تُمحى الغضارات في الدنيا سوى شفق
من الطفولة عذبٍ مثلها غضَرِ
• تُمحى الغضارات: الغضارات جمع “غضارة”، وهي النعمة، والرخاء، وكل ما هو نضير وجميل في الحياة. “تُمحى” أي تزول وتفنى.
• في الدنيا: أي في هذه الحياة الزائلة.
• سوى شفق: الشفق هنا ليس بالضرورة الغروب فقط، بل قد يكون استعارةً لما يبقى من أثرٍ أو لمعانٍ خافتٍ بعد زوال النور. وقد يكون الشفق هنا رمزًا لذكرى أو عاطفة دافئة باقية.
• من الطفولة: أي أن هذا الشفق هو مما تبقى من زمن الطفولة.
• عذب مثلها: أي حلوٌ كحلاوة الطفولة نفسها.
• غَضَرِ: “غَضَر” هنا صفة على وزن “فَعَل” تعني الطراوة والنضارة، أي طريّ نديّ لم يذبل، وهي صفة تدل على الجِدّة والحيوية.
التفسير:
البيت يقول إن كل مظاهر النعمة والجمال والرفاه في هذه الدنيا مصيرها الزوال، إلا شيء واحد لا يُمحى: وهو ذلك الشفق العذب الذي يخلفه طيف الطفولة، فيبقى في النفس كأثر دافئ، طريّ، لم يجفّ بعد، رغم مرور السنين
تُمحى الغضارات في الدنيا سوى شفق
من الطفولة عذبٍ مثلها غضَرِ
الشرح:
• تُمحى الغضارات: “الغضارة” هي النعمة الكثيرة أو مظاهر الرفاه والرخاء، وقد تُفهم أيضًا بمعنى الفتوة أو النضارة في العيش؛ أي كل ما هو جميلٌ وعذب في الحياة.
• في الدنيا: أي في هذه الحياة الدنيا.
• سوى شفقٍ من الطفولة: الاستثناء هنا منقطع (بمعنى: لا يبقى شيء من الغضارات إلا شفقٌ من الطفولة)، و”الشفق” هو الضوء الباقي في الأفق بعد غروب الشمس، وهو استعارة عن الذكرى الباقية أو الأثر الباهت المتوهج.
• عذبٍ مثلها غَضَرِ: “عذبٍ” صفة لهذا الشفق (أي شفق عذب)، و”مثلها غضَرِ” (الغَضَر: رقة الشباب والنعومة)، فالشاعر يشبه هذا الشفق العذب برقة الطفولة وعذوبتها.
المعنى العام:
كل مظاهر الجمال والنعيم في الدنيا تزول وتُمحى مع مرور الوقت،
ولا يبقى منها إلا أثرٌ باهتٌ كالشفق، قادم من زمن الطفولة،
وهو الأثر الوحيد العذب، لأنه يحمل نعومة الطفولة وصفاءها وصدقها
وتُستطار طيوفُ الذكرياتِ سوى
طيفٍ من المهد حتى اللحد مُدٌكَرِ
الشرح:
• وتُستطار طيوفُ الذكريات:
“تُستطار” من الفعل “استطار”، أي انتشرت وتفرّقت كالدخان أو الطيف في الهواء،
و”طيوف الذكريات” جمع “طيف”، أي صور الذكريات التي تمرّ على الخاطر وتتلاشى.
• سوى طيفٍ من المهد حتى اللحد مُدَّكَرِ:
هنا استثناء من الذكريات المتلاشية، أي أن كل الذكريات تتبعثر وتضيع،
إلا طيفًا واحدًا يظل ثابتًا في الذاكرة،
وهو طيف ممتدّ من المهد (الولادة) حتى اللحد (القبر)،
و”مُدَّكَر” اسم مفعول من “ادّكر” أي تُذكر ويُستعاد،
وهو يدل على طيفٍ دائم التذكّر، حاضر دائمًا في الوجدان.
المعنى العام:
كل الذكريات تتناثر وتضيع مع الزمن، لا يبقى منها شيء،
إلا طيفٌ واحدٌ ممتدّ عبر الحياة كلّها، من بدايتها إلى نهايتها،
لا يُنسى، ولا يغيب عن البال، وكأنه خلاصة الذاكرة ولبّ التجربة الإنسانية
محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...