ما خطبك أيها الراحل إلى الله
زاحفًا من مستنقعات القلب النجس
أما زلت حالمًا بطهارة الروح وإشراقها
كجنين الشمسِ من غيهب الأمس
ستنكرك الدروب التي عبَّدتها
بأسفلت الخطيئة ظامئًا لقطن الملمس
ومثل كلابٍ تلاحقُ أذيالها،
ما فتئت في ظلمة الليالي الخُنّس
تلاحقُ سراب سعادةٍ خزفيّةٍ
ما نسجت رمالها بملاحم الأنفس
هل حججت وحيدًا أعزلاً مثل كائنٍ رامسٍ؟
هل حملتك أفيال الحديد إلى الحرم المقدس؟
وقطفت الحصى من الجبال في الليل الحندس
لترمي سيد الأبالسةِ سبعًا من الجمرات
تطفئ جحيم صوتهِ المُوسوِس؟
تُرى هل اجتثثت عفاريت الرغائب بمنجلٍ خفي
محاربًا أهواء نفسٍ لا ترضى ولا تكتفي
تقايض المنّ والسلوى بالفومِ والعدس!
تُرى هل رأيت بقلبك روح الأكوان
فغفرت لأبيك ما مضى وانقضى…
وغفرت لنفسك… للأزمان
سقوط قلاعك قبل الأوان
أو حلول المَنِيّة بالحصان
أو ضياع المليكة وتاج السلطان
تحت البيادق ببنادق الحرمان
بلا حيلةٍ في شطرنج عقلكِ المفلس؟!
كنت تبحثُ عن بذرةٍ تنبت سدرة النجوم
تنقبُ عنها في روث الخطايا المدنس!
قلت يا ليت الروح شمعةٌ في الظلام
تحجُّ لها العيونُ التائهةُ لترى السلام
ما من ملاذٍ سوى الله في غابة الإنس
وقفت وحيدًا في زحام الكائنات
تُلقِّمُ بالألسنةِ قطار النبضات
أدعيةً قديمة، على جبل عرفات
مثل ناسكٍ يستعيذُ من فخ الهواجس
ويعارك بعين واهنةٍ أشباح الوساوس
حالمًا بالتحرر من أغلال الكروب
مثل قديس أسير، في ساعة الغروب
يحلمُ بالحبو طفلاً نحو أرض المقدس!
هل غفوت بمزدلفةٍ تحت الأنجم الناعسة
وتهويدة الروحِ طنين التسابيح الهامسة
هل وجدت السلام مشكاةً من قيثارة الأنفاس
والعزف حرًّا عن ضجيج الرغائب والحواس
هل صرخت كالحلاج في لحظة الرؤيا:
"ديني لنفسي ودين الناس للناس"؟
وتنقضي الحياة وما ارتويت من فارغات الكؤوس
وما فتئت تحلمُ بالسراب المفقود من جنّة الفردوس
أهكذا تلفظ الأنفاسَ الأخيرة، ولمثلك لا يقرع الناقوس؟!
وحيدًا رغم الظلال الأليفة، لم تحالفك يومًا لغة القاموس
لتحكي عن التيه أو تشكو في جنائز الغابة غدرَ الفؤوس
لتحدث من أحببتهم عن سراجٍ تجلى لك بوهج الشموس
فتمضي بأسفار الوجود سائلاً عن ماهية الحلم والكابوس
أعَتَبَةُ الموتِ جسرٌ يهوي بنا في زنزانة فعلنا المحسوس؟
ستهدي الأضاحي مكفّرًا عن خطايًا قديمةٍ لقلبٍ مكنوس
وتشهقُ تائهًا يحاور المجهول عمّا وراء عزلة الرَّاموس!
أيها الكائن الرامسيّ المنحوس،
لغريب مثلك ما نادى مؤذنٌ…
ما قرعت أجراس الجنائزِ
وما اهتزت أبراج الناقوس
أوقد شموع الصلاة واستغفر،
ضع عنك أغلال الطقوس
اقرأ آية الكرسيّ وفاتحة الكتاب
وأتلو من القرآن ما تيسّر من دروس
كنّ طيرًا يغردُ في ظلام الجهل،
تصدق للنائمين بألف فانوسٍ وفانوس
كنّ حكمةً على لسان الدهر المعتل
تشعّ للتائهين نجمةً في عتمة الأُدموس.
68
قصيدة