عدد الابيات : 21
وَلَوْلَا طَيْفُهَا بَيْنَ الْجُفُونِ مُقِيمُ
لَمَا عُشِّقَتْ أَرْضٌ وَلَا صَارَ دَارَا
تَخَيَّلْتُهَا فَجْرًا يُطِلُّ بِعِطْرِهِ
فَأَرْوَى صَدَى أَيَّامِيَ الْمُسْتَعَارَا
رَأَيْتُ بِهَا وَهْجَ الْجَمَالِ مُتَلَأْلِئًا
كَأَنَّ بِهَا فِي الْقَلْبِ نَارًا وَنَارَا
إِذَا بَسَمَتْ هَبَّ النَّسِيمُ مُبَشِّرًا
وَقَالَ الْهَوَى: "عَادَ صُبْحُ النَّهَارَا"
فَكَيْفَ أَنَامُ اللَّيْلَ دُونَ حِكَايَةٍ
تُبَلِّلُ فِي عَيْنَيَّ وَجْدِيَ سِرَارَا؟
وَمَا كَانَ قَلْبِي قَبْلَهَا غَيْرَ مُقْفِرٍ
فَأَزْهَرَ لَمَّا رَآهَا قَمَرًا سَهَارَا
تُنَاجِينِي الْأَيَّامُ حِينَ ذَكَرْتُهَا
فَأَحْيَا، وَكَأَنِّي غَفَرْتُ الْعِثَارَا
وَلِي فِي هَوَاهَا كُلُّ بَيْتٍ شَادَهُ
حَنِينِي، وَجَادَ الشِّعْرُ فِيهِ غِزَارَا
فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَعْرِفَ سِرِّي وَعِلَّتِي
فَفِي طَرْفِهَا سِرُّ الْحَنِينِ غِمَارَا
تُطِلُّ عَلَيَّ اللَّيْلَ مِثْلَ قَصِيدَةٍ
وَتُهْدِي لِلْأَرْوَاحِ سِحْرَ الْحِوَارَا
وَتَسْكُنُ فِي الْأَعْمَاقِ دُونَ تَرَدُّدٍ
وَتَصْقُلُ فِي وَجْدِيَ حُبًّا جِهَارَا
كَأَنِّي بِهَا رُوحِي، وَرُوحِي بِهَا
تُنَادِي بِالْأَشْوَاقِ عِشْقًا جَبَّارَا
أُحِبُّكِ يَا مَنْ كُنْتِ فَجْرَ مَشَاعِرِي
وَمِنْكِ اكْتَسَى دَرْبِي وَرْدًا وَأَزْهَارَا
تَسَلَّلْتِ كَالْحُلْمِ الْجَمِيلِ بِخَافِقِي
فَلَمْ يَبْقَ مِنِّي غَيْرُ شَوْقٍ تَبَارَى
أَيَا زَهْرَةً فَاحَتْ بِقَلْبِي عَبِيرُهَا
وَطَارَتْ خُيُوطُ الْبَوْحِ مِنْهَا نِثَارَا
دَعِينِي أُصَلِّي فِي هَوَاكِ تَأَمُّلًا
وَأَرْسُمَ فِي عَيْنَيْكِ دَرْبَ النَّهَارَا
إِذَا مَرَّ طَيْفُكِ فَاسْأَلِيهِ: أَمَا تَرَى
حَبِيبًا عَلَى الْأَوْجَاعِ صَاغَ انْتِظَارَا؟
أَنَا الْعَاشِقُ الْمَحْزُونُ، مَا عُدْتُ قَادِرًا
عَلَى كَتْمِ دَمْعِي حِينَ فَاضَ انْكِسَارَا
فَرِفْقًا، فَقَدْ ذَابَتْ حُرُوفِي لَوْعَةً
وَغَاصَ بِهَا صَدْرِي وَذَابَ انْبِهَارَا
أُحِبُّكِ، هَذَا الْقَوْلُ لَا يُسْتَعَارُ مِنْ
سِوَى صِدْقِ قَلْبٍ بِهِ أَرَاكِ دِيَارَا
148
قصيدة