الديوان » العراق » محمد مهدي الجواهري » تحية .. ونفثة غاضبة

عدد الابيات : 86

طباعة

سماحاً إن شكا قلمي كلالا

وإن لم يُحسنِ الشعرُ المقالا

وإن راحت تُعاصيني القوافي

بحيثُ الفضلُ يُرْتَجلُ ارتجالا

كبا مُهري بشوطٍ لم تغادِرْ

له غرُّ الجيادِ به مجالا

حماةَ الفكر .. والدنيا غرور

كضوء الفجر لُطفاً وانتقالا

أَتبغُون الفُتوةَ عند هِمٍّ

على السبعينَ يتَّكلُ اتكالا

تمشَّى الثلجُ في جَذواتِ قلبٍ

مدى خمسينَ يشتعل اشْتعالا

وما شمسُ الظهيرة وهي تَغلي

كمثل الشَّمس قاربت الزَّوالا

بناتُ الشعر كُنتُ أباً رؤوماً

أُسامِرُهُنَّ نجوى وابتهالا

أغوصُ على اليتيم الفذِّ منها

وأحتضن الأوانس والثَّكالى

وتَفْجؤُني عرائسهُنَّ ليلاً

تُقَرِّبُني وتُبعِدُني دلالا

وكُنَّ لِداتَ تَصبو ناشطاتٍ

فَهُنَّ اليومَ أنضاءٌ كسالى

وها أنا بعدَ ميسرةٍ ورَفْهٍ

أروح على أراملها عِيالا

حماةَ الفكرِ والأدبِ المصفّى

يَزينانِ الشمائلَ والخِصالا

قصدتُكُمُ وبيْ شوقٌ مُلِحٌ

كقصدِ الظامئ الشَّبِمَ الزُّلالا

وكنتُمْ حاجةً قُصوى لنفسٍ

تضيقُ بحاجةٍ قَرُبَتْ منالا

وزُرْتُ المغربَ الأقصى عَجولاً

زيارة عاشقٍ حُرِمَ الوصالا

وجِئتُ الساحرَ الفنانَ منه

لعلّي أقبِس السِّحرَ الحلالا

أكاد أَعُبّ ماءَ البحر مِلْحاً

وأَنشَقُ في شواطئِه الرِّمالا

وأَبسُط راحتَيَّ خيالَ شعر

كأن يديَّ تحتضن الجبالا

فيا وَيْحي من الحبِّ  المُعنِّي

برِمْتُ به فراغاً وانشغالا

تَقَنَّصَني الجمالُ بها وعلمي

بأني جئتُ أقتنِصُ الخيالا

لَعَنْتُ الحسنَ تُورِثُني رؤاوهُ

خبالين: القريحةَ والخبالا

وتمنحُني الشقاوةَ في نعيمٍ

وربة نعمةٍ عادت وَبالا

ويُطلِعُ لي الدمُ الفوّارُ منه

جِنانَ الخلد تضطرمُ اشتعالا

أقول وقد خَبَرْتُ وذُقت طَعْماً

جمالات الدُّنا حالاً فحالا

كذاك، كذاك، فليُحْرَزْ سوياً

جمالُ المغربية أو فلالا

نزا صدرٌ بنهدينِ استقلا

كأنهما يُريدانِ انتقالا

ونطَّ خلافَ وِجهتِهِ رُدَيْفٌ

كأروع ما احتوى قمرٌ هلالا

وضُويِقَ فاستدقَّ، ورقَ خَصْرٌ

كأن عليه أعباءاً ثقالا

ورنّح كلُّ ذاك غُصينَ دَوْح

لوى ثقلُ الثمارِ به فمالا

سلام الله يا " طَنج " يُغادي

ربوعَك موطناً، وذويكِ آلا

وحيَّت ملتقَى البحرين كأسٌ

تصب هناك من كأس ثُمالا

يُزيحُ ظِلالَه وَضَحٌ فَتُلْقي

تعاريجُ السُّفوحِ له ظِلالا

وتنتزعُ الشموسُ له جمالاً

فتخترعُ الغُيوم له جمالا

وتصطفِقُ النُّجومُ مُشَعْشَعاتٍ

بأسرجة حِفافِيه تلالا

وتُرقصُهُ المسابحُ ناشراتٍ

عليها الغيدُ أسراباً عِجالا

كعَومِ البط أجنحةٌ تلاقى

بأجنحةٍ، وأعناقٌ تعالى

حماةَ الفكر .. قِيْلةَ مستنيب

يجنبُ نفسَه قيلا وقالا

تنقلَ رحلُهُ شرْقاً وغرباً

وحط هنا بسوحِكُمُ الرِّحالا

يحرّقُ نفسَه فيكمْ سِراجاً

ويستبقي له منه الذُّبالا

يُطَوِّحُها بوحي من ضمير

كبُرجِ الشَّمس ظهراً واعتدالا

يحاول بعدَ دنيا من عذابٍ

عن الدنيا وما فيها اعتزالا

فصونوه من العادِينَ ضبحاً

ووقوه التماحكَ والجدالا

كفاهُ ألفُ نافثةٍ سعيراً

فخلُّوه وخافِقَةً ظِلالا

وفي جنبيَّ نفْسٌ لو تراءت

لكُمْ لرأيتُمُ العَجَبَ المُحالا

أَسُلُ النصلَ عن جُرحٍ نزيفٍ

فأُلْفي تحت حُفْرته نِصالا

كأن مشارفَ الدُّنيا ضبابٌ

مقيم لا يزول ولن يُزالا

كأن غدي على عَيْنَيَّ منه

حجابٌ راح يَنْسدلُ انسدالا

كأني من غدٍ داجٍ وأمسٍ

محيل، ليس يُعْرفُ كيف حالا

مَلِلْتُ الطارئاتِ فما أُبالي

أتشكو الهَجْر، أم تشكو المَلالا

ومن حسناتِ عُمرِك أن تهزّا

بما يُغري سواكَ إذا استطالا

تُعدِّدُ ساعةً منه وأخرى

فلا سُؤلاً تَعُدّ ولا سُؤالا

أحبَّتيَ الذين يَعُونَ قَولي

رَصيناً، لا اغترارَ ولا اختيالا

لكم عندي حقوقٌ لا تُوَفَّى

ولو صُغتُ النُجومَ لها مِثالا

ولي حقٌ عليكم أَوْجَبتْه

قوافٍ رُجِّعتْ حِقَباً طِوالا

تَهُزُّ مُبرَّحينَ على البَلايا

وتكشِفُ عنهمُ الداءَ العُضالا

نَشَدْتُكُمُ المحبَّةَ والتصافي

ومُنطلَقَ الأخوَّةِ والمآلا

وطيبَ جِوارِكم إلاّ شَدَدْتُم

عُرىً للوُدِّ تَأبَى الانحِلالا

وقلتُ لحاقدينَ عليَّ غيظاً

لأني لا أُحبُ الاحتيالا

هَبُوا كلَّ القوافِلِ في حِماكُمْ

فلا تَهْزَوا بمن يَحْدُو الجِمالا

ولا تَدَعُوا الخصامَ يجوزُ حدّاً

بحيثُ يعود رُخْصاً وابتِذالا

وما أنا طالبٌ مالاً لأني

هنالِكَ تاركٌ مالاً وآلا

ولا جاهاً، فعندي منه إرثٌ

تليدٌ لا كجاهِهِمُ انتِحالا

ولا أنا مَن يلوكُ دَمَ الأضاحي

يلمُّ جُلودَها للسُحْت مالا

حَذارِ فإنَّ في كَلِمي حُتوفاً

مخبأةً، وفي رَمْلٍ صِلالا

وأنَّ لديَّ أرماحاً طِوالاً

ولكنْ لا أُحِبُّ الاقتتالا

تَقَحَّمْتُ الوَغَى وتَقَحَّمَتْني

وخُضتُ عَجاجها حَرْباً سِجالا

فكانَ أَجَلَّ مَن قارعتُ، خصمٌ

بنُبْلِ قِراعه رَبِحَ القِتالا

ولم أر كالخُصومة من مَحَكٍّ

يبين لكَ الرُجُولةَ والرِجالا

وأخبثُ ناهزٍ مَنْ راح عَمْداً

يُسيء حَراجةَ الضَيفِ اغتِلالا

ويا لَحَراجةِ القَلبِ المُعَنَّى

يُرادُ بمن يُعَنِّيهِ انشِغالا

فكم من قَوْلةٍ عندي تَأَبَّى

لها حسنُ الوِفادةِ أنْ تُقالا

ستُضرَبُ فيهم الأمثالُ عنها

إذا انطلَقَتْ وجاوَزَتِ العِقالا

وعندي فيهِمُ خبرٌ سَيَبْقى

تغامَزُ منه أجيال تَوالَى

حّذارِ فكم حَفَرتُ لُحودَ عارٍ

لأكرمَ منهُمُ عَمّاً وخالا

ويا صَفْوَ الوفاءِ أبا حُنَينٍ

نداءً يستجيبُ لكَ امتِثالا

أخَا الكَلِمِ النوابِضِ بالمعاني

فلا عِلَلاً شَكَونَ ولا هُزالا

يُجسِّدُها فهُنَّ دَمٌ ورُوحٌ

وبعضُ القَول يُغتالُ اغتِيالا

ويَنحَلَهُن فكرُكَ حَيثُ ترضَى

بنات الفكرِ تُنْتَحَلُ انتِحالا

ويا مَنْ زادَ قَدْرَ المجدِ مَجْدا

ومن جمَعَ التواضُعَ والجَلالا

ومن كَسَبَ الرِهانَ على المعالي

وفي أيّ القِداحِ بها أَجالا

حَبَبْتُك حُبَّ من يُصفِي هَواه

لمن يهْوى انفِعالاً لا افتِعالا

على بُعْدٍ عَرفْتُ هَواكَ، تحصى

مَحَطَّ خُطايَ حِلاًّ وارتِحالا

وهذا أنتَ عن قُرْبٍ صَفيّاً

يزين بحبِّهِ القَولُ الفَعالا

حُماةَ الفكرِ والأدبِ المُصفَّى

يزينان الشّمائِلَ والخِصالا

سماحاً إنْ شكا قلمي كلالا

وإن لم يحسنِ الشِعرُ المَقالا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

1950

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة