عدد الابيات : 50
لِدِمَشْقَ فِي أَعْمَاقِ قَلْبِي مَنْزِلُ
وَالْحُبُّ يَجْرِي فِي حَنَايَا يُهْدِلُ
أَرْضُ الْعُرُوبَةِ، مَجْدُهَا وَعِزُّهَا
وَمَآثِرٌ فِي كُلِّ دَرْبٍ لِلْعِزِّ تُرْسَلُ
مَا زَالَ فِي أَمْوَاجِ بَرْدَى عِطْرُهَا
يَسْرِي كَمَا سَرَتِ الْقَصِيدَةُ تَعْدِلُ
فِي جَانِبَيْهَا، شَامِخَاتٌ كَالْأَلَى
قَامَتْ تُنَافِسُ بِالْعَظَائِمِ مُهَلْهِلُ
وَجِبَالُهَا تَتَسَامَقَتْ فِي عِزَّةٍ
كَأَنَّهَا تَتَنَفَّسُ الْفَخْرَ الْأَجَلُّ
عَبَقُ التَّارِيخِ عَلَى ثَرَاهَا قَائِمٌ
وَكُلُّ زَمَانٍ فِي جَنَابِهَا أَصْلُ
أُمَوِيُّهَا لِلْمَجْدِ كَانُوا مَنْبَعًا
وَلِلنُّجُومِ بِمَجْدِهِمْ يَتَسَرْبَلُ
أَرْضُ الْخِلَافَةِ، لِلْحَضَارَةِ مَعْلَمٌ
وَمَدِينَةُ الْإِيمَانِ كُلُّهُ يُهَلْهَلُ
وَمَآذِنُ الْأَمَوِيِّ تَعْلُو هَامَةً
كَالطَّوْدِ يَشْمَخُ بِالْعَطَاءِ وَيَصْقَلُ
دِمَشْقُ يَا بَلَدَ الْمَحَبَّةِ وَالنَّقَا
فِي كُلِّ الزَّوَايَا مَحَبَّةُ تَنْهَلُ
أَهْلُ الْكَرَامَةِ، فِي مَجَالِسِهِمْ نَدَى
وَالْوُدُّ فِي الْأَعْمَاقِ لَا يَتَغَلْغَلُ
حَتَّى إِذَا الْبَاغِي عَلَى أَرْضِهَا أَتَى
رَأَتْ نِضَالًا فِي صُفُوفِهَا يُشْعَلُ
نَهَضَتْ كَطَيْرٍ فِي السَّمَاءِ مُحَلِّقًا
تُلْقِي بِظِلِّ الْحُرِّ كَيْفَ يُنْدَلُ
نَهْرُ بَرْدَى يَجْرِي كَمَا قِيثَارَةٍ
تَسْقِي الْحَيَاةَ بِكُلِّ حَبٍّ يُثْمِلُ
وَالْغُوطَتَانِ تَرَاهُمَا فِي حُلَّةٍ
كَالْوَشْيِ يُزْهِرُ بِالْجَمَالِ وَيُقْبِلُ
كَمْ قَائِلٍ فِي الشِّعْرِ مَدْحًا لِشَامِنَا
وَكَمْ حَكَى عَنْ مَجْدِهَا مَنْ يُحَاوِلُ
قَدْ كَانَتِ الْأَسَدِيُّ شَرًّا أَفْتَكَتْ
بِالطُّغْيَانِ، وَالشَّامُ لِلْحَقِّ مَعْقِلُ
حَتَّى نَهَضْنَا، كُلُّ حُرٍّ ثَائِرٍ
يُدْحِي جَحَافِلَهُمْ كَمَا يُفْنَى الْغَوْلُ
قَدْ أَسْقَطُوا أَصْنَامَ بَاطِلِهِمْ، وَغَدًا
تَرْجُو الْحُرُوبَ أَنْ يَعُودَ الْمُبْطِلُ
فَاشْهَدْ أَيَا تَارِيخُ مَجْدًا بَاهِرًا
أَبْنَاءُ شَامٍ فِي النِّضَالِ يَتَقَابَلُوا
يَا أَرْضَ شَامٍ، أَنْتِ مِحْوَرُ عِزِّنَا
وَلِلْأَعَالِي مَجْدُكِ الْعُظْمَى يُحْمَلُ
خَتَمْتُ مَدْحَكِ بِالْفَصَاحَةِ مُجْمِلًا
فَالشِّعْرُ يَحْكِي حُبَّكِ الْمُتَمَهِّلُ
فِي ظِلِّ أُمَوِيِّهَا رَفَعَتْ رُؤَاهُمُ
رَايَاتِ إِسْلَامِ الْمَجْدِ بِهِ نَتَأَثَّلُ
فَتَفَتَّحَتْ أَبْوَابُ رُومٍ بِنُورِهِمْ
وَاهْتَزَّ فَارِسُ مِنْهُمُ يَتَزَلْزَلُ
وَسَعَوْا بِعِلْمٍ وَالْحُجَى مِفْتَاحُهُمْ
فَالدِّينُ مِحْوَرُهُمْ وَفِيهِ تَعَقُّلُ
قَدْ بَثُّوا الْآيَاتِ فِي أُفْقٍ دَنَا
وَصَوْتُهُمُ فِي كُلِّ أُفْقٍ يُرْسَلُ
بَنَوْا الْمَدَائِنَ وَالْمَسَاجِدَ نُورُهَا
يَهْدِي الْبَصَائِرَ حِينَ تَسْتَبْصِرُ السُّبُلُ
مَا كَانَ مُلْكُهُمُ سُلَاطَةَ بَاطِلٍ
بَلْ كَانَ عَدْلًا فِي الْحُكُومَةِ يُقْبَلُ
قَامُوا لِنُصْرَةِ مُسْلِمٍ فِي أَرْضِهِ
وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ لَدَيْهِمْ طِلٌ وَمَنْزِلُ
وَعَلَتْ صُرُوحُ الْعِلْمِ فِي أَعْمَارِهِمْ
فَتَوَارَثَ الْأَفْهَامَ قَوْمٌ يَعْقِلُ
مِنْهُمْ عُبَّادٌ زَاهِدُونَ وَقُوَّادٌ
بِالْحَرْبِ لَا يَخْشَوْنَ حِينَ يُقَاتِلُوا
فَالْوَاقِفُونَ عَلَى الثُّغُورِ حُمَاتُهُمْ
وَالسَّاهِرُونَ عَلَى الْكِتَابِ يُعْمِلُوا
نَشَرُوا دُيُونَ الْعَدْلِ فِي آفَاقِهَا
وَالْوَحْيُ فِي أَرْضِ الْعُجْمِ يَتَحَوَّلُ
مَا كَانَ جَيْشُهُمُ غَزْوًا لِمَغْنَمَةٍ
بَلْ كَانَ نَصْرًا لِلْحَقِيقَةِ يُسَجَّلُ
كَالطُّهْرِ سِيرَتُهُمْ، كَرْمٌ وَمَأْثَرَةٌ
تَرْوِي الرِّجَالَ وَفِي الزَّمَانِ تُدَاخِلُ
نَشَرُوا الْإِسْلَامَ مِثْلَ نُسُورِهِمْ
فَالْوَحْيُ يَهْتِفُ وَالْقُلُوبُ تُهَلِّلُ
وَقَفُوا أَمَامَ الظُّلْمِ حَتَّى سُقِطَتْ
عُرُوشُ كُلِّ طُغَاةِ قَوْمٍ تَجْهَلُ
وَبِسَيْفِهِمْ وَبِقَلَمِ الْإِيمَانِ قَدْ
سُقِيَتْ ثَرَاهَا، فَالْفَضِيلَةُ تُسْبِلُ
فَانْظُرْ دِمَشْقَ وَفِي مَقَامِ عَظِيمِهَا
يَسْمُو التُّرَاثُ وَكُلُّ مَجْدٍ يُعْقَلُ
وَعَلِّقِ الْقَصِيدَ الْمُهَنْدَسَ بِالذُّرَى
عِنْدَ الضَّرِيحِ، فَهَاهُنَا يَتَمَثَّلُ
مَا الشِّعْرُ إِلَّا مِصْدَحٌ لِجَلَائِلٍ
فَإِذَا دِمَشْقُ تَجَلَّتِ الْمُتَبَتِّلُ
وَإِذَا بَدَتْ مِنْهَا الْمَقَامَاتُ الَّتِي
فِيهَا النُّفُوسُ تَهِيمُ وَتَتَبَجَّلُ
فَهُنَاكَ زَيْنَبُ وَالسُّيُوفُ تُقَبِّلُ
ذَاكَ الضَّرِيحَ وَكُلُّ طُهْرٍ يُبْذَلُ
وَرُقَيَّةٌ نَامَتْ وَوَجْدُكَ خَاشِعٌ
فِي الْحُبِّ لَا يَرْتَاحُ إِلَّا يُبْجِلُ
وَفِي الْأُمَوِيِّ تُرَانُ فَوْقَ مَنَابِرٍ
صَوْتَ الْحَقِيقَةِ، وَالْهُدَى يَتَرَسَّلُ
يَحْنُو عَلَى "يَحْيَى" الضَّرِيحُ كَأَنَّهُ
فَوْقَ الْحُجُورِ سَمَاوِيٌّ يُقَبِّلُ
فَاكْتُبْ هُنَا بِالصَّفْحَةِ الْعُلْيَا دِمَشْقَ
وَاجْعَلْهُ تَعْلِيقًا كَمَا يَتَمَثَّلُ
"هَذِي دِمَشْقُ، وَفِي رُبَاهَا فَخْرُنَا
وَبِهَا نُقِيمُ الْعِزَّ حَيْثُ نُرَحِّلُ
مِنْهَا بَدَأْنَا، وَفِيهَا نَشْهَدُ الرُّقِيَّ
وَعَلَى ثَرَاهَا يُخْتَمُ الْمُتَكَمِّلُ"
41
قصيدة