الديوان » مصر » محمد الهمشري » رجعت إليك اليوم من بعد غربتي

عدد الابيات : 40

طباعة

رَجِعتُ إِلَيكِ اليَومَ مِن بَعدَ غُربَتي

وَفي النَفسِ آلامٌ تَفيضُ ثَوائِرُ

رَجِعتُ وَعَقلي تائِهُ الفِكرِ شارِدٌ

وَأُبتُ وَقَلبي واهِنُ الخَفقِ خائِرُ

فَيا أَرضَ أَحلامي أَأَلقى طُفولَتي

وَيُسعِدُني يَومٌ مِنَ العُمرِ آخَرُ

تَعَسَّفتُ فيكِ اللَيلَ وَالريحُ صَرصَرٌ

وَخُضتُ إِلَيكِ المَوجَ وَالنَهرُ ثائِرُ

أَتَيتُ لِأَلقى في ظِلالِكِ راحَةً

فَيَهدَأَ قَلبي وَهوَ لَهفانُ حائِرُ

أَموتُ قَريرَ العَينِ فيكِ مُنعِماً

يُخَدِّرُني نَفحٌ مِنَ المُرجِ عاطِرُ

وَيَلحَفُني هذا البَنَفسَجُ وَلتَكُن

مَسارِحُ عَينَيَّ الرُبا وَالمَحاضِرُ

وَآخِرَ ما أُصغي إِلَيهِ مِنَ الصَدى

خَريرُكِ يَفنى وَهوَ في المَوتِ سائِرُ

وَلكِن بِلا جَدوى أَتَيتُ فَلَم أَجِد

سِوى قَفرَةٍ أَشباحُها تَتَكاثَرُ

وَقَد نَصَبَت أَيدي الشِتاءَ سِياجَها

عَلَيها وَأَسوارُ الظَلامِ تُحاصِرُ

وَقَد خَيَّمَ الصَمتُ الهَتوفُ مَعَ البِلى

عَلَيكِ وَأَرواحُ الدُجى تَتَنافَرُ

وَقَد هاجَمَ الغابُ الكَثيفُ غِياضَها

لِيَغزوها وَالمَوجُ يَزبِدُ هادِرُ

وَهَبَّ نَسيمٌ بارِدٌ مِن كُهوفِها

تُجاوِبُهُ في الريحِ هَذي المَغاوِرُ

وَقَد رَفرَفَ الخُفاشُ فيها وَحَوَّمَت

عَلى الشَطِّ غِربانُ الفَناءِ الكَواسِرُ

وَداوِيَّةٌ لِلبومِ مِن فَوقِ سَرحَةٍ

قَضى فَوقَها مِن قارِسِ البَردِ طائِرُ

تُرتِلُ لَحنَ المَوتِ في مَعبَدِ الدُجى

وَتَروي أَساطيراً رَوَتها الدَياجِرُ

كَأَنَّكَ في سِفرِ اللَيالي مَلاحِمٌ

يُرَتِّلُها في جانِبِ المَوتِ شاعِرُ

لَقَد حَكَمَ المَوتُ المُشَتِّتُ حُكمَهُ

عَلَينا وَأَحداثُ اللَيالي الجَوائِرُ

فَيا كَوكَباً فَوقَ العَواصِفِ ساهِماً

يُتابِعُهُ طَيفُ الدُجى وَهوَ غائِرُ

وَيا شُعلَةَ النوتي تَخفِقُ في الدُجى

وَقَد هاجَمَتها الريحُ وَالنوءُ صافِرُ

وَيا زَهرَةً في شاطيءِ الحُزنِ أَينَعَت

وَقَد أَتحَفَت مِنها الخَريفَ بَواكِرُ

نَمَت وَحدَها لَم تَلقَ غَيرَ ظِلالَها

أَليفاً تُشاكيهِ الأَسى وَتُساوِرُ

أَلا فَاِستَريحي الآنَ حَسبُكِ وَاِهدَئي

فَإِنَّ تَحَمُّلي ما تَستَبيحُ المَقادِرُ

رَكِبتِ مَعَ الآمالِ كُلَّ مَهوبَةٍ

وَعُدتِ كَما عادَ الطَريدُ المُهاجِرُ

رَأى خَلفَ أَسوارِ المَدينَةِ دَوحَةً

حَنَت فَوقَهُ بِالظِلِّ وَاليَومُ ناجِرُ

لَقَد فَرَغَت في عالَمِ الحُزنِ جَولَتي

وَما فَرَغَت مِنّي اللَيالي الدَوائِرُ

فَيا أُفقَ الدُنيا وَيا فَجرَ لَيلِها

وَمَن خَفَقَت فيهِ المُنى وَالخَواطِرُ

وَمِن تَسبَّحِ الأَحلامُ في مَلَكوتِهِ

حَيارى وَتَفنى في هَواهُ المَشاعِرُ

أَيا شَفَقاً في عالَمٍ جَوُّ أَرضِهِ

خَيالٌ عَلى الوادي المَهومِ ساهِرُ

تَحِفُّ بِها في الصَمتِ أَشجارُ جَنَّةٍ

يُفاوِحُني مِنها عَلى الوَهمِ عاطِرُ

وَأَسمَعُ موسيقى بِها ذَهَبِيَّةٍ

تَفيضُ بِها فَوقَ المُروجِ قَياثِرُ

وَأَترُكُ عَيني في الخَيالِ تَشُقُّهُ

فَأَلمَحُ أَشباحاً هُناكَ تُسامِرُ

لَقَد هَدَأَت ريحُ الكُهوفِ وَنَفَضَت

عَلى الأُفقِ مِن حُلمِ المُروجِ بَشائِرُ

وَقَد خَفَقَت بَينَ العَرائِسِ نَسمَةٌ

يُعابِثُها في غَفوَةِ الفَجرِ ثامِرُ

بَدا الصُبحُ فَوقَ المَرجِ أَصفَرُ ناصِلاً

فَلاحَظَهُ زَهرُ الرُبا وَهوَ حائِرُ

وَما نَفَحَت فَوقَ الرَباوَةِ زَهرَةٌ

وَلا دَفَّ في هَذي الخَمائِلِ طائِرُ

وَقَد نَتَفَ الشَحرورُ في الرَوضِ ريشَهُ

وَحَلَّت مِنَ الصَفصافِ فيهِ ضَفائِرُ

وَقَد خَيَّمَت فَوقَ العَرائِشِ وَحشَةٌ

وَصَمتٌ عَلى أَوراقِها الصُفرِ ناشِرُ

لَقَد خَفَّ نَسمُ الصُبحِ يَهمِسُ ناعِياً

إِلى السَهلِ أَن قَد فارَقَ الكَونَ شاعِرُ

لِذا نَقَسَ النَحلُ الزُهورَ فَجَلجَلَت

وَنابَت عَنِ الأَجراسِ هَذي الأَزاهِرُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد الهمشري

avatar

محمد الهمشري حساب موثق

مصر

poet-al-hamshari@

60

قصيدة

242

متابعين

محمد بن عثمان الهمشري. متأدب له شعر، تركي الأصل، مصري المولد والمنشأ والوفاة ، ولد برأس البر (مصر)، ونشأ في القبلاوين، وتعلم بالمنصورة، ثم بكلية الآداب بالقاهرة، وتذوق الأدب الإنكليزي ...

المزيد عن محمد الهمشري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة