الديوان » العراق » محمد مهدي الجواهري » إلى وفود المشرقين تحية

عدد الابيات : 94

طباعة

حَلَلْتُم مثلما حلّ السحابُ

وطِبتُمْ مثلما طاب الشبابُ

وكنتم دعوةً في كل صدرٍ

عراقي وها هي تُسْتَجاب

وفودَ المشرقينِ وقد تناءتْ

بنا دارٌ، وطال بنا اغتراب

حنانَيْكُمْ، فهذي الدارُ مِنْكُمْ

ونحن الأهلُ فيكمْ والصِّحاب

نُسَرُّ بقربكمْ، ونُساءُ بُعْدا

كأنكمُ المثوبةُ والعِقاب

قِفوا مَعَنا نقِفْ معكم، وَيَشْمَخْ

بنا في حُسنِ منطلَقٍ مآب

ونُنْشَرُ كالضياءِ معاً، ونُطوى

كما يُطوى على الروح الإهاب

حللتم والربيعُ، ومنجزاتٌ

بكم وبِهِنَّ يجمعنا نِصاب

مضى عهد يُذَمُّ به الشبابُ

ويُحسد فيه من شاخوا، وشابوا

وأُبدِل عنه عهداً ودَّ فيه

رِفاقُ الشيب: لو عاد الشباب

وجئتم، والعراقُ يشق درباً

يُحال إلى الجِنان به التراب

ويعلوه الغُبارُ وأيُّ فخر

لمسعىً لا تتوجُهُ الصِّعاب

أقول لخيّرينَ وقد تلاقى

عليهم من شرور الغابِ غاب

ولفَّهُمُ العَجاجُ كما تحدّى

رفيفَ الروضةِ القَفْرُ اليباب

صموداً مثلما صَمَدَتْ وطالت

على الإعصار أدواحٌ صلاب

وصبراً ثم تنكشف البلايا

كنُور الشمس يعبُرُهُ الضَّباب

ويفتحُ للمصابِر ألفَ باب

إذا ما سُد في الأزَمَات باب

نضِجْتُمْ في الصميم من الدواهي

فأنتم من خميرتها لباب

وأنتم إذ يحِر الخطبُ أدرى

بما يُصفى له وبما يراب

تَضِيقُ بِمُتعَبِينَ رؤى المنايا

وتحضُنُهن أفئدةٌ رِحاب

وسُوح المجد تعمرُها الضحايا

وتزحَمُ فوقَها الهامَ الرقاب

وفودَ الشرقِ إن الشعرَ وجهٌ

طليقٌ، لا يَليقُ به النِّقاب

به من نسمةِ الإصباح عِطرٌ

ومن سَحَرٍ، ومن شَفَقٍ خِضاب

على السجع الرتيب ترِفُ دنيا

مسجعةٌ أغانيها رِتاب

وبين فواصلِ منه جِراحٌ

وآفاقٌ، وأَطماحٌ رغاب

ويخفقُ في مقاطعِهِ ضميرٌ

جريءٌ، لا يلينُ، ولا يَهاب

وفودَ الشرق إن الداء فينا

ونحن الملزَمونَ بما نُصاب

غُزينا عَنوةً في عُقر دار

عفاءٍ، كلُّ ما فيها يَباب

وأعرافٌ مُرِثّاتٌ قِباحٌ

رَزاحٌ فرطَ ما امتُطِيت، لِغاب

تَعَبَّدُنا ولم يخفُقْ علينا

بها وحيٌ، ولم ينزِلْ كتاب

فنُورُ الفكر يحجُبُهُ احتجازٌ

ونور الشمس يحجِزه حجاب

ومجتمعٌ يُشَلّ النصفُ منه

ويُعفى النصف . مجتمعٌ خراب

وَنصَّبْنا صدورا عاريات

إلى المستعمرين وهم حِراب

ورُحنا يستُر العوراتِ منا

نسيجُ الحق في دَغَل يشاب

نُعرِّيهمْ ونَحسبُ أن كُسينا

بعُرْيتهمْ . وضوعفت الثياب

نحملُ سمَ " عقربةَ " الذنابى

ولولاها لما كان الذِّناب

وفودَ المشرقين وعن ضلال

يُثاب ، وعن مَساءات يُتاب

لنا ظُفْرٌ على جُرحٍ دَوِيٍ

وللمستعمرينَ عليه ناب

بلاءُ الشرقِ أصنامٌ تُسمّى

سيوفَ الله يحرسها " الكتاب "

عفت شَفَراتُهن فهمْ كَهامٌ

صديءُ الحد، زُخْرُفُه القُراب

لهم فصلُ الخطاب بحدِ سيفٍ

وليس لمبتلٍ بِهِمُ خِطاب

ويكتنزون من سُحت حراءٍ

وحولَهم ملايينٌ سِغاب

وكان التمرُ نعبُدُهُ إلهاً

يُساغُ به طعامٌ أو شراب

فليت لنا بِهِمْ شِبَعاً ورِيّاً

ومما زاد تمتلئُ العِياب

لقد شِبنا وشبَّ بنو بنينا

وما شبَّ البقيعُ ولا السراب

ولا شَلَّتْ حلاقيمٌ رِطابٌ

تجولُ بِهِنَّ أَلسنةٌ كِذاب

تساقَطُ ما تشاءُ ولا تبالي

على ما لاَ يعاب بما يُعاب

وقالوا أَوْثَقَ الخَصْمانِ ضَرْعَا

وشدّا منه، وامتلأ الوطاب

وعاد النفطُ يُحلَبُ من جديدٍ

ولا " عنزٌ " تُدِر، ولا احتلاب

فقلت أجل: بناتُ الدهر مِنّا

ومنها نحن، والدنيا عُجاب

تعالى الصلحُ !! أفئدةٌ تلاقى

بأفئدةٍ، ففيم الاحتراب ؟

وفيمَ الضَيْرُ أن يغشى حِوارٌ

مناجاةَ الأحبة، أو عتاب ؟

وفيم الحربُ، والأحقادُ شؤمٌ

وتصطلحُ الحمامةُ والغُراب ؟

وتصطلُح " الضرائرُ " من قديم

كذلك كن " زينبُ " و " الرَّباب "

وَهَبْنا نستديرُ كما استدارت

على الأُمّات أفرخةٌ زِغاب

تعالى الصلح في " التَلْمود " منه

أعد لكل مسألة جواب

عراةٌ في الخِيام لهم سَماءٌ

وأرضٌ، واصطبارٌ، وارتقاب

وهبْ طال العذابُ فليس شيءٌ

بباقٍ، لا النعيمُ، ولا العذاب

وما يدعى " فلسطينا " مَراحٌ

متى شئنا، وشاءت مستطاب

وهل هي غيرُ أرضٍ واستُبِيحَتْ ؟

فأرضُ الله واسعةٌ نِهاب

وبيت القدس ليس سوى مزارٍ

يُرادُ الأجرُ فيه، والثّواب !

وهل " سيناءُ " غيرُ مهيلِ رملٍ

تَعِيثُ بهِ الأفاعي والذئاب ؟

وفي الجَوْلانِ من دمِ كل حرٍّ

يباع ويشترى مسكٌ مَلاب

وشطئانُ الخضليج " مدوراتٍ "

نقاسمها كما اقتسمت كِعاب !

كفاها ألفُ عام أن يُدوّي

بها العربيُّ والخيلُ العِرابُ !

دَعُوْها تنفتحْ لدمٍ وثانٍ

فخيرُ دم الشعوبِ دمٌ ضِراب !

مساخرُ لا لأعيادٍ ولكنْ

حِدادٌ فيه تُصْطَبَغُ الثياب !

وفودَ الشرقِ: إن غداً رعيبا

نَحِنُّ له كما حَنَّتْ سِقاب

ويوماً مثلَ يومِ الحشرِ فيه

يطول لكل ذي وِزْرٍ حساب

سيحرِث عالما، ويجِد زَرْعا

وتَستَصْفى القشورَ به اللباب

وعن حِقَبٍ ذليلاتٍ ستأتي

لتمحوَ عارَها حِقَبٌ غِضاب

تُزَعْزِعُ من جذورٍ طالحاتٍ

فلا صُم الصخور ، ولا التراب

وتَفْجِرُ في الدم العربي نَبْعا

كنبعِ الزيت يُعوِزُهُ ثِقاب

ويا غُرَفَ الجِنانِ مُشَعْشَعاتٍ

على " الزابينِ " تُرْقِصها القِباب

وتحضِنها الفوارعُ شامخاتٍ

يُحَوِّمُ دون ذِروتها العُقاب

سقى صوبُ العِهادِ لديك رَبْعا

حرامٌ بالدمِ الغالي يُصاب

قَطَعْنا شوطَنا خمسينَ عاماً

تُوَحِدُنا المَسرةُ والمُصاب

يُراوحُ بينَ كفَّينا عِنانٌ

ويجمعُ بين رِجْلَيْنا رِكاب

رَضاعُ أخوّة عِشنا عليه

يمازج دَرَّهُ عسلٌ وصاب

يرِن صدى المناحةِ في بطاحٍ

من " الأهوار " ما ناحت " هِضاب "

أفالآنَ النكوصُ وقد توشّى

ربيعُ الأرض، واخضر الْجَناب

ولوَّحَ فجرُ آذارٍ وجلّى

به لبيان ( آذارٍ ) شِهاب

ولاح غدٌ سهِرناه طُيوفاً

تُدَغْدِغُهَنَّ أحلام عِذاب

نَشَدْتكُمُ القرابةَ والضحايا

وما شدَّ العُرى مِنّا كِتاب

وما غَنَّتْ لكُمْ منا قوافٍ

يرقرقُ نَسْجَها دمعٌ مذاب

وما ضمَّ الثرى إلا حَقَنْتُمْ

دماً يُشجِي المصيبَ به المصاب

دَعُوْنا نحتكمْ بعضٌ لبعضٍ

فللجُرْفينِ يَحْتَكِمُ العُباب

فإن وراءنا ذئبا خبيثاً

يحاول أن يكون له الغِلاب

سينهَشُ منكم كَتِفاً، ومنّا

وما يبقى ستَنْهَشُه ذئاب

ويا فرسان معتركٍ وسَلْم

ورهطَ محبةٍ طابت وطابوا

سيخلُفُ عن وَداعِكُمُ لقاءٌ

ويثأرُ من ذَهابكم الإياب

سيبقى الرافدان مصبَّ خمر

يساقيكم، و ( خابور ) و ( زابُ )

نُساقيكم وأكؤسُنا قلوبٌ

وذوبُ عواطفٍ فيها شَراب

حللتم مثلمَا حل السَّحابُ

وطِبْتُم مثلَما طابَ الشبابُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

1938

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة