الديوان » مصر » محمود غنيم » سفينة الموت

عدد الابيات : 42

طباعة

فَغَرَ اليمُّ فاه للرُّكبانِ

وطغى الماءُ، واختفى الشاطئان

وبدا الموتُ سافرًا كالحَ الوجـ

ـهِ، ولم تُجدِ حيلةُ الرُّبان

وتهاوى السفينُ تحتَ جبالٍ

شاهقات الذُّرا غِلاظِ الرِّعَان

الجبالُ التي على الفُلك ماءٌ

ربَّ ماء أقسى من الصَّفوان

رُبَّ زيتٍ يفري البُطون، وماءٍ

عبَّ منه مَن ليس بالظمآن

دَخَلَ الموتُ، يسرقُ الخطوَ، لصًّا

بين رقص الدُّمى، وعزفِ الكَمان

سائل الرَّكبَ: كيف صارت أغانيـ

ـهِ أنينًا يصُكُّ سمع الزمان؟

واستحالتْ ألحانهُ حشرجاتِ

من حلوق النساء والولدان؟

لهْفَ نفسي على صبي غريرٍ

غافلٍ عن طوارق الحِدثان

مات في حِضن أمَّه! يا لأمٍ

أدركتها في لحظة موتتان!

لهف نفسي على فتًى أطبقَ المو

جُ عليه فخانه الساعدان!

وفتاةٍ زفت إلى النيل بكرًا

ومضى عرسُها بلا مهرجان!

ربَّ ناج أصابَ عمرًا جديدًا

فقضاهُ فريسةَ الأحزان!

صرخاتُ الغرقى يصُكُّ صداها

أُذنيه صكًّا بكلِّ مكان

أيُّها النيلُ، كم عمرت يبابًا

وبعثتَ الحياة في الأبدان

فعلام استحلتَ موتًا زُؤامًا

وأشعتَ الخراب في العمران؟

أعصيرَ الكروم يا نيلُ تحوي

أم لعاب الحياتِ والأُفعوان؟

نلتَ ما لم تنلهُ يا نيلُ منا

ضاربات الأُسود والذُّؤبان

ليتَ شعري أبتَّ تستكثرُ المنَّـ

ـة؟ ليس الكريمُ بالمنَّان

أم تُراك ادَكَرتَ مالك من ما

ضٍ قديمٍ مع الغواني الحِسَان؟

كنتَ تغتالُ جؤذُرًا كلَّ عامٍ

فلم اغتلتَ ربربًا في ثوان؟

صف لنا الحرب: كيف دارت رحاها

بين جيش الأطفال والطُّوفان؟

كيف كانت تغالبُ الموتَ غيدٌ

بأكفٍ مخضَّبات البَنَان؟

ربَّ عبلِ الذراعِ أنحت عليه

لُجَجٌ ما له يهنَّ يدان

حدِّث الناس أيها النيل من فطـ

ـرةِ حبِّ البقاء في الإنسان

صف لنا: كيف يخطفئ الماء نورَ الْ

عَين بعدَ البريق واللمعان؟

كيف كان الآذيُّ في القتل أمضى

من شبا صارم، وحدِّ سنان؟

صف لنا: كيف صعّدت آخر الأنفا

سِ فيه، وزمَّت الشَّفتان؟

يا عدوَ النيران إِن هي شبَّت

كيف أصبحت مشعل النيران؟

كم فؤادٍ تركتهُ يتلَظَّى

في جحيمٍ، وأنتَ نبعُ الجنان؟

ذهب القوم يستجمُّون حينًا

فاستجَمُّوا لكن مدى الأزمان

أزمعوا رحلةً؛ فكانت من الدن

يا إلى العالم البعيد الثاني

ما دروا إِذ تأنقوا في كساهم

أَنهم يكتسون بالأكفان

كان للموت ما تحلت به الغيـ

ـدُ، وما خضَّبته بالألوان

لكأني بالماء سال نُضارًا

أصفرَ اللونِ من شعور الغواني

وكأني بالماءِ سال على الغر

قى دموعًا من أعين الخزَّان

ربُ لا أظلمُ المقاديرَ؛ إنِّي

إن بدا الشَّكُّ، لذتُ بالإيمانِ

إن نقل: أذنب الكبارُ فماذا

قد جناه طفلٌ رضيعُ لبان؟

عبرٌ كلما تأملت فيها

عُدتُ منها مُشَتَّتَ الوجدان

أيُّها الهاربون من تعبِ الأر

ضِ، استريحوا بجنَّة الرَّضوان

إنَّ في الكوثر الأمانَ لمن عزَّ

عليه في النيل شَطُّ الأمان

شُهداءِ السَّلامِ أنتم، ويا ربَّ

شهيدٍ مَن مات في الميدان!

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود غنيم

avatar

محمود غنيم حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-ghoneim@

82

قصيدة

373

متابعين

توجد روايتان عن مولد الشاعر: محمود غنيم الاولى أنه ولد في ١٩٠١م،والثانية أنه ولد في 1902م،وقد ولد بقرية مليج في محافظة المنوفية. ويعد واحد من أبرز الشعراء العرب في جيله، وهو صاحب ...

المزيد عن محمود غنيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة