عدد الابيات : 53
بَغْدَادُ يَا مَجْدَ الزَّمَانِ الْأَرْحَبِ
وَيَا دُرَّةَ الْأُمَمِ الَّتِي لَمْ تَغْرُبِ
يَا حَاضِرَ التَّارِيخِ، يَا أَرْضَ الْهُدَى
وَيَا مَأْمَنَ الْعُرْبِ الْعِظَامِ الْمُنْجِبِ
نُقِشَتْ عَلَى صَخْرِ الْبَيَانِ عُرُوقُهَا
وَتَجَسَّدَتْ أُسْطُورَةً فِي الْكُتُبِ
يَا دَارَ مَجْدٍ فِي الْعُلَا تَتَأَهَّبُ
بَغْدَادُ، نُورٌ فِي الدُّنَا مُتَلَهِّبِ
مِنْ كُلِّ فَتْحٍ فِي الزَّمَانِ مُجَدَّدٍ
لَكِ الْفَخَارُ عَلَى الْوَرَى مُتَصَبِّبِ
يَوْمَ الْفُرَاتِ يُحِيطُهَا وَيُعَانِقُ
ظِلَّ النَّخِيلِ وَمَاؤُهُ الْمُتَسَرِّبِ
بَنُو الْعَبَاءِ حَلُّوا رُبُوعَكِ مَجْدَهُمْ
زَادَ الزَّمَانَ، وَأُفْقُهُمْ مُتَقَلِّبِي
الْفَتْحُ أَوَّلُهَا، وَنُورُ شِرْعَتِهِ
أَشْرَقَ يُهْدِي بِالْهُدَى مَنْ مُؤَنَّبِ
أُمَيَّةُ مَرُّوا بِالرَّوْضِ بِنَهْجٍ خَالِدٍ
جَادُوا بِعِلْمٍ لِلْعُلَا لَا يُنْكَبِ
ثُمَّ الْعَبَّاسِيُّونَ شَادُوا حَضَارَةً
أَعْجَزَتِ الْأَلْبَابَ، ذِكْرُكِ مُطْرِبِ
دَارُ الْخِلَافَةِ كُنْتِ، مَجْدُكِ خَالِدٌ
مَاضٍ كَضَوْءِ الْفَجْرِ، دَهْرٌ مُعْجَبِ
فِيهَا الرَّشِيدُ يُحْيِي لَيَالِيَ عِزِّهَا
بَدْرُ الدُّجَى مِنْ فَضْلِهِ مُتَخَصِّبِ
دَارُ السَّلَامِ، وَكُلُّ سِلْمٍ فِي الْمَدَى
يُبْنَى أَمْجَادَ أَرْكَانِهَا وَمُهَذَّبِ
شِعْرُ الْمُعَلَّقَاتِ فِيكِ يُنَظَّمُ
وَكَأَنَّهُ طَوْدٌ شُمُوخًا مُعَصَّبِ
يَوْمَ التَّتَارِ غَزَاكِ قَهْرٌ حَالِكٌ
لَكِنْ شُمُوخُكِ كَالْجِبَالِ لَا يُخْضَبِ
كُنْتِ الصَّبُورَةَ رَغْمَ نَارٍ أُضْرِمَتْ
دَمْعًا يَفِيضُ، وَصَبْرُكِ الْمُتَرَنِّبِ
دَهْرٌ يُعِيدُكِ لِلْحَيَاةِ شَامِخَةً
بَغْدَادُ، فِيكِ الْعِزُّ يُشْرِقُ مُخْصَبِ
جُرْحٌ تَعَافَى رَغْمَ كُلِّ كَرِيهَةٍ
وَسُقْيَا الْفُرَاتِ تُعِيدُ مَا يُسْتَعْصَبِ
عِلْمٌ وَعَزْمٌ، وَالْأَئِمَّةُ فِي الْمَدَى
نَبْعٌ مِنَ الْإِلْهَامِ لَا يَتَقَطَّبِ
مِنْ كُلِّ فَنٍّ فِي الزَّمَانِ رِسَالَةٌ
أَلْقَاكِ لِلْعَالَمِ الْجَلِيلِ مَطْلَبِ
قُصُورُكِ الْبِيضُ الَّتِي قَدْ شُيِّدَتْ
زُهْرٌ يُضِيءُ الْعُمْرَ حِينَ يُقَلَّبِ
بَغْدَادُ يَا عَرْشَ الْخِلَافَةِ وَالتُّقَى
وَمَدَارَةَ الْأَحْرَارِ، مَنْ مُتَغَرِّبِ
فِي كُلِّ زُقَاقٍ ذِكْرَيَاتٌ خَالِدَةٌ
كَشَمْسٍ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ مُصَبَّبِ
زُهُوَّ الْحَضَارَةِ كُلُّ حَرْفٍ شَاهِدٌ
فِيكِ الْمَعَانِي كَالثُّرَيَّا مُنْسَبِ
بَغْدَادُ فِيكِ السُّومَرِيُّ مُجَدَّدٌ
وَالْبَابِلِيُّ يُحْيَا، وَذِكْرُكِ مُعْذَبِ
كُتُبُ الْمَعَارِفِ فِي مَدَائِنِكِ الَّتِي
كَالْبَحْرِ يُلْقَى مِنْ شُطُوطٍ مُجْذِبِ
بَغْدَادُ يَا دَارَ الْجَلَالِ وَمَوْطِنًا
لِلْحِلْمِ يُهْدِي وَالْفَضَائِلُ مَكَاتِبِ
كُنْتِ الْفُرَاتَ، وَكُلُّ دِجْلَةَ شَاهِدٌ
أَنِّي بِحُبِّكِ أَبْتَغِي وِصَالَكِ وَمُتَرَّبِ
شِعْرُ الْفُؤَادِ لِمَدْحِكِ لَا يَنْتَهِي
بَغْدَادُ يَا دُرَّ الزَّمَانِ الْمَهَايِبِ
كُلُّ احْتِلَالٍ قَدْ مَرَرْتِ بِجُرْحِهِ
وَأَتَى الشُّمُوخُ يُنَقِّبُ وَمُغْلِبِ
بَغْدَادُ فِيكِ الْكَرَمُ أَصْلُ رِوَايَةٍ
وَقَصَائِدٌ تُهْدَى وَأَمَلٌ مُرَتَّبِ
أُمُّ الْعُلُومِ، وَمَوْطِنُ الْفِكْرِ الَّذِي
يُهْدِي الْمَدَى مِنْ نُورِهِ الْمُتَرَقِّبِ
بَغْدَادُ شَعْبُكِ كَالنُّسُورِ شُمُوخُهُ
لَا يُنْكَسَرُ فِي نَازِلَاتٍ مُلَاهِبِ
فِي كُلِّ عَصْرٍ مِثْلَ شَمْسٍ صَاعِدَةٍ
بَغْدَادُ تُشْرِقُ فِي الْمَدَى وَمُلْهِبِ
قَوْمِي الْأُلَى حَمَلُوا السُّيُوفَ عَزِيمَةً
وَالْمَجْدُ مِنْهُمْ شَامِخٌ لَا يُصْعَبِ
بَغْدَادُ دَارُ الْفَخْرِ كُنْتِ وَمَا زِلْتِ
فِي كُلِّ قَلْبٍ أَنْتِ حُبٌّ مُلْتَهِبِ
نُصْرَتُكِ بِالْعِلْمِ الَّذِي لَا يَنْطَفِي
كَالْبَدْرِ يُضِيءُ كُلَّ فَجْرٍ مُسْهِبِ
بَغْدَادُ يَا أُمَّ الْجَلَالِ وَحُضْنِنَا
كَالْغَيْمِ تُغْدِقُ، وَالْمَكَارِمُ مكْاسِبِ
يَا لَيْتَ عَيْنَ الدَّهْرِ تَبْقَى شَاهِدًا
عَلَى الْمُفَاخِرِ وَالْخُلُودِ الْمُنْتَدَبِ
كُلُّ احْتِلَالٍ نَالَ مِنْكِ عَزِيمَةً
بَغْدَادُ، عَزْمُكِ بِالصَّمُودِ مُهِيبِ
أَنْتِ الْحَيَاةُ، وَكُلُّ مَنْ بِكِ شَامِخٌ
مِنْ طِيبِ أَرْوَاحِ الزَّمَانِ مُعْرَبِ
قَوْمِي الْأُلَى سَارُوا بِدَرْبِ فَضَائِلٍ
كَالطَّوْدِ يَبْقَى عَزْمُهُمْ لَا يُنْكَبِ
بَغْدَادُ فِيكِ الْأَوْفِيَاءُ، وَشَعْبُكِ
عَهْدٌ مِنَ الْأَحْرَارِ عِزٌّ مُرَتَّبِ
فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ نُقُوشُ مَجْدِّكِ
كَالشَّمْسِ فِي أُفْقِ الْحَيَاةِ مُثَبَّبِ
بَغْدَادُ يَا دَرْبَ الْكَرَامَةِ وَالْفِدَا
أَبْطَالُكِ الْغُرُّ الْكِرَامُ مُترَحِّبِ
شِعْرٌ يَلِيقُ بِجُرْحِكِ وَبِمَجْدِكِ
بَغْدَادُ يَا دَارَ الْفَخَارِ الْمُسْتَلَبِ
فِي كُلِّ عَصْرٍ أَنْتِ تُهْدِينَ الْأُلَى
مَجْدًا وَتَبْنِينَ الْحَيَاةَ وَتُعْجِبي
كُنْتِ الْجَلَالَ وَمَوْطِنًا لِلثَّائِرِينَ
بَغْدَادُ أَنْتِ الْمَجْدُ دَوْمًا وَاجِبي
لَا زِلْتِ تَحْمِلِينَ عِطْرًا خَالِدًا
فِي كُلِّ قَلْبٍ أَنْتِ أُمٌّ تُؤَنَّبي
يَا قِبْلَةَ الْأَحْبَابِ أَنْتِ حَضَارَةٌ
بَغْدَادُ فِيكِ الْكَرَمُ طَبْعٌ مُغْلَبِ
شِعْرٌ يَلِيقُ بِكُلِّ حَرْفٍ مُشْرِقٍ
بَغْدَادُ، ذِكْرَاكِ الْمُهِيبُ مُطْرِبِ
بَغْدَادُ يَا أُمَّ الْمَعَانِي وَالْهَوَى
فِي كُلِّ شَطْرٍ أَنْتِ حُبٌّ مُطْرِبِ
خَتَمْتُ شِعْرِي بِالْمَدِيحِ وَأَنْتِ فِي
بَغْدَادَ دَوْمًا بِالْمَفَاخِرِ مُخْصَبِ
148
قصيدة