عدد الابيات : 85
طباعةوَفَوْقَ ظَلَامِ الْعَيْنِ ضَوْءٌ عَجِيبُ
إِذَا لَاحَ طَيْفُهَا جَاشَ فِي خَاطِرِي
كَرِيحِ النَّدَى إِذَا يَحْتَوِي قَرِيبُ
تُسَائِلُنِي الْأَشْوَاقُ عَنْهَا كَأَنَّهَا
رَبِيعٌ نَدَى يُرْجَى لَهُ لَا يَغِيبُ
فَيَا لَيْتَ شَمْسًا أَشْرَقَتْ بِنَوَافِذٍ
تُضِيءُ ظَلَامَ الرُّوحِ وَهِيَ الْحَبِيبُ
إِذَا أَتَاهَا الْعَاذِلُونَ بِمَكْرِهِمْ
أَرَانِي بِحُبِّي شَامِخًا لَا أَذُوبُ
فَمَا النَّفْسُ إِلَّا طَوْعَ عَهْدٍ قَطَعْتُهُ
لِعَيْنٍ بِهَا الْأَسْرَارُ وَالْقَلْبُ طَيِّبُ
وَلَوْ أَنَّ شَوْقِي حَطَّمَ الصَّخْرَ مَرَّةً
لَصَارَ الْحَصَى كَالطِّينِ وَهْوَ صَلِيبُ
وَلَوْ أَنَّ حُبِّي نَفَثَ بِالنَّارِ زَفْرَةً
لَأَصْبَحَ فِي قَلْبِ الثَّرَى مَا يُجِيبُ
فَيَا مَنْ بِهَا قَدْ أَبْحَرَتْ كُلُّ عَاطِفَةٍ
أَفِي قَلْبِكُمُ تَسْلُو النُّجُومَ غُيُوبُ
فَلَوْ أَنَّ قَلْبِي لَاحَ فِي أُفُقِ غَيْمَةٍ
لَصَارَتْ نُجُومُ اللَّيْلِ فِيهِ تَذُوبُ
وَلَوْ أَنَّ عَيْنِي أَغْمَضَتْ فِي لَوَاعِجٍ
لَصَارَ لَهَا مَنْبَعُ الدُّمُوعِ غَرِيبُ
أُنَاجِي ظِلَالًا مِنْ هَوَاهَا وَإِنْ بَدَتْ
كَنَجْمٍ سَرَى بِالْغَيْمِ وَهْوَ رَقِيبُ
وَأَغْفِرُ ذَنْبًا لَمْ أَجِدْ فِيهِ رَاحَةً
وَكُلُّ هَوًى يَجْرِي عَلَيَّ يُصِيبُ
أَرَى الْحُبَّ أَسْرًا فِي الْقُلُوبِ كَأَنَّهُ
حُسَامٌ لَهُ فَوْقَ الضُّلُوعِ نُصُوبُ
فَلَا الشَّوْقُ يَهْدَأُ فِي فُؤَادِي وَلَا
النَّوَى يَمِيلُ بِهِ، وَالْعُمْرُ نُدُوبُ
فَيَا لَيْتَ لَيْلَى تَسْتَجِبْ لِصَوْتِنَا
فَإِنَّ صَدَى الْأَشْوَاقِ فِيهِ نَحِيبُ
وَإِنْ طَالَ الدَّرْبُ بِعَادَ مَرَامِيهِ
فَقَلْبِي بِطَيْفِ الْوَصْلِ دَوْمًا يُجِيبُ
وَكَمْ بَثَّ قَلْبِي لِلنُّجُومِ سَرَائِرًا
فَبَاتَتْ تُعَانِي مَا أُعَانِي وَتَئُوبُ
وَلَوْ أَنَّ نَجْمَ اللَّيْلِ يَسْمَعُ حُزْنَهُ
لَأَطْفَأَ نُورَ الْبَدْرِ وَهْوَ قَرِيبُ
وَمَا هَزَّنِي شَوْقٌ كَمَا هَزَّنِي إِلَى
جَمَالٍ لَهُ حُسْنُ الْخَلِيقَةِ طَيِّبُ
فَهَلْ لِي بِمَرْجُوِّ اللِّقَاءِ سَلَامَةٌ
أَمَامَ حَسُودٍ بِالظُّنُونِ يَعِيبُ؟
وَإِنِّي أُحِبُّ الْحُسْنَ فِيكِ كَأَنَّهُ
كَمَالٌ بِهِ تُزْهَى الْقُلُوبُ وَتُثْبُ
فَلَا زَالَ عِطْرُ الذِّكْرِ مِنْكِ مُؤَنِّبًا
يُعَاتِبُنِي حَتَّى النُّجُومُ تَئُوبُ
وَلَوْ أَنَّ شَمْسًا مِنْ جَمَالِكِ أَشْرَقَتْ
لَصَارَ لَهَا ضَوْءُ الْمَدَى يَسْحَبُ
وَكَمْ طَيْفُ لَيْلَى زَارَ قَلْبِي مُحَمَّلًا
بِسِرٍّ لَهُ بَيْنَ الْجَوَانِحِ يَذُوبُ
فَيَا مَنْ سَكَنْتِ الرُّوحَ، هَلْ لِي بِرَحْمَةٍ
تُعِيدُ لِهَذَا الْعَقْلِ مَا كَانَ يَصْبُو
فَمَا الْعَيْشُ إِلَّا حُلْمُ عَيْنٍ بِرُؤْيَةٍ
وَمَا الْأَمْرُ إِلَّا مَا يُرَادُ وَيُكْتَبُ
وَإِنِّي أَرَى فِي لَيْلِ عَيْنَيْكِ أُغْنِيَةً
تُعَانِقُ قَلْبَ الْحُبِّ حَيْثُ يُذِيبُ
تُغَنِّي بِهَا الرُّوحُ الَّتِي لَا تُفَارِقُنِي
وَيَنْبُتُ فِي صَدْرِ الْحَنِينِ طُلُوبُ
وَلَوْ أَنَّ حُبًّا يَرْتَقِي سُدَّةَ السَّمَا
لَكَانَ هَوَاكِ الْحُكْمَ فِيهِ وَنُوبُ
وَكَمْ أَشْتَكِي صَمْتَ اللِّقَاءِ وَمُهْجَتِي
تَئِنُّ كَمَنْ فَقَدَ الْحَيَاةَ وَطُوبُ
وَمَا نَظَرَتْ عَيْنِي لِشَيْءٍ كَطَيْفِكُمْ
يُلَامِسُنِي فَالْقَلْبُ صَفْوٌ قَرِيبُ
فَإِنْ غَابَتْ عَنْ عَيْنِي تَبَدَّدَ نُورُهَا
وَحَضَرْتِ فَالنَّفْسُ غُصْنٌ رَطِيبُ
أَرَى فِيكِ مَا لَا تَدْرِكِينَ مَهَابَةً
تَفِيضُ جَلَالًا فَالْمَدَى يَسْتَجِيبُ
وَلَوْ أَنَّ كُلَّ الْحُسْنِ جُمِّعَ مَرَّةً
لَمَا حَازَ مِنْكِ السِّحْرَ وَهْوَ عَجِيبُ
وَلَوْ قِيلَ: مَا سِرُّ دَمْعِكَ بِالْهَوَى؟
لَقُلْتُ: جَرِيحُ الْعِشْقِ كَيْفَ يُجِيبُ
هِيَ النَّفْسُ لَمْ تَهْوَ الْفِرَاقَ وَلَمْ تَزَلْ
إِلَى قُرْبِهَا تَسْعَى، وَهِيَ تَتُوبُ
فَيَا زَائِرَ الْأَحْلَامِ، كُنْ لِي بَشِيرَةً
بِوَصْلٍ يُدَاوِي مَا جَنَاهُ نَحِيبُ
وَلَوْ أَنَّ قَلْبًا فِي هَوَاكِ تَجَسَّدَتْ
مَلَامِحُهُ، أَضْحَى لِوَصْفِكِ يُذِيبُ
أَبِيتُ وَأَحْلَامِي تُطَاوِلُ نَجْمَهَا
لَعَلَّ غَدًا لِلْعَيْنِ تَأْتِي الْغُيُوبُ
فَمَا الْعَيْشُ إِلَّا فِي رِحَابِكِ لَذَّةً
وَمَا الْحُزْنُ إِلَّا حِينَ أَنْتِ مُغِيبُ
أَرَاكِ جَمَالَ الْكَوْنِ لَيْسَ لِحُسْنِهِ
مَثِيلٌ، وَمَنْ يَهْوَى الْجَمَالَ يُصِيبُ
وَلَوْ أَنَّ صَوْتَ الْحُبِّ نَادَى بِهِ الْفَضَا
لَجَابَتْ سُهُولَ الْكَوْنِ فِيهِ طُيُوبُ
وَمَا زَالَ فِي عَيْنَيَّ حَدِيثُكِ أُغْنِيَةً
تُدَاعِبُ فِي أُذْنِي صَدًى وَطَرِيبُ
كَأَنَّكِ بَدْرٌ فَوْقَ عَرْشِ سَمَائِهِ
يُضِيءُ وَيَسْقِي النَّجْمَ حُبًّا غَرِيبُ
فَيَا مَنْ مَلَكْتِ الرُّوحَ، كَيْفَ أُفَارِقُ
وَقَلْبِي بِقُرْبِكِ كُلَّ حِينٍ يُجِيبُ
أَرَاكِ كَمَاءِ الْغَيْثِ يُحْيِي رُبُوعَنَا
وَتَسْكُنُ فِيهِ النَّفْسُ، وَهُوَ قَرِيبُ
وَإِنِّي لَأَحْيَا فِي هَوَاكِ مُغَرَّبًا
وَفِي كُلِّ طَيْفٍ مِنْكِ قَلْبِي يَذُوبُ
كَأَنَّكِ سِرُّ الْخَلْقِ، أَنْتِ جَمَالُهُ
وَفِيكِ اجْتِمَاعُ الْحُسْنِ الْعَجِيبُ
وَكَمْ مِنْ دُمُوعٍ فِي غَرَامِكِ أُرْسِلَتْ
تُنَاجِي نَسِيمَ الصُّبْحِ، لَيْتَ يُجِيبُ
فَهَلْ يَجْمَعُ الْقَدَرُ الْحَبِيبَ بِحُلْمِهِ
وَيَحْمِلُنَا لِلْوَصْلِ عَزْمٌ رَهِيبُ
وَمَا الْحُبُّ إِلَّا سِحْرُ عَيْنٍ أَضَاءَهَا
وَمَا الْعُمْرُ إِلَّا لِلْقُلُوبِ نَصِيبُ
وَلَوْ أَنَّ نَهْرَ الْحُبِّ سَالَ بِوَصْلِنَا
لَطَابَتْ وَأَزْهَرَتِ الْأَرْضُ الْجَدِيبُ
فَيَا لَيْتَنِي أَحْيَا بِقُرْبِكِ لَحْظَةً
لِأَغْنَمَ مِنْ عَيْنَيْكِ عُمْرًا رَحِيبُ
وَمَا طَيْفُكِ الْبَرَّاقُ يَرْحَلُ مِنْ دَمِي
فَهُوَ النَّسِيمُ الرَّوْحُ، هُوَ الطَّبِيبُ
كَأَنَّكِ شَمْسُ الْخَلْقِ أَشْرَقَ نُورُهَا
فَفَاضَ بِهِ الْآفَاقُ، كَيْفَ يَعِيبُ؟
وَكَمْ سَاهَرَتْ عَيْنِي النُّجُومَ مُنَاجِيًا
لِرُؤْيَاكِ حَتَّى أَرْهَقَتْنِي الذُّنُوبُ
وَمَا أَنْكَرَتْ نَفْسِي هَوَاكِ وَلَوْ غَدَتْ
جُرُوحُ الْهَوَى فِي خَافِقِي وُثُوبُ
وَمَنْ لَهُ الْأَشْوَاقُ طَوْعًا تَسَاقَطَتْ
كَزَهْرٍ بِهِ الْأَنْفَاسُ دَوْمًا تَطِيبُ
أَرَاكِ جَمَالَ الْكَوْنِ يُزْهُو بِحُسْنِكِ
وَأَغْلَى نُجُومِ الْحُبِّ فِيكِ تَذُوبُ
وَلَوْ أَنَّ قَلْبِي فِي الْهَوَى لَمْ يُعَذَّبْ
لَمَا كَانَ يَحْيَا، لَيْسَ فِيهِ نَحِيبُ
وَمَا لِلضُّلُوعِ إِذَا رَآكِ سُكُونُهَا
فَكُلُّ خُفُوقٍ فِي هَوَاكِ يُجِيبُ
وَلَوْ أَنَّ أَسْرَارَ الْغَرَامِ تَجَلَّتِ
لَأَضْحَى صَدَى الْأَفْلَاكِ الْخُطُوبُ
وَيَا مَنْ بِهِ أَحْيَا وَأُبْصِرُ دُنْيَتِي
كَأَنَّكَ فِي قَلْبِي ضِيَاءٌ مُهِيبُ
أَرَاكِ مَلَاذَ الرُّوحِ إِنْ ضَاقَتِ السَّمَا
وَصَوْتَ النَّدَى، لَحْنٌ طَرُوبُ
وَمَا لِلزَّمَانِ إِنْ تَبَسَّمَ فِي هَوَاكِ
إِلَّا شُهُودٌ لِلْعُيُونِ مُقَلٌ تُثِيبُ
وَلَوْ أَنَّ طَيْفَكِ مَرَّ فَوْقَ خَمِيلَةٍ
لَفَاحَ بِهَا عِطْرٌ يَفُوقُ الطُّيُوبُ
وَمَا لِلرَّبِيعِ إِذَا تَنَفَّسَ غَيْرُهُ
بِجَمَالِكِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَذُوبُ
فَيَا لَيْتَنِي أَحْيَا عَلَى ظِلِّ قُرْبِكِ
وَأَزْرَعُ بِأَرْضِ الْهَوَى مَا يُجِيبُ
وَمَا بَيْنَ أَضْلُعِي سِوَى ذِكْرِكِ الَّذِي
تَرَكَنِي جَرِيحًا، لَيْسَ فِيهِ مَغِيبُ
وَإِنْ قِيلَ: مَنْ أَنْتَ فِي عَالَمِ الْهَوَى
لَقُلْتُ: أَنَا الْعَاشِقُ الَّذِي لَا يَتُوبُ
فَمَا حُبُّكِ إِلَّا نُورُ قَلْبٍ وَخَافِقٍ
وَمَا الْعَيْشُ بَعْدَكِ غَيْرُ دَرْبٍ كَئِيبُ
وَلَوْ أَنَّ فِي الْأَشْوَاقِ شَيْئًا يُقَاسُهُ
لَفَاقَتْ جِبَالُ الشَّوْقِ بَحْرًا عَصِيبُ
وَلَوْ أَنَّ كَفَّ الْحُسْنِ مَسَّتْ خُدُودَهَا
لَسَالَ نَدَى الْعِطْرِ الْفَرِيدِ الْعَجِيبُ
وَمَا خَطَرَتْ فِي الْبَالِ إِلَّا وَأَشْرَقَتْ
جِنَانُ الْهَوَى بِالْحُسْنِ حَيْثُ تَطِيبُ
وَأَهْدَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ ضِيَاءَهَا
كَأَنَّكَ تَاجُ الْعِشْقِ، لَسْتَ غَرِيبُ
وَمَا لِلْمَدَى إِلَّا صَدَى أُغْنِيَتِكِ
تَطُوفُ بِهِ الْأَرْضُ، يَغْنُو الْحَبِيبُ
وَكَمْ دُمُوعٍ فِي غَرَامِكِ أُسْكِبَتْ
تُنَاجِيكِ حَتَّى جَفَّ دَمْعٌ قَرِيبُ
وَإِنِّي لَأُخْفِي لِضُلُوعِي هَوًى غَدَا
كَسِرٍّ يَفِيضُ بِهِ الزَّمَانُ الرَّحِيبُ
وَمَا زِلْتُ أَحْيَا فِي ظِلَالِكِ عَاشِقًا
تُضِيءُ بِهِ الْأَحْلَامُ وَهْوَ مُهِيبُ
فَيَا لَيْتَنِي أُبْقِيكِ فِي قَلْبِي أَبَدًا
وَلَا أَتْرُكُ الْحُبَّ الَّذِي لَا يَذُوبُ
وَيَا قَمَرًا فَوْقَ الْغَمَامِ تَسَطَّرَتْ
مَلَامِحُهُ فِي كُلِّ فَجْرٍ يُجِيبُ
وَيَا شَمْسَ صُبْحٍ أَشْرَقَتْ مِنْ مُحَيَّا
تُذِيقُ الْهَوَى طَعْمًا كَأَنَّهُ عَجِيبُ
فَلَا أَسْتَطِيعُ الْعَيْشَ دُونَ مَحَبَّةٍ
وَلَا تَسْتَقِيمُ النَّفْسُ وَالْحُبُّ غَرِيبُ
112
قصيدة