يا مانِعي طيبَ المَنامِ ومانِحي
ثوبَ السّقامِ بِهِ ووَجْدِي المُتْلِفِ
عَطفاً على رَمقي وما أبقَيتَ لي
منْ جسميَ المُضْنى وقلبي المُدَنَفِ
فالوَجْدُ باقٍ والوِصَالُ مُماطلي
والصّبْرُ فانٍ واللّقاء مُسَوّفي
يا لائِمي في حُبِّ مَن مِن أَجلِهِ
قَد جَدَّ بي وَجدي وعَزَّ عَزائي
هَلّا نَهاكَ نُهاكَ عن لَومِ امرِىءٍ
لم يُلفَ غَيرَ مُنَعَّمٍ بِشَقَاءِ
فَما كُلُّ مَن تَهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ
وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ قَد صَفا
إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً
فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا
كَعُصفُورةٍ في كفِّ طفلٍ يُهِينُها
تُعَانِي عَذابَ المَوتِ والطِفلُ يلعبُ
فلا الطفل ذو عقلٍ يرِقُّ لِحالِها
ولا الطّيرُ مَطلُوقُ الجنَاحَينِ فيذهبُ
وَإِنَّ العَطفَ بَعدَ العَتبِ يُرجى
وَإِنَّ المَلَّةَ الداءُ العَياءُ
رَأَيتُ اليَأسَ يُلبِسُني خُشوعاً
وَأَرجوها فَيُعوِزُني الرَجاءُ
لَعَمري لَأَهلُ العِشقِ فيما يُصيبُهُم
أَحَقُّ بِأَن يُبكى عَلَيهِم مِنَ المَوتى
يُميتُ الهَوى قَوماً فَيَلقَونَ راحَةً
مِنَ الضُرِّ وَالجُهدِ المُبَرِّحِ وَالبَلوى
وَيحيا بِهِ قَومٌ أَصابوا هَواهُمُ
وَقَد صِرتُ فيهِم لا أَموتُ وَلا أَحيا
أَبيتُ وَعَيني بِالدُموعِ رَهينَةٌ
وَأُصبِحُ صَبّاً وَالفُؤادُ كَئيبُ
إِذا نَطَقَ القَومُ الجُلوسُ فَإِنَّني
أُكِبُّ كَأَنّي مِن هَواكِ غَريبُ
يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في مُعامَلَتي
فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ
أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً
أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ
أَسِيئي بِنا أَو أَحسِني لا مَلومَةً
لَدِينا وَلا مَقلِيةً إِن تَقَلَّت
وَلَكِن أَنيلي وَاِذكُري مِن مَودَةٍ
لَنا خُلَّةً كَانَت لَدَيكُم فَضَلَّتِ
فَيا قَلبُ دَع ذِكرى بُثَينَةَ إِنَّها
وَإِن كُنتَ تَهواها تَضَنَّ وَتَبخَلُ
قَناةٌ مِنَ المُرّانِ ما فَوقَ حَقوِها
وَما تَحتَهُ مِنها نَقاً يَتَهَيَّلُ
وَإِطراقُ طَرفِ العَينِ لَيسَ بِنافِعٍ
إِذا كانَ طَرفُ القَلبِ لَيسَ بِمُطرِقِ
فَيا أَيُّها المَطلوبُ جاوِرهُ تَمتَنِع
وَيا أَيُّها المَحرومُ يَمِّمهُ تُرزَقِ
فَيا لَيتَ ما بَيني وَبَينَ أَحِبَّتي
مِنَ البُعدِ ما بَيني وَبَينَ المَصائِبِ
أَراكَ ظَنَنتِ السِلكَ جِسمي فَعُقتِهِ
عَلَيكِ بِدُرٍّ عَن لِقاءِ التَرائِبِ
لَيتَ الزَمانَ لَنا يَعودُ بِيُسرِهِ
إِنَّ اليَسيرَ بِذا الزَمانِ عَسيرُ
يا قَلبِ هَل لَكَ في العَزاءِ فَإِنَّهُ
قَد عيلَ صَبرُكَ وَالكَريمُ صَبورُ
يا لَيتَ مَن لامَنا في الحُبِّ مَرَّ بِهِ
مِمّا نُلاقي وَإِن لَم نُحصِهِ العُشُرُ
حَتّى يَذوقَ كَما ذُقنا فَيَمنَعَهُ
مِمّا يَلَذُّ حَديثُ النَفسِ وَالسَهَرُ
فَلا تَحسَبي أَنّي عَلى البُعدِ نادِمٌ
وَلا القَلبُ في نارِ الغَرامِ مُعَذَّبُ
وَقَد قُلتُ إِنّي قَد سَلَوتُ عَنِ الهَوى
وَمَن كانَ مِثلي لا يَقولُ وَيَكذِبُ
وَأَمنَحُها أَقصى هَوَايَ وَإِنَّني
عَلى ثِقَةٍ مِن أَنَّ حَظّي صُدودُها
أَلا لَيتَ شِعري بَعدَنا هَل تَغَيَّرَت
عَنِ العَهدِ أَم أَمسَت كَعَهدي عُهودُها