً

وكذاكَ يَذَهبُ مَن يَليهِ مُؤَخراً

نبكي ونَضحَكُ للمَنّيةِ والمُنَى

وكِلاهما عَبَثٌ يَدُورُ مُكرّرا

بِتْنا نُنادي حَيدَراً ويَحي وما

يُجدِي إذا بِتْنا نُنادِي حَيدَرا

هذا الأميرُ قَضَى فسالَتْ أكبُدٌ

ومَدامعٌ وجَرَى القَضاءُ بما جَرَى

لم تَحْمِهِ البِيضُ الصَوارِمُ والقَنا

والشُوسُ والجُرْدُ السَلاهِبُ والذُرَى

هذا الذي كنَّا نَعيِشُ بظِلِّهِ

قد صار تحتَ ظِلالِ رَمسٍ أقفَرا

هذا الذي ضبَطَ البِلادَ بكَفِّهِ

قد باتَ مغلولَ اليَدينِ مُعفَّرا

يا طالما أغنَى الفقيرَ بجُودِهِ

واليومَ صار أضَرَّ منهُ وأفقَرا

أمسَى وحيداً في جوانبِ حُفْرةٍ

مَن كان يَجمَعُ في حِماهُ عَسكَرا

مِنَّا السَّلامُ بكل تَكْرِمةٍ على

مَن لم يَمُدَّ إلى وَداعٍ خِنصِرا

قامت تُشيِّعُهُ الرِجالُ مُشخَّصاً

ومَضَتْ تُشيِّعُهُ القُلوبُ مُصوَّرا

أولى العِبادِ برَحمةٍ من لم يَكُنْ

عَرَفَ المَظَالِمَ في العِبادِ ولا دَرَى

وأحَقُّ بالإحسانِ مَن لم يُهمِل ال

مَعروفَ قَطُّ ولم يُباشِرْ مُنكرَا

بَكَتِ الأراملُ واليَتامَى حَسْرةً

لمَّا رأتْ قلبَ السَماحِ تَحسَّرا

وتَنهَّدَ المجدُ الذي ربَّاهُ من

صِغَرٍ فكانَ لهُ أباً ومُدبِّرا

سَلَبَ الزَّمانُ منَ الأفاضلِ دُرَّةً

لو كَلَّفوهُ بمِثلِها لَتَعذَّرا

ولرُبما نَفِدَ الزَّمانُ وذِكرُهُ

نُملي بهِ جُمَلاً ونَكتُبُ أسطُرا

قد كانَ عَوْفاً في الوَفاءِ ولم يَزَلْ

في الحِلمِ مَعْناً والسَماحةِ جَعْفَرا

وإذا تَفقدَّتَ المَحامِدَ كلَّها

ألفَيتَ كُلَّ الصَيدِ في جَوفِ الفَرا

كلٌّ يُبالغُ في المديحِ بِشعرِهِ

ويَظَلُّ مادِحُهُ الأمينُ مُقَصِّرا

ومَتَى طَلَبْنا رِيبةً في نفسِهِ

كانَتْ لنا عَنقاءُ مَغرِبَ أيسَرا

ذاكَ الذي لم يَتَّخِذْ لكُنوزِهِ

عَرَضاً من الدُّنيا فصادَفَ جَوْهَرا

حَقٌّ على الخُطَباءِ ذِكرُ صِفاتِهِ

مَثَلاً شَرُوداً حينَ تَعلُو المِنْبرا

بَحرٌ حَواهُ النَّعشُ فوقَ مناكبٍ

تَسعَى ولم نَعهَدْ كذاكَ الأبحُرا

وفَريدةٌ في الرَّمس قد دُفِنَتْ وكم

من معدنٍ تحتَ التُّراب تَستَّرا

وَيلاهُ مِن هذي الحياةِ فإنَّها

كالظِلِّ تحتَ الشَمسِ يَمشِي القَهْقَرى

إنَّ الحياةَ هيَ الشبابُ وإن تَزِدْ

نَقَصتْ كلفظٍ بالزيادةِ صُغِّرِا

نرجو من الدُّنيا الدَّوامَ ونَفسُها

كحُطامِها ممَّا يُباعُ ويُشترَى

دُوَلٌ وأجيالٌ تَمُرُّ وتَنقَضي

فيها وتَبقَى الكائِناتُ كما تَرَى

فسَقَتْ غَوَادِي الفَضلِ تُربةَ فاضِلٍ

ممَّن يُؤَرَّخُ كان غُوثاً للوَرَى

كُنَّا نُؤَرّخُ فضلَ مِنْحةِ كَفِّهِ

صِرنا نؤَرّخُ رمسهُ تحتَ الثَّرى

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ناصيف اليازجي

avatar

ناصيف اليازجي حساب موثق

لبنان

poet-nasif-al-yaziji@

479

قصيدة

5

الاقتباسات

147

متابعين

ناصيف بن عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط، الشهير باليازجي. شاعر، من كبار الأدباء في عصره. أصله من حمص (بسورية) ومولده في (كفر شيما) بلبنان، ووفاته ببيروت. استخدمه الأمير بشير ...

المزيد عن ناصيف اليازجي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة