عدد الابيات : 46
أَلَا يَا طَيْفَ مَنْ فَارَقْتُ، رِفْقًا
فَقَدْ أَنْهَكْتَ مُضْنًى مُسْتَهَامَا
تُثِيرُ جِرَاحَهُ لَمْ تَنْدَمِلْ بَعْدُ
وَتُوقِظُ فِي حَنَايَاهُ الْقِيَامَا
أُقِيمُ اللَّيْلَ مَشْدُوهًا، وَوَجْدِي
يُنَادِي طَيْفَ مَنْ عَنِّي تَحَامَا
تَمُرُّ ذِكْرَاهُ فِي رُوحِي سَرَابًا
فَأَنْشُدُ مِنْ جَوَى قَلْبِي الْمُدَامَا
أَأَرْثِي مَنْ غَدَا شَمْسًا وَغَيْثًا؟
وَكَيْفَ أَرْثِي كَرِيمًا لَا يُضَامَا؟
فَإِنْ نَاحَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ دَمْعًا
فَإِنَّ النَّجْمَ قَدْ أَضْحَى ظَلَامَا
وَقَفْتُ بِبَابِ ذِكْرَاهُ طَوِيلًا
أُحَدِّثُهَا وَأُبْكِيهِ جُلَّ احْتِرَامَا
فَقَالَ الْقَلْبُ: صَبْرًا إِنَّ فَقْدًا
كَفَقْدِ الشَّمْسِ يُبْكِي كُلَّ هَامَا
أَيَا شَهْمًا تَسَامَى فِي الْعَوَالِي
فَمَا زِلْنَا نَذُوقُ الْحُزْنَ دَامَا
بَكَتْكَ سَلْقِينُ إِذْ غِبْتَ عَنْهَا
وَبَاتَ الْحُزْنُ فِي الْآفَاقِ قَامَا
وَكَانَ الْعُمْرُ مِيقَاتًا لِجُودٍ
فَأَثْمَرَ كَفُّكَ الْعَطْفَ الْهُمَامَا
فَيَا نَفْحَ الْجِبَالِ، لَكَ الْعُلَا دَوْمًا
وَيَشْهَدُ جُودُكَ السَّامِي الْتِزَامَا
أَلَا طِبْ فِي الثَّرَى يَا خَيْرَ نَبْعٍ
وَسَلْمًا كُنْتَ يَا نَبْعًا لِعِزٍّ تَهَامَا
فَكَمْ مِنْ ظَامِئٍ رَوَى بِكَ دَرْبًا
وَكَمْ مِنْ رَاكِعٍ لَثَمَ الْخِتَامَا
أَيَا مَنْ كُنْتَ لِلْأَجْيَالِ نُورًا
يُضِيءُ الدَّرْبَ إِنْ ضَلَّتْ خُطَامَا
سَقَيْتَ النَّاسَ مِنْ كَفِّ الْمَعَالِي
فَصَارَ الْجُودُ فِي كَفَّيْكَ سَامَا
وَشِمْتَ عَلَى الْجَبِينِ وُدَّ قَوْمٍ
غَدَوْا بِحُنُوِّكَ الْخِلُّ الْوِئَامَا
وَصُنْتَ الْعِرْضَ دَوْمًا مِنْ دَنِيءٍ
وَكُنْتَ الْعِزَّ وَالْأَمْجَادَ إِلْهَامَا
فَيَا صَوْتَ الْحَقِيقَةِ فِي دِيَارٍ
غَدَتْ ظُلْمًا تُدَارِي مَنْ رَامَا
تَرَحَّمَتِ السَّمَاءُ عَلَيْكَ دَوْمًا
وَمُدَّتْ فِي الْجِنَانِ لَكَ الْخِيَامَا
وَإِنْ جَفَّتْ عُيُونُ النَّاسِ بُكْيًا
فَمَا جَفَّتْ عُيُونُ الْحُزْنِ أَيَّامَا
فَطِبْ بِالْقَلْبِ ذِكْرَاكَ سَتَبْقَى
نَسِيجَ الْحُبِّ إِنْ نَادَى الْمُدَامَا
تَرَاكَ الْأَرْضُ كَالْأَمْطَارِ جُودًا
تَزُفُّ الْخَيْرَ إِنْ نَادَى السَّلَامَا
وَمَا زَالَتْ تُنَاجِيكَ الرِّيَاحُ
وَتُهْدِي لِلنُّجُومِ بِكَ السَّلَامَا
بَنَيْتَ لِلْمَكَارِمِ صَرْحَ فَخْرٍ
فَخَرَّ الشَّرُّ مِنْهُ وَالْحُطَّامَا
وَأَنْتَ لِكُلِّ مَكْرُمَةٍ مَعِينٌ
وَفِي كَفَّيْكَ نَبْعُ الْحُلْمِ عِظَامَا
سَتَبْقَى فِي الْقُلُوبِ نَدًى وَذِكْرَى
وَيَبْقَى الْحُبُّ إِكْلِيلًا مُقَامَا
فَلَوْ جَفَّتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ مِنَّا
فَلَنْ يَجِفَّ الْحَنِينُ الْغَرَامَا
وَكَمْ مِنْ عَارِفٍ يَبْكِيكَ دَوْمًا
وَيُوقِدُ مِنْ رُؤَاكَ لَهُ خَيَامَا
وَمَا كَانَ الْفِرَاقُ لَنَا بِهَيْنٍ
وَلَا عَزَاءٌ يُطِيبُ بِهِ الْمَرَامَا
إِذَا نَادَى الْوَفَاءُ فَأَنْتَ صَوْتٌ
يُجِيبُ بِحُبِّهِ حِينَ انْتِظَامَا
وَإِنْ ذُكِرَتْ مَآثِرُكُمْ تَسَامَتْ
كَمَا يَسْمُو السَّنَا فَوْقَ الْغَمَامَا
عَرَفْنَاكَ الْمُبَجَّلَ فِي الْمَعَالِي
فَكُنْتَ لِكُلِّ ذِي خُلُقٍ إِمَامَا
وَكَمْ ذُخِرَتْ لَنَا أَيَّامُ عِزٍّ
بِذِكْرَاكَ الَّذِي سَامَى الْقِمَامَا
حَفِظْتَ الْعَهْدَ لِلْأَحْبَابِ دَوْمًا
فَطِبْتَ وَلَمْ تَزَلْ حَامِي الذِّمَامَا
وَكُنْتَ لِكُلِّ ذِي حَاجٍ سَنَادًا
وَمَا خُيِّبْتَ مَنْ يَرْجُو الذِّرَامَا
وَإِنْ بَكَتِ الْمَحَافِلُ فَارَقَتْهَا
ضِيَاءُ الْحُبِّ فَارْتَحَلَتْ سِهَامَا
سَتَبْقَى فِي الْقُلُوبِ وَهْجَ نُورٍ
يُطَهِّرُهَا وَيَنْفِي عَنْهَا الظَّلَامَا
رَحَلْتَ وَمَا رَحَلْتَ فَكُلُّ صَوْتٍ
يُنَادِي بِالْحَنِينِ لَكَ مُدَامَا
وَمَا غَابَتْ مَعَ الْأَيَّامِ طِيبَتُكَ
وَمَا ضَاقَتْ بِذِكْرَاكَ الْعِظَامَا
وَكَمْ مِنْ وَجْهِ مَكْرُوبٍ أَنَارَتْ
يَدَاكَ لَهُ الدُّنَا وَأَزَالَتِ الْهَامَا
سَقَيْتَ النَّاسَ مِنْ نَبْعِ السَّجَايَا
فَأَثْمَرَ زَرْعُكَ الْحُبَّ احْتِزَامَا
وَسِرْتَ بِوَاحَةِ الْخَيْرَاتِ دَاعٍ
تَبُثُّ الْوُدَّ مَكْرُمَةً تَمَامَا
فَإِنْ سُئِلَتْ عَنِ الْجُودِ الْمُعَالِي
فَأَنْتَ الْجُودُ مَجْدًا وَالْتِزَامَا
وَيَبْقَى ذِكْرُكَ الْفَيَّاضُ شَمْسًا
تُنِيرُ النَّاسَ إِنْ عَانَتْ ظَلَامَا
وَحَسْبُ الْعُمْرِ أَنَّكَ كُنْتَ سَيْفًا
لِمَجْدِ الْحَقِّ أَنْعَشَ مَنْ سَقَامَا
41
قصيدة