سكونُ قلبي على جمرٍ من اللهَبِ

وفي الفلاةِ وجدتُ الأنسَ في الشُّهُبِ 

أمضي وحيدا، ونجمُ الليلِ يصحبني

في خُطوةٍ دون ضوضاءٍ ولا لَعَبِ 

ما إن وجدتُ صدى الأرواحِ يُصدّقُني

رضيتُ زادا بفُتاتِ العيشِ في حِقَبِ 

كأنما الوحشةُ السوداءُ تؤنِسُني

بها احتميتُ، كقوسٍ في يدِ الغيبِ 

أبيتُ بين ضميرِ الصمتِ محترفا

ضوءَ النجومِ وعينَ العابرِ الغَرِبِ 

أغفو على جبلٍ من حلمِ غربتِه

لا في حنينٍ إلى قومٍ ولا نَسَبِ 

قد كان لي في اتّباعِ الناسِ مَذبَحةٌ

فاستوحَدتُ، لأحمي الحلمَ من عَطَبِ 

هذي الخيالاتُ لي صحبٌ أطالعها

في وحشتي، فتهيمُ الروحُ في الطّلَبِ 

لا تسألوني عن الإخوانِ ما صنعوا

قد أغلقَ الوقتُ أبوابا من العَتَبِ 

سئمتُ قيدَ التمنّي حين يحملُني

لما تلاشى كطيفِ الماءِ في السَّرَبِ 

أنا الذي ضيّعَ الأحلامَ من صِغَري

لكنني لم أُضِعْ عزمي ولم أَخِبِ 

أنا الذي إنْ نأى عنّي المدى، نَبَتَتْ

لي خطوةٌ من يقينٍ غيرِ مُنتَسِبِ 

أشقى ولكنّ في شقْوَايَ مُتَّسَعٌ

للحكمةِ الخالدةْ في ثوبِ مُغْتَرِبِ 

العُزلةُ النورُ في سُدْفِ الدُّجى الغسق

والموتُ أهونُ من ضوضاءِ مكتَسِبِ 

خلوتُ للنفسِ، لا خوفا، ولا ملَلا

لكن وجدتُ بها دربَ المدى الرحبِ 

قالوا: أفيكَ انكسارٌ؟ قلتُ: إنّ بِما

في الناسِ مايُتعبُ الأرواحَ من كَذِبِ 

لا تسألوا الفَيلسوفَ الحرَّ عن وطنٍ

فالفكرُ وحدَ حدودِ العقلِ في الأدبِ 

كم كنتُ أأنَسُ بالأصواتِ حين غَفَتْ

واليومَ أحيا بصمتِ النورِ في الكُتُبِ 

يا صاحِ إنّ الفتى لا يُرتجى أمَلٌ

من الجمعِ إن ضلّ في أفهامِهم سبَبِ 

أنا "المعريُّ" في صمتِ التُّقى شَبِقٌ

بالحرفِ أنقذُ ما في الروحِ من عَطَبِ 

ما زلتُ أذكرُ كيف الحزنُ أغرقَني

فاستوحَدتْ في دُجى أفكاري السُّحُبِ 

أشقى كأنيَ "إبن سينا" حينَ لاح لهُ

سرُّ العلوم، فغاصَ العقلُ في العجبِ 

العقلُ رُكني، وأخلاقي وصومعتي

والصبرُ زادي، وماضِي العزمِ لم يَخِبِ 

أأحتمي من جراحِ الناسِ بالأملِ؟

لا، بل أراني شقيّا دونما نَدَبِ 

فالوهمُ أهونُ من تعقيدِ منطقهم

والجهلُ أسلمُ من تصديقِ مُحتَسِبِ 

هذي الخلوةُ مَنبَتٌّ لكلّ رؤًى

فيها أرى الحقَّ جليا من الحُجُبِ