الديوان » مصر » محمود غنيم » كأس تفيض

عدد الابيات : 39

طباعة

لك الله؛ لا تشكو، ولا تتبرَّم

فؤادك فياضٌ، وفكك مُلجمُ!

يفيض لسان المرء إن ضاق صدرُه

ويطفح زيت الكيل، والكيل مفعم

تعللتُ دهرًا بالمنى، فإذا بها

قواريرُ من مسِّ الصبَّا تتحطم

حملنا على الأقدار، وهْي بَرِئيةٌ

وقلنا: هي الأقدار، تعطى، وتَحرم

لعمرك، ما أدري: على أيِّ منطق

أشاهد في مصر الحظوظَ تُقسَّم؟

فكم رصد الأفلاكَ في مصر أكمهٌ

وزلزل أعوادَ المنابر أبكم

أقمتُ بمصرٍ، عاثر الجدِّ، ساكنًا

كما سكنت أهرامها، والمقطم

وقفت مكاني لا أريم، وأخمصي

على الشوك من طول السرُّى تتورم!

كأنِّي إطار دائر حول نفسه

يطول به المسعى ولا يتقدم!

فمن يك ذا قربى وصهرٍ، فإنني

بمصرَ وحيدٌ؛ لا قريبٌ، ولا حمُ

وما أنا ممن تخطئ العين مثله

ولكنْ تعامي القوم عنَي، أو عَمُوا

أيذوي شبابي بين جدران قرية

بباب كأن الصمت فيها مخيم؟

أكاد من الصمت الذي هو شاملي

إذا حُسب الأحياءُ، لم أكُ منهمو

وعاشرتُ أهليها سنين، وإنني

غريب بإحساسي وروحيَ عنهمو

يقولون: خضراء المرابع نضرة

فقلت: هبوها، لست شاةً تسوَّم

على رِسْلكم، إني أقيم بقفرة

يجوز على الأحياء فيها الترحم

سئمت بهالونًا من العيش واحدًا

فَدَارى بها داري، وصحبي همو همو

حياة كسطح الماء، والماءُ راكد

فلا أنا مسرورٌ، ولا متألم

وما أبتغي إلا حياة عميقةً

تسرُّ، فأرضى، أو تسوء؛ فأنقم

حياة كلجِّ البحر، والبحر زاخر

تدوّي بها الأنواء، والرعد يهزم

حياة بها: جِدٌّ، ولهو؛ بها: رضًا

وسخط؛ لها طعمان: شهد، وعلقم

فمن مُبلغٌ «بنتَ المعز» بأنَّ لي

فؤادًا عليها كالطيور يحوِّم؟

وأنِّىَ من سبع خلون محافظ

على العهد، إن خان العهود متيم

فإن أنأَ عن مصرٍ، فحسبي: أنني

أحج إليها كلَّ عام، وأُحرم

لعمرك، إني قد رمت بفتية

أروح وأغدو كلَّ يوم إليهمو

صغارٌ، نربِّيهم بمثل عقولهم

ونبنيهمو، لكننا نتهدَّم

لأوشكُ أن أرتدَّ طفلاً؛ لطولِما

أمثِّل دَوْرَ الطفل بين يديهمو

فصول بدأناها، وسوف نعيدها

دواليْكَ، واللحنُ المكرَّرُ يُسأم

فمن كان يرثى قلبه لمعذَّب

فأجدرُ شخص بالرثاء المعلم!

وما كنت أُعنى بالنتيجة يافعًا

فصرت بها في هدأة الليل أحلم

وددت لوَ أني عدت للدرس ناشئًا

أسير، وفي يمناي: لوح، ومرقم

وكائِنْ ترى الحرَّ الأبية نفسهُ

يضيع له حقٌ، وآخرُ يهْضَم

ينال المنى من يقطع السُّبْل ملحفا

ويغشى بيوت الناس، والناس نوَّم

ورُبَّ أمور يخجل الحرَّ ذكرها

يضيق بها صدري الفسيحُ، وأكتم

فياليتني أغضيت جفني على القذى

وعلمت نفسي بعض ما ليس تعلم!

فلو أن نفسي طاوعتني قرضتُّها

على الهوْن، لم أخسر وغيريَ يغنم

ألا فليسُدْ من شاء، حسبيَ أنني

ضننتُ بماء الوجه حين تكرَّموا

ولم أتغزَّلْ في الكرام وفضلهم

وغيري بهم لا بالكواعب مغرم

وإني لمغبون إذا صرت قيصرًا

وطوَّق بالنعماء جيديَ مُنعم

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود غنيم

avatar

محمود غنيم حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-ghoneim@

82

قصيدة

373

متابعين

توجد روايتان عن مولد الشاعر: محمود غنيم الاولى أنه ولد في ١٩٠١م،والثانية أنه ولد في 1902م،وقد ولد بقرية مليج في محافظة المنوفية. ويعد واحد من أبرز الشعراء العرب في جيله، وهو صاحب ...

المزيد عن محمود غنيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة