ثلاثون تباً

 

 

وكان يظنُ بأنَ المدائنَ تسكبُ ماءَ الخطيئةِ في

مقلتيهْ

وأن الشوارعَ حتماً ستأكلُ من وجنتيهْ

وأن البيوتَ ستكثرُ يوماً وتمشي عليهْ

وأن الحقيقةَ فيهِ وما دونهُ إصبعٌ للخيالِ

تشيرُ إليهْ

وكان يظنُ بأن المشاعرَ نارٌ من الوهمِ تلهثُ

في جانبيهْ

وأن القصائدَ حينَ تقالُ لهنَّ ستسقطُ من شاربيهْ!

وحينَ يداعبُ نهدَ الحياةِ سيحرقُ كلتا يديهْ

وكم ظنَ..

كم ظنَ حتى تلقاهُ نابُ الثلاثينَ موتًا

وراحَ يمزقُ فيهِ أناهُ حروفاً وصوتا

تشظى.. تلظى.. وأغفى على شفتيهِ الرمادْ

فصلى ورتلَ سفرَ الفوانيسِ في ركعةٍ من سهادْ

ثلاثونَ جرحاً..

وما زال شوكُ المشيئةِ ينهشُ أيامَه الحافيهْ

ثلاثونَ يسألُ .. يسألُ .. ما اللحظةُ العافيهْ ؟

تغشاهُ نايُ التوجدِ آهُ المسيحْ

جريحٌ.. جريحٌ.. جريحٌ.. جريحْ

ينادي طويلاً وفي لثغةِ العمرِ ما من أحدْ

صداهُ تناثرَ حولَ جدارِ المدينةِ..

 بئسَ المددْ!

فكم كذبوهُ وما قال كلا..

وكم خونوهُ وما كانَ إلا..

وكم أحرقوهُ ومدَّ لهم في هجيرِ القلوبِ نخيلاً وظلا ..

***

ثلاثونَ تباً.. وشاخت على قدميهِ الجهاتْ

شعورٌ يعطلُ بوصلةَ الحلمِ..

يحملُها للمكانِ الشتاتْ

فكم دقَّ بابَ الأماني وما آنَ أنْ يستريحا

غريباً .. حزيناً .. وحيداً .. كسيحا

تُفلسِفُهُ أعينُ الناظرينَ..

 تراهُ كسحنةِ ذاكَ الجبلْ

فيقرأ نصَّ الوجودِ ليخبرهم أنهُ لم يكنْ غيرَ نجمٍ كفيفٍ..

 تنهدَ تيهاً..

 وعندَ انشطارِ الغيوبِ..

أفلْ

يسائلهُ الآخرونَ: إذا ما تقدمتَ في الصبحِ خطوةَ شمسٍ تراجعتَ

ليلاً ثمانينَ خطوهْ؟

يتمتمُ نزفاً..

وفي الصدرِ

عُنقودُ بؤسٍ .. ألا إنها لعنةُ الصادقينَ وسكينُ قسوهْ

تجردَ من رئتيهِ لأن التنفسَ ميقاتُهُ للبكاءْ

وعاشَ على حشرجاتِ السنينْ

وما لامَ في الكونِ غيرَهْ

ما لام حتى السماءْ

ذوى سمعُهُ في الليالي الرفاتْ

وتلك المآذنُ عنكبَ فيها السكوتُ / الضلالْ

تولاهُ مخلبُ هذا المآلْ

***

ثلاثونَ يكرهُ بابَ الثلاثينَ..

 يأنفُ من طرقاتِ الكهولهْ

فيقسمُ للعمرِ أنْ ما يزال يعاقرُ كأسَ الطفولهْ

وما زالَ يجلسُ فوقَ الرصيفِ / الأليفِ يغني لحارتِهِ في النهارْ

ويجمعُ أطفالَها ثم يحكي فيكذب "تلك ابنةُ الجارِ

تعشقني دون حدٍ"..

ويا للخيالاتِ عند الصغارْ

ويا للطفولةِ بعد غروبِ الحكايا رمى قلبَهُ في الطريقِ وعادَ..

إلى المنزل الحلمِ..

يهذي

 يموسق ما سيقول غداً من كلامْ

وفي ومضةٍ قبلَ أنْ يستبدَّ المنامْ

يحدقُ في السقفِ مستلقياً فوق كفِّ النعاسِ..

 يظنُ بأن المدائنَ تسكبُ ماءَ الخطيئةِ في مقلتيهْ

وأن الشوارعَ حتماً ستأكلُ من وجنتيهْ

وأن البيوتَ ستكثرُ يوماً وتمشي عليهْ

ولم يدرِ أنّ الطفولةَ تكبرْ

وأنّ الحكاياتِ –يومًا ستغدرْ

لتصبحَ شيباً تناسلَ في عارضيهْ

 

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبدالرحمن أحمد عسيري

عبدالرحمن أحمد عسيري

3

قصيدة

شاعرٌ من المملكة العربية السعودية • فائز بجائزة المفتاحة للشعر الفصيح 2006 • حصل على المركز الأول في مسابقة جائزة أبها للتعليم العالي في مجال الشعر الفصيح 2005 • المر

المزيد عن عبدالرحمن أحمد عسيري

أضف شرح او معلومة