تَلَذُّ عَيني وَقَلبي مِنكَ في أَلَمٍ
فَالقَلبُ في مَأتَمٍ وَالعَينُ في عُرُسِ
كِمُّ الفُؤادِ حَبيساً غَيرُ مُنطَلِقٍ
وَدَمعُ عَيني طَليقاً غَيرُ مُنحَبِسِ
وَما اِنسَدَّتِ الدُنيا عَلَيَّ لِضيقِها
وَلَكِنَّ طَرفاً لا أَراكِ بِهِ أَعمى
فَوا أَسَفا أَن لا أُكِبَّ مُقَبِّلاً
لِرَأسِكِ وَالصَدرِ الَّذي مُلِئا حَزما
ما لِنَفسي وَحدَها ذَنبٌ سِوى
مِنكُمُ الحُسنُ وَمِن عَيني النَظَر
أَجتَني اللَذّاتِ مَكلومَ الجَوى
وَاِلتِذاذي مِن حَبيبي بِالفِكَر
عَلِمتُ لَمّا رَضيتُ الحُبَّ مَنزِلَةً
أَنَّ المَنامَ عَلى عَينَيَّ قَد غَضِبا
فَقُلتُ واحَرَبا وَالصَمتُ أَجدَرُ بي
قَد يَغضَبُ الحُسنُ إِن نادَيتُ واحَرَبا
لَقَد كَتَمتُ الهَوى حَتّى تَهَيَّمَني
لا أَستَطيعُ لِهَذا الحُبُّ كِتمانا
كادَ الهَوى يَومَ سَلمانينَ يَقتُلُني
وَكادَ يَقتُلُني يَوماً بِبَيدانا
وَلَولا أَنَّني أَخلو بِنَفسي
وَأُطفِئُ بِالدُموعِ جَوى غَرامي
لَمُتُ أَسىً وَكَم أَشكو لِأَنّي
أَغارُ عَلَيكِ يا بَدرَ التَمامِ
ضاقَت عَلَيَّ بِلادُ اللَهِ ما رَحُبَت
يا لَلرِجالِ فَهَل في الأَرضِ مُضطَرَبُ
البَينُ يُؤلِمُني وَالشَوقُ يَجرَحُني
وَالدارُ نازِحَةٌ وَالشَملُ مُنشَعِبُ
قَضاها لِغَيري وَاِبتَلاني بِحُبِّها
فَهَلّا بِشَيءٍ غَيرَ لَيلى اِبتَلانِيا
خَليلَيَّ لا تَستَنكِرا دائِمَ البُكا
فَلَيسَ كَثيراً أَن أُديمَ بُكائِيا
وَحَدَّثتَني يا قَلبُ أَنَّكَ صابِرٌ
عَلى البَينِ مِن لُبنى فَسَوفَ تَذوقُ
فَمُت كَمَداً أَو عِش سَقيماً فَإِنَّما
تُكَلِّفُني مالا أَراكَ تُطيقُ
وأَنا الَّذي سَكَنَ المدينَةَ مُكْرَهاً
ومشى إلى الآتي بقلبٍ دامِ
يُصغي إلى الدُّنيا السَّخيفَةِ راغماً
ويعيشُ مِثْلَ النَّاسِ بالأَوهامِ
وما كنت أَدري قَبلَ عَزَّةَ ما البُكا
وَلا مُوجِعاتِ القَلبِ حَتَّى تَوَلَّتِ
وَما أَنصَفَت أَما النِساءُ فَبَغَّضَت
إِلينا وَأَمَّا بِالنَوالِ فَضَنَّتِ
وَقَلَّبتُ أَمري لا أَرى لِيَ راحَةً
إِذا البَينُ أَنساني أَلَحَّ بِيَ الهَجرُ
فَعُدتُ إِلى حُكمِ الزَمانِ وَحُكمِها
لَها الذَنبُ لاتُجزى بِهِ وَلِيَ العُذرُ
نادَيتُ قَلبي بِحُزنٍ ثُمَّ قُلتُ لَهُ
يا مَن يُبالي حَبيباً لا يُباليهِ
هَذا الَّذي كُنتَ تَهواهُ وَتَمنَحَهُ
صَفوَ المَوَدَّةِ قَد غالَت دَواهيهِ
وَالهَجرُ أَقتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ
أَنا الغَريقُ فَما خَوفي مِنَ البَلَلِ
ما بالُ كُلِّ فُؤادٍ في عَشيرَتِها
بِهِ الَّذي بي وَما بي غَيرُ مُنتَقِلِ
نَزَفَ البُكاءُ دُموعَ عَينِكَ فَاِستَعِر
عَيناً لِغَيرِكَ دَمعُها مِدرارُ
مَن ذا يُعيرُكَ عَينَهُ تَبكي بِها
أَرَأَيتَ عَيناً لِلبُكاءِ تُعارُ
دَعوني أَمُت غَمّاً وَهَمّاً وَكُربَةً
أَيا وَيحَ قَلبي مَن بِهِ مِثلُ ما بِيا
دَعوني بِغَمّي وَاِنهَدوا في كَلاءَةٍ
مِنَ اللَهِ قَد أَيقَنتُ أَن لَستُ باقِيا
يَبكي بُكاءَ الطِفلِ فارَقَ أُمِّهِ
ما حيلَةُ المَحزونِ غَيرُ بُكاءِ
فَأَقامَ حِلسَ الدارِ وَهوَ كَأَنَّهُ
لِخُلُوِّ تِلكَ الدارِ في بَيداءِ
فَفاضَت دُموعُ العَينِ مِنّي صَبابَةً
عَلى النَحرِ حَتّى بَلَّ دَمعِيَ مِحمَلي
أَلا رُبَّ يَومٍ لَكَ مِنهُنَّ صالِحٌ
وَلا سِيَّما يَومٍ بِدارَةِ جُلجُلِ
وَإِنَّ شِفائي عَبرَةٌ مَهَراقَةٌ
فَهَل عِندَ رَسمٍ دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ
كَدَأبِكَ مِن أُمِّ الحُوَيرِثِ قَبلَه
وَجارَتِها أُمِّ الرَبابِ بِمَأسَلِ