عِزُّ الكِرامِ إذا العُقُولُ تَهذُبُ

والحُرُّ في كلِّ حالٍ نفسُهُ تَثُبُ

لا يستكينُ إذا الدّواهي أقبلتْ

ولا يُذِلُّ جَبينَهُ الغَضَبُ

يَسمو إذا ضاقَ الزمانُ بعزمهِ

وتراهُ إن جارَ الأنامُ يُطَيبُ

من لم يَصُنْ نفسَهُ عن كلِّ مَذلّةٍ

فهي الهَوانُ، وإنْ تَغَنّى بالنَسَبُ

الناسُ تعرفُ من تُراهُ إذا اعتلى

لا مَن تَخُدّهُ المَطامِعُ إنْ طَلَبُوا

كم حُرٍّ استعلى بفضلِ كرامةٍ

والقومُ قد خضعوا لما ارتضَوا العُصَبُ

لا تبتغِ المجدَ إنْ بعتَ الكرامةَ في

سوقِ الدّنيّةِ، حيثُ يُشرى ويُغتَصبُ

إِنَّ الكرامةَ في القلوبِ منارةٌ

والخزيُ في ذلِّ النفوسِ مُرتقَبُ

فارفعْ جبينَكَ إنْ أردتَ مهابَةً

فالذلُّ يُبغَضُ، والعُلا تُرتَهَبُ

قد قيلَ في أثرِ الكرامِ: عزُّهمْ

ما كانَ في كفِّ الرّدى لا يُغتَصَبُ

هذا الحسينُ مضى وفي كفّيهِ

رُوحُ الإباءِ، وأهلهُ نَذرُ الغضبُ

لم يرضَ دَسَّ الكفِّ في أيدي العِدى

لكنْ مضى والعِزُّ فيهم يُنتَخَبُ

وإذا ذكرتَ صلاحَ دينٍ صاعدا

فاذكُرْ كرامتهُ إذا ما الحَقُّ صُبُّوا

فالشّمسُ تُخفِتُ نورَها إن أُرهِقَتْ

إلا الكرامَ، فإنّهم لا يَغضَبوا

عيسى على القهرِ ارتقى بسلامهِ

ما لانَ، بلْ للنورِ كان يُغتَذَبُ

ومحمّدٌ علَّمَ الورى كرامةً

أن لا يُذَلَّ وإنْ هُمُ قد كذَّبوا

والدهرُ يشهدُ أنَّ كلَّ مروءةٍ

تعلو إذا الأحرارُ فيها قد شَبُوا

الحرُّ إن سَكنَ الديارَ كرامةً

أضحتْ لهُ فوقَ الذرى ما يَكتُبُ

والمرءُ يُعرفُ في الحياةِ بعزّهِ

لا ما جَناهُ ولا الذي قد كَسَبُوا

صُنْ نفسَكَ الحرّةَ الغراءَ واحتسبِ

فالموتُ في ذُلّها ما ليس يُحتسَبُ