الديوان » مصر » أحمد الحملاوي » قالت وقدر حبت بالركب أرجاء

عدد الابيات : 140

طباعة

قالت وقدر حبت بالركب أرجاء

زوّار قبرك يا خير الورى جاءوا

من كل فج عميق قد أتوك ولم

يدركهم من عناء السير إعياء

الشوق رائدهم والوجد قائدهم

ومبتغى الكل أنوار وأضواء

لفيض فضلك قد مدوا أياديهم

ومنك للكل يا مختار إرضاء

فاعطف عليهم ففي مغناك قد نزلوا

ومنك يرجى وحقّ الحق إعطاء

فكم جرى اليمن من يمناك منهمرا

ويسر يسراك زالت منه بأساء

حلوا حماك ضيوفا بعد دعوتهم

ووجه ضيفك وضّاح ووضاء

يا مصطفى لك في الإحسان منزلة

من دونها في اعتلاء الفدر جوزاء

شدوا إليك رحالا حال دعوتهم

ولم ينل طرف كل قط إغفاء

خاضوا البحار وجابوا البيد مقفرة

وأذنهم عن نداء الأهل صمّاء

والجو صحو وثغر الكل مبتسم

والبحر رهو ومنه غار إرغاء

والفلك في البحر باسم الله جارية

وما لأمواجها في البحر ضوضاء

تختال في اليم من تيه ومن طرب

كأنما البحر بر وهيَ هيفاء

أو أنها سرحة في اليم مائسة

أو قلعة من قلاع الفرس شماء

سارت تشق عباب البحر ماخرة

أما الشراع بها فالنار والماء

وصدر كل بحسن القصد منشرح

فما لطرف الصفا في القوم إغضاء

إخوان صدق مجال الصفو يجمعهم

وكلهم لحديث الشوق قرّاء

كأنما الأنس ذات هم لها عرض

أو جسم شخص وهم للجسم أعضاء

لم يلههم قط لا مال ولا ولد

بل ملء أفئدة السارين سراء

وجئت من بينهم والوجد يجذيني

والعين من شوقها بالدمع وطفاء

والقلب من جذوة الأشواق متقد

لكن له من مياه القرب إطفاء

كأنني وسفين البر تحملني

برق سرى ومرامي البيد ظلماء

أو أنني كالقطا في القيظ صادية

وراءها النسر أو قدامها ماء

تشق بالطير قلب الجو مسرعة

وعينها عن سوى المقصود عمياء

تطوى الفيافي بأطرف وأجنحة

كما انطوت بيد الوابور بيداء

تسابق الريح لا تلوى على أحد

كأنها حية في الجرى رقطاء

تطوى يداها بساط الأرض في عجل

طى السجل وأرض البيد جرداء

والال كالنهر فوق الرمل مضطرب

يجرى وما فيه للظمآن إرواء

والرمل في البيد كالحصباء مصطخد

حتى توارت للفح الحر حرباء

وكم رأيت بأرض السام من عجب

فكم بها نفق تتلوه تيهاء

من صخرها فاض عذب الماء منبجسا

وأخضبت بجميل الزرع صفواء

ومن تبوك شرينا بعض حاجتنا

ولم يكن في ابتياع الحاج إبطاء

وقد رأينا بها الأنوار مشرقة

حيث النبي بها والصحب قد جاءوا

فأذكرتنا بمن في طيبة مردوا

على النفاق ومن سادوا ومن ساءوا

ومن على البر والإنفاق ما ادخروا

وسعا ومن هو للأموال أتاء

منها الحجاز دخلنا في فدافده

صحراء من بعدها في الدو صحراء

جئنا ديار ثمود وهي قائمة

بالحجر تخبر عنهم وهي خرساء

بأنهم عقروا لله ناقته

فأهلكوا وبسخط الله قد باءوا

قد أحكموا تحتها في الصخر مثقتة

واليوم صار بها للوحش إيواء

آيات صدق بها القرآن أخبرنا

وصح فيها عن المختار أنباء

لم ندر والطائر الميمون يطربنا

منه صفير له في الدو أصداء

حتى بدت قبة المختار مشرقة

وللضياء بأوج الأفق لألاء

جثنا إلى ساحة بالجود قد ملئت

وساحة المصطفى بالجود فيحاء

فيها العطايا وفيها الفضل منهمر

ذوالعز يهمى وللضيفان إقراء

فيها ثغور الصفا والأنس باسمة

فيها لمستمطر الإحسان إسداء

لله طيبة قد طابت مساكنها

إن المدائن بر وهى دأماء

قد أحرزت برسول الله ما قصرت

عنه دمشق وبغداد وصنعاء

ومصر والمدن في الدنيا بأجمعها

إذ أنها الكل لكن هن أجزاء

أستغفر الله إلا مكة فلها

بالبيت منزلة في الفضل قعساء

متى أراها وحج البيت يشفع لي

والركن والبئر والمسعى وبطحاء

بالله يا مصطفى كن خير واسطة

فالقود شاب وأضنى الجسم أدواء

سكان طيبة قد فازوا بسكنتها

إن الجوار له بالعطف إيماء

فالقرب للقبر قد أحيا عواطفهم

فالكل موتى وهم بالقرب أحياء

أبناء طيبة نعم الأم أمكم

منها عليكم جنت بالعطف أحشاء

وقد غذتكم من الألمان أطيبها

كما وقتكم بها في القيظ أفياء

وماؤها سلسبيل ساغ مورده

وعينها من صفاء الماء زرقاء

وكم بها نجت الأرواح من ظمأ

وكم بها اخضرّ في الأنحاء أحياء

فليس في الكون ماء قط يعدلها

فأينَ منها إذا أنصفت صداء

من معجزات النبي المصطفى نبعت

من صخرة وهي في الأخدود حراء

وإن تبدت من الأخدود وارتفعت

فقد كستها ثياب الثلج أجواء

تشفى السقام وتشفى القلب من حسد

فلا يدوم بها حقد ولا داء

وترب طيبة للمجدوم عافية

وكم به العين صحت وهى رمداء

ولا المسيخ ولا الطاعون يدحلها

ولا تؤمّ حماها قط أعداء

قد خصها الله بالإجلال فانقشعت

عنها من الكرب والبأساء أنواء

وكيف لا وخيار الخلق من مضر

له بها قبة بالخصب خضراء

فمن رآها ومن في الدار جاورها

فهو السعيد ولا تأتيه لأواء

وهو المنعم في دنيا وآخرة

وفي النعيم له مجد وعلياء

يا سيّد الخلق من عرب ومن عجم

ومن علينا له فضل وآلاء

ومن له انشق في أفق السما قمر

ومن به اختصّ معراج وإسراء

ومن له حن ذع عند فرقته

ومن تدانت له في النخل أفناء

قد خصّك الله بالآداب من صفر

ومقلة القوم عن علياك حولاء

للعلم والغيث ذات قد خصصت بها

وخص آدم من هاتيك أسماء

عليك قد أنزلت للناس قاطبة

شريعة كضياء الشمس بيضاء

بها لأجلك كنا أمة وسطا

شهود عدل جباه الوجه غراء

لم تبق بعد نبى قط معجزة

إلا لطه وفي الإبطاء إعلاء

وإنّ معجزة القرآن ما بقيت

إلا وفيها إلى الإسلام إبقاء

تكفّل الله بالقرآن يحفظه

فوجه دينك بالقرآن وضاء

دين قويم وشرح كله حكم

لولاه ما اعتدلت في الكون عوجاء

وكم وكم نفحت بالطيب روضته

وكم بها غردت في الدوح ورقاء

لولا النبي ولولا شمس طلعته

لما انمحت من بقاع الأرض ظلماء

واستفحل الخطب واشتدّت عواصفه

ودمّرت ركن هذا الكون نكباء

ولكن الله بالقرآن أرسله

يهدى إلى الرشد والآذان صماء

فأسمع الكل صوت الحق مرتفعا

فمنه رجت بأمر الله أرجاء

ومنه رقت وكانت قبل قاسية

غلفق القلوب وراقت منه آراء

وأصبح الشرك بعد الرفع منخفضا

وناله بعد قرب الدار إقصاء

والناس قد دخلوا في دينه زمرا

من بعد ما مزقت للكفر أشلاء

والله أيده بالنضر مع فئة

هم للسعادة في الدارين أكفاء

أصحاب صدق وأنصار غطارفة

قد أيدوا الحق والهيجاء هوجاء

شعارهم رحماء القلب بينهم

لكن على عصبة الأعدا أشداء

يا خير من وسع المضطّر ساحته

ومن إليه وفود الرفد قد جاءوا

ألقيت عندك يا طه عصا سفرى

وفي حماك تطيب اليوم إلقاء

وقد دخلت الحمى بالجاه معتصما

وجار هذا الحمى حاشاه يستاء

أو أن يعود ولم يظفر بحاجته

حاشى وكلا فأنت الباء والراء

إنى أتيتك والزوار قاطبة

والنفس فيها من الحاجات أشياء

فاعطف علينا ولا تقلل لنا صلة

فأنت للخير والإحسان معطاء

وأكرم الخلق من بدر ومن حضر

وخير من ولدت في الكون حواء

زوّار قبرك يا خير الورى وجبت

لهم شفاعتك العظمى وإن ساءوا

والحمد لله قد زرنا على شحط

من الديار والإخفاء إبداء

وطالما قال لي من لست أسمعه

تكفيك أولى ففيها الحاء والظاء

ولج يوسعني ذما ويمنعني

فصدّه في الجواب الصاد والهاء

وقمت في الحال مزورا وقلت له

دع عنك لومى فإن اللوم إغراء

يا سيد الرسل قد وافيت معتذرا

ومنك يرجى بحسن الظن إغضاء

دنّست نفسي بالآثام من صغر

واليوم عيني عن الآثام عمياء

كم للجوارح من جرح يدنسها

وملء عيني من الأقذاء أقذاء

وصنت نفسي عن الإفشاء من خجلى

إذ لا يليق لسر الذنب إفشاء

نام الشباب وقام الشيب ينذرني

حتى انتهيت وملء النفس أهواء

وإن لي نسبا ينمى لفاطمة

بنت النبي ونعم الأم زهراء

فكيف لا أرتجي جدّى ونصرتهُ

والجد إن عزّ عزّت منه أبناء

من لي سواك رسول الله ينظر لي

بالعطف إن نزلت بالجسم ضراء

أو من سواك بيوم الشحر يشفع لي

والناس من هوله لولاك لاستاءوا

يوم به الشمس تدنو وهي محرقة

من الرؤوس ولا ظل ولا ماء

وليس من أحد يلوى على أحد

بل قد تفر من الأبناء آباء

والوزن بالقسط لا حول ولا حيل

أما الشهود فأطراف وأعضاء

وحىء يومئذ بالنار صالية

كالمهل تومى شواظا وهي غبراء

فليس للحملاوي قط من أحد

سواك يرجى وأرض الحشر رمضاء

يا سيد الرسل والأملاك خذ بيدي

فإنني مؤمن آخته حوباء

وحاش لله يوم الدين تثقلني

من الذنوب وأنت الجاه أغباء

بالصاحبين أتيت اليوم ملتجئا

أرجو رضاك وفي افرضاء إغضاء

وبالبتول وبانيها ومن ولدت

فهم بحبك في القربى أخصّاء

وحمزة سيد الأبطال في أحد

ومن له طعنة في الحرب نجلاء

عليّ فرض مدى عمرى محبتهم

ففي محبّتهم سعدٌ و إثراء

وبغضهم عند خفض العيش متربة

بل بدعة عند أهل الدين شنعاء

يا مصطفى أنت روض كله ثمر

وآل بيتك أفنان وأفياء

فيهم وفيك جميل المدح يطربني

ومنه ينعش إنشاد وإنشاء

بمدحكم لا أزال الدهر مشتغلا

إذ منه تحلو كتابات وإملاء

وفيه بعد جلاء القلب من غير

للأذن حلى وللأفواه حلواء

أوصافك الغر في خلق وفي خلق

لا يستطاع لها عد وإحصاء

وكيف والله قد أطراك في خلق

وليس بعد ثناء الله إطراء

حسبي لديك وقد وافيت معتذرا

يتيمة من بنات الفكر عصماء

جاءت إليك تغضّ الطرف من خجل

والطرف عند اللقا تغضيه عذراء

لا عيب فيها على ما راق من أدب

أن ليس في بيتهها بالعيب إبطاء

وأنها من بيوت المجد قد وفدت

وما بها قط إكفاء وإقواء

وقد كستها صفات المصطفى حللا

فما لها لسوى المختار إهداء

عساك مني رسول الله تقبلها

فإنها غاية في الحسن غيداء

هذا هو المهر إن تقبل وإن رجعت

فقد كستها صغار الحزن خنساء

لكن أراها بحسن الحظ قد قبلت

وليس في المهر للغيداء إكداء

لذا أقول وصدرى صدر منشرح

سر القبول له في القلب سراء

وقد رأيت رسول الله مبتسما

ومنه لي استماع المدح إصغاء

صلى عليه إله العرش ما وخدت

في السير بالركب علكوم ووجناء

والآل والصحب والأزواج قاطبة

ما أورق الغصن أو ما أغدق الماء

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أحمد الحملاوي

avatar

أحمد الحملاوي حساب موثق

مصر

poet-Ahmed-El-Hamlawy@

99

قصيدة

319

متابعين

أحمد بن محمد الحملاوي. أديب، مدرس مصري، له نظم. تخرج بدار العلوم ثم بالأزهر. وزاول المحاماة الشرعية مدة. وعمل في التدريس إلى سنة 1928 ووضع كتباً مدرسية، منها (شذا العرف ...

المزيد عن أحمد الحملاوي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة