عدد الابيات : 75
طباعةيَا رَبُّ إِنِّي وَقَفْتُ الْآنَ مُنْفَرِدَا
أَحْبُو إِلَيْكَ، وَخَوْفِي فِي دَمِي جَمَدَا
يَا رَبُّ هَذَا دَمِي، وَالدَّمْعُ مِئْذَنَتِي
قَدْ أَذَّنَتْ خَفْقَ قَلْبِي فَاسْتَجَابَ نِدَا
أَتَيْتُكَ الْيَوْمَ وَالْأَرْوَاحُ شَاهِدَةٌ
بِأَنَّنِي مَا طَلَبْتُ الْحُكْمَ أَوْ أَبَدَا
لَكِنَّنِي قَدْ وَهَبْتُ النَّفْسَ عَاشِقَةً
كَيْ لَا يُهَانَ عَلَى أَبْوَابِنَا أَحَدَا
هَبْنِي شَهِيدًا إِذَا الْأَرْوَاحُ قَدْ نَضَجَتْ
مِنْ شِدَّةِ النُّورِ، حَتَّى قَدْ سَمَا الْجَسَدَا
يَا رَبِّ، هَذَا فُؤَادِي فَوْقَ رَاحَتِهِمْ
مَنْ صَعِدُوا كَالنَّدَى، ثُمَّ ارْتَقَوْا مَدَدَا
لَا شَيْءَ يَعْدِلُ أَنْ تَلْقَى الْمَقَامَ عَلَى
سِجَادَةِ الضَّوْءِ فِي الْأَرْوَاحِ، مُتَّقِدَا
مَا أَكْرَمَ الدَّمَ إِنْ صَلَّى عَلَى وَطَنٍ
فَارْتَدَّ نُورًا، وَلَمْ يَرْجِعْ كَمَا بَدَدَا
قَدْ نَامَ تَحْتَ ثَرَاهُ الْكُوخُ وَالْقِمَمُ
لَكِنَّهُ وَحْدَهُ قَدْ أَشْرَقَ الْأَبَدَا
مَا كُنْتُ إِلَّا رَجَاءً ضَاعَ وَانْتَكَدَا
وَكُنْتَ أَنْتَ رَجَائِي حِينَمَا ابْتَعَدَا
قَدْ كُنْتَ فِي جَفْنَةِ الْأَيَّامِ أَنْجُمَهَا
وَأَنَا السِّرَاجُ الَّذِي مَا خَافَ أَنْ يَنْدَدَى
تَشَظَّتِ الرُّوحُ لَكِنِّي عَلَى ثِقَةٍ
أَنِّي إِذَا مُتُّ، مَا مُتُّ إِذَا شَهِدَا
وَأَنَّ فِي الْقَلْبِ سِرًّا لَا يُفَسِّرُهُ
إِلَّا الَّذِي فِي جِرَاحِ الْوَقْتِ قَدْ شَهِدَا
مَا جِئْتُ أَطْلُبُ شَيْئًا مِنْكَ غَيْرَ دَمِي
خُذْنِي وَخُذْ مَا تَشَاءُ الْآنَ، وَاتَّئِدَا
أَنَا الْحَقِيقَةُ فِي عَيْنَيْكَ مُنْطَفِئٌ
لَكِنْ تَعَمَّدْتُ أَنْ أَغْدُوَكَ مُتَّقِدَا
قَدْ كُنْتُ إِنْسَانَ هَذَا الدَّرْبِ مُذْ وُلِدَتْ
فِي دَاخِلِي أَلْفُ مَوْتٍ مَا انْجَلَى أَبَدَا
يَا مَنْ سَكَنْتَ حَنِينَ الْخَلْقِ أَجْمَعِهِمْ
كَأَنَّ فِي وَجَعِ الْمُشْتَاقِ مَا وُلِدَا
أَمْشِي عَلَى وَجَعِ التَّكْوِينِ مُبْتَهِلًا
كَأَنَّنِي صَرْخَةٌ فِي الصَّمْتِ قَدْ رَغِدَا
يَا رَبُّ إِنِّي ضَعِيفُ الْبَأْسِ، فَانْظُرْنِي
فَمَا اسْتَقَامَتْ عَلَى عَيْنَيَّ لِي سُدَدَا
أَمْشِي إِلَى اللَّهِ فِي مِحْرَابِ أَسْئِلَتِي
كَأَنَّنِي السِّرُّ لَمْ يُكْتَبْ وَلَمْ يُبْدَدَا
وَالشِّعْرُ مَا كَانَ حَرْفًا فِي دَفَاتِرِنَا
بَلْ كَانَ نَارًا عَلَى الْأَحْرَارِ إِنْ خَمَدَا
مَنْ ذَا يَرُدُّ يَدِي إِنْ قُلْتُ: يَا بَلَدِي
هَذِي يَدٌ فِي ثَرَاكَ الْآنَ قَدْ سُجِدَا
كُلُّ الَّذِي فِي دَمِي قِدَّاسُ مَلْحَمَةٍ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مَا أَتَيْتُ عَدَا
هَذِي الْبِقَاعُ دُمُوعِي إِنْ تَفَرَّقَنَا
وَالْأَرْضُ تَعْرِفُ مَنْ فِي الْحُبِّ قَدْ عَبَدَا
إِنِّي لَأَبْنِي عَلَى جُرْحِي كَرَامَتَنَا
وَأَكْسِرُ الصَّمْتَ كَيْ لَا تُكْسَرَ الْعُهَدَا
إِنَّا إِذَا حَانَ وَقْتُ الْحَزْمِ نُشْعِلُهُ
لَا نَرْتَضِي أَنْ نَرَى الْأَقْدَارَ مُنْحَدَدَا
عِشْنَا عَلَى جُرْحِنَا، فَالْحُرُّ إِنْ وَهَنَتْ
أَطْرَافُهُ، ظَلَّ فِي أَعْمَاقِهِ سَنَدَا
فَامْنَحْ حُرُوفِيَ إِنْ شِئْتَ الْحَيَاةَ لَهَا
أَوْ مُتْ بِهَا، فَالْحَيَاةُ الشِّعْرُ إِنْ وُجِدَا
وَاسْأَلْ قَصَائِدَنَا مَاذَا نَقُولُ بِهَا
تُجِيدُ مَا عَجَزَ التَّارِيخُ أَنْ يُبْدَدَا
أَنَا الْقَصِيدَةُ إِنْ شِئْتَ الْحَقِيقَةَ فِي
دَمِي أَنَا، لَا نِفَاقَ الْحَرْفِ إِنْ رَغِدَا
عَلَّمْتُ هَذَا الزَّمَانَ الْحُبَّ مِنْ قَلَمِي
فَالْحَرْفُ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِنْسَانَهُ جَحَدَا
وَكُنْتُ فِي شِقِّ هَذَا الْعُمْرِ مُنْطَفِئًا
حَتَّى كَتَبْتُ، فَصَارَ الْحَرْفُ مَا خَلَدَا
وَاللَّهِ مَا كَتَبَتْ كَفِّي سِوَى أَمَلٍ
يَأْتِي غَدًا لِيُفِيقَ الْأَرْضَ وَالْبَلَدَا
فَامْضِ، وَخَلِّ الْقَصَائِدَ لِلَّذِي حَمِلَا
مِنْهَا الشُّعُورَ، وَمِنْ أَعْمَاقِهِ زَهِدَا
إِنِّي كَتَبْتُكَ مِنْ قَلْبٍ تُنَازِعُهُ
رَغَبَاتُهُ، فَيَرَى فِي الطُّهْرِ يَتَّمَدَّدَا
إِنْ كُنْتَ تَبْحَثُ عَنْ نَجْمٍ فَكُنْ قَمَرِي
أَنَا الَّذِي مَا خَبَا نُورًا وَلَا خَمَدَا
هَذِي يَدَايَ، فَمَا خَبَّأْتُ أَنْفَاسِي
وَمَا كَتَبْتُكَ كَيْ أَحْيَا، وَلَا كَمَدَا
لَكِنْ كَتَبْتُكَ كَيْ يَعْلُوَ صَدَى كَلِمِي
وَيَبْعَثَ الرُّوحَ فِي الْمَصْلُوبِ إِنْ شَهِدَا
مَا ثَارَ شَعْبٌ كَأَبْنَاءِ الشَّآمِ إِذَا
ضَاقَ الْفَضَاءُ، وَنَامَ الصَّمْتُ أَوْ هَجَدَا
هُمْ أُمَّةٌ حِينَ تُبْنَى الْأَرْضُ مِنْ دَمِهِمْ
تُزْهِرُ السُّحْبُ مِنْ أَجْسَادِهِمْ خَلَدَا
شَامٌ عَلَى كَتِفِ التَّارِيخِ ضَاحِكَةٌ
كَأَنَّهَا الْمَجْدُ لَا تَبْغِي لَهُ سَنَدَا
فِي كُلِّ بَيْتٍ شَهِيدٌ كَانَ يَرْفَعُهُ
إِلَى السَّمَاءِ، وَيُهْدِي الْجُرْحَ وَالْوَلَدَا
مَا خَافَ نَارًا، وَلَا جُنْدًا، وَلَا سُجُنًا
وَلَا اسْتَكَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ إِنْ سَجَدَا
كَمْ أُمٍّ سُورِيَّةٍ نَاحَتْ عَلَى وَلَدٍ
لَكِنَّهَا أَنْجَبَتْ فِي الدَّمْعِ أَلْفَ فِدَى
وَأَيُّ طِفْلٍ عَلَى الْأَطْلَالِ قَدْ وَقَفَا
كَأَنَّهُ النُّورُ لَا يَرْضَى بِهِ أَحَدَا
تَكْسُوهُ نَارُ الدُّنَا، لَكِنْ فِي دَمِهِ
صَوْتُ الْجِهَادِ، وَنَبْضُ الْعِزِّ إِنْ شَهِدَا
لَوْ أَنَّ فِي الْأَرْضِ مَنْ يَعْزُو إِلَى قَدَرٍ
فَالسُّورِيُّونَ هُمُ الْقَدَرُ الَّذِي اتَّقَدَا
يَا شَامُ، يَا سَيِّدَةَ التَّارِيخِ يَا قَبَسًا
يَا مَنْ كَتَبْتِ عَلَى الطُّغْيَانِ مَا انْفَرَدَا
يَا مَنْ غَسَلْتِ بِمَاءِ الْحُزْنِ رَايَتَنَا
حَتَّى بَدَا لَوْنُهَا نُورًا، وَمَا رَغِدَا
يَا شَامُ، يَا أُمَّ مَنْ سَارُوا بِلَا مَدَدٍ
لَكِنَّهُمْ وَحْدَهُمْ فِي الْمَوْتِ قَدْ صَمَدَا
يَا مَنْ عَلَى الْجُرْحِ عَانَقْتِ الْأَنَاشِيدَ
حَتَّى سَمِعْنَا صَدَى الْأَرْوَاحِ وَالْعَدَدَا
مَا كُنْتِ إِلَّا نِدَاءَ اللَّهِ فِي زَمَنٍ
بَاتَ الْأَذَانُ بِهِ مَشْلُولًا أَوْ جَمَدَا
لَكِنَّ أَطْفَالَكِ السُّفْرَ الَّذِينَ غَدَوْا
جَمْرًا عَلَى الرَّمْلِ لَمْ يُطْفِئْهُمْ أَحَدَا
هَذَا الشَّهِيدُ الَّذِي فِي الْأَرْضِ قَدْ رَقَدَتْ
عَيْنَاهُ، قَامَتْ عَلَى خَدَّيْهِ آسِدَا
قَدْ قَالَ: "مِنْ أَجْلِ أَنْ تَحْيَا بِلَادِي أَنَا
أَمْضِي، وَأَتْرُكُ فِي عَيْنَيْكُمْ رَغَدَا"
وَمَا أَرَادَ مِنَ الدُّنْيَا سِوَى وَطَنٍ
حُرٍّ، يُصَلِّي بِهِ التَّارِيخُ، وَابْتَدَا
هَذِي الْمَقَابِرُ فِيهَا الشِّعْرُ يُنْشِدُنَا
وَفِي الدِّمَاءِ مَعَانِي الْعِزِّ قَدْ وُلِدَا
لَمْ يَكْتُبِ الْمَجْدُ إِلَّا مِنْ تَضْحِيَتِهِمْ
وَلَا ارْتَقَى عِلْمٌ إِلَّا بِمَا اسْتُشْهِدَا
أَخْلَاقُهُمْ رَايَةٌ، وَالْفَجْرُ مَوْعِدُهُمْ
وَالْعَدْلُ فِي كَفِّهِمْ قَدْ عَادَ مُرْتَعِدَا
فَاسْجُدْ لِرَبِّكَ إِنْ تَسْأَلْ عَنِ الْكِبَرِ
فَالْكِبْرُ أَنْ تَمْلِكَ الْأَرْوَاحَ وَالْيَدَدَا
أَنْ لَا تُفَرِّطَ فِي أَرْضٍ، وَلَا شَرَفٍ
وَأَنْ تُقَدِّمَ لِلْمَحْرُومِ مَا وُجِدَا
أَنْ تَسْتَقِيمَ عَلَى بُنْيَانِ أَخْلَاقٍ
تُرْضِي النَّبِيَّ، وَتُعْلِي السَّلْمَ إِنْ هُدِدَا
أَنْ لَا تُبَاعَ عَلَى الْأَعْتَابِ قَضِيَّتُنَا
وَأَنْ نُغَنِّيَ إِذَا اسْتُشْهِدْنَا مُوَطِّدَا
أَنْ لَا نُذَلَّ، وَلَا نَخْشَى مَنِ احْتَشَدُوا
فَالْحَقُّ أَقْوَى مِنَ الْأَحْقَادِ إِنْ حَسَدَا
وَأَنْ نَكُونَ إِذَا نَادَى النِّدَاءُ لَنَا
أُمَّةً تُجْزِلُ التَّارِيخَ مَا سَجَدَا
يَا أَيُّهَا الْحَرْفُ، كُنْ نَارًا إِذَا جَحَدَا
وَلَا تَمِلْ نَحْوَ ضَعْفٍ، إِنْ بَدَا الْجَلَدَا
إِنَّا حَمَلْنَا مِنَ التَّارِيخِ أَعْبَاءَهُ
وَسِرْنَا نَحُجُّ إِلَى الْمَبْدَإِ الْأَزْدَا
مِنْ نَسْلِ مَنْ قَدْ رَوَوُا الدُّنْيَا بِصَيْحَتِهِمْ
"هَيْهَاتَ مِنَّا" تُزَلْزِلُ كُلَّ مَنْ فَسَدَا
إِنَّا إِذَا مَا دَعَانَا الْمَوْتُ، نَبْتَسِمُ
كَأَنَّنَا نَبْتَغِي مِنْهُ الْعُلَا أَبَدَا
وَإِنْ سُئِلْنَا: أَتُعْطُونَ الْحَيَاةَ هُنَا؟
قُلْنَا: "لَنَا وَطَنٌ، أَمْسَى هُوَ الْمَرْفَدَا"
نَحْنُ الَّذِينَ إِذَا الْأَزْمَانُ قَدْ ذَبُلَتْ
كُنَّا لَهَا قَمَرًا يُحْيِي الَّذِي خَمَدَا
وَكُنَّا إِذَا قُتِلَتِ الْآمَالُ فِي وَطَنٍ
نَبْنِي الْأَمَانِيَ، وَلَا نَرْضَى لَهُ كَمَدَا
فَاخْتِمْ، وَلَا تُطْفِئِ الْأَشْعَارَ فِي شَفَتِي
دَعْهَا تُدَوِّي، فَإِنَّ الشِّعْرَ مَا نَفَدَا
مَا دَامَ فِي الْأَرْضِ حُرٌّ وَاحِدٌ بَقِيَ
فَالثَّوْرَةُ الْكُبْرَى مَا مَاتَتْ، وَمَا رَقَدَا
135
قصيدة