1 المريد
سقطتَ في العتمة والفراغ
تلطّخت روحك بالأصباغ
شربت من آبارهم
أصابك الدوار
تلوثت يداك بالحبر وبالغبار
وها أنا أراك عاكفاً على رماد هذي النار
صمتُك بيت العنكبوت، تاجك الصُبّار
يا ناحراً ناقته للجار
طرقتَ بابي بعد أن نام المغني
بعد أن تحطّم القيثار
من أين لي وأنت في الحضرة تستجلي
وأين أنتهي وانت في بداية انتهاء
موعدنا الحشر، فلا تفضَّ ختم كلمات الريح فوق الماء
ولا تمسّ ضرع هذي العنزة الجرباء
فباطن الأشياء
ظاهرها.. فظُنَّ ما تشاء
من أين لي ونارهم في أبد الصحراء
تراقصت وانطفأت
وها أنا أراك في ضراعة البكاء
في هيكل النور غريقاً صامتاً تُكَلِّمُ المساءْ
***
2 رحلة حول الكلمات
ما أوحشَ الليل إذا ما انطفأ المصباح
وأكلتْ خبز الجياع الكادحين زمرُ الذئاب
وصائدو الذباب
وخَرّبت حديقة الصباح
السحبُ السوداءُ والأمطارُ والرياح
وأوحش الخريف فوق هذه الهضاب
وهو يدبّ في عروق شجر الزقوم، في خمائل الضباب
يا مُسكري بحبهِ
مُحيري في قربهِ
يا مُغلق الأبواب
الفقراء منحوني هذه الأسمال
وهذه الأقوال
فمُدَّ لي يديكَ عبر سنوات الموت والحصار
والصمت والبحث عن الجذور والآباء
ومزق الأسداف
وليقبل السيّاف
فناقتي نحرتها وأكل الأضياف
وارتحلوا
وها أنا أقلب الأصداف
لعلها أوراقُ وردٍ طيّرتها الريحُ فوق ميتٍ، لعلها أطياف
***
3 فسيفساء
مهرّج السلطانْ
كان ويا ما كان
في سالف الأزمان
يداعب الأوتار، يمشي فوق حدّ السيف والدخان
يرقص فوق الحبل، يأكل الزجاجً، ينثني مغنياً سكران
يُقلد السعدان
يركب فوق ظهره الأطفال في البستان
يُخرج للشمس، إذا مدّت إليه يدها، اللسان
يُكلم النجوم والأمواتْ
ينام في الساحات
كان يحبّ إبنة السلطان
يحيا على ضفاف نهر صوتها
وصمتها
لكنها ماتت كما الفراشة البيضاء في الحقول
تموت في الأفول
فجُنَّ بعد موتها
ولاذَ بالصمت وما سبّح إلا باسمها
وذات يوم جاءني
يسألني
عن الذي يموت في الطفولة
عن الذي يُولد في الكهولة
رويتُ ما رأيتْ
رأيت ما رويت
كان ويا ما كان
***
4 المحاكمة
بُحتُ بكلمتين للسلطانْ
قلتُ له: جبان
قلت لكلب الصيد كلمتينْ
ونمت ليلتين
حلمتُ فيهما بأني لم أعد لفظين
توحّدتْ
تعانقت
وباركتْ – أنتَ أنا
تعاستي
ووحشتي
وضجَّ في خرائب المدينةِ
الفقراء إخوتي
يبكون، فاستيقظتُ مذعورًا على وقع خطا الزمان
ولم أجد إلا شهود الزور والسلطان
حولي يحومون، وحولي يرقصون: إنها وليمة الشيطان
بين الذئاب، ها أنا عريان
قَتَلْتَني
هجرتني
نسيتني
حكمتَ بالموتِ عليَّ قبل ألف عامْ
وها أنا أنام
منتظرًا فجر خلاصي، ساعة الإعدام
***
5 الصلب
في سنوات العُقمِ والمجاعهْ
باركَني
عانقَني
كلّمَني
ومدَّ لي ذراعه
وقال لي:
الفقراء ألبسوكَ تاجهم
وقاطعو الطريقْ
والبرص والعميان والرقيق
وقال لي إياكْ
وأغلق الشباك
واندفع القضاة والشهود والسيّافْ
فأحرقوا لساني
ونهبوا بستاني
وبصقوا في البئر، يا مُحيِّري
ومُسكري
وطردوا الأضياف
من أين لي أن أعبر الضفاف
والنار أصبحت رماداً هامداً
من أين لي يا مغلقَ الأبوابْ
والعقم واليباب
مائدتي، عشائيَ الأخيرُ في وليمة الحياهْ
فافتح ليَ الشبّاك، مُدّ لي يديك آه
***
6 رماد في الريح
عشر ليالٍ وأنا أكابد الأهوالْ
وأعتلي صهوة هذا الألم القتّال
أوصال جسمي قطَّعوها
أحرقوها
نثروا رمادها في الريحْ
دفاتري
تناهبوا أوراقها
وأخمدوا أشواقها
ومرّغوا الحروف في الأوحالْ
دمي بأسمالي
أنا هذا بلا أسمال
حرٌّ كهذي النار والريح، أنا حرٌّ إلى الأبدْ
يا قطرات مطر الصيف، ويا مدينة ما عاد منها أبداً أحد
موعدنا الحشر، فلا تداعبي قيثارة الجسدْ
أوصال جسمي أصبحت سمادْ
في غابة الرماد
ستكبر الغابةُ، يا معانقي
وعاشقي
ستكبر الأشجارْ
سنلتقي بعد غدٍ في هيكل الأنوار
فالزيت في المصباح لن يجفَّ، والموعدُ لن يفوت
والجرح لن يبرأ، والبذرة لن تموت

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد الوهاب البياتي

avatar

عبد الوهاب البياتي حساب موثق

العراق

poet-abdul-wahab-al-bayati@

20

قصيدة

413

متابعين

عبدالوهاب البياتي شاعر واديب عراقي ولد عام 1926م في بغداد. ويعد احد رواد الشعر الحر، عمل مدرساً من 1950 إلى 1953، ثم بدأ مسيرته في العمل الصحافي منذ عام 1954 ...

المزيد عن عبد الوهاب البياتي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة