عدد الابيات : 93

طباعة

هلمي انظري قبلات الربيع

على معطف السهل والرابيهْ

سَرَتْ في السموات أنفاسُه

فعطَّرتِ الحقلَ والساقيهِ

وآذار يلعب فوق المروج

كما تلعب الطفلة اللاهيه

يعانقها وهو جمُّ الحنين

فتغريه بالمقلة الرانيه

ويلقي عليها وشاح الخلود

وألوانه العذبة السابيه

ويبعث فيها شعاع الهوى

فتهتز من وجهه صابيه

تألقت الأرض من وشيه

فلم تبق زاوية خاليه

وقد زين الروض أفياءه

بأحلى مطارفه الكاسيه

خمائله من نسيج النعيم

تأرج بالنفحة الذاكيه

جواء من الطير طفاحة

تنغِّمَ رائحةً غاديه

كأن النسيم أخو سكرة

تعايا من الخمرة الهانيه

تعاشيب ناهلة بالطيوب

مفضضة الثوب والحاشيه

كأن على الأرض عرساً يقام

فتمشي إليه الدنا حابيه

تعالت إلى الله أفراحه

تمايد حافلة حانيه

وهَبَّتْ مواكبه الضاحكات

تجدد أعيادها الباهيه

رياحينها قد ملأن الفضاء

ولم تخل من عطرها ناحيه

ففي الجو ذابت أغاني الطيور

بهينمة النسمة الساليه

وفي الحقل ثار ضجيج القطيع

حنيناً لشبّابة الراعيه

تذوب من الحب أنغامها

فتخفت من ناره الصاليه

براها الهوى وطوت سره

فبان من النغمة الفاشيه

فيالك عرساً بهيَّ الإطار

جديد الرؤى والمنى الهانيه

هلمي افتحي كوة للربيع

لنشرب فرحته ثانيه

فقد ملت الروح عبء الظلام

وحنت إلى البسمة الضاحيه

أكان سجوك غير الرقاد

تغلغل في المقلة الساهيه

وأغفل بين شعاب الجفون

تصاوير من مهجة باكيه

يبين على صفحتيها الأنين

وتخشع فيها الرؤى جاثيه

توهّج من ماسها في العيون

روايات أحزانها الطاغيه

هلمي اقرئي خافيات الحظوظ

وما تضمر العيشة الباغيه

ونوحي على حلم مورق

تبدد في السكرة الغاشيه

سيمضي الشباب كأن لم يكن

سوى ذكرة حلوة ساجيه

تجدد أحلامه الغابرات

وترجع نشوته الماضيه

كأن له ملعباً ساحراً

تناسته أيامه الخاليه

تموج بأفيائه النعميات

وتلمع فيه المنى الغانيه

بدا والحياة على جانبيه

تنيه بأحلامها الغاويه

محفة آذار تلقي عليه

أزاهيرها الغضة الناديه

تعالي نوثق عهود الهوى

ونسرد حكاياتها النائيه

ونوقظ لياليها الغاليات

ولولا الهوى لم تكن غاليه

أقاصيص ملء الربا والوهاد

تناثرن من أكبد شاكيه

أرجن وعطرن هذا الفضاء

كما تأرج الزهرة الناميه

ولقنّ منه معاني الحياة

وأدركن من دائه ماهيه

رويدك ولنستمع سره

فإن له ألسناً حاكيه

وإن له سيراً جمة

تناقلها الأنفس الصاغيه

تعالي إلى الصدر تلقي به

شكايات أضلاعه الحانيه

وأوجاع خافقه المستهام

وإرنان أفيائه الواهيه

فلا البثُّ يهدئ تحتانه

فيرتاح من شجوه ثانيه

ولا الحب يوليه بعض المنى

فيفرح بالمنحة الراضيه

ويرسل أنغامه حلوة

فتحيا بها المهج الداميه

ولما اقتسمنا دموع العيون

تفردت بالدمعة القاسيه

فلا هي تسكن شعب الجفون

فتخفى ولا هي بالهاميه

أطلت رنوك نحو السماء

وأطرقت راهبة خاشيه

فهل تبحثين عن الغائبين

ومن غاص في اللجة الطاميه

فرابتك ضفة هذي الحياة

وخفت من الضفة التاليه

فنحت وصحت النجاة النجاة

وأين المفرّ من الهاويه

هنالك لا النور ضافي الجناح

ولا الطير صادحة شاديه

خلت من بهارج هذا الوجود

وأحلامه الحلوة الزاهيه

سوى موجة من بنات السماء

تحوم بأرجائها عاريه

يشع على جانبيها الخلود

وما ضم من صور ساميه

كأن عليها إطار النعيم

وغبطته اللذة الشافيه

حنانيك لا تسبحي في الدموع

ولا ترهبي الراحة الناجيه

فما إن تقي من إسار الردى

إذا حُمَّ يوم النَّوى واقيه

وليس ترد عليك الدموع

سوى حرقة مُرَّة واريه

ورُبَّتَ أمسية برّة

ترفّ بها الذِّكَر القاصيه

جلست على جنبات الغدير

أشيع أمواهه الجاريه

أردد أشعاريَ النائيات

وأستقبل الفكر الآتيه

وتشدو الطيور أغاريدها

فأختار من فمها القافيه

وددت من الغيب كل الوداد

لو اني لأشعارها راويه

ويوحي المساء إلى خاطري

هواجس غامضة خابيه

موشحة بطيوف العفاء

كأن بها جنة باديه

فأصغي إلى همسه المستطاب

وأسمع ألحانه الخافيه

أعب لذاذاته الطافحات

وأكرع سكرته الصافيه

وأنسى متاعب هذا الوجود

وعيشته الوحشة الجافيه

وغيبوبة مثل كهف النسور

تضيع بها الأنفس الرائيه

توشحها مائجات الغيوم

وأطياف أجنحها الضافيه

رقيت أعاليها مفرداً

وروحيَ سباقة حاديه

وخلفت جسميَ في الهامدات

تطيف به الصور الفانيه

وأطللت من فرجات الضباب

على عالم الرمم الباليه

تجردت من صفة الهالكين

ومتعت بالصفة الباقيه

وقد غبت عني كأن لم أكن

سوى نفحة سمحة عاليه

وأنسيت أني ابن هذا التراب

وضجعته المرة الباغيه

بكاء على أمل لامع

تطاير في الفينة الصاحيه

وغلغل في عالم غامض

أمانيه ساخرة هاذيه

هلمي افتحي كوة للضياء

لننسى بها الكوة الداجيه

فليس لنا أمل بالربيع

ونفحته العذبة الساريه

وما العمر غير ربيع الشباب

ربيع الهوى والرؤى الوافيه

تجوس به الذكريات العذاب

ويغمره الحبّ والعافيه

إذا طاح طاحت مسالي الوجود

وغابت مفاتنه الحاليه

وصار إلى عالمٍ موحش

كصحراء خالية خاويه

أسيت لعمر تولى سناه

كإيماضة الشعلة الوانيه

فيالك من عمر ضائع

كما تنثر الباقة الذاويه

هوى النجم من شرفات الحياة

فأمست على إثره هاويه

أفاتك أني جمّ الجروح

أعيش على يدك الآسيه

فوليت عني وخلفتني

أحن إلى الساعة القاضيه

أموت وقيثارتي ما تزال

تنوح على مهجتي الصاديه

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أنور العطار

avatar

أنور العطار حساب موثق

سوريا

poet-anwar-al-attar@

14

قصيدة

50

متابعين

أنور سعيد أنيس العطّار،شاعر سوري ولد سنة 1913م, في دمشق من أسرة بعلبكية. وهو شاعر إسلامي ، نشأ في أسرة متدينة ، ورافق العلماء ، وتربي في مساجد دمشق نشأ يتيماً ...

المزيد عن أنور العطار

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة