عدد الابيات : 191
طباعةتَنَحَّتْ كَأَنِّي وَالسُّهَى فِي مَجَازِهَا
نُهُودٌ كَأَطْوَاقِ الْجُمَانِ الْمُفَصَّلِ
تُعَانِقُنِي وَاللَّيْلُ يَبْسُطُ سِتْرَهُ
فَنَجْوَى الْهَوَى تُغْنِي عَنِ اللَّفْظِ الْأَجْمَلِ
إِذَا مَا تَثَنَّتْ فَالظِّبَاءُ تُغَارُ مِن خُطَاهَا
وَمِسْكُ الطِّيبِ مِنْ خَدِّهَا يَسْلِي
تُحَاذِرُ مِنْ هَيْجَاءِ قَلْبِي صَبَابَةً
كَأَنَّ عَلَى الْأَضْلَاعِ جَمْرًا مُجَمْجَلِ
فَقُلْتُ لَهَا: يَا نُورَ عَيْنِي وَمُهْجَتِي
أَطِيعِي هَوَى مَنْ كَانَ بِالرُّوحِ يَعْدِلِي
أَأَصْرِفُ وَجْهِي عَنْكِ؟ لَا وَالَّذِي سَجَا
لَهُ اللَّيْلُ وَاسْتَسْقَتْ بِهِ الْغَيْمُ فِي الْعَجَلِ
كَأَنَّكِ مِنْ نُورِ الصَّبَاحِ تُضَوَّعَتْ
مَلَامِحُكِ الْبِيضُ السُّنَى وَالْمُنْدَهِلِ
إِذَا مَا تَهَادَيْتِ انْبَرَى اللَّيْلُ مُبْصِرًا
وَأَغْفَى الظَّلَامُ الْوَسْنُ بِالْحُلْمِ الْمُطِلِّ
فَيَا فِتْنَةً جَاءَتْ تُنَازِلُ مُهْجَتِي
نِزَالَ الظِّبَى لِلرُّمْحِ بِالْخَطْبِ الْمُبْتَلِي
تُنَاجِينِي الْأَيَّامُ عَنْكِ وَلَمْ تَزَلْ
بَقَايَاكِ فِي صَدْرِي كَبَاقِي التَّفَلُّلِ
كَأَنِّي إِذَا نَادَيْتُ طَيْفَكِ فِي الْكَرَى
أُصَاحِبُهُ صُحْبَ الْغَمَامِ الْمُتَمَهِّلِ
فَلَمَّا دَنَتْ عَيْنَايَ مِنْ نَارِ نَحْرِهَا
تَوَهَّجَ فِي أَحْشَائِيَ الْجَمْرُ الْمُشْعَلِ
وَخَاطَبَتِ الْأَضْلَاعُ شَوْقِي مُحَذِّرًا
أَبِالْحُبِّ تُغْرِي أَمْ بِخَطْبٍ مُنَازِلِ؟
فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّي لَحُرٌّ مُعَذَّبٌ
يُسَاقِي جُنُونَ الْعِشْقِ كَأْسَ الْمُبَجَّلِ
تَمَايَلَ جِيدُ الْحُسْنِ مِنْهَا كَنَخْلَةٍ
بِهَا الرِّيحُ تَلْهُو فَوْقَ بَانٍ مُهَدَّلِ
وَهَامَتْ رِيَاحُ الشَّوْقِ فِي كُلِّ خَافِقٍ
تُنَاغِي جُنُونِي مِنْ شُغَافٍ مُوَصَّلِ
تَرَكْتُ سُهَادِي فِي الدُّجَى مُتَجَرِّعًا
كُؤُوسَ اللُّهَى فِي نَفْسِ صَبٍّ مُبَتَّلِ
فَلَيْتَ لَنَا لَيْلًا كَلَيْلِكَ دَائِمًا
يُطَالِبُ فِيهِ الْعَاشِقُ الْوَصْلَ مَخْذَلِ
فَمَا بَاتَ إِلَّا وَالْهَوَى قَدْ أَذَاعَهُ
صَدَى الْهَمْسِ مِنْ خَدِّ الْمُهِفِّ الْمُقَنْقِلِ
وَأَهْلَكَنِي مَا أَهْلَكَ الْوَجْدَ قَبْلَنَا
هَوًى ضَرَبَ الْأَنْفَاسَ مِنْهُ بِمَغْتَلِ
فَهَذَا هُوَ الْعِشْقُ الْعَصِيُّ، فَلَوْ دَرَتْ
بِهِ الْأَرْضُ لَاهْتَزَّتْ جِبَالٌ وَسُهْلِلِ
وَبَاتَتْ كَأَفْنَانِ الْقَضِيبِ تَثَنَّتِ
تُعَانِقُ ظِلِّي فِي دُجَى الْمُتَهَيِّلِ
وَكَانَتْ نُجُومُ اللَّيْلِ تَرْقُبُ نَفْسَهَا
كَأَنِّي بِهَا فِي الْخَافِقَيْنِ الْمُسَجَّلِ
أَلَا لَيْتَ لَيْلِي كَانَ دَهْرًا مُوَسَّدًا
وَصَدْرَكِ لِي مِرْفَأَ الْحَنِينِ الْمُبَلْبَلِ
تَنَفَّسَ فَجْرٌ مِنْ جَنَاحِ غَمَامَةٍ
فَهَبَّ هَوَانَا بَارِدًا غَيْرَ مُقْتَلِ
وَأَبْصَرْتُ مِنْ خَلْفِ السَّرَابِ مَطِيَّتِي
تُحَاوِلُ فَكَّ الْقَيْدِ مِنْ طَيْفِ مَرْحَلِ
فَقَالَتْ: رُوَيْدًا، إِنَّ فَجْرَكَ غَادِرٌ
وَفِي النُّورِ وَشْكُ الْوَجْدِ إِنْ لَمْ تُعَقَّلِ
فَقُلْتُ: دَعِي الْأَيَّامَ تَخْتَضِبُ الرُّدَى
فَمَا الْعُمْرُ إِلَّا نَفْحَةٌ مِنْ مُرَهَّلِ
وَمَا لِفُؤَادِي فِي غَرَامِكِ مَهْرَبٌ
وَإِنِّي لَفِي حُبِّكِ أَبْقَى وَأَرْحَلِ
أَرَاكِ جَنَاحَ الْوَحْيِ فِي مَهَبِّهِ
وَفَوْقَ جَبِينِكِ النُّجُومُ كَمِشْعَلِ
تَنَاهَيْتُ عَنْكِ، فَازْدَدْتُ فِيكِ تَحَرُّقًا
كَأَنِّي عَلَى جَمْرِ النَّوَى لَمْ أُبَدَّلِ
وَإِنْ قَامَتِ الْغَيْدَاءُ تُرْخِي مِئْزَرًا
تَثَنَّى كَغُصْنِ الْبَانِ فِي الرَّوْضِ الْمُقْبِلِ
تُخَالُ عُيُونُ النَّاسِ فِيهَا حَشِيشَةً
تُبَارِكُ مَنْ وَطَّنْتَ نَفْسَكَ مَنْزِلِي
فَتِينَةُ أَحْلَامِي، وَرَوْضُ هَوَانَا
وَسِرُّ الرُّؤَى فِي مُهْجَتِي الْمُتَعَلِّلِ
تَنَاهَتْ رُبَى الْحُسْنِ اسْتَقَرَّتْ بِوَجْهِهَا
وَفِي فَمِهَا سِحْرُ الْبَيَانِ الْمُرَسَّلِ
وَلَمْ أَرَ مِثْلَ الرِّيقِ مِنْ ثَغْرِهَا شَفًا
كَمَاءِ السُّحَيْقِيِّ الْمُفَصَّلِ الْأَجْلِي
فَصَاحَتْ نُفُوسُ الْعَاشِقِينَ بِهَزَّةٍ
كَخَفْقِ الْجُنُوبِ الْفَيْحِ فِي الْمُتَهَلِّلِ
وَأَلْقَتْ عَلَى الْأَيَّامِ طِيبَ مَجَالِهَا
فَأَزْهَرَ بَادِي الزَّهْرِ فِي كُلِّ مَحْفِلِ
فَصُرْتُ كَمَنْ فِي الْحُلْمِ يَهْوِي بِجَنَّةٍ
يُقَبِّلُ أَغْصَانَ الْخَيَالِ الْمُؤَمَّلِ
تَسَاقَطَ مِنْ جِيدِ الْوِصَالِ نُفَائِسٌ
كَنَثْرِ الدُّرُوفِ فِي كُمَيْتٍ مُرْسَلِ
وَمَا ضَمَّنَ اللَّيْلُ السُّرَى مِنْ غَزَالَةٍ
بِأَحْلَى مِنَ الظِّلِّ الظَّلِيلِ الْمُخَيَّلِ
تَمَشَّى عَلَيْهَا الْحُسْنُ مِشْيَةَ مُعْجَبٍ
وَخَطْوُ الدَّلَالِ الْبِكْرِ فِي الرَّوْضِ الْمُكْمِلِ
وَتَزْهُو كَمَا زَاهَتْ نُجُومٌ بِخَدِّهَا
إِذَا لَاحَ فَوْقَ الرَّوْضِ وَجْهُ الْمُقَبِّلِ
تُسَافِرُ أَحْلَامِي بِأَطْرَافِ رُوحِهَا
فَأَهْوَى وَأُرْوِي النَّفْسَ مِنْ خَمْرِ مُقْتَلِي
فَيَا لَكَ مِنْ وَجْدٍ يَشِبُّ لَظَاهُ فِي
ضُلُوعِ الْمُحِبِّ الْمُسْتَهَامِ الْمُجَهَّلِ
تُقَلِّبُنِي الْأَفْكَارُ فِي نَارِ وَصْفِهَا
كَقَطْرِ النَّدَى فِي الشَّوْكِ لَمْ يَتَبَلْبَلِ
وَإِنْ هَمَسَتْ، أَلْقَى الصَّبَابَةَ لَفْظُهَا
كَسِحْرٍ تَرَنَّمَ فِي السُّمُوعِ الْمُبَجَّلِ
فَغَضُّ الْجُمَانِ مِنَ الثَّغَامِ مَلِيحُهَا
وَنَارُ الْخُدُودِ كَالْوَرَى الْمُتَشَعْشِلِ
وَلِلرُّوحِ فِي مَجْلَاهُ أَلْفُ تَشَوُّقٍ
كَأَنِّي وَقَدْ أَهْوَيْتُ فَوْقَ الْمُنَازِلِ
أُجَرِّعُ وَجْدِيَ فِي ظِلَالِ جَمَالِهَا
وَأَسْقِي جُفُونَ اللَّيْلِ مِنْ دَمِ مَقْتَلِي
فَصُبًّا كَمِثْلِي لَا يُرَاعِي جَوَارِحًا
وَيَحْمِلُ أَشْوَاقًا بِصَدْرٍ مُثَقَّلِ
وَيَكْتُمُ فِي الْأَحْشَاءِ نَارَ وَلَوْعَةً
كَسِرٍّ بِجَيْبِ الرُّوحِ لَمْ يَتَمَحَّلِ
وَأَسْهَرُ عَيْنِي فِي دُجَاكِ وَإِنْ بَدَتْ
لِيَ الظُّلْمَةُ الْعَمْيَاءُ مِنْ خَطْبِ مُقْتَلِ
أُخَالِطُ أَشْوَاقِي وَفِكْرِيَ زَافِرًا
كَهِيمٍ يُرَجِّي الصَّبْرَ فِي اللَّيْلِ الْأَثْمَلِ
فَيَا حُسْنُهَا لَوْ أَنَّ نَاظِرَ مُبْصِرٍ
رَآهَا، لَقَالَ: السِّرُّ فِي الْحُسْنِ أَوْجَلِ
وَيَا مِزْنَةً هَطَلَتْ عَلَيَّ مَوَاهِبًا
فَأَرْوَتْ ضَمِيرَ الشَّوْقِ فِي الْمَاءِ الْأَعْذَلِ
تَفِيضُ اشْتِيَاقًا كُلَّمَا الْحُسْنُ أَقْبَلَتْ
وَتَبْكِي جُفُونُ الْغَيْرِ مِنْ كَثْرَةِ الدَّلَلِ
وَإِنْ نَظَرَتْ، سَالَتْ نُجُومٌ بِوَجْهِهَا
وَأَسْكَرَ عَقْلِي سِحْرُهَا الْمُتَمَثِّلِ
وَلَوْ أَنَّ مَا فِي جِيدِهَا مِنْ غَمَازَةٍ
رَآهُ أَبُو زُهْرٍ، لَمَاتَ مِنَ الْخَجَلِ
تُمَاثِلُ فِي زَفْرَاتِهَا نَايَ مُغْرَمٍ
وَفِي لَحْنِهَا أَصْوَاتُ وَجْدٍ مُرَجَّلِ
وَمِنْهَا تَعَلَّمَتْ ظِبَاءُ الْفَلَاةِ كَيْ
تُبَاهِي الْمَهَارَى فِي خُطًى غَيْرِ مُقْتَفِي
تَفَجَّرَ فِيهَا الشِّعْرُ قَبْلَ مَوَارِدِي
وَكَانَ لِأَلْسُنِ الرُّوَاةِ الْمُؤَصَّلِ
وَلَوْ مَسَّ جِيدَ الْبَانِ مِعْصَمُهَا، رَأَى
بَيَاضَ الْمَنَايَا فِي الْغُصُونِ الْمُنَمَّلِ
وَأَبْصَرْتُ فِي جَوْفِ السَّمَاءِ كَوَاكِبًا
تَنَاشَزَ فِي أُفْقِ الدُّجَى الْمُتَهَيِّلِ
تُطَالِعُنِي مِنْ فَوْقِ نَسْجٍ كَأَنَّهُ
سِدَاهُ نُفُوسُ الْعَاشِقِينَ الْمُبَجَّلِ
فَسِرْتُ كَمَا يَسْرِي الْأَسِيرُ مُقَيَّدًا
يَجُرُّ خُطَاهُ فِي النَّوَى الْمُتَثَقِّلِ
تَنَازَعَنِي شَوْقٌ وَهَمٌّ وَفِكْرَةٌ
وَحَادَ بِصَدْرِي وَاجِدٌ غَيْرُ مُفْتَعِلِ
فَهَاتِ اسْقِنِي يَا صَاحِ كَأْسًا مُعَطَّرًا
بِرَيْحِ الصَّبَا أَوْ رَيْحِ نَشْرِ الْقَرَنْفُلِ
وَدَعْنِي أُرَاعِي نَجْمَهَا فِي غَشَاشَةٍ
تُرَوِّي جُفُونِي مِنْ سَنَى الْمُتَأَمِّلِ
أَفِي الْحُبِّ مِثْلُ الشَّوْقِ يَسْقِي فُؤَادَنَا؟
وَهَلْ تَسْلُكُ الْأَيَّامُ غَيْرَ الْمُوَسْوِلِ؟
وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَ الضُّلُوعِ وَحَشْوِهَا
نَوَازِعُ وَجْدٍ مِثْلَ نَبْضِ الْمُقَلْقَلِ
لَقُلْتُ بِأَنِّي قَدْ نَسِيتُ سِوَاهُمُ
وَمَا النَّفْسُ إِلَّا نَفْسُ حُرٍّ مُؤَصَّلِ
وَأَمْشِي إِلَى الذِّكْرَى كَمَا الْحُلُمُ انْثَنَى
بِرَجْعِ الصَّدَى فِي الرُّوحِ، صَوْتٌ مُنْدَلِي
فَتَصْدَعُ مِنِّي كُلُّ عِرْقٍ مُخَدَّرٍ
وَيَنْفَجِرُ الْحُزْنُ الْقَدِيمُ الْمُبَجَّلِ
وَظَلَّ يُجَافِي السَّهْمَ عَنْ حُرِّ فَاتِكٍ
كَمَا جَافَتِ الْهَيْجَاءُ سَهْمَ الْمُفَتَّلِ
وَأَخْلَصَ فِي الْعَزْمِ الرَّزِينِ كَأَنَّهُ
جَنَاحُ نَسِيرٍ فِي الْهَوَاجِرِ مِقْتَلِ
يَخُوضُ بِهِ الْمَيْدَانَ فِي كُلِّ جَوْفَةٍ
كَخَوْضِ الْأُسُودِ الْغَابِ فِي الْمُتَغَيِّلِ
فَأَرْسَلْتُهُ وَالرَّوْعُ يَسْبِقُ نَفْسَهُ
كَمَا يَسْبِقُ النَّجْدَاتِ خَيْلُ الْمُنَافِلِ
فَعَالَجَ رُوسَ الْقَوْمِ حَتَّى كَأَنَّهُ
يُفَتِّتُ صَمَّ الصَّخْرِ بِالسَّيْفِ مُرْسَلِ
وَكُنْتُ إِذَا مَا الزَّحْفُ قَامَتْ رِجَالُهُ
أُجَالِدُهُمْ بَيْنَ الطِّعَانِ الْمُسَلْسَلِ
وَمَا رُمْتُ إِلَّا الْعِزَّ فِي كُلِّ صَرْعَةٍ
وَلَا عُدْتُ إِلَّا بِالْفَخَارِ الْمُكَمَّلِ
وَأَحْمِلُ فِي الْبَيْدَاءِ نَفْسًا أَبِيَّةً
تُقَارِعُ خَيْرَ الْقَوْمِ فِي الْغَمْرِ مِثْقَلِ
وَلَمْ أَخْشَ مِنْ دَهْرٍ تَقَلَّبَ نَصْبُهُ
وَلَا رُعْتُ مِنْ صَوْتِ الْمَنِيَّةِ مُقْبِلِ
فَمَا رَهِبَتْ نَفْسِي وُغَاةَ مَعَارِكٍ
وَمَا انْهَارَ جَأْشِي يَوْمَ جَرْحٍ مُفَدَّلِ
تَكَشَّفَ لَيْلٌ بِالذُّكاءِ كَأَنَّهُ
نُفُوخُ سَمُومٍ فِي الغَوَاهِبِ مُرْسَلِ
تَدَفَّقَ مِنْ أَكْنَافِهِ نَفَثَاتُهُ
كَنَفْثِ الْأَفَاعِي فِي الرُّبَا الْمُتَنَقِّلِ
وَبَارَقَ فِي أُفْقِ السُّهُوبِ كَوَاحِدٍ
تَصَدَّى لِخَوْفِ اللَّيْلِ كَالطَّعْنِ أَجْدَلِ
يَهُزُّ فُؤَادَ السَّاهِرِينَ بِرَعْشَةٍ
كَمَا يَهْتَزُّ السَّنْدُسُ الْمُتَهَدِّلِ
وَتَهْدِرُ أَصْوَاتُ الرُّعُودِ كَأَنَّهَا
زَمَاجِرُ قَوْمٍ فِي الوُغَى لَمْ تُفَصَّلِ
فَقُلْتُ لِهَذِي الرِّيحِ وَهْيَ تَفُورُ فِي
رُبَاهَا كَنَفْخِ النَّارِ فِي الرَّمْلِ مَنْزِلِ
إِذَا مَا انْتَشَتْ نَفْسُ الرِّيَاحِ فَفِي الرُّبَى
تَثُورُ كَصَوْتِ الْغَوْلِ فِي الْمُتَمَهِّلِ
فَأَرْعَيْتُ سَمْعِي لِلرُّعَادِ كَأَنَّهُ
تَرَانِيْمُ وَعْظٍ مِنْ كَهَانٍ مُبَجَّلِ
يُخَوِّفُنِي الدَّهْرَ الْغَدُورَ وَكَيْفَ لِي
بِأَنْ أَرْهَبَ الدَّهْرَ الرَّدِيءَ وَأَهْزَلِ
وَمَا رُمْتُ مَذَلَّةً، وَإِنِّيَ فِي الدُّجَى
أُقَارِعُ سَيْفَ الْخَوْفِ بِالْقَلْبِ الْمُصْقَلِ
وَلَا حَطَّنِي دَهْرٌ وَإِنْ جَارَ خَطْبُهُ
فَقَدْ عَصَفَتْ بِي سُنْدُسَاتُ الْمُعَمَّلِ
وَقَدْ رَابَنِي فِي السَّيْرِ وَهْنُ رَوَاحِلٍ
تَخَالُ سَنَاهَا ضَوْءَ نَجْمٍ مُؤَفَّلِ
فَنَادَيْتُ صَاحِبِيَ الْمُجِدَّ بِصَوْتِهِ
أَتَسْتَقْدِمُ الْقَوْمَ الْجِفَالَ وَتَرْحَلِ؟
فَقَالَ: امْضِ يَا صَاحِ! الْحَيَاةُ مَسِيرَةٌ
تُقَاصِيكَ دَهْرًا ثُمَّ تُعْطِي وَتَبْذِلِ
فَأَجَّجْتُ نَارَ الْعَزْمِ فِي الْجَوْفِ حَامِيًا
وَأَلْجَمْتُ نَفْسِي فِي الرَّدَى كَمُعَوِّلِ
وَخُضْتُ ظَلَامَ الشَّكِّ وَالدَّهْرُ مُعْتِمٌ
كَمَا يَخْتَرِقْ فِي الْعَمَاءِ الْمُرْجَّلِ
وَلَمْ أَرْتَضِ الْوَجْدَ الَّذِي هُوَ وَاهِنٌ
كَمَاءٍ جَرَى فِي الْوَهْدَةِ الْمُتَهَدِّلِ
وَجَرَّدْتُ مِنْ عَزْمِي سُيُوفَ مُوَثَّقٍ
كَسَيْفِ الْقُدَامَى فِي الْوَغَى الْمُتَنَبِّلِ
وَقُلْتُ لِقَلْبِي: لَا تُهِنْ فِي مَطَالِبٍ
فَمَنْ طَارَ لِلْعُلَا سَيَهْوِي وَيَنْزِلِ
وَمَنْ لَمْ يُجَرِّبْ مَرَّهَا لَا يَذُقْ نُدًى
وَلَا يَسْتَطِيبُ الْعِزَّ فِي الْمُتَكَمِّلِ
فَسِرْتُ عَلَى خَطْوِ الْمُلُوكِ كَأَنَّنِي
صَنِيعُ الدُّهَى، وَالسَّيْفُ أَحْدَى مُفَصَّلِ
وَمَا رُمْتُ طَيْفَ اللَّيْلِ إِذْ نَامَ صَاحِبِي
وَظَلَّتْ لِيَ الْأَفْكَارُ تَهْتِفُ وَتَعْوِلِ
وَأَسْقَطَ وَبْلُ الرَّوْعِ فِي الْقَلْبِ رِعْشَةً
تَهَامَسَ فِيهَا الْهَمُّ كَاللَّيْلِ مُسْدَلِ
فَقُلْتُ لِرَكْبِي: رُدُّهُ لِي فَإِنَّنِي
أُجَالِدُهُ صَبْرًا كَفَارِسِ مُرْجِلِ
وَخُضْتُ جِرَافَ الْوَجْدِ وَالْحُزْنُ رَائِدِي
كَرَامٍ غَوَاطٍ فِي الْمُهَاوِي الْمُذَلْذَلِ
وَمَا رُمْتُ فِي الدُّنْيَا هَوَانًا وَغِبْطَةً
وَلَكِنْ طَلَبْتُ الْمَجْدَ فِي كُلِّ مَنْزِلِ
وَنَادَيْتُ ظِلِّي فِي الدُّجَى مُتَهَامِسًا
أَتَشْرَبُ ظِلًّا فِي الطَّرِيقِ الْمُخَيَّلِ؟
أَلَا قُمْ! فَإِنَّ الرُّوحَ تُنْضِجُهَا الرُّؤَى
وَلَا يَسْتَقِي الْمَجْدَ الْفَتَى الْمُتَكَلِّلِ
فَهَزَّ الْمَنَاكِبَ وَانْتَضَى مِنْ صُمُودِهِ
وَأَجْهَشَ بِالْفِكْرِ الْمُوَارِدِ مُرْسِلِ
وَجَالَ بِذِكْرِي بَيْنَ سَهْلٍ وَمَهْمَهٍ
كَمَنْ خَاضَ صَرْحَ الْعَزْمِ بِيْدًا وَمَرْجِلِ
أُمَرُّ عَلَى الْأَيَّامِ وَهْيَ كَأَنَّهَا
رِكَابُ الزَّمَانِ الْمُسْتَجَدِّ الْمُبَلْبَلِ
فَإِنْ نَاءَ رَكْبِي يَوْمَ بَانُوا فَإِنَّنِي
أُقِيمُ لَهُمْ فِي قَلْبِ ذِكْرٍ مُعَجَّلِ
فَأَسْفَتْ سَمَاءُ الشَّأْمِ وَانْحَطَّ وَابِلٌ
عَلَى الْجَوِّ، وَالْأَرْضُ السَّفَالُ بِمَنْهَلِ
وَغَابَتْ كَوَانِسُهُ، وَكِسْرَى جِرَارُهُ
تَخَلَّلَهَا رَعْدٌ كَخَرْقِ الْمُفَتَّلِ
وَلَمَّا بَدَتْ فَوْقَ الرُّبَا كَهَمَاهِمٍ
تَسَابَقْنَ فِي الْآفَاقِ رَعْدًا مُسَلْسَلِ
كَأَنَّ نُجُومَ اللَّيْلِ رَاجَعْنَ خُلَّةً
فَبَاحَتْ دُمُوعُ الشَّوْقِ مِنْ كُلِّ مِقْوَلِ
وَطَافَتْ بِسَهْلِ الشِّعْبِ رَوْحُ عَوَاصِفٍ
تُرَجْرِجُ صَلْدَ الصَّفْحِ فِي كُلِّ مَنْزِلِ
وَهَبَّتْ رِيَاحُ الشِّرْقِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ
كَمَا يَهَبُ الْحُسْنُ الْمَهَابَةَ لِلْخَلِي
فَنَازَعْتُ نَفْسِي فِي دُجَاهَا، وَقُلْتُ لِي:
أَتَبْقَى كَظِلٍّ فِي الزَّوَالِ الْمُتَسْدِلِ؟
وَصِحْتُ بِقَلْبِي صَيْحَةً فَتَّقَتْ لَهُ
جُدُرَ التَّوَقِّي، وَانْثَنَى غَيْرَ مُقْفِلِ
فَخُضْتُ بِأَحْشَاءِ الْبَيَانِ كَمُدْلِجٍ
عَلَى غَارِ حَقٍّ فِي الْمَعَانِيَ مُشْعِلِ
وَأَسْبَلْتُ مِنْ خَيْلِ الْفَصَاحَةِ رَكْبَتِي
فَفَاضَتْ مَرَابِدُهُ كَسِجِّيلِ مُرْسَلِ
وَمَا كَانَ إِلَّا الْبَحْرُ يَجْهَدُ فِي الدُّلَى
وَأَمْسَكْتُ طَرْفَ السَّحْرِ بِالْكَفِّ وَالْمُقَلِ
وَقَدْ جَرَّدَ السَّيْلُ الْعَتِيقُ مَسَالِكًا
تَخَالُ رُبَاهَا حَجْرَ نَارٍ مُشَعْشِلِ
فَفَرَّتْ ظِبَاءُ السَّفْحِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
كَمَا نَفَرَتْ فَوْجَ الظُّلُومِ الْمِخْيَلِ
وَبَاتَتْ صَوَاهِي الْبَانِ تَنْشُجُ لَيْلَهَا
كَنَوْحِ الْحَمَامِ الْمُتْرَعِ الْمُتَغَلْغِلِ
وَمَرَّ عَلَى وَجْنَاتِ “يَثْرِبَ” سَيْلُهُ
فَمَا أَبْقَى لِلْعَطْفِ سَنَاءً لِمِرْجَلِ
وَرَاحَتْ تَهَامَى تَنْزَعُ التُّبْرَ مِنْ ثَرَى
كُثَيِّبِهَا، فِي فَوْرَةِ الْمُتَبَجِّلِ
فَأَبْصَرْتُ وَجْهَ الْحُسْنِ فِي كُلِّ شُعْبَةٍ
يُرَوِّعُنِي مِنْهُ اللُّجَاجُ الْمُرَهْبِلِ
وَكَانَتْ نُجُومُ اللَّيْلِ تَغْشَى سَحَابَهَا
فَتَسْتَرْسِلُ الدُّرُّ الْجَمِيلُ الْمُفَضَّلِ
وَكَمْ قَدْ سَقَانِي اللَّيْلُ صِرْفَ كُؤُوسِهِ
بِرَاعِدِ أَطْبَاقٍ، وَرِقْرَاقِ مَنْهَلِ
وَكَانَتْ جُمُوعُ السَّحْبِ تَخْضِبُ سَاحَةً
كَمِرْوَدِ عَيْنٍ فِي السُّدُوفِ الْمُمْكِلِ
تُخَالُ عَلَى “سَلْمَى” السُّيُولَ كَأَنَّهَا
عُقَالُ غَوَانٍ فِي الْعِصِيِّ الْمَرَحْبِلِ
فَهَاجَتْ هَوَانَا، وَالرِّيَاحُ تَهُزُّنِي
هُيُوجَ الْجَوَانِحِ فِي الضُّلُوعِ الْمُقَتَّلِ
فَقُلْتُ لِصَدْرِي – وَالزَّمَانُ مُلَثَّمٌ –
أَيَا صَدْرُ، كُنْ كَالْبَيْتِ لِلرَّاحِلِ الْجَلِي
وَلَا تَحْمِلَنْ فَوْقَ الْقُرُوحِ مَذَلَّةً
فَإِنَّ الْعُلَا لِلصَّابِرِ الْمُتَعَقِّلِ
أَأَرْضَاكِ دَمْعِي إِنْ رَأَيْتِ تَأَمُّلِي؟
وَهَلْ سَاءَكِ الشَّوْقُ الَّذِي لَا يُعْدَلِ؟
إِذَا كُنْتِ تَدْرِي أَنَّ قَلْبِي مُبْتَلًى
فَلِمْ يَا تُرَى بِالْهَجْرِ كُنْتِ تُسْبَلِي؟
نَسِيتُ السُّلا مُذْ مَسَّ قَلْبِي طَيْفُكِ
فَهَلْ يَسْتَفِيقُ الْقَلْبُ إِنْ لَمْ تُقْبِلِي؟
أَأَبْكِيكِ شَوْقًا أَمْ أَرَاكِ مَلَامِحِي؟
فَإِنِّي عَلَى وَجْهِ الْهَوَى لَمْ أُغْفِلِ
رَضِيتُ بِأَنْ أَبْقَى رَهِينَكِ صَامِتًا
وَأُخْفِي هَوَاكِ بِمُهْجَتِي الْمُتَسَلِّي
تَعَالَيْ وَخُذِينِي مِنْ هُمُومِيَ لَحْظَةً
فَإِنِّيَ مَا عُدْتُ الْجَرِيحَ الْمُحْتَمِلِ
هَجَرْتِ فُؤَادِي ثُمَّ عُدْتِ كَأَنَّمَا
تَرَكْتِ الدُّجَى لِلْعَاشِقِ الْمُسْتَنْهِلِ
أَمَا عَلِمَتْ عَيْنَاكِ أَنِّي تَائِهٌ
وَفِي نَظَرِكِ الْمَسْمُومِ سَهْمٌ مُرْسَلِ؟
فُؤَادِي لَكِ الدَّهْرَ الَّذِي لَا يَنْثَنِي
وَلَوْ جِئْتِ بِالْخِذْلَانِ أَلْفًا تُقْتِلِي
تَعِبْتُ مِنَ الْأَمَلِ الَّذِي لَمْ يُنْصِفِ
وَمِنْ زَمَنٍ يَهْوَى الْعَذَابَ وَيُبْتَلِي
وَكَمْ بِتُّ أَرْعَى حُبَّ مَنْ لَا يُنْصِفُ
وَأَكْتُمُ نَارَ الْعِشْقِ وَهِيَ تُجَمْجِلِ
سَأَبْقَى عَلَى عَهْدِ الْغَرَامِ وَإِنْ جَفَتْ
عُيُونُ الْهَوَى أَوْ قِيلَ إِنِّي أَجْهَلِ
أُحِبُّكِ حُبًّا لَا يُقَالُ بِلَفْظَةٍ
وَلَا يُحْتَوَى بِالشِّعْرِ إِنْ لَمْ يُفْعَلِ
رَأَيْتُ بِعَيْنَيْكِ النَّوَى فَتَمَزَّقَا
فُؤَادَانِ مَا اعْتَادَا الْفِرَاقَ الْمُسْأَلِ
أَأَشْكُو جِرَاحَ الْعِشْقِ أَمْ أَتَرَقَّبُ
رُجُوعَكِ فِي وَقْتِ الْمُنَى الْمُبْتَهَلِ؟
فَلَوْ كُنْتِ تَدْرِينَ اشْتِيَاقِيَ بُرْهَةً
لَمَا كُنْتِ لِي فِي الْهَمِّ سَهْمًا مُرْسَلِ
أَسْهَرْتُ جُفُونِيَ فِي هَوَاكِ مُتَيَّمًا
فَهَلْ تُطْفِئُ الْأَحْلَامَ نَارَ الْمُشْعِلِ؟
تَمَنَّيْتُ لَوْ أَنَّ الزَّمَانَ يُطَاوِعِي
لَأَحْيَا هَوَاكِ بِقَلْبِ طِفْلٍ أَوَلِي
كَأَنَّكِ لَا تَدْرِي بِأَنِّي شَاعِرٌ
يَمُوتُ إِذَا مَا هَبَّ طَيْفُكِ مُقْبِلِ
غَرَامُكِ نَارٌ فِي الضُّلُوعِ تَوَهَّجَتْ
فَهَلْ تُنْصِفِينَ الْعَاشِقَ الْمُتَسَوِّلِ؟
أَمَا خِفْتِ أَنِّي فِي غَرَامِكِ مُبْتَلِي
وَأَنَّكِ صَيَّرْتِ الْفُؤَادَ الْمُعْتَلِي؟
غَرَسْتِ بِقَلْبِي وَرْدَةً فَتَفَتَّحَتْ
جِرَاحٌ بِهَا مَا عُدْتُ أَرْجُو مُقْفَلِ
كَتَمْتُ هَوَاكِ، فَخَانَنِي قَلْبِي الَّذِي
تَمَرَّدَ حَتَّى لَمْ يَعُدْ لِيَ مِقْوَلِ
أُخَاتِلُ شَوْقِي كُلَّ يَوْمٍ بِاكْتِئَابٍ
وَأَنْتِ لَهَبٌ كُلَّ حِينٍ مُشْعِلِ
رَضِيتُ بِعِشْقٍ لَا أَرَاهُ مُكَافِئًا
كَأَنِّيَ عَبْدٌ فِي هَوَاكِ مُرْسَلِ
أَمَا كَانَ يَكْفِيكِ الدُّمُوعُ بِأَهْدُبِي
فَكَيْفَ تُذِيقِينِي الْعَذَابَ الْمُرْسَلِ؟
هَجَرْتِ اللَّيَالِي ثُمَّ عُدْتِ كَأَنَّمَا
كَأَنَّكِ لَمْ تَصْغِي لِقَلْبِي الْمُثْقَلِ
تَرَفَّقْ بِقَلْبٍ لَا يُطِيقُ تَجَلُّدًا
وَلَا يَسْتَسِيغُ الصَّبْرَ إِنْ لَمْ تَسْأَلِ
زَرَعْتُكِ حُلْمًا فِي اللَّيَالِي سَاهِرًا
فَجِئْتِ كَطَيْفٍ لَا يُلَبِّي الْمَنْزِلِ
وَكَمْ قُلْتُ إِنِّي لَنْ أُحِبَّكِ ثَانِيَةً
فَعُدْتُ إِلَيْكِ كَسَجِينٍ مُكْبَلِ
إِذَا شِئْتِ هَجْرِي فَامْضِ دُونَ تَرَدُّدٍ
وَلَكِنْ دَعِي مَا كُنْتِ لِي لَا يَزْهَلِ
قَضَيْتُ اللَّيَالِي فِي هَوَاكِ مُعَذَّبًا
فَهَلْ فِيكِ شَيْءٌ لِلْهَوَى يُتَعَلَّلِ؟
لَئِنْ كُنْتِ تَدْرِي مَا بِقَلْبِيَ مِنْ جَوًى
لَمَا كُنْتِ تَغْدُو فِي هَوَاكِ وَتَرْحَلِ
أَنَا الصَّبُّ لَا أَرْضَى سِوَاكِ مُعَذَّبًا
فَهَلْ لِي سِوَاكِ؟ وَهَلْ لِقَلْبِيَ مَنْزِلِ؟
تَدَلَّيْتِ فَوْقَ الْجُرْحِ حَتَّى أَزْهَرَتْ
بَرَاكِينُ وَجْدٍ فِي فُؤَادِي الْمُقْبِلِ
تَذَكَّرْتُ وَعْدًا كُنْتِ فِيهِ مُخَلَّفًا
فَذَابَ الْحَنِينُ كَنَجْمِ صَيْفٍ آفِلِ
أَتَدْرِي بِأَنِّي كُنْتُ أَبْنِيَ مُهْجَتِي
عَلَى حُلْمِ حُبٍّ بَاتَ وَهْمًا مُهْمَلِ؟
إِذَا شِئْتِ قَتْلِي فَافْعَلِي مَا شِئْتِ بِي
فَقَلْبِي عَلَى دَرْبِ الْهَوَى لَمْ يَسْهَلِ
كَأَنَّكِ لَا تَدْرِينَ أَنِّي شَاعِرٌ
يَمُوتُ إِذَا مَا مُسَّ رِمْشُ الْمُقْتَلِ
وَكُنْتُ أَظُنُّ الْقَلْبَ لَا يَنْثَنِي إِذَا
عَشِقْتِ، وَلَكِنَّهُ كَخَوْفٍ مُرْتَجِلِ
فَيَا لَيْلَ قَافِي، كَيْفَ أَطْفَأْتَ وَقْدَةً
تَلَظَّتْ بِقَلْبِي وَالسُّهَادُ مُنَازِلِي؟
وَيَا نَغَمَ الْأَحْرُفِ الَّذِي فِي جَنَاحِهِ
يُحَلِّقُ وَجْدِي فَوْقَ كُلِّ جَبَاهِلِ
سَكَبْتُكَ دَمْعًا، ثُمَّ قَوَّلْتُ لَحْنَهُ
بِأَلْسِنَةِ الْأَفْلَاكِ، لَحْنَ الْمُرَدِّلِ
وَكُنْتُ إِذَا مَا الْخَطْبُ صَالَتْ سُيُوفُهُ
أَخِيذُ الْقَنَا وَالشِّعْرِ فِي كُلِّ مَنْزِلِ
فَأَمَّا الْهَوَى، فَالْحُبُّ زَادُ مُعَلَّقِي
وَإِنْ جُنَّ صَبْرِي، فَالْهُيَامُ مُعَذِّلِي
وَأَمَّا الْحَكَايَا، فَالْقَرِيحَةُ لَوْحَتِي
وَهَذِي الْبَوَادِي قِبْلَتِي، وَالْمَنْهَلِي
أَنَخْتُ رِكَابَ الشِّعْرِ فِي كُلِّ فَاتِنٍ
وَرَاوَدْتُهُ حَتَّى أَطَاعَ تَجَمُّلِي
وَخُضْتُ غَمَارَ الْمَجْدِ فِي كُلِّ قَافِيَةٍ
كَمَا يَخْتَرِقُ اللَّيْثُ الْهُيُوجَ الْمُزَلْزِلِ
فَهَذِهِ أَبْيَاتُهَا تَتَنَفَّسُ الْهُدَى
وَتَرْفُلُ فِي الدُّرِّ النَّفِيسِ الْمُفَصَّلِ
فَإِنْ قِيلَ: مَنْ نَاظِمُهَا؟ قُلْتُ: فَاتِنٌ
يُنَاجِي بِنَارِ الْبَيْنِ قَلْبَ الْمُغَفَّلِ
وَإِنْ قِيلَ: مَا هَذَا الْبَهَاءُ؟ فَقُلْ لَهُمْ:
تَجَلَّى سَنَا عَمَّارَ فِي كُلِّ مِقْوَلِ
135
قصيدة