الديوان » مصر » حسن كامل الصيرفي » مالي أراك أخا الإيناس والسلم

عدد الابيات : 405

طباعة

مالي أَراكَ أَخا الإيناسِ وَالسِلمِ

أَصبَحَت لِلهَمِّ وَالأَفكارِ في سِلمِ

وَما لِمُنسَكِبِ الأَجفانِ كَالسَلمِ

أَمِن تَذَكُّرِ جيرانٍ بِذي سِلمِ

مَزَجَت دَمعاً جَرى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ

أَم طارَ نَومُكَ مِن وَرقاءَ ساجِعَةِ

غَنَّت فَهامَت بِنَفسٍ مِنكَ هائِمَةِ

وَلَيسَتِ النَفسُ مِن وَجدٍ بِكاظِمَةِ

أَم هَبَّتِ الريحُ مِن تَلقاءِ كاظِمَةِ

وَأَومَضَ البَرقَ مِنَ الظِماءِ مِن أَضَمِ

عَجِبتُ مِنكَ مَتى يَخفى هَواكَ مَتى

هَل أَنتَ تُنكِرُ وَجداً لِلوَرى ثَبتا

وَهَبكَ خَلوا وَما قالوهُ مُفتَأَتا

فَما لِعَينَيكَ إِن قُلتَ أَكفَفاهَمتا

وَما لِقَلبِكَ أَن قُلتَ اِستَفِق بِهِم

لَو لَم يُمسِك مِن نارِ الجَوى ضَرَمِ

ما سالَ دَمعُكَ أَو حَلَّ الحَشا أَلَمِ

وَلَم يُحاوِل جَحدَ الحَقِّ مُتَّهَمٌ

أَيَحسَبُ الصَبَّ إِنَّ الحَُّ مُنكَتِمِ

ما بَينَ مُنسَجِمٍ مِنهُ ومُضطَّرَمِ

نَعَم عَهِدتُّكَ قَبلَ الآنَ في جَذلِ

تَختالُ في حُلَلِ النَعماءِ وَالأَمَلِ

فَأَنتَ طَبعاً وَإِن أَنكَرتَ كُلَّ جَلى

لَولا الهَوى لَم تَرقَ دَمعاً عَلى طَلَلِ

وَلا أَرِقتُ لِذِكرِ البانِ وَالعِلمِ

لِلعاشِقِ فَبِكَ دَلالاتٌ وَقَد اِنوُجِدَت

حَتّى المَحبونَ وَالأَعدى لَكَ اِنتَقَدَت

طَرفٌ يَفيضُ وَدَمعُ حالِهِ شَهِدَت

فَكَيفَ تُنكِرُ حَبا بَعدَ ما شَهِدَت

بِهِ عَلَيكَ عَدولَ الدَمعِ وَالسَقمُ

كُنّا نَخالُكَ مَغبوطاً بِكُلِّ هُنا

وَلَم تَكُن أَبدا لِلهَمِّ مُرتَهَنا

وَها فُؤادَكَ بِالبُؤسي وَهيَ وَهنا

وَأَثبَتَ الوَجدُ خَطِي عَبرَةٍ وَضَنى

مِثلَ البِهارِ عَلى خَدَّيكَ وَالعَتمُ

لَو كُنتُ مِثلِكَ وَالتَسهيدُ طَوَّقَني

حَيثُ الحَبيبُ خَيالٌ مِنهُ سارِقَتي

لَقُلتُ إِن قيلَ هَل سارَ فَاِقلِقني

نِعمَ سَرى طَيفُ مَن أَهوى فَأَرقَني

وَالحُبُّ يَعتِرِضُ الَذاتَ بِالأَلَمِ

إِنَّ الصَبابَةَ ما دامَت مُقَدَّرَةً

أَظهِر عَلَيها لَدى العُذّالِ مَقدِرَة

وَقُل لِمَن لامَ تَعزيراً وَتَبِصَرَةً

يا لائِمي في الهَوى العُذري مَعذِرة

مِنّي إِلَيكَ وَلَو أَنصَفتَ لَم تَلُمِ

لَو أَنتَ تَدري بِما في العُشّاقِ مِن خَطَر

لَكُنت أَوَّلَ مَن يَرثي لِمُعتَذِر

وَما أَقولُ وَما هَمّي بِمُقتَصَرٍ

عُدَّتُكَ حالي لا سَرى بِمُستَتَر

عَنِ الوُشاةِ وَلا دائي بِمُنحَسِمِ

ماذا صَنَعتَ بِما جاهَدتَ تُبدِعُهُ

تَحتَ النَصيحَةِ مِن لَومٍ تَرقَعُهُ

هَوِّن عَلَيكَ وَخَيرُ القَولِ أَنفَعُهُ

مَحَضتَني النُصحَ لَكِن لَستُ أَسمَعُهُ

إِنَّ المُحِبَّ عَنِ العُذّالِ في صَمَمِ

دَع عَنكَ لَومي فَإِنَّ اللَومُ مِن قَبلي

كَالزَندِ بِالقَدَحِ إِن أَوروهُ يَشتَعِلِ

وَخَلِّ نُصحَكَ لا تَصرِفُهُ في هَزَلٍ

أَنّي لَتَهِمتُ نَصيحَ الشَيبِ في عَذلي

وَالشَيبُ أَبعَدَ في نُصحٍ عَنِ التُهَمِ

اِنتَصِح بِجِدّي لَو أَنَّ الأَنفُسَ اِحتَفَظَت

بِهِ فَرَقَّت حَواشيها وَما غَلَظَت

وَأَينَ نَفسي مِن هَذا إِذا وَعَظَت

فَإِنَّ إِماراتي بِالسوءِ ما اِتَّعَظَت

مِن جَهلِها بِنَذيرِ الشَيبِ وَالهَرَمِ

مازِلتُ أَعدِلُها أَنّي أَرى خَطَراً

وَالغَيُّ اليَعدِلُها فيما لَهُ خَطَرا

فَما تَرَوَّت بِحَزمٍ كانَ لي وَزَرا

وَلا أَغدَت مِنَ الفِعلِ الجَميلِ قَرى

ضَيفٌ أَلَمَّ بِرَأسي غَيرَ مُحتَشِمِ

ضَيفٌ كَريمٌ بِشِعرِ المَرءِ مَظهَرُهُ

أَولى لَهُ السَترَ مِمَّن لا يَقدِرُهُ

وَالحَقُّ أَنّي وَعَيبي لَستُ أُنكُرُهُ

لَو كُنتُ أَعلَمُ أَنّي ما أوقِرُهُ

كَتَمتُ سِرّاً بَدا لي مِنهُ بِالكَتمِ

يا وَيحَ نَفسي مَن أَداركِ غايَتُها

كَم بي تَجوزُ مَفازاتِ لِحاجَتِها

عَجِزتُ وَاللَهِ يَأساً مِن ضَلالَتِها

مَن لي بَردَ جِماحٍ مِن غِوايَتِها

كَما يَرِدُ جِماحَ الخَيلِ بِاللَجَمِ

مِن رَغبَةِ النَفسِ في الدُنيا وَثَروَتَها

تَرمي المَرامي بِنا في جَوفِ شَقوَتِها

وَلَيسَ مِن أَمَلٍ في قَهرِ سَطوَتِها

فَلا تَرُم بِالمَعاصي كَسرَ شَهوَتِها

إِنَّ الطَعامَ يَقوى شَهوَةَ النَهَمِ

وَلا تَنَلها الَّذي تَهوى إِلَيهِ وَلا

تَلقى بِأَيديكَ فَرحاناً بِهِ جَذلا

مَةن يَبغِ تَركاً لِشَيءِ صَدِّهِ وَسَلا

وَالنَفسُ كَالطِفلِ أَن تُهمِلَهُ شَبَّ عَلى

حُبِّ الرِضاعِ وَإِن تَفطِمُهُ يَنفَطِمِ

لا يَعدِمُ المَرءُ عَزماً إِن يوفيهِ

إِلى التَثَبُّتِ في أَمرٍ لِيَقليهِ

وَالنَفسُ تُغريكَ بِالأَدنى لِتَأتيهِ

فَاِضرِف هَواها وَحاذِر إِن توليهِ

إِنَّ الهَوى ما تَوَلّى يَصِمِ أَو يَصِمِ

النَفسُ ما لَم تُقيدُ فهيَ هائِمَةً

كَنافَةَ ما لَها الحَيُّ شاكِمَة

فَاِعقِل لَها وَتَوَكَّل وَهيَ قائِمَةً

وَراعِها وَهيَ في الأَعمالِ سائِمَة

وَإِن هِيَ اِستَحَلَّت المَرعى فَلا تَسَمِ

وَلا تُملِ نَحوَ ما شاءَتهُ قائِلَةٌ

هَذا لَذيذٌ وَخالي الضُرِّ خائِلَة

فَإِنَّها لا أَرانا اللَهُ غائِلَةً

كَم حَسُنَت لِذَّةً لِلمَرءِ قاتِلَة

مِن حَيثُ لَم يَدرِ إِنَّ السُمَّ في الدَسَمِ

ما المَرءُ مِنّا عَلى حالٍ بِمُنطَبَعِ

إِن جاعَ جالَ وَإِن يَشبَعُ فَذو جَزعِ

فَوَسطَ الحالِ في كُلٍّ بِلا جَشَعِ

وَاِخشَ الدَسائِسَ مِن جوعٍ وَمِن شَبَعِ

فَرُبَّ مَخمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُخَمِ

وَالنَفسُ صُنها فَكَم نَفسٌ لَنا لَجَأَت

إِلى حَرامٍ عَلَيهِ طالَما اِنكَفَأَت

فَاِختَر لَها الحَلَّ وَاِستَغفِر إِذا خَطَأَت

وَاِستَفرِغِ الدَمعَ مِن عَينٍ قَد اِمتَلَأَت

مِنَ المَحارِمِ وَالزَم حَمِيَّةَ النَدَمِ

وَمَل إِلى الحَقِّ وَالإِنصافِ وَاِعلِها

وَلا تُطِع مُستَهاماً في الهَوى نَهَما

وَتابِعِ الدينَ وَالدِيانِ وَاِرضِها

وَخالِفِ النَفسَ وَالشَيطانَ وَاِعصِها

وَإِن هَما مَحضاكَ النُصحَ فَإِنَّهُم

النَفسُ ما مَرَّةً تُهديكَ أَمَن حَمى

وَمَن أَبى مَرَّةً كَمَن واثِقاً بِعَمى

فَلا تَخلِ فيهِما رُشداً وَلا حُكماً

وَلا تُطِع مِنهُما خَصماً وَلا حِكَما

فَأَنتَ تَعرِفُ كَيدَ الخَصمِ وَالحُكمِ

أَقولُ هَذا وَلَم أَنظُر إِلى عِلَلِ

فيها تَمادَيتُ مِن نَهلٍ إِلى عِلَلِ

فَذَلِكَ النُصحُ مِن جانٍ بِلا خَجَلِ

أَستَغفِرُ اللَهَ مِن قَولٍ بِلا عَمَلِ

لَقَد نَسَبتُ بِهِ نَسلاً لِذي عَقَمِ

وَقَعتُ وَاللَهِ تَحتَ النَقدِ وَالشِبهِ

إِن كُنتَ أَو خُذ أَو قَولي بِموجَبِهِ

عُذراً أَخا الوُدِّ إِنّي غَيرَ مُنتَبِهِ

أَمَرتُكَ الخَيرَ لَكِن ما اِئتَمَرَت بِهِ

وَما اِستَقَمتُ فَما قَولي لَكَ اِستَقِمِ

النَفسُ كانَت عَنِ الإِحسانِ غافِلَةً

وَلَم تَزَل شَمسُ حَظّي عَنهُ آفِلَةً

فَما اِتَّخَذَت مِنَ الأَعمالِ كافِلَةً

وَلا تَزَوَّدَت قَبلَ المَوتُ نافِلَةً

وَلَم أَصلِ سِوى فَرضٍ وَلَم أَصُمِ

وَلَيسَ حَظّي سِوى هَذا القُصورُ بِلى

لَقَد جُرِرتُ بِأَهوائي لِكُلِّ بِلا

وَلَيتَني لَم أَنَم لَيلي الطَويلَ وَلا

ظَلَمَت سُنَّةُ مَن أَحيا الظَلامَ إِلى

إِن اِشتَكَت قَدَماهُ الضُرَّ مِن أَلَمِ

أَحيا وَقامَ وَمِنهُ الذِكرُ حَيثُ ثَوى

في الصَحوِ وَالنَومِ لِلَهِ العُلى سِوا

وَكَم بِلا رَمَقٌ نَفَلُ الصِيامِ نَوى

وَشَدَّ مِن سَغبِ أَحشاءِهِ وَطَوى

تَحتَ الحِجارَةِ كَشَحاً مُترَفَ الأَدَمِ

وَلَم يَشُدَّ الحَشا مِن عَوزِ مَطلَبِ

فَالخَيراتِ لَهُ مِن غَيرِ ما طَلَبِ

لَهُ تَراءَت كُنوزُ الأَرضِ عَن كَثَبِ

وَراوَدَتهُ الجِبالُ الشَمُّ مِن ذَهَبِ

عَن نَفسِهِ فاراها إيما شَمَمِ

وَكَيفَ يَرضى وَقَد كانَت وَتيرَتُهُ

حُبُّ القَناعَةِ ما قُلتُ ذَخيرَتُهُ

بَل قَد أَبَتها إِبا زُهدٍ سيرَتُهُ

وَأَكَّدتُ زُهدَهُ فيها ضَرورَتُهُ

إِنَّ الضَروراتِ لا تَعلو عَلى العَصَمِ

نِعمَ نَرى العَوزَ قَد أَدّى لِكُلِّ شَجَنِ

وَكَم بِصاحِبِهِ أَودى فَكادَ يَجنِ

لَكِن سَيِّدَنا بِالنَفسِ حازَ غِنى

وَكَيفَ تَدعو إِلى الدُنيا ضَرورَةَ مِنِ

لَولاهُ لَم تَخرُجِ الدُنيا مِنَ العَدَمِ

لَولاهُ لَولاهُ لَم يَبدو سَنا القَمَرِي

نِ وَالكَواكِبُ وَالإِنسُ وَمُطلَقُ شَي

فَهوَ الأَساسُ لِتَكوينِ وَخَلقَةِ حَيِّ

مُحَمَّدِ الكَونَينِ وَالثَقَل

ينِ وَالفَريقَينِ مِن عَربٍ وَمِن عَجَمِ

رَسولُنا مَن لَهُ يَومُ الحِسابِ يَدٌ

هِيَ الَّتي وَحدَها لِلمُلتَجى سَنَدِ

وَليناً مَن لَنا تَصديقُهُ رَشَدُ

نَبينا الآمِرِ الناهي فَلا أَحَدِ

أَبَرَّ في قَولٍ لا مِنهُ وَلا نِعَمِ

في الهَذِهِ الدارُ قَد كانَت طَريقَتُهُ

سَبيلُ فَوزٍ بِهِ سادَت جَماعَتُهُ

وَفي المَعادِ وَيا لِلهَولِ حِليَتُهُ

هُوَ الحَبيبُ الَّذي تَرَجّى شَفاعَتُهُ

لَكِنَّ هَولٌ مِنَ الأَهوالِ مُقتَحَمٍ

لَمّا قَضى اللَهُ أَشهارً لِمَذهَبِهِ

وَأَبلِغِ الأَمرَ جِبريلَ لِصاحِبِهِ

بِقُم فَأَنذِر وَاِقرَأ بِاِسمِ نادِبِهِ

دَعا إِلى اللَهِ فَالمُستَمسِكونَ بِهِ

مُستَمسِكونَ بِحَبلٍ غَيرَ مُنفَصِمِ

لَم تَحكِهِ الشَمسُ في رَأدٍ وَلا أُفُقِ

وَلَم يَكُن هَكَذا حُسنٌ بِمُتَّفَقِ

فَلا عَجيبَ إِذا ما كانَ عَن أُفُقِ

فاقِ النَبيينَ في خَلقٍ وَفي خَلقِ

وَلَم يُدانواهُ في حِلمٍ وَلا كَرَمِ

وَما لِشَأنِهِم في الفَضلِ مُبتَخَسِ

أَو عَنهُمُ الروحُ مِن ذي الطولِ مُحتَبَسِ

بَل كُلُّهُم مِن جَلاِ اللَهِ مُقتَبَسِ

وَكُلُّهُم مِن رَسولِ اللَهِ مُلتَمَسِ

غَرَفاً مِنَ البَحرِ أَو رَشَفاً مِنَ الديمِ

فَهُم لِآلٍ وَطَهَ وَسطَ عَقدِهِم

وَهُم بِمِقدارِهِ أَدرى وَقَدرُهُم

مُمَجِّدونَ لَهُ مِن فَوقِ مَجدِهِم

وَواقِفونَ لَدَيهِ عِندَ حَدِّهِم

مِن نُقطَةِ العِلمِ أَو مِن شَكلَةِ الحُكمِ

وَكَيفَ لا وَهوَ سِرُّ اللَهِ خَيرَتُهُ

مِن جُملَتِ سورَةِ التَفصيلِ سيرَتُهُ

وَلَيسَ في الخَلقِ مِن تَحكيهِ سورَتُهُ

فَهوَ الَّذي تَمَّ مَعناهُ وَصورَتُهُ

ثُمَّ اِصطَفاهُ حَبيباً بارِئِ النَسَمِ

فَظاهِرُ الحُسنِ فيهِ مِثلُ باطِنِهِ

وَما عَلَيها وَرُبى مِن مَقارِنِهِ

كَلّا هُوَ الفَردُ في عَيني مَعانيهِ

مُنَزَّهٌ عَن شَريكٍ في مَحاسِنِهِ

فَجَوهَرُ الحُسنِ فيهِ غَيرَ مُنقَسِمِ

فَالمُرسَلونَ تُضاهيهِ بِأَيهَمٍ

وَزيهٍ بَيَّنَ مِن بَينِ زِيِّهِم

فَإِن تُرِد مَدحَهُ في نَشرِ طَيِّهِم

دَع ما اِدَّعَتهُ النَصارى في نَبِيِّهِم

وَاِحكُم بِما شِئتَ مَدحاً فيهِ وَاِحتَكِمِ

وَقُل وَناظِر وَفاخِر كُلِّ ذي صَلَفِ

بِبَعضِ ما حازَ مِن فَضلٍ وَمِن طَرَفِ

وَقُم بِأَرفَعِ مَنصوبٍ عَلى شَرَفِ

وَاِنسَب إِلى ذاتِهِ ما شِئتَ مِن شَرَفِ

وَاِنسِب إِلى قَدرِهِ ما شِئتَ مِن عَظَمِ

وَما يُقالُ وَرَبُّ الحَمدِ جَملُهُ

بِكُلِّ مَدحٍ إِذا ما الفَضلُ جَمَّ لَهُ

وَاللَهُ ما عِندَنا وَحيَ لِنُنزِلَهُ

فَإِنَّ فَضلَ رَسولِ اللَهِ لَيسَ لَهث

حَدُّ فَيَعرُبَ عَنهُ ناطِقَ بِفَمِ

وَكَيفَ يُعرِبُ أَو يَلقى فَماً

يُجيدُ مَدحاً بِهِ لِلمُصطَفى قَدَما

فَوَالَّذي أَرغَمَ الأَعدا بِهِ كَظَماً

لَو ناسَبتَ قَدرَهُ أَياتِهِ عَظَما

أَحيا اِسمُهُ حينَ يَدَّعي دارِسَ الرِمَمِ

اِنظُر لِما كانَ مِن عالي تَأَدُّبِهِ

وَحُسنَ أَخلاقِهِ سُبحانَ واهِبِهِ

فَمَن لِطَيفِ سَجاياهُ وَطيبِهِ

لَم يَمتَحِنا بِما تَعيا العُقولُ بِهِ

حِرصاً عَلَينا فَلَم نُرَتِّب وَلَم نَهِمِ

جَلَّ القَديرُ لَهُ فَوقَ العُقولِ بَرى

فَكُلُّهُ مُعجِزَ إِدراكِهِ البَشَرا

لِذاكَ كانَ إِذا ما غابَ أَو حَضَرا

أَعيا الوَرى فَهُم مَعناهُ فَلَيسَ يَرى

في البُعدِ وَالقُربِ فيهِ غَيرَ مُنفَحِمِ

قَد كانَ مِن لُطفِهِ لَم يَخشَ مِن أَحَدِ

وَهوَ المَهيبُ وَجَلَّ القَدرُ عَن أَسَدِ

لَكِنَّهُ وَهوَ أَعلا كُلَّ ذي صَعَدِ

كَالشَمسِ تَظهَرُ لِلعَينَينِ مِن بُعدِ

صَغيرَةً وَتَكلُ الطَرفَ مِن أُمَمِ

ما كانَ مِن عارِفٍ فينا خَليقَتُهُ

عَلى الحَقيقَةِ لَم يُخطِئ طَريقَتُهُ

بَل عَنهُ نِمنا وَلَم نُدرِك هِدايَتُهُ

وَكيَفَ يُدرِكُ في الدُنيا حَقيقَتُهُ

قَومٌ نِيامٌ تَسلو عَنهُ بِالحِلمِ

وَمَن تَقدِرُهُ مِنّا لَهُ فَكِّر

بِحَقِّ مِقدارِهِ مَهما اِنتَهى نَظَر

وَما يُقالُ وَأَقضى قَولَنا قَصَر

فَمَبلَغُ العِلمِ فيهِ إِنَّهُ بَشَر

وَإِنَّهُ خَيرَ خَلقِ اللَهِ كُلُّهُم

آياتِ ذي العَرشِ أَقصاها واقُربُها

مِمّا حَوّى اللَوحُ في أَعلا مَراتِبِها

بِهِ لَنا اِتَّصَلَت أَضوا كَواكِبَها

وَكُلُّ آيِ أَتى الرُسُلِ الكِرامِ بِها

فَإِنَّما اِتَّصَلَت مِن نورِهِ بِهِم

فَلَم تَكُن آيَةَ جِبريلِ كاتِبِها

في سابِقِ الدَهرِ إِلّا وَهوَ صاحِبِها

وَعَن يَدِ الرُسُلِ قَد لاحَت ثَواقِبَها

فَإِنَّهُ شَمسُ فَضلٍ هُم كَواكِبُها

يَظهَرنَ أَنوارُهُ لِلناسِ في الظَلمِ

هُوَ الحَليمُ الَّذي ما شانُهُ نَزَق

وَذو الجَبينِ الَّذي كَالبَرقِ مُؤتَلَقِ

فيهِ الجَمالُ وَحُسنُ الطَبعِ مُتَّفَقِ

أَكرَمَ بِخَلقِ نَبي زانَهُ خَلقِ

بِالحُسنِ مُشتَمِلٌ بِالبَشَرِ مُتَّسَمِ

راعي النَظيرَ لَمّا أوتيهِ مِن تُحَفِ

بِنُضرَةِ وَمُحَيّا صينَ عَن كَلَفِ

تَجِدهُ مَعَ جودِهِ وَالغَيثُ في سَرَفِ

كَالزَهرِ في تَرَفِ وَالبَدرِ في شَرَفِ

وَالبَحرُ في كَرَمٍ وَالدَهرُ في هِمَمِ

عَلَيَّ قَدرُ بَهى في مَلاحَتِهِ

قُوى جاشِ كَمي في شَجاعَتِهِ

ما مِثلِهِ مِن نَبي في مَهابَتِهِ

كَأَنَّهُ وَهوَ فَردٌ في جَلالَتِهِ

في عَسكَرٍ حينَ تَلقاهُ وَفي حَشَمِ

حَوى لِثَغرٍ بَديعَ النَظمِ مُؤتَلَفِ

وُحُسنُ لَفظٍ بِلا لَغوٍ وَلا هَرَفِ

تَبارَكَ اللَهُ في وَصفٍ وَمُتَّصَفِ

كَأَنَّما اللُؤلُؤُ المَكنونَ في صَدَفِ

مِن مَعدَني مَنطِقٌ مِنهُ وَمُبتَسَمِ

بِكُلَّ ما جَلَّ ذو الإِجلالِ عَظمُهُ

حَيّاً وَمَيِّتاً فَنالَ الحَظَّ أَعظَمُهُ

قولوا لِمَن هامَ في وَردٍ وَأَعظَمُهُ

لا طيبَ يَعدِلُ تُرباً ضَمَّ أَعظَمُهُ

طوبى لِمُنتَشِقٍ مِنهُ وَمُلتَثَمِ

بِهِ بَدا اللَهث مِن أَنوارِ مَظهَرُهُ

وَمِن قَديمٍ قَضى تَكوينُ جَوهَرِهِ

وَعِندَما اِشتاقَتِ الدُنيا لِمَنظَرِهِ

أَبانَ مَولِدُهُ عَن طيبِ عُنصُرِهِ

يا طيبَ مُبتَدَاَ مِنهُ وَمُختَتَمِ

بدا الحَبيبُ وَمَن في الشَعبِ عَمَّهُم

كُلُّ السُرورِ وَصارَ الأُنسُ بَينَهُم

وَيَومٌ إِن كانَتِ البُشرى تَسُرُّهُم

يَومَ تَفَرَّسَ فيهِ الفُرسُ لَهُمُ

قَد أَنذَروا بِحُلولِ الوَيلِ وَالنَقَمِ

وَذاكَ يَومٌ بِهِ كَم قَد بَدَت بِدَعِ

مِن نازِلاتٍ تَوَلّاهُم لَها هَلَعُ

فَكُلُّ صَقعٍ غَدا مَبناهُ مُنصَقِعِ

وَباتَ إيوانُ كِسرى وَهوَ مُنصَدِعِ

كَشَملِ أَصحابِ كِسرى غَيرَ مُلتَئِمِ

فَالخَدنِ وَالزَوجِ وَالصَنونِ في لَهفِ

وَعَظُمَ حُزنٌ عَلى ما خيفَ مِن تَلَفِ

وَالمَلِكُ لِلخَسفِ قَد أَمسى عَلى شَرَفِ

وَالنارُ خامِدَةَ الأَنفاسِ مِن أَسَفِ

عَلَيهِ وَالنَهرُ ساهي العَينَ مِن سَدَمِ

وَالريحُ عاصِفَةً تَشتَدُّ غارَتُها

كَالنارِ لِلزَرعِ لا يَرتَدُّ قارَّتُها

وَأَعيُنُ الماءِ خانَتها غَزارَتُها

وَساءَ ساوَةً إن غارَت بُحَيرَتُها

وَردُ وارِدِها بِالغَيظِ حينِ ظَمى

تَرى مَكانَ اللَظى بَرداً وَذا طَلَلِ

وَمَوضِعُ الماءِ حَرا راحَ عَن طَلَلِ

سُبحانَ مِن حَولِ الأَحوالِ عَن حَولِ

كَأَنَّ بِالنارِ ما بِالماءِ مِن بَلَلِ

حَزَناً وَبِالماءِ ما بِالنارِ مِن ضَرَمِ

هَذا وَآمِنَةً بِالأَمنِ راتِعَةً

وَالطَيرُ مِن فَوقِها بِاليَمَنِ ساجِعَة

وَلِلمَلائِكَةِ التَسبيحَ سامِعَةً

وَالجِنُّ تَهتِفُ وَالأَنوارُ ساطِعَة

وَالحَقُّ يَظهَرُ مِن مَعنى وَمِن كَلَمِ

وَالكافِرونَ تَغشاهُم هُناكَ ظُلمُ

وَباتَ كُلُّ صَحيحٍ مِنهُم بِأَلَمٍ

حَتّى كَأَنَّما مُماطِراً وَأَلَمِ

عَموا وَصَموا فاعِلانِ البَشائِرِ لَم

يَسمَع وَبارِقَةَ الإِنذارِ لَم تَشِمِ

لَم يَلبَثِ الكُلَّ إِن كَلَت عَواهِنَهُم

وَبانَ عَنهُم مَحابيهِم وَعائِنَهُم

وَكانَ هَذا كَما أَنهى مَعايِنَهُم

مِن بَعدِ ما أَخبَرَ الأَقوامَ كاهِنَهُم

بانَ دينَهُم المِعوَجَّ لَم يَقُمِ

وَبَعدَ ما حَقَّقوا ما حَلَّ مِن عَطَبِ

وَلَيسَ مِمّا قَضاهُ اللَهُ مِن هَرَبِ

وَبَعدَما شاهَدوا في الأَرضِ مِن عَجَبِ

وَبَعدَما عايَنوا في الأُفُقِ مِن شُهُبِ

مَنقَضَةً وِفقَ ما في الأَرضِ مُن صَنَمِ

وَكانَ أَمرُ اِستِراقِ السمعِ مُلتَزِماً

لَهُ مِنَ الجِنِّ مَن لِلخَطفِ مُعتَزِمِ

فَكانَ مِن حَلِّ وَلي وَهوَ مُنخَرِمِ

حَتّى غَدا عَن طَريقِ الوَحيِ مُنهَزِمِ

مِنَ الشَياطينِ يَقفو أَثَرَ مُنهَزِمِ

لِوَقعَةِ الفيلِ قَبلاً غَيرَ مُشبَهة

لَها بِبَدرٍ لَقَد صاروا كَمُنبَهَةِ

إِذا قَد تَوَلّوا بِأَرواحِ مُدلَهَةٍ

كَأَنَّهُم هَرَبا إِبطالَ أَبرَهَةِ

أَو عَسكَرٌ بِالحَصى مِن راحَتَيهش رَمى

مِن راحَتي حاصِبُ عَينِ العِدا طَسَما

وَما رَمى إِذ رَمى بَل ذو الجَلالِ رَمى

وَكانَ أَلقى صَوبَ العِدا بِهِما

نَبذاً بِهِ بَعدَ تَسبيحٍ بِبَطنِهِما

نَبذُ المُسَبِّحِ في أَحشاءِ مُلتَقِمِ

وَكَم لَهُ طَلَبُ الأَعداءِ آبِدَةً

مِن مُعجِزاتٍ تَراها العَينُ ناقِدَة

وَكَي تَكونَ لَهُ الأَعيانُ شاهِدَةً

جاءَت لِدَعوَتِهِ الأَشجارَ ساجِدَة

تَمشي إِلَيهِ عَلى ساقي بِلا قَدَمِ

سارَت تَهُزُّ لِأَقلامٍ بِها اِنتَشَبَت

لَها بَرى اللَهُ وَالأَعدا بِها اِنقَضَبَت

فَلَو تَرى أَثَرَها مِن حَيثُما اِنقَلَبِت

كَأَنَّما سَطرَت سَطراً لَما كَتَبَت

فُروعُها مِن بَديعِ الخَطِّ في اللَقَمِ

وَلَم تَزَل زُمرَةَ الكُفّارِ ناكِرَةً

لِكُلِّ آياتِهِ الكُبرى مُكابِرَة

حَتّى الَّتي بَينَهُم كَالشَمسِ ظاهِرَةً

مِثلَ الغَمامِ أَنّى سارَ سائِرَة

تَقيهِ حَرَّ وَطيسَ لِلهَجيرِ حَمي

هَذا الَّذي قَلبُهُ شَقَّ المَليكَ لَهُ

طِفلاً وَكَهلاً وَلِلأَعلاءِ أَهلَهُ

يا جاحِدينَ عَلى عِلمِ فَضائِلِهِ

أَقسَمتُ بِالقَمَرِ المُنشَقِّ أَن لَهُ

مِن قَلبِهِ نِسبَةَ مَبرورَةِ القَسَمِ

أَلا تَرَونَ أُسديهِ مِن قَدَمِ

وَما لَهُ فَوقَ ما لِلرُسُلِ مِن قَدَمِ

مِثلَ المَسيرِ وَلا آثارٍ مِن قَدَمِ

وَما حَوى الغارُ مِن خَيرٍ وَمِن كَرَمِ

وَكُلُّ طَرفٍ مِنَ الكُفّارِ عَنهُ عَمى

قُبالَةَ الغارِ صارَ الجَميعُ مُزدَحِما

لِظَنِّهِم أَنَّهُ آوى بِهِ أُمَما

لَكِن حاميهِ بِاللُطفِ الخَفي حَمى

فَالصِدقُ فيالغارِ وَالصَديقُ لَم يَرما

وَهُم يَقولونَ ما بِالغارِ مِن أَرَمِ

رَأَوا حَماماً عَلى البابِ لَهُ اِشتَمَلا

وَعَنكَبوتاً حَوالَيهِ عَلا وَمَلا

وَمَن عَمى قَلبَهُم مِمّا بِهِم نَزَلا

ظَنّوا الحَمامَ وَظَنّوا العَنكَبوتَ عَلى

خَيرُ البَرِيَّةِ لَم تَنسُج وَلَم تَحِمِ

مَني يَتَّقِ اللَهِ لَم يَعبَأ بِراجِفَةٍ

وَلا بِشَعواءَ لِلأَعمارِ خاطِفَة

فَبِالتَوَكُّلِ في أَقوى مُزاحَفَةٍ

وِقايَةَ اللَهِ أَغَت عَن مُضاعَفَة

مِنَ الدُروعِ وَعَن عالٍ مِنَ الأَطَمِ

هَذا مُحَمَّدٌ مِن لَذنا بِجانِبِهِ

وَنالَ كُلٌّ بِهِ أَقصى مَطالِبِهِ

فَوالَّذي صانَهُ مِن سَومِ عائِبِهِ

ما سامَني الدَهرُ يَوماً وَاِستَجَرتَ بِهِ

أَلا وَنِلتَ جِواراً مِنهُ لَم يَضَمِ

كَلّا وَلا رامَ قَلبي نَيلَ مَقصَدِهِ

مِن حُسنِ عَيشٍ يَهنيني بِأَرغَدِهِ

أَو رُمتَ فَضلَ جَميلٍ مِن مَعودِهِ

وَلا التَمَسَت غِنى الدارَينِ مِن يَدِهِ

إِلا اِستَلَمَت النَدى مِن خَيرِ مُستَلِمِ

عَجَبَت مِن عابِثٍ في الصِدقِ قَولَهُ

وَالوَحى في النَومِ بِالآياتِ وَأَصلَهُ

يا مَعشَرَ الناسِ خَرَقَ ذاكَ أَم دَلَّهُ

لا تُنكِروا الوَحى مِن رُؤياهُ إِن لَهُ

قَلباً إِذا نامَتِ العَينانِ لَم يَنَمِ

أَلَم يَكُن ما رَأى مِن قَبلُ بِعثَتُهُ

قَد كانَ كَالصُبحِ يَأتي في جَلِيَّتِهِ

وَكَلُّكُم شاهِدوا مِصداقَ رُؤيَتِهِ

وَذاكَ حينَ بُلوغٌ مِن نَوبَتِهِ

فَلَيسَ يُنكِرُ فيهِ حالُ مَحتَلِمِ

أَما اِحتِمالُ حُصولِ الوَحيَ عَن سَبَبِ

هَذا اِعتِزالٌ وَتَخطيطٌ بِلا أَدَبِ

أَكلُ مَن رامَ وَحَيا جاءَ عَن طَلَبِ

تَبارَكَ اللَهُ ما وَحيَ بِمُكتَسَبِ

وَلا نَبي عَلى غَيبٍ بِمُتَّهَمِ

هَذا وَأَحمَدَ لا تَخفى نَزاهَتُهُ

وَبِالأَمينِ دَعاهُ قَبلَ ناعِتِهِ

وَفي المَصابِ وَردَ العَينِ آيَتِهِ

كَم أَبرَأَت وَصَبا بِاللَمسِ راحَتَهُ

وَأَطلَقَت أَربا مِن رِبقَةِ اللَمَمِ

أَلَم يَرَ الناسَ ما أَدَّتهُ بِعثَتُهُ

وَما هَدَّتهُم بِهِ لِلحَقِّ شِرعَتُهُ

فَقَد أَماتَت حَياةُ الكُفرِ نَشأَتُهُ

وَأَحيَتِ السَنَةَ الشَهباءَ دَعوَتُهُ

حَتّى حَكَت غُرَّةً في الأَعصَرِ الدَهِمِ

وَهَل تَناسَت وَقَد ضَنَت بِصَيبِها

سَماءَ طيبَةٍ في أَبانٍ مَطلَبَها

بِدَعوَةٍ مِنهُ أَو في صَوبِ ساكِبِها

بِعارِضٍ جادَ أَو خَلَتِ البِطاحَ بِها

سَيبٌ مِنَ اليَمِّ أَو سَيلٌ مِنَ العَرَمِ

وَكَم وَكَم آيَةً مِنهُ لَقَد بَهَرَت

ذَوي العُقولِ وَفي الآقاقِ قَد نَشَرَت

يا اَرمَداً عَينَهُ عَن نورِهِ جَهَرَت

دَعني وَوَصفي آياتٌ لَهُ ظَهَرَت

ظُهورَ نارِ القُرى لَيلاً عَلى عِلمِ

إِن قيلَ مُطريهِ لِمَ لِلشِعرِ مُلتَزِمٌ

وَلُؤلُؤُ النَثرِ كَم يَبدو بِهِ عَظمُ

أَقولُ ذا الشِعرِ أَحلا وَهوَ مُنسَجِمُ

فَالدُرِّ يَزدادُ حُسناً وَهوَ مُنتَظِمُ

وَلَيسَ يَنقُصُ قَدراً غَيرَ مُلتَئِمِ

وَأَيُّ مَدحٍ لَهُ أَنّى عَلا وَغلا

مِن عاشِقيهِ إِلى ما أَملوا وَصَلا

وَها أَنا مَن أَرادَ ذَلِكَ الأَمَلا

فَما تَطاوَلَ آمالَ المَديحِ إِلى

ما فيهِ مِن كَرَمِ الأَخلاقِ وَالشِيَمِ

لَمّا قَضى اللَهُ وَالدُنيا مُلَوَّثَةً

بِالكُفرِ وَالكُفرُ بِالدِيانِ مَخبَثَةُ

عَلَيهِ أَنزَلَ وَالذِكرى مُحدَثَةً

آياتَ حَقٍّ مِنَ الرَحمَنِ مُحدَثَةُ

قَديمَةٌ صِفَةَ المَوصوفِ بِالقَدِمِ

آياتُ حَقٍّ بِبَثِّ العَدلِ تَأمُرُنا

تَنهى عَنِ السوءِ وَالفَحشاءِ تَحذِرُنا

وَحَيثُ كانَت بِما في اللَوحِ تُنذِرُنا

لَم تَقرِن بِزَمانٍ وَهيَ تُخبِرُنا

عَنِ المَعادِ وَعَن عادِ وَعَن أَرَمِ

هَذا وَكَم كانَ مِن آيِ مُعَزَّزَةً

عَنِ النَبِيينَ باتَت غَيرَ مُحرِزَةِ

وَآيَنا وَعَداها كُلُّ مَغمَزَةٍ

دامَت لَدَينا فَفاقَت كُلُّ مُعجَزَةِ

مِنَ النَبِيينَ إِذ جاءَت وَلَم تَدُمِ

حَلَّت فَجَلَت لَدى الأَقوالِ عَن شِبهِ

وَما بِها عارِضَ فيهِ بِمُشتَبَهِ

حَتّى بَدَت وَهيَ مَرأى كُلِّ ذي أَبهِ

مُحكَماتٍ فَما تُبقينَ مِن شِبهِ

لِذي شَقاقِ وَما تَبغينَ مِن حُكمِ

كَم شاعِرٍ مُفلِقٍ أَو ناثِرٍ أَرِبِ

لَدى السَماعِ لَها قَد هامَ مِن طَرَبِ

وَفَوقَ ذا أَنَّها في كُلِّ مُضطَّرَبِ

ما حورِبَت قَطُّ الأَعادِ مِن حَربِ

أَعدى الأَعادي إِلَيها مَلقى السَلَمِ

أَجَلَّها اللَهُ في شَتّى مَخاوِضِها

عَن اِختِلافٍ تَراهُ عَينُ داحِضها

وَعِندَ كُلِّ جِدالٍ في مَعارِضِها

رَدَت بَلاغَتُها دَعوى مَعارِضِها

رَدَّ الغَيورُ يَدَ الجاني عَنِ الحَرَمِ

وَلا غَرابَةَ إِن قَد باتَ مِن حَسَدِ

مِن هالِهِم أَمرَها في مُنتَهى النَكَدِ

إِذ شاهَدوها كَمِثلِ اللُؤلُؤِ النَضِدِ

لَها مَعانَ كَمَوجِ البَحرِ في مَدَدِ

وَفَوقَ جَوهَرِهِ في الحُسنِ وَالقِيَمِ

عَنِ الهَوى نَزَّهتَ ما ضَلَّ صاحِبَها

مَحفوظَةً أَبداً تَرعى مَذاهِبَها

عَن قُدرَةِ اللَهِ قَد دَلَّت غَرائِبَها

فَلا تَعدُ وَلا تُحصى عَجائِبَها

وَلا تَسامُ عَلى الإِكثارِ وَبالسَأِمِ

هِيَ السَبيلُ لِمَن يَرجو مَؤمَلُهُ

وَرِبحُ مِن عامِلِ الخُسرانِ عامِلُهُ

في مَشهَدِ الفَجرِ ما أَهنى مُزاوِلُهُ

قَرَّت بِها عَينُ قاريها فَقُلتُ لَهُ

لَقَد ظَفِرتُ بِحَبلِ اللَهِ فَاِعتَصِمِ

وَهيَ النَجاةُ لِتالِ شَأنِها حِفظاً

وَمِن مَعانٍ وَأسرارٍ لَها اِتَّعَظا

فَإشن تَكُن ذا يَقينٍ عالَماً يَقَظا

إِن تَتلُها خيفَةً مِن حُرِّ نارِ لَظى

أَطفَأتُ حَرَّ لَظى مِن وَردِها الشَبَمِ

فَكُلُّ ساعٍ لَها يَرمي بِمَشرَبِهِ

لِعَذبِ مَنهَلِها هانٍ بِمَشرَبِهِ

وَفي الصَفاءِ لَقَد جَلَت عَنِ الشَبَهِ

كَأَنَّها الحَوضُ تُبَيِّضُ الوُجوهَ بِهِ

مِنَ العُصاةِ وَقَد جاؤَهُ كَالحِمَمِ

اِنظُر لَها صَفحاً جاءَت مُعَدَّلَةً

فيها تَرى كُتُباً عَلياءَ مُنَزَّلة

فَكَالحِسابِ لَنا قَدراً وَمُنَزَّلةً

وَكَالصِراطِ وَكَالميزانِ مُعدَلَّة

فَالقِسطُ مِن غَيرِها في الناسِ لَم يَقُمِ

أَسمَعُ وَأُبصِرُ بِها قَد فازَ مَكبَرُها

فَالفَضلُ وَالعَدلُ وَالإِحسانُ مِحوَرُها

وَإِذ عَلِمتُ بانَ الحَقُّ جَوهَرُها

لا تُعجِبَن لِحَسودٍ قامَ يُنكِرُها

تَجاهُلاً وَهوَ عَينُ الحاذِقِ الفَهِمِ

وَما عَلَينا إِذا ما كانَ ذو أَودِ

لَم يَعتَرِف بِمَعانيها لَدى أَحَدِ

فَدَعهُ يُنكِرُ أَو يَرتابُ في نَكَدِ

قَد تُنكِرُ العَينُ ضوءَ الشَمسِ مِن رَمَدِ

وَيُنكِرُ الفَمَ طَعمَ الماءِ مِن سَقَمِ

يا ذُخرَ مَن أَتعَبَ الأَعوازَ راحَتَهُ

وَمَن لَهُ مَدَّ ذو الحاجاتِ راحَتَهُ

يا مُحسِناً كُلَّنا نَرجو سَماحَتُهُ

يا خَيرَ مَن يَمَّمَ العافونَ ساحَتَهُ

سَعياً وَفَوقَ ظُهورِ الأَينَقِ الرَسَمِ

وَمَن لَهُ اِختارَ رَبُّ العَرشِ مُن مُضَرِ

وَفي السَماءِ لَهُ ما جَلَّ مِن أَثَرِ

وَمَن هُوَ الغايَةُ الحُسنى لَمُدَّكَرِ

وَمَن هُوَ الآيَةُ الكُبرى لِمُعتَبِرِ

وَمَن هُوَ النِعمَةُ العُظمى لِمُغتَنِمِ

مَن ذا يُجاريكَ في شَرخٍ وَفي هَرَمِ

وَمَن يُباريكَ في فَخرٍ وَفي كَرَمِ

يَكفيكَ إِنَّكَ وَالأَقوامُ في حِلمِ

سَرَيتَ مِن حَرَمِ لَيلاً إِلى حَرَمِ

كَما سَرى البَردُ في داجٍ مِنَ الظَلَمِ

وافَت مَلائِكَةُ الرَحمَنِ مُرسَلَةً

لِلوَصلِ تَدعوكَ بِالبُشرى مُهَلَّلَة

فَقُمتُ تَغنِمَها نُعمى مُعجِلَةً

وَبِتُّ تَرقى إِلى أَن نِلتَ مَنزِلة

مَن قابَ قَوسَينِ لَم تُدرِكَ وَلَم تَرُمِ

لِلقُدسِ مِن مَكَّةَ قَد سَرَت مُنتَبِها

لِتَشهَدَنَّ مِنَ الآياتِ أَعجَبَها

ثُمَّ اِنتَهَيتُ إِلى العَليا بِكُلِّ بِها

وَقَدَمتُكَ جَميعَ الأَنبِياءِ بِها

وَالرُسُلُ تَقديمَ مَخدومٍ عَلى خَدَمِ

عَلَيكَ حاموا بِقُدسِ اللَهِ مَعبَدَهُم

وَأَنتَ وَالكافُ مُلغةُ كَقائِدِهِم

أَلا رَآكَ فَريقَ مِن مَذاهِبِهِم

وَأَنتَ تَختَرِقُ السَبعَ الطِباقَ بِهِم

في مَوكِبٍ كُنتَ فيهِ صاحِبَ العِلمِ

وَبَعدَ أَن جَزَت ما عَطَرَت مِن أُفقِ

بِنَفخِ طيبٍ عَلى أَرجائِهِ عَبِقِ

جاوَزتَ ما لَم يُجاوِزُ مِن طُرُقِ

حَتّى إِذا لَم تَدَع شَأوا لِمُستَبَقِ

مِنَ الدُنو وَلا مَرقى لِمُستَلِمِ

بَلَغَت أَسنى سَنا بِالعِلمِ جاءَكَ مُذ

رَقيتَ سِلمَ فَضلٍ عَنهُ غَيرَكَ بِذِ

وَمُذ عَلَوتَ أَنتَ في مَقامِكَ فَذ

خَفَضتَ كُلُّ مَقامٍ بِالإِضافَةِ إِذ

نوديتَ بِالرَفعِ مِثلرِ المَفرَمِ العِلمِ

فَكُنتُ أَوَّلَ مَنظورٍ وَمُنتَظِرِ

في باحَةٍ لَن وَلَن تَجتازُ مِن بَشَرِ

ثُمَّ اِنفَرَدَت بِقُدسِ جَلَّ عَن نَظَرِ

كَيما تَفوزُ بِوَصلِ أَيِّ مُستَتِرِ

عَنِ العُيونِ وَسِرُّ أَيِّ مُكتَتَمِ

سُبحانَهُ وَتَعالى جَلَّ مِن مُلكِ

في الفَلَكِ آياتِهِ تَبدو وَفي الفَلَكِ

بِالقُربِ أَولاكَ عَن مُلكٍ وَعَن مَلِكِ

فَحُزتُ كُلَّ فِخارٍ غَيرَ مُشتَرِكِ

وَجُزتَ كُلَّ مَقامٍ غَيرَ مُزدَحِمِ

هُنا حَظيتَ بِقُربٍ دونَ ما حَجَبٍ

وَنِلتَ ما لَم يَكُن في ظَنِّ مُحتَسِبِ

فَحُقَّ إيثارٍ ما أوتيتَ مِن أَرَبِ

وَجَلَّ مِقدارُ ما وَليتَ مِن رُتَبِ

وَعَزَّ أَدراكَ ما أوليتَ مِن نِعَمِ

وَالشُكرُ اللَهِ كانَ الفَوزُ شامِلَنا

إِذ بِالشَفاعَةِ شُيِّدَت موئِلَنا

اللَهُ أَكبَرُ ما أَعلا مَنازِلَنا

بُشرى لَنا مَعشَرَ الإِسلامِ إِن لَنا

مِنَ العِنايَةِ رُكناً غَيرَ مُنهَدِمِ

فَنَحنُ قَبلُ المَلا عَتقا كَرامَتِهِ

وَخَيرُهُم أُمَّةٌ في ظِلِّ رايَتِهِ

وَحاصِلُ الأَمرِ لا يَخفى بِحالَتِهِ

لِما دَعى اللَهُ داعينا لِطاعَتِهِ

بِأَكرَمَ الرُسُلَ كُنّا أَكرَمَ الأُمَمِ

دَعا فَكانَ لَنا حَظٌّ بِشَرعَتِهِ

وَالأَشقِياءُ دَهى كُلٌّ بِرَوعَتِهِ

فَإِنَّهُ عِندَ ما قامَ بِدَعوَتِهِ

راعَت قُلوبُ العِدا أَنباءَ بِعثَتِهِ

كَنَبأَةٍ أَجفَلَت غَفلاً مِنَ الغَنَمِ

أَرادَ يُنقِذَهُم لِلنورِ مِن حِلِّكَ

أَوجَزَيةَ مِنهُم تَأتي بِلا مَحكِ

فَمَن أَبوا غَيرَ حَربٍ مِنهُ مُشتَبِكِ

ما زالَ يَلقاهُم في كُلِّ مُعتَرِكِ

حَتّى حَكوا بِالقَنا لِحِما عَلى وَضَمِ

حَمِيَ الوَطيسُ وَخالوا وَسطَ غَيهَبِهِ

بَرقَ اِنتِصارِ تَحَدّاهُم بِخَلبِهِ

وَإِذ لَقوا المَوتَ نَشاباً بِمَنخلَبِهِ

وَدّوا الفِرارَ فَكادوا يَغبِطونَ بِهِ

أَشلاءَ شالَت مَعَ العِقبانِ وَالرَخَمِ

كانوا يَعُدّوانَ قَبلَ الحَربِ عُدَّتُها

بِكُلِّ وَسعٍ وَيَستَقصونَ مُدَّتَها

فَأَصبَحوا مُذ رَأوا ناراً وَشِدَّتُها

تَمضي اللَيالي وَلا يَدرونَ عُدَّتَها

ما لَم تَكُن مِن لَيالي الأَشهُرِ الحُرُمِ

أَمّا الصَحابَةُ مَن خَلوا تِجارَتَهُم

وَلَم يُبالوا بِجوعٍ هَدَّت راحَتُهُم

فَفي ذَبيحِ العِندا أَبدوا سَماحَتَهُم

كَأَنَّما الدينُ ضَيفُ حِلِّ ساحَتِهِم

بِكُلِّ قَرمٍ إِلى لَحمِ العِدا قَرَمِ

وَالمُصطَفى بِرُسومٍ مِنهُ ناجِحَةً

وَفِكرَةً في قَريبِ الفَتحِ طامَحَةِ

يَأتيهِم وَهوَ ناوٍ كُلَّ صالِحَةٍ

يَجُرُّ بَحرَ خَميسٍ فَوقَ سابِحَةِ

يَرمي بِمَوجٍ مِنَ الأَبطالِ مُلتَطِمِ

جيشَ تَآخي بِهِ في اللَهِ كُلَّ أَبي

أَجَلَّهُ اللَهُ عَ رُعبٍ وَعَن نَصَبِ

مُؤلِفٍ مِن رِجلِ سادَةِ نَخبِ

مِن كُلِّ مُنتَدِبٍ لِلَهِ مُحتَسِبِ

يَستطو بِمُستَأصِلٍ لِلكُفرِ مُصطَلَمِ

فَأَصبَحَ القَومُ خَوفاً مِن مَضارِبِهِم

لا يَخرُجونَ فُرادى مِن مَارِبِهِم

وَهَكَذا عَزَّزوا مَرهوبَ جانِبِهِم

حَتّى غَدَت مِلَّةُ الإِسلامِ وَهيَ بِهِم

مِن بَعدِ غُربَتِها مَوصولَةَ الرَحِمِ

ظَلَّت تَعِزُّ بِهِم وَالقَومُ في حَربٍ

كَأَنَّ أَمعاءَهُم لَفَتَ عَلى حَربِ

وَلَم تَزَل رَغمَهُم في الدَهرِ وَالحِقَبِ

مَكفولَةً أَبَداً مِنهُم بِخَيرِ أَبِ

وَخَيرِ بَعلٍ فَلَم تَيَتَّمَ وَلَم تَئِمِ

حَيّاهُمُ اللَهُ ما أَدهى عَزائِمَهُم

لَدى الكِفاحِ وَما أَوهى مَقاوِمُهُم

قولوا لِمَن غابَ لَم يَشهَد تَصادُمَهُم

هُمُ الجِبالُ فَسَل عَنهُم مَصادِمَهُم

ماذا رَأى مِنهُم في كُلِّ مُصطَدِمِ

وَسَل قَريظَةً وَالأَحزابِ مُفتَقِداً

رَأياً لِسَعدٍ بِهِ الأَعدا اِتَدَّت أَبَدا

وَمِن جِزامَ فَسَل مَن صَفَدوا صَفَدا

وَسَل حَنينَاً وَسَل بَدراً وَسَل أُحُدا

فُصولُ حَتفٍ لَهُم أَدهى مِنَ الوَخَمِ

وَالصَحبُ ثُمَّ بِأَسيافٍ قَد اِتَّقَدَت

وَاِصفو مِنها أَعادَ بِالعَداءِ بَدَت

كانةوا يَرَونَ وَغَبرَ الحَربِ قَد عَقَدَت

المَصدَري البيضَ حَمرا بَعدَما وَرَدَت

مِنَ العِدا كُلَّ مَسودٍ مِنَ اللَمَمِ

كَما خَدوا وَالقَنا مِنهُم قَد اِشتَبَكَت

بَينَ الضُلوعِ وَلَلأَلواحِ قَد نَهَكَت

الناسِخينَ لِأَشباحٍ لَقَدَ هَلَكَت

وَالكاتِبينَ بِسُمرِ الخَطِّ ما تَرَكَت

أَقلامُهُم حَرفَ جِسمٍ غَيرَ مُنعَجِمِ

تَراهُم وَالعِدا هَمَّت تُناهِزُهُم

وَغارِفيهِم يَشُقُّ القَلبَ بارِزَهُم

بَينَ الصُفوفِ ما قَد كِدتَ تَفرِزَهُم

شاكي السِلاحَ لَهُم سيما تَميزَهُم

وَالوَردُ يَمتازُ في السيما عَنِ السِلمِ

أَرادَ مَولاكَ أَعلاهُم وَنَصرَهُم

وَأَظهَرَ الحَربُ لِلفِجارِ قَدرَهُم

حَتّى اِنثَنوا بِأَريحِ الفَخرِ دَهرَهُم

تَهدي إِلَيكَ رِياحُ النَصرِ نَشرَهُم

فَتَحسَبُ الزَهرَ في الأَكمامِ كُلَّ كَمي

لَوافِحُ الحَرِّ خالوها نَسيمَ صِبا

وَقَعقَعاتِ السِلاحِ المُنتَضي طَرَبا

أَما الثَبّاتُ فَقُل ما شِئتَهُ عَجَبا

كَأَنَّهُم في صُدورِ الخَيلِ نَبتٌ رَبا

مِن شِدَّةِ الحَزمِ لا مِن شِدَّةِ الحَزمِ

لَم يَترُكوا سِلماً في الأَرضِ أَو نَفَقا

لِيُشرِقوا النَصرَ مِن صُبحِ المُنى فَلَقا

وَكُلَّما شوهِدوا في جَمعِهِم فَرَقا

طارَت قُلوبُ العِدا مِن بِأسِهِم فَرَقا

كَما تَفَرَّقَ بَينَ البَهمِ وَالبَهمِ

وَهَكَذا كانَ جَيشُ اللَهِ فَكَّرتَهُ

أَن يَهزِمَ الجَمعَ لا تُجديهِ كَثرَتُهُ

وَكَيفَ تُثبِتُ حَولَ الصَبِّ زُمرَتُهُ

وَمَن تَكُن بِرَسولِ اللَهِ نُصرَتُهُ

إِن تَلقَهُ الأَسَدُ في آجامِها تَجِمِ

فَبَأسُهُ حاصِلٌ مِن بَأسِ مُقتَدِرِ

وَفَضلُهُ شامِلٌ يَأتي عَلى قَدرِ

فَما غَنّى إِلَيهِ مُفتَقَرِ

وَلَن تَرى مَن وَلّى غَيرَ مُنتَصِرِ

بِهِ وَلا مِن عَدُوٍّ غَيرَ مُنقَصِمِ

لَمّا رَأى الكُفرَ في غاياتِ شِدَّتِهِ

وَقُل مَن قَد نَجوا مِن ضَيرِ عِلَّتِهِ

لِلأَمنِ مِن شَرِّهِ في حالِ قُوَّتِهِ

أَحَلَّ أُمَّتَهُ في حَرزِ مِلَّتِهِ

كَاللَيثُ حَلَّ مِنَ الأَشبالِ في أَجَمِ

كَم جادَلَ القَومَ في أَمرٍ لَهُ جَلَلُ

وَكَم أَتوهُ بِتَسآلٍ عَلى دَخلِ

وَفي الإِجابَةِ عَن كُلٍّ بِلا زَلَلِ

كَم جَدَلتَ كَلِماتِ اللَهِ مِن جَدِلِ

فيهِ وَكَم خَصَمَ البُرهانُ مِن خَصمِ

وَكَم مَلَحَّ بِجَهلٍ ظَنَّ مُعجِزَةً

فيهِ وَآدابِهِ رَدَّتهُ مُعجِزَةً

يا جاهِلاً لَم يَحُز نَفساً مُمَيَّزَةً

كَفاكَ بِالعِلمِ في الأُمِّيِّ مُعجِزَةً

في الجاهِلِيَّةِ وَالتَأديبِ في اليُتمِ

رُحماكَ رَبّي فَقَلبي في تَقَلُّبِهِ

لَم يَرعَ خِدمَةَ الفَضلِ واهِبُهُ

وَها أَنا الآنَ حُبّاً في تَقُرُّبِهِ

خِدمَتُهُ بِمَديحٍ اِستُقيلَ بِهِ

ذُنوبُ عُمرٍ مَضى في الشِعرِ وَالخَدَمِ

لا يَرتَجي مِن نَشيدِ الشِعرِ راغِبِهِ

وَخِدمَةِ الناسِ إِلّا ما يُشاغِبُهُ

قَد أَورَثاني هُما لا أَغالِبِهِ

إِذ قَلَّداني ما تَخشى عَواقِبُهُ

كَأَنَّني بِهِما هُدى مِنَ النِعَمِ

ما حيلَتي وَالهَوى غَشّى العُيونَ عَمى

وَلِلشَبيبَةِ حُكمٌ في الصِغارِ رَمى

أَنا المُلامُ إِذا ما قُلتُ وَاِندَما

أَطَعتُ غَيَّ الصِبا في الحالَتَينِ وَما

حَصَلتُ إِلّا عَلى الآثامِ وَالنَدَمِ

بِسوقِ دُنيايَ نَفسي في دَعارَتِها

لِلدينِ باعَت لِتَشري مِن نَضارَتِها

وَهَكَذا رُحتُ مَغبوناً بِشارَتِها

فَيا خَسارَةَ نَفسٍ في تِجارَتِها

لَم تَشتَرِ الدينَ بِالدُنيا وَلَم تَسِمِ

لَقَد شَرَت بَرَّ لَهوٍ في سَنابِلِهِ

بِبَرِّ بَرٍّ رَأَت بُعداً لِقابِلِهِ

فَكانَ شَرُّ مَبيعٍ في أَوائِلِهِ

وَمَن يَبِع عاجِلاً مِنهُ بِآجِلِهِ

يُبنُ لَهُ الغُبنَ في بَيعٍ وَفي سِلمِ

لَكِن أَراني وَما صَدري بِمُنقَبِضِ

إِنَّ اِجتِنابي وَشَأني غَيرَ مُعتَرِضِ

بَلى أَومَلَ أَنّي رَغمَ مُعتَرِضِ

أَن آتٍ ذَنباً فَما عَهدي بِمُنتَقِضِ

مِنَ النَبِيِّ وَلا حَبلي بِمُنصَرِمِ

كَما أُؤَمِّلُ في جَدواهُ تَحلِيَتي

بِما يَكونُ بِهِ في الحَشرِ تَزكِيَتي

وَلَيسَ يَخطُرُ في الأَذهانِ تَنحِيَتي

فَإِنَّ لي ذِمَّةً مِنهُ بِتَسمِيَتي

مُحَمَّداً وَهوَ أَوفى الخَلقِ بِالذِمَمِ

وَمَن سِواهُ لَدى الشَداتتِ مُعتَمِدي

في شَدِّ أَزري وَلَيسَ غَيرُهُ سَنَدي

فَوَالَّذي خَصَّهُ بِالعَونِ وَالمَدَدِ

إِن لَم يَكُن في مَعادي آخِذاً بِيَدي

فَضلاً وَإِلّا فَقُل يا زَلَّةَ القَدَمِ

وَهَل يَظُنُّ جَدَلاً أَنَّ خادِمَهُ

يَبوءُ بِالرَدِّ مُحروماً مَراحِمُهُ

كَلّا فَمَن تَكُنِ الحُسنى دَعائِمُهُ

حاشاهُ أَن يُحرَمَ الراجي مَكارِمُهُ

أَو يُرجِعَ الجارُ مِنهُ غَيرَ مُحتَرِمِ

فِكري نِعمَ كانَ قَد أَجرى سَوانِحُهُ

إِنَّ التَخَلُّصَ لَم أَشمُم رائِحُهُ

لَكِن عَلى فَضلِهِ أَلقى مَطامِحُهُ

وَمُنذُ أَلزَمتُ أَفكاري مَدائِحُهُ

وَجَدتُهُ لِخَلاصي خَيرَ مُلتَزِمِ

طوبى لِراجيهِ في ضيقٍ إِذا نَشَبَت

يَدُ الزَمانِ بِهِ وَالحالُ قَد صَعُبَت

فَهوَ الثَراءُ بِعَينِ قَط ما نَضَبَت

وَلَن يَفوتَ الغِنى مِنهُ يَداً تَرَبَت

إِنَّ الحَيا يُنبِتُ الأَزهارَ في الأَكَمِ

وَما اِمتِداحي أَبا الزَهراءِ مَن وَصَفَت

بِهِ الكَمالاتِ الآنِيَةِ وَصَفَت

فَلَيسَ لي فِكرَةٌ في غَيرِهِ اِنصَرَفَت

وَلَم أُرِد زَهرَةَ الدُنيا الَّتي اِقتُطِفَت

يَدا زُهَيرَ بِما أَثنى عَلى هَرَمِ

كَم جَرَّني الدَهرُ في مَجرى تَقَلُّبِهِ

وَلَم يُجرِني صَديقٌ في تَغَلُّبِهِ

هَيهاتَ مِن مُنجِدٍ مِنهُم بِصَيبِهِ

يا أَكرَمَ الرُسُلِ ما لي مِنَ الوذ بِهِ

سِواكَ عِندَ حُلولِ الحادِثِ العَمَمِ

إِن لَم تُعِرني التِفاتاً مِنكَ وَاِحرِبي

وَإِن تُعِدني بِجَبرِ الكَسرِ وَاِطرِبي

فَالعَبدِ مِن وَلَدِ السَبطَينِ في نَسَبِ

وَلَن يَضيقَ رَسولَ اللَهِ جاهَكَ بي

إِذا الكَريمُ تَجَلّى بِاِسمِ مُنتَقِمِ

وَإِن تَكُن خُطَّتي وَقَيتُ شُرتَها

قَد سُوِّدَت بِمَدادِ الوِزرِ صورَتَها

بَيَّضَ بِفَضلِكَ يا مَولايَ صَفحَتَها

فَإِنَّ مِن جودِكَ الدُنيا وَضُرَّتَها

وَمِن عُلومِكَ عِلمُ اللَوحِ وَالقَلِمِ

لَقَد غَدَوتَ وَلي قَلبٌ قَد اِرتَسَمَت

لِلعَطفِ فيهِ مَعانٍ بِالرِضا اِتَّسَمَت

أَقولُ لِلنَفسِ إِن شُذتَ أَو اِرتَكَبتَ

يا نَفسِ لا تَقنَطي مِن زِلَّةٍ عَظُمَت

إِنَّ الكَبائِرَ في الغُفرانِ كَاللِمَمِ

أَحكامُ رَبّي وَإِن تَجهَل مَراسِمَها

قُل يا عِبادي بِها تَبدو مَعالِمَها

وَمَن يَلُم بِما تَقضي مَراحِمَها

لَعَلَّ رَحمَةَ رَبّي حينَ يَقسِمَها

تَأتي عَلى حَسَبِ العِصيانِ في اِنقَسَمِ

يا رَبِّ أَنّي نَقَلتُ الحالَ مِن وَجَسِ

لِحُسنِ ظَنٍّ بِقَلبٍ غَيرَ مُبتَئِسِ

فَاِجمَع لِيَ العَفوَ وَالحُسنى بِلا وَكسِ

يا رَبِّ وَاِجعَل رَجائي غَيرَ مُنعَكِسِ

لَدَيكَ وَاِجعَل حِسابي غَيرَ مُنخَرِمِ

مَولايَ قَلبي ضَعيفٌ لا اِحتِمالَ لَهُ

عَلى اِبتِلائِكَ وَالعِصيانُ أَثقَلَهُ

فَعَدَلنَ عَلى الحالَتَينِ مائِلُهُ

وَالطُف بِعَبدِكَ في الدارَينِ إِن لَهُ

صَبراً مَتى تَدَعَهُ الأَهوالُ يَنهَزِمِ

وَطَهَّرنَ نَفسَهُ مِن كُلِّ واصِمَةٍ

كَيلا تَكونَ لَدى حَشري بِواجِمِهِ

وَارزُقهُ قَبلَ التَناهي حُسنَ خاتِمَةٍ

وَاِذَن لِسَحبِ صَلاةٍ مِنكَ دائِمَةِ

عَلى النَبِيِّ بِمَنهَلٍ وَمُنسَجِمِ

وَاِصحَب صَلاتَكَ بِالتَسليمِ مُنجَذِباً

مِن حَضرَةِ القَدسِ مَمزوجاً بِنَفحٍ رَبا

وَكُلُّ طيبٍ لَهُ مِسكُ الخِتامِ صَبا

ما رَنَّحَت عَذَباتُ البانِ رِبحُ صَبا

وَاِطرَبِ العيسَ حادي العَيسُ بِالنَغَمِ

يا رَبِّ وَاِعطِف عَلى رَيحانَتي أَثَرٌ

مِنهُ وَزِد لَهُما قَدراً عَلى قَدرِ

وَاِجعَل لا مَهما أَحلى جَنى ثَمَرِ

ثُمَّ الرِضا عَن أَبي بَكرٍ وَعَن عُمَرِ

وَعَن عَلي وَعَن عُثمانَ ذي الكَرَمِ

ثُمَّ الكِرامُ الأولى بِالفَضلِ نُذَكِّرُهُم

مَن بايَعوهُ وَقَد راجَت تِجارَتُهُم

وَهَكَذا كُلُّ مَن حَقَّت كَرامَتُهُم

وَالآلُ وَالصَحبُ ثُمَّ التابِعينَ لَهُم

أَهلُ التُقى وَالنَقى وَالفَضلِ وَالكَرَمِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن حسن كامل الصيرفي

avatar

حسن كامل الصيرفي حساب موثق

مصر

poet-hasan-alsairafi@

283

قصيدة

1

الاقتباسات

304

متابعين

ولد حسن كامل الصيرفي بمدينة دمياط بدلتا مصر سنة 1908م، وتلقَّى دراسته الأولية والابتدائية بمدارسها ، وبعد استكمال دراسته بمدرسة الفنون والصنائع المتوسطة عمل بعدة وظائف في القاهرة ثم انضم ...

المزيد عن حسن كامل الصيرفي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة