عدد الابيات : 85

طباعة

تحدَّى الموتَ واختزلَ الزمانا

فتى لوّى من الزمنِ العِنانا

فتى خَبَط الدُنى والناس طُرّا

وآلى أن يكونَهما، فكانا ...

أرابَ الجنَّ اِنسٌ عبقريٌّ

بوادي " عبقرَ " افترَشَ الجِنانا

تطوف الحورُ زِدْنَ بما تَغَنَّى

وهن الفاتنات به افتتانا

ضَفَرنَ جَدائلا إكليلَ غارٍ

ومن طرر حَبَكْنَ الصَّولجانا

ومن غُرَر له ناوَحْنَ عُودا

وطارحْنَ الولائدَ والقِيانا

ومما عَتَّقت من ألف عام

صَفَفنَ له المشاربَ والدِّنانا

وذَوَّبْنَ اللُّغى، وكفَينَ منها

بأصداءِ العصور التُّرجُمانا

ونصَّبْنَ الإلَه على سَرير

من الزهراتِ زِينَ بها وزانا

وراح الخُلْدُ يخفُقُ بالقوافي

عَماليقا وأغيدة لِدانا

وملءُ رحابِه نَغمٌ طليقٌ

تخطَّى البعدَ واخترَقَ الأوانا

دماً صاغ الحروفَ مُجَنَّحاتٍ

رِهافاً، مشرئبّاتٍ، حِسانا

يرِدْنَ حياضه ينبوعَ فكرٍ

ويحُضنَّ اليراعةَ والبَنانا

وطار بِهنَّ في شَرقٍ وغَرْبٍ

كأنَّ لهُنَّ في قَصبٍ رهانا

فُوَيقَ الشمس كُنَّ له مدارا

وتحتَ الشمس كُنَّ له مكانا

وآبَ كما اشتَهَى يشتَطُّ آنا

فيعصِفُ قاصِفا ويرِقُّ آنا

وفي حاليه يَسحَرُنا هَواهُ

فننسى عَبْرَ غَمْرتِه هَوانا

فتى دوَّى مع الفَلَكِ المُدَوِّي

فقال كلاهما: إنّا كلانا

فيا ابنَ الرافدَينِ، ونِعمَ فخرٌ

بأنَّ فتى بني الدنيا فتانا

حبتك النفسُ أعظمَ ما تحلّت

به نفسٌ مع المحنِ امتحانا

وذُقتَ الطعمَ من نَكَبات دهرٍ

يمُدّ لكل مائدةٍ خِوانا

وجهَّلَك المخافةَ فَرْطُ عِلمٍ

بكُنْهِ حياةِ مَن طلبَ الأمانا

وأعطتكَ الرُّجولةُ خَصْلَتَيْها

معَ النُوَبِ: التمرُّس والمرَانا

فكنتَ إذا انْبَرى لك عُنفُوانٌ

من الغَمَرات أفظَعَ عُنفوانا

وكنت كفاءَ معَمعةٍ طحونٍ

لأنك كنتَ وحدَكَ معمعانا

أسلت الروح في كَلِمٍ مَواتٍ

فجلّى غامضٌ منها وبانا

وطاوعَكَ العَصيُّ من المعاني

وكم غاوٍ ألحَّ به فخانا

فكم من لفظةٍ عفٍّ حَصَانٍ

سَحَرْتَ بلطفها العفَّ الحَصَانا

وأخرى برزةٍ تجلو البلايا

عقدت بها مع البلوى قِرانا

وسِرُّ الخلق ذِهنٌ عبقريٌّ

أتى حَجَراً ففجَّره بَيانا

ولم أرَ في الحَذاقةِ من شبيهٍ

كحِذقِ المستعينِ بما استعانا

جران " العَوْدِ " لا يُخْشى شذاه

ويخشى العَودُ إنْ ألقى الجرانا

ويا ابن الكوفةِ الحمراء وشّى

بها سِمْطَ اللالئ والجُمانا

وعاطى رملَها من أصغريه

عيونَ الشعرِ تبرقُ والحنانا

وأبقى فوقَها دمَهُ ليسقي

هناك " بشعب بوّانٍ " حِصانا

فقد كرهَ الطعانَ وكان أدرى

بأنك وهو مذبوحٌ طِعانا

ويا ذا الدولةِ الكبرى تعالتْ

وقد سحق البِلى دولا كيانا

بحسبك أن تهزّ الكونَ فيها

فتستدعي جَنانك واللسانا

وأن تُطري الشجاعة في شُجاع

فتُعجِبُ حين يُعجبك الجَبانا

وأن تَعلو بدانٍ لا يُعلَّى

وأن تهوي بعالٍ لا يُدانى

فماذا تبتغي ؟ أعلوَّ شأن

فمن ذا كان أرفعَ منك شانا ؟

أم الدنيا الغَرورَ وقد تهاوَتْ

على قَدَمَيك ذُلاًّ وامتهانا ؟

تملَّقَكَ " ابنُ عَبّادٍ " وأرخَى

لك العِرْنينَ منه والعِرانا

وماجت أرضُه ذهباً وصاحت

معاقلُه: هلمَّ إلى حمانا

ونَوِّلنا نداكَ نَعِشْ عليه

فأن جَدَاكَ باقٍ لا جَدانا

ومَنّاك " ابن صفرة " لو توافي

بما يجبي العراقُ له ضمانا

وكان أرقّ من زُبْدٍ لِيانا

وكنتَ أشدَّ من وَتِدٍ حِرانا

على ضَنَكٍ وتأبى أن تُراضى

بما لم تهوَه أو أن تُعانا

وتعلمُ أن نفسَكَ لن توقّى

عليك، وأن حرفَكَ لن يصانا

ولكن فليكن نَسَبٌ قريبٌ

يشد المستدين بما استدانا

ولما استيأسوا من مستميت

فلا أرضا أراح ولا ضِعانا

ولا أبقى على صَعَداتِ رمحٍ

ولا أعفَى من الفَرَس اللُّبانا

أثاروا خلف رحلك عاوياتٍ

ضِباعا تستفزُّ الدّيدَبانا

أراعنَ يطمعون بمشمَخرٍ

يدقّ برأسِه القممَ الرِّعانا

فكنت الحتفَ يدركُهُمْ عبيدا

وأربابا إذا أستوفَى وحانا

ورُدَّ لنحرِهم كيدٌ أحلّوا

به الرِّئبالَ والقِطَطَ السِّمانا

تَمَنَّ أبا المحسّد تَغْلُ فينا

مطامحُنا وتَستَشْرِ مُنانا

" وضوِّ " لنا، فقد تِهنا ضَياعا

وخُبَّ بنا فقد شَلَّتْ خُطانا

وأدْرِكْنا، فقد طالت علينا

مقاييس قَصُرْنَ على سِوانا

وقد غُصْنا فلا الأعماق منّا

ولا نَسَمٌ يهُبّ على ذُرانا

وقد شَمخَت ملاحبنا علينا

وقد أكَلَتْ اباطحُنا رُبانا

ابا الفَتكاتِ تَنْزِلُها دِراكا

فتُدركُ فتكةٌ بِكرٌ عوانا

تهزُّ بها من استَغْوى شعوبا

ومن أغفى بها ومن استكانا

وتُبْدِل من أرانبها ملوكا

وأصناما تسبب " الثُعْلُبانا "

مضت حِقبٌ وهُنّ كما تراها

فقاقيعٌ، ونحن كما ترانا

تمزقنا دويلاتٍ تلاقت

بها الرايات ضَمّاً واحتضانا

تُرَقَّعُ راية منها بأخرى

وتستبقي أصائلُها الهجانا

وتكذب حين تصطفقُ اعتناقا

وتصدق حين تفترقُ اضطغانا

وتفخر أنها ازدادت عداداً

وتعلمُ أنها ازدادت هَوانا

إماراتٌ يُمار بها هوانا

ومَشيخةٌ تُجدِّدُ من صبانا

تُطيلُ العِمَّةُ العَذَباتِ منها

ويعتصِرُ العِقالُ الطَّيْلَسانا

وكم سخريةٍ ألقتْ ظلالا

على ما جلَّ من خطبٍ فهانا

حلفتُ أبا المحسّد بالمثنّى

من الجبروتِ والغضبِ المُعانَى

وبالسَّلَعِ النوافرِ في عروق

كأن بكل واحدةٍ سِنانا

وبالوجه الذي صبغ الرزايا

ببسمة ساخر فقسا ولانا

بأنك موقدُ الجمراتِ فينا

وإن كُسيت على رَغمٍ دُخانا

وأن تراثنا ما أنت فيه

وأشبارا حللتَ بها ثرانا

وأنك سوف تبعث من جديد

تنفِّضُ ما تلبَّدَ من كَرانا

تخشِّنُ ناعما أخوى فلانا

وتُنهِضُ قُعدُدا مَلَّ الزمانا

وتُذكرُنا بما قد كان منا

وما سيكونُ لو دارتْ رحَانا

ولو طِحنا بمُزدَرعٍ وَبِيءٍ

كما تنفي المغربلةُ الزُوانا

ولو ثُرْنا على النكسَات منا

ولو شدَّ التوحّدُ من عُرانا

وأنّا ما تعاضلتِ الليالي

وما طبع الصراع على شبانا

لموعودون فجرا أرحبيا

نشق به الغياهب من دُجانا

وأنّا أمة خلقت لتبقى

وأنت دليل بقياها عيانا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


والدِّنانا

صندوق لتخزين الشراب او الخمر

تم اضافة هذه المساهمة من العضو حسن علي العوادي


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

1938

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة