الديوان » العصر المملوكي » ابن أبي حصينة » خير المواطن حيث هذا الأروع

عدد الابيات : 95

طباعة

خيرُ المَواطِنِ حَيثُ هَذا الأَروَعُ

وَأَجَلُّ قَولٍ ما أَقولُ وَيَسمَعُ

أَجهَدتُ نَفسي في المَديحِ فَلَم أَجِد

ما قَد صَنَعتُ مُجازِياً ما يَصنَعُ

وَأَضَعتُ مَدحي قَبلَهُ في غَيرِهِ

إِنَّ المَدائحَ في سِواهُ تُضيَّعُ

يُثنى عَلَيهِ بِدونِ ما في طَبعِهِ

كَالمِسكِ أَسيرُهُ الَّذي يَتَضَوَّعُ

وَيُزارُ بِالمَدحِ السَنِيِّ وَقَدرُهُ

أَعلا مِنَ المَدحِ السَنِيِّ وَأَرفَعُ

خِدَعٌ جَعَلناها إَلَيكَ وَسائِلاً

إِنَّ الكَريمَ بِكُلِّ شَيءٍ يُخدَعُ

شَفِعَت إِلَيكَ نَفاسَةٌ مِن نَفسِهِ

أَغنَت ذَوي الحاجاتِ عَمَّن يَشفَعُ

سَهلٌ وَفيهِ عَلى العَدوِّ شَراسَةٌ

كَالسَيفِ مَلمَسُهُ يَلينُ وَيَقطَعُ

إِن سَرَّ ضَرَّ وَتِلكَ شَيمَةُ مِثلِهِ

وَابنُ الكَريمَةِ مَن يَضُرُّ وَيَنفَعُ

مِثلُ الغَمامِ المُستَغاثِ بِدَرِّهِ

فِيهِ الصَواعِقُ وَالغُيوثُ الهُمَّعُ

لَو أَنَّهُ بارى الرِياحَ لَقَصَّرت

عَن بُعدِ غايَتِهِ الرِياحُ الأَربَعُ

وَلَرَدَّها حَسرى الهُبوبِ كَليلَةً

حَتّى تَرى أَنَّ البَطيئَ الأَسرَعُ

يَتَقَلَّدُ العَضبَ الحُسامَ وَتَحتَهُ

قَلبٌ أَحَدُّ مِنَ الحُسامِ وَأَقطَعُ

وَيَرى التَوَقّي بِالسَنَوَرِ ذِلَّةً

وَالدِرعُ يَكرَهُهُ الهِزَبرُ الأَروَعُ

جَنبَ الجِيادَ كَأَنَّ أَنصافَ القَنا

ما بَينَ أَذرُعِها الخَضيبَةِ أَذرُعُ

وَالبيضُ تَنثرُ لَحمَ كُلِّ مُدَرَّعٍ

فَتَعودُ تَنظِمُهُ الرِماحُ الشُرَّعُ

في كُلِّ مُنبَسِطِ الفِجاجِ كَأَنَّهُ

قَزَعٌ بِوارِقُهُ السُيوفُ اللُمَّعُ

أَبدى نَواجِذَهُ الكَمِيُّ مُكَلّحاً

فيهِ كَما كَلَحَ الأَزَلُّ الأَجلَعَ

وَتَناثَرَت فيهِ الجَماجِمُ وَالطُلى

حَتّى تَعاثَرَتِ المَذاكي المُزَّعُ

مَن مُبلِغُ الأَتراكِ أَنَّ أَمامَهُم

بَحراً يُغَرِّقُ مَوجُهُ مَن يَشرَعُ

أَمُّوا وَهَمّوا بِالوُرودِ فَراعَهُم

مِن دونِهِ هَذا الهُمامُ الأَروَعُ

وَتَيَقَّنوا أَن الشآمَ وَأَهلَهُ

أَحمى بِلادِ الخافِقينِ وَأَمنَعُ

بِمُوَقَّرٍ لا يُستَخَفُّ كَأَنَّما

في بُردَتَيهِ مُتالِعٌ أَو صَلفَعُ

لَو وازنَ الطَودَ الأَشَمَّ بِحِلمِهِ

لانحَطَّ وَاِرتَفَعَ الأَشَمُّ الأَرفَعُ

ضاقَ الطَريقُ إِلى النَدى وَطَريقُهُ

سَهلٌ إِلى ابنِ أَبي عَليٍّ مَبيَعُ

مَلِكٌ الطَريقُ إِلى النَدى وَطَريقُهُ

سَهلٌ إِلى ابنِ أَبي أَبي عَليٍّ مَبيَعُ

مَلِكٌ سَمِعنا بِالمُلوكِ وَفِعلِهِم

وَأَتى فَصَغَّرَ فِعلُهُ ما تَسمَعُ

أَبدَعتُ فيهِ القَولَ حينَ رَأَيتُهُ

يُعطي فَيُبدِعُ في غِنى مَن يُبدِعُ

وَشَكَوتُ إِمحالي فَأَمرَعَ جانِبي

مُذ ضَمَّني هَذا الجَنابُ المُمرِعُ

حَتّى لَقَد أَفضَلتُ مِمّا نالَني

مِن فَضلِهِ مِمّا يَخلَع

يابنَ المُلوكِ الصِيدِ غَيرَ مُدافَعٍ

عَمّا يُحاوِلُهُ المُلوكُ فَيُدفَعُ

نالَت يَداكَ بِما أَنالَت مَوضِعاً

ما لِلكَواكِبِ فيهِ عِندَكَ مَوضِعُ

شَرَفاً تُقَصِّرُ عَنهُ خُطوَةُ قَيصَرٍ

وَنَدىً تَتَبَّعَ فيهِ إَثرَكَ تُبَّعُ

هُنيتَ بِالعيدِ السَعيدِ فَإِنَّنا

بِجِمالِ وَجهِكَ لا بِهِ نَتَمَتَّعُ

رَبعٌ خَلا بِالغَورِ مِن سُكانِهِ

هاجَت لَنا الحُرُقاتُ مِن عِرفانِهِ

ضَمِنَ الجَوى قَلبي لَهُ وَلِأَهلِهِ

فَوَفى لَهُ وَلِأَهلِهِ بِضَمانِهِ

عُجنا الطَيَّ بِهِ وَهَبَّ نَسيمُهُ

فَذَكرتُ رَيّاهُ بِرَيّا بانِهِ

وَخَشيتُ لَومَ الرَكبِ لَولا أَنَّني

نَهنَهتُ غَربَ الدَمعِ عَن سَيَلانِهِ

رَبعٌ خَلَت عَرَصاتُهُ مِن نُهَّدٍ

رَجَحَت رَوادِفُهُنَّ عَن كُثبانِهِ

يَرقُدنَ في ظِلِّ الأَراكِ قَوائِلاً

فَتَخالُهُنَّ سَقَطنَ مِن أَغصانِهِ

مِن كُلِّ جائِلَةِ الوِشاحِ تَدَيَّرَت

مِن غَورِهِ الأَدنى إِلى جَولانِهِ

غِزلانُ إِنس بِنّ عَنهُ وَعُوِّضَت

عَرَصاتُهُ بِالوَحشِ مِنغِزلانِهِ

يَسألنَ عَن شَأنِ المُحِبِّ عَلى النَوى

لا تَسأَلوا عَنهُ وَلا عَن شانِهِ

شَطَّ المَزارُ أَعلَنَ في هَواكَ بِسِرِّهِ

فَالبينُ أَحوَجَهُ إِلى إِعلانِهِ

كَتَمَ الهَوى صَبراً إِلى أَن لَم يَجِد

صَبراً وَلا جَلَداً عَلى كِتمانِهِ

وَزَعَمتُمُ أَنّي نَسيتُ عُهودَكُم

لا لَومَ لِلإِنسانِ في نِسيانِهِ

وَلَقَد سَرى بَرقُ العِراقِ فَهاجَ لي

بِالشامِ وَجداً مِن سَنا لَمَعانِهِ

تَرَكت عَقيقَتُهُ الأَحَصَّ كَأَنَّما

ذابَ العَقيقُ عَلى رَؤُوسِ قُنانِهِ

يَبدو لِعَينِكَ في الظَلامِ كَأَنَّهُ

صِلُّ الكَثيبِ مُنضنِضاً بِلِسانِهِ

مُتَبَوِّجاً يَحكي الأَصَمَّ مِنَ القَنا

سالَ النَجيعُ عَلَيهِ في عَسَلانِهِ

فَكَأَنَّهُ وَاللَيلُ مُعتَكِرُ الدُجى

نارُ المُعِزِّ عَلى مُتونِ رِعانِهِ

مَلِكٌ إِذا خَفَقَ اللِواءُ وَراءَهُ

خَفَقَت قُلوبُ الإِنسِ مِن خَفَقانِهِ

حَسَنُ الثَناءِ مَغيبُهُ كَشُهودِهِ

بَينَ المَلا وَحَديثُهُ كَعِيانِهِ

قاتَ الوُحوشَ فَأَصبَحَت مَحسوبَةً

فيمَن يُقاتُ لَدَيهِ مِن ضيفانِهِ

فَالوَحشُ قَد عَرَفَ القِرى بِعَجاجِهِ

وَالإِنسُ قَد عَرَفَ القَرى بِدُخانِهِ

لا تَأَمَننَّ مِنَ الزَمانِ وَرَيبِهِ

إِن أَنتَ لَم تَعلَق بِحَبلِ أَمانِهِ

وَعِصابَةٍ خَبَطوا الظَلامَ بِأَينُقٍ

في البيدِ لا يُنكرنَ مِن ظُلمانِهِ

يَخضِبنَ مُبيَضَّ الحَصا بِمَناسِمٍ

طالَ السُرى فَدَمينَ مِن إِدمانِهِ

خُوصُ الأَحِجَّةِ ما اِنطَوَت حَتّى طَوَت

بِيداً تُبيدُ الرَكبَ في غيطانِهِ

مِن كُلِّ مُغتَرِضِ الأَريكَةِ صَيَّرَت

غُبرُ الفَيافي بَطنَهُ كَبِطانِهِ

مِن تَحتِ مُنقَدِّ القَميصِ بِسَيفِهِ

حَدُّ وَأَمضى مِنهُ حَدُّ لِسانِِ

يَرجُو الغِنى مِن كُلِّ أَروَع لَم يَخَف

راجيهِ بَعدَ اللَهِ مِن حِرمانِهِ

وَيَؤُمُّ أَبلَجَ مِن ذُؤابَةِ عامِرٍ

عاشَت مُلوكُ الأَرضِ في إِحسانِهِ

مُغرىً بِنَقصِ المالِ إِلّا أَنَّهُ

مالٌ يَزيدُ الحَمدُ في نُقصانِهِ

إِنَّ الزَمانَ كَثيرَةٌ كرَماؤُهُ

لَكن أَكرَمَهُم أَبُو عُلوانِهِ

بَحرٌ شَطونُ العِبر إِلّا أَنَّهُ

بَحرٌ رَأَينا البَحرَ مِن خُلجانِهِ

ماضي الجَنانِ إِذا تَقَلَّدَ صارِماً

لَم يَمضِ صارِمُهُ مَضاءَ جَنانِهِ

شَرُفت مَناقِبُهُ إِلى أَن رُصِّعَت

عِوَضاً عَنِ الياقوتِ في تيجانِهِ

وَالمأثُراتُ الغُرُّ أَشرَفُ قيمَةً

في تاجِهِ المَعقودِ مِن عِقيانِهِ

قابَلتُ في الإِيوانِ سُنَّةَ وَجهِهِ

فَسَلَوتُ عَن كِسرى وَعَن إِوانِهِ

وَرَأيتُ حينَ رَأيتُ أَحسَنَ سيرة

فينا وَأَعدَل مِن أَنو شِروانِهِ

أَنسى البَرِيَّةَ عَدلَ ذاكَ بِعَدلِهِ

فَكَأَنَّهُم في عَصرِهِ وَأَوانِهِ

لَو حَلَّ دونَ مَحَلِّهِ مِن قَدرِهِ

ما كانَ يُبصَرُ مِن عُلوِّ مَكانِهِ

تَأبى المَمالِكَ نَفسُهُ ما لَم تَكُن

مَملوكَةً بَضرابِهِ وَطِعانِهِ

كَالليثِ يأنَفُ أَن يَدُقَّ فَريسَةً

لَم تَثوِ بَينَ مَلاطِهِ وَجِرانِهِ

رَبِحَ الثَنا بِخَسارَةٍ مِن مالِهِ

فَأَتاهُ ربحُ الحَمدِ مِن خُسرانِهِ

حامي الذِمارِ وَلِلمَنِيَّةِ مَورِدٌ

خُلِقَت رِماحُ الخَطِّ مِن أَشطانِهِ

إِذ لا يَرى البَطَلُ الشُجاعُ لِنَفسِهِ

وَزَراً حَصيناً غَيرَ ظَهرِ حِصانِهِ

أَو مُرهَفٍ عُرِفَت نَفاسَةُ قَدرِهِ

مِن أَنفُسِ سالَت عَلى سِيلانِهِ

كَالجَدوَلِ المُنقادِ إِلّا أَنَّهُ

لا يُحتَشى في الغِمدِ مِن جَرَيانِهِ

أَو مارِنٍ في الصِلِّ حامِلِ جَذوَةٍ

يَبدُو سَناها مِن بَريقِ سِنانِهِ

في كَفِّ أَروَعَ كُلَّما اشتَجَرَ القَنا

وَدَنا في الرَوعِ مِن أَقرانِهِ

مِثلُ المُعِزِّ وَأَينَ يُوجَد مِثلُهُ

إِلّا قَليلاً في مُلوكِ زَمانِهِ

صَعبٌ إِذا صَعُبَ الزَمانُ قِيادهُ

لا يَأمَنُ الأَعداءُ مِن عُدوانِهِ

لَمّا وَزَنتُ العالمينَ وَجَدتُهُم

لا يَرجَحونَ عَلَيهِ في ميزانِهِ

أَتقى البَرِيَّةِ مُفطِراً مِن صَومِهِ

أَو صائِماً لِلّهِ في رَمَضانِهِ

سَبَقَ الكِرامَ السابِقينَ إِلى النَدى

سَبقَ العَتيقِ النَهدِ يَومَ رِهانِهِ

يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي أَحيا النَدى

فينا وَأَحيا العَدلَ في بُلدانِهِ

قَد كانَ فَخرُ المُلكِ شَيَّدَ ما بَنى

وَبَنَيتَ أَنتَ فَزِدتَ عَن بُنيانِهِ

وَأَقَمتَ رُكنَ المُلكِ بَعدَ نَوائِبٍ

مالَت عَلَيهِ فَمالَ مِن أَركانِهِ

وَطَلَبتَ ثَأرَكَ فاستَثارَ لَكَ الرَدى

مِمَّن أَلَحَّ عَلَيكَ في طُغيانِهِ

وَحَوَيتَ ما خَلّى فَلَم تَحفِل بِهِ

كَرَماً وَجُدتَ بِهِ عَلى غِلمانِهِ

وَمَلَكتَ إِرثَكَ مِن أَبيكَ بِهِمَّةٍ

قادَت زِمامَ المُلكِ بَعدَ حِرانِهِ

فَاسعَد بِعيدِكَ لا عَدِمتَ سَعادَةً

في الدَهرِ باقِيَةً عَلى أَزمانِهِ

فَالعِزُّ قَد أَمطاكَ ظَهرَ جَوادِهِ

وَالمُلكُ قَد أَنطاكَ فَضلَ عِنانِهِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن أبي حصينة

avatar

ابن أبي حصينة حساب موثق

العصر المملوكي

poet-Ibn-abi-Hussaynah@

132

قصيدة

15

متابعين

(388-457 هـ/998-1065م) الحسن بن عبد الله بن أحمد بن عبد الجبار بن أبي حصينة أبو الفتح الشامي. شاعر من الأمراء ولد ونشأ في معرة النعمان بسورية انقطع إلى دولة بني ...

المزيد عن ابن أبي حصينة

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة