كانتِ الطّريقُ طويلةٍ مُتعبةٍ بعض الشيء مِن مطار سيدني إلى مطار سان دييغو وكعادتي لا تطول اغفائتي على متن الطائرة... لم أكن أرتدي ملابسي الكهنوتيّة يومذاك... هُناكَ وفي نقطة التفتيش نظرتْ إلى هويتي الامريكية وجواز سفري الأسترالي بتمعنٍ ثم عادت لتحدق بي مع زميلها بنظراتٍ متبايّنة... لعلّها وجدت فيَّ وجهّا مُتعبًا أنعبهُ التّفكير بمن حوله... أو عينان تحمل حرارة الشرق وملامحٍ لماحة غامضة وربّما وجدت على ضفاف عينيّ جرنُ... جرت فيه ماء نهريّ دجلة والفرات... تودّ العماذ فيه...؟ والله أعلم. مضتِ الأيام والأشهر وتعاقبت فصول السنة... وذات مرّة كنتُ واقفّا وقت الظهيرة على رصيفِ ميناءٍ Harbor Island الأمريكي بجانب طاولة كتاباتي... أرقبُ سفينة تبحر في لجّة المياه في جوٌٍ قد تلثّم بالضباب... بينما السعال قد انهكني! نظرت إليّ عدة مرات... ونطقت بالفول: Hey ها أنتذا هُنا!. لذت بالصّمتِ في بادئ الأمر... وجهُ لا أعلم أين رأيته مِن ذي قبل! وتذكرت أنها سيدة المطار ... ولا أعلم ما الذي دفعها للقولِ مبتسمة بعد أن تلصصّت النّظر إلى حاسوبي الجوال وهي تحاول تهجي ابجديتي: كن لطيفًا بما تكتبه عنا. أجبتُ بالتاكيد ليكن لكِ ما تريدين... لعلّ ما أحدٍ كَانَ قد أخبركِ انني لا ادون مشاهداتي وحسب بل استنسخ حياة المدن ولطافة الشعوب على الورق كالسينارست... وسط السكون الذي دبّ بينا، كانَ بوسعي ان اسمع حفيف انفاسها، فعلى ما يبدو ان صمتي كان يحفزها على الكلام.. ولكنها مضت في دربها تبصم خطواتها على حوافِ الأرصفةِ. إذ لم يكن هناك مجال للحديث بيننا أكثر... لكن عيناها عزفت سيمفونية شُكر اطربتني دونَ موسيقى. جلستُ على طاولة عليها بقايا كلام لم انضده بعد... وتسالتُ لست أدري كيف سيقرأ الشعب الامريكي كتابًا لي بالانكايزية.. يحمل عنوانا ( اعتقيني Free me) وتحته ( أنا الذي رأيتُ كلّ شيء). وفي الوقت ذاته كيف ستتم ترجمة مفردات غير قابلة للترجمة، حين رفعتُ رأسي لأرتشف جرعة ماءٍ... رأيتها على حين غرة ومن معها تسألني: يا هذا فاتني أن أسال ما أسمك؟ هل نالت امريكا أعجابكَ؟ تبسمتُ بالقول وفي داخلي ثمّة شيء منعني مِن البوح لها ( اعتقيني أو اتركيني وشأني)، فربِّما نهاية تجوالها الرياضي شجعها إلى خطوة جديدة نحوي وهم على طريق العودة للسؤال... اجبت: أجل واستعاريت مقطعًا من غنوة كلاسيكية مفاد ترجمتها: ثمّة مدنٍ وعواصمَ تحتلك لأسباب ليست كلها سواء... لكنني أستعمارُ وعلى ما يبدو أمريكا أحبت استعماري لها. عندها صافحتني لتمضي في أمان الله تاركة عطرها في كفي بعد أن قال: You have soft skill