عدد الابيات : 30
مَا لِلزَّمَانِ يُلْقِي ظِلَالَ جِنَايَةٍ؟
وَهَلِ السَّقِيمُ يُشْفَى إِنْ لَامَ الْجَسَدُ؟
وَكَيْفَ يُلَامُ الْقَلْبُ إِنْ خَانَ الْمُنَى؟
وَهَلْ فِي الْعِتَابِ لِمُحْتَرِقِكَ السَّدَدُ؟
أَأَرْثِي لِأَيَّامِي الَّتِي جَفَّتْ بِهَا
رُبَى الْحُبِّ، أَمْ لِلدَّهْرِ إِنْ يَتَمَرَّدُ؟
سَقَانِي الزَّمَانُ الْهَمَّ كَأْسًا مُرَّةً
وَفِي كُلِّ رَشْفَةٍ نَزْفُ وَجْدٍ يُعَقَّدُ
أَحْبَبْتُهَا… وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّنِي
بِعِشْقِ هَوَاهَا لِلْعَذَابِ مُقَيَّدُ
فَلَا النَّجْمُ يُرْثِي لِي، وَلَا الْبَدْرُ اشْتَكَى
وَلَا اللَّيْلُ، وَهُوَ السَّاكِنُ، الْمُتَوَجِّدُ
رَكَعْتُ لَهَا وَالشَّوْقُ طِينٌ فِي دَمِي
فَصَارَتْ صَلَاتِي، وَالدُّعَاءُ الْمُرَدَّدُ
كَأَنَّ فُؤَادِي فِي هَوَاهَا سَحَابَةٌ
تُبَلِّلُ صَحْرَاءَ الْغَرَامِ وَتُرْصِدُ
يُكَابِدُ أَنْفَاسِي، وَيَحْمِلُ آهَتِي
وَفِي صَدْرِهِ الْمَجْرُوحِ مَا لَا يُفَنَّدُ
وَيَا لَيْتَنِي مَا كُنْتُ يَوْمًا مُتَيَّمًا
وَلَا كَانَ لِي فِي دَرْبِهَا مَا يُقَيَّدُ
فَإِنْ هِيَ جَفَّتْ، فَالْحَنِينُ يُعَذِّبُ
وَإِنْ هِيَ مَالَتْ، فَالْغَرَامُ مُخَلَّدُ
تَنَسَّمْتُ مِنْ طِيبِ الْكَلَامِ مُعَاتِبًا
فَنَادَانِي الصَّمْتُ الْحَزِينُ: "تَجَلَّدُ"
تَمُرُّ عَلَيَّ الذِّكْرَيَاتُ وَ كَأَنَّهَا
نِصَالُ أَسَىً فِي الْقَلْبِ لَا تَتَبَدَّدُ
وَفِي كُلِّ زَاوِيَةٍ تَمُرُّ بِرَعْشَةٍ
هَمُوسُ هَوَاهَا، وَالْحَنِينُ الْمُرَدَّدُ
تَغِيبُ، وَلَكِنِّي أَرَاهَا وَ كَأَنَّهَا
صَلَاةُ مُحِبٍّ فِي الْفُؤَادِ تُجَدَّدُ
وَلَوْ أَنَّ شِعْرِي يَسْتَفِيضُ بِحُزْنِهِ
لَخَطَّ الدَّوَاوِينَ الَّتِي لَا تُحَدَّدُ
وَيَا قَلْبُ صُبْرًا، فَالْهَوَى مُسْتَبِدٌّ
إِذَا رَامَ قَتْلَاكَ، فَلَا يَعْدُ يَتَرَدَّدُ
كَأَنَّكَ مِنْ نَارِ التَّعَلُّقِ شَمْعَةٌ
يُذِيبُكَ سِرُّ الْحُبِّ حَتَّى تُبَدَّدُ
فَدَعْهَا، فَإِنْ لَمْ تَبْكِ شَوْقَكَ مَرَّةً
فَقَدْ خَانَ طُهْرَ الْعَاشِقِينَ التَّجَلُّدُ
وَإِنْ عُدْتَ عَنْهَا بِالْهَوَى مُسْتَكِينًا
فَلَا أَنْتَ تُنْسَى، لَا، وَلَا هِيَ تُفْتَدُ
فَلَا تُكْثِرِ الشَّكْوَى إِذَا اللَّيْلُ اظْلَمَّا
فَمَا كُلُّ دَمْعٍ فِي الْمَآقِي يُرْصَدُ
وَمَا كُلُّ حُبٍّ يَسْتَوِي فِي مِدَادِهِ
فَمِنْهُ عَلِيقٌ، وَالْمُعَلَّقُ عَسْجَدُ
أَنَا الْمُبْتَلَى بِالْحُسْنِ مُذْ لَمَحَتْ دَمِي
عُيُونٌ، بِهَا وَعْدُ الْجَحِيمِ يُجَدَّدُ
سَلِي الْوَجْدَ عَنِّي، وَالْحَنِينَ، وَحُرْقَتِي
وَسُهْدَ اللَّيَالِي، وَالضَّمِيرَ الْمُقَيَّدُ
تَجَسَّدْتِ فِيَّ الشِّعْرَ، أَنْتِ قَصِيدَتِي
وَإِنْ خَطَّنِي غَيْرِي، فَأَنْتِ الْمُقْصَدُ
سَأَبْقَى وَإِنْ طَالَ الْجَفَاءُ مُتَيَّمًا
كَأَنِّي عَلَى حَبْلِ التَّمَنِّي مُعَقَّدُ
وَإِنْ خَيَّمَتْ فِي الْقَلْبِ ذِكْرَاكِ لَحْظَةً
فَإِنَّ جُنُونِي فِي الْهَوَى لَا يُحَدَّدُ
خُذِي كُلَّ نَبْضِي، وَامْسَحِي كُلَّ دَمْعَتِي
فَمَا عَادَ لِي غَيْرُ الْحَنِينِ الْمُسَوَّدُ
وَإِنْ سَأَلُونِي: هَلْ تُحِبُّ؟ فَقُلْ لَهُمْ:
أَنَا الْعَاشِقُ الْمَطْرُودُ، وَالْمُتَعَبَّدُ
أَنَا ذَلِكَ الْإِنْسَانُ، فِيكِ جِرَاحُهُ
وَفِيكِ دَوَاهُ، وَالرَّجَاءُ الْمُوَحَّدُ
148
قصيدة