الديوان » العراق » محمد مهدي الجواهري » سائلي عما يؤرقني

سائلي عما يؤرِّقُني
لا تسلْ عني .. ولا تَلُمِ
حالَ رَيْعانُ الشُّموس ضحىً
وتمشّى الثلجُ في الضَّرَم
وانْطَوَتْ دُنيايَ في كَفَنِي
وتَقَضّى العُمْرُ كالْحُلُمِ
وتمطّى " الغولُ " مُحتَقِناً
من دمٍ يمتصُّ وهو ظمي
ألفُ أُظفورٍ بألف يدٍ
ألفُ نابٍ بينَ ألف فم
ورؤى الأطياف تجرُفُني
قَشةً في سيلها العَرِم
فأنا كالموج منصرماً
في عُباب غيرِ منصرم
وأنا كالبرق منطلقاً
فات حتى خِيلَ لم يُشَم
وأنا كالعود يقضَمه
سارب من سارح النَّعم
**
**
سائلي عما يؤرِّقُني
أنا من ديمومة الظُّلَمِ
أنا من أعماقِ وحشتِها
أنا من ديجورها الهرم
أنا أعمى في متاهتِها
كيفما حطّتْ بها قدمي
ظُلُماتُ النفسِ قد رُسِمَتْ
منذُ خُطّت ظُلمةُ الرَّحِم
وعلى حافاتِها انْتَصَبَتْ
، هُولةً ، أُرجوحةُ العدم
وعلى طولِ المَدى غُصَصٌ
ترقُبُ السرين من أَمَمِ
سائلي عما يؤرِّقُني
أنا من دُوّامةِ الألمِ
أنا يَنْبُوعٌ من الْبَرمِ
أنا تعبيرٌ عن السَّأَم
أنا من إعصار جاحمةٍ
طُوِيَتْ قَسْراً على الحُمَم
فإذا ما هَزَّها غَضَبٌ
يتحدّى الصَبرَ في الإزَم
راح يمحو صدق جاحِمِها
عن رياءٍ كاذبُ النَّسَم
أنا لي جَفْنانِ من حَجَرٍ
إن يُصِبْهُ الليلُ ينقسم
فإذا ما أَطْبَقا أُخِذا
تحت ظلِّ الصارم الْخَذِم
لِوَبيئٍ، موحشٍ ، دَنِسٍ
بالأفاعي الرُّقْطِ مزدحم
وانبرت تلتفُّ حولَهُما
غابةٌ مكتظةُ الأُجُم
أنا غيرُ المرءِ تَقْرَؤُه
من خلالِ الوجهِ والكَلِم
بسماتٌ فَجَّةٌ حَجَبتْ
فيّ قلباً غيرَ مبتسم
تأكلُ الحاجاتُ ضاريةً
إكلةَ الجَوْعانِ من شَمَمِي
ويَدُ الأعراف خائسةً
تمسخُ المرضيَّ من شيمي
في دمي تمشي الحروف دماً
وسُدىً تهفو على قلمي
يتهاوى الفكرُ منسجماً
عَبْرَ حرفٍ غيرِ منسجم
والعذارى من سوانِحِهِ
ترتمي مهتوكةَ الحُرَمِ
لم أَجدْ في العودِ من وَتَرٍ
واحدٍ يقوى على نغمي
شاءَ همُ الناسِ أحمِلُهُ
فوقَ هَمِّي أن يُلاثَ دمي
وأحاسيسٌ أَنَبِّشثها
كانْتِباشِ الدود في الرِّمم
كلُّ شوهاءٍ كأنَّ بها
كلَّ قُبْحِ الكونِ من قِدَم
من طُيوفي ترتعي مِزَقاً
كارْتعاءِ الذئبِ في الْغنم
أنا يا مَنْ رُحتَ تجهلُني
عبدُ مكذوبٍ من الهِمَمِ
أسحقُ النيرانَ يَغْمُرُني
نورُها القدسيُ بالقَدَم
وأَصُبَّ الْجُرحَ منتغِراً
فوقَ جُرْحٍ غيرِ ملتئم
وأَحُطَّ الروحَ رافضةً
كبرياءً قِمّةَ الهَرَمِ
لِمُسِفّاتٍ موزعةٍ
كمُشاشِ العظم في الوضم
تَتَحداني زواحفُها
تَفْضَحُ المنفوشَ من ورمي
ندمٌ في إثره ندمٌ
عَظُمتْ كفَّارةُ الندمِ
يا حبيبي والمنى قِسَمٌ
بينَ مَرْجوٍ ومغتَنَمِ
جاجةٌ رِيمَتْ فما امتنعت
عِشتُ منها أَتفهَ القِسَم
وحويجاتٌ هتفتُ بها
فسددن السمع بالصَّمَم
وانْزَوت في النفس ثالثةٌ
بَعُدَتْ شأواً فلم تُرَم
قُتِلَ الطَّمَّاحُ من ثَمِلٍ
بجدارِ الوهمِ مرتطمِ
* * *
سائلي عما يؤرِّقُني
أنا من عُبّادةِ الصَّنمِ
أنا من أسلابِ مَعْتَرَكٍ
حَرِدٍ كالوحش مُغْتَلم
أنا من أَشلاء مجتَمعٍ
يجلِد العِقبانَ بالرَّخم
يَضرِبُ الشاكي " بِبَلْطته "
ثم يُضفي بِزَّة الحَكَم
ويقاضي غيرَ متَّهمٍ
ويُزَكِّي شرَّ مُتَّهم
تَسَحقُ الواعين نِقْمتُهُ
ويُسمّى سيدَ النِّعَم
وَيَريش السّهمَ ... شرعتُه:
كلُّ من لم يرمِ عنه رُمي
ولُهاثُ الجُوعِ يَخْنُقُهُ
بنُفاياتٍ من الحِكَمِ
ويُغَطِّيها بمصْطَخِبٍ
عارمِ الأمواجِ ملتطمِ
ثم تُخْفي قُبحَ هَيْكَلِهِ
نَخِراً مَوشيةٌ النُّظمِ
* * *
سائلي عما يؤرِّقُني
قَعْ على البلوى .. ولا تَحُمِ
أنا مهما اشتط متَّهِمِي
لستُ من فُحْش ولا لَمَم
أنا جئتُ الصبحَ مخترِماً
عِلْمَ أن اللَّيل مُختَرمِي
خُصَلٌ رَفَّتْ أَلوذُ بها
من رَفِيف الموت في اللِّمم
وحفيفُ الرُّعب أَطرُدُهُ
بحفيفِ الكأس والنَّغَم
وحميمُ النَزْع أقتُلُهُ
بسوادٍ سَلْسَلٍ شَبِم
* * *
سائلي عما يؤرِّقُني
لا تَكُنْ خصمي .. ولا حَكَمي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

1952

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة