الديوان » عمار شاهر قرنفل - الرحال » مُعَلَّقَةُ المَجدِ الضَّائِعِ

عدد الابيات : 88

طباعة

قِفَا نَرثِ مَجدًا ضَاعَ بَينَ التَّجَمُّلِ

وَبَينَ عُرَاءِ الصِّدقِ فِي زَمَنِ الخَملِ

بِمَسرَحِ حُلمٍ كَانَ يَرقُدُ فِي الدُّجَى

فَأَيقَظَهُ سَعيُ الرِّيَاحِ المُوَصَّلِ

تَمَشَّى بِهِ وَجدٌ كَأَنَّ جُنُونَهُ

يُقَصقِصُ مِن أَحشَائِنَا كُلَّ مِقتَلِ

فَيَا لَيتَ مَا ضَاعَت مَعَ الدَّهرِ عِزَّةٌ

تَعُودُ بِفَجرٍ لَا يُمارِي بِمَغلَلِ

وَيَا لَيتَ دَهرِي قَد رَأَيتُ فُصُولَهُ

كَمِثلِ لِقَاءِ الوَجدِ فِي صَبوَةِ المُقبِلِ

فَيَا دَارُ، لَا رِكزٌ بِكِ اليَومَ يُؤنِسُ

وَلَا وَحشُ صَحرَاكِ يُلَبِّي التَّمَثُّلِ

كَأَنَّكِ طَيفٌ قَد تَسَربَلَ بِالأَسَى

وَنَامَ عَلَى حُلمٍ تَحَلَّى بِمُزمِلِ

وَقَد كُنتُ أَرجُو فِي رُبَاكِ بَقَاءَنَا

فَسَاقَتنَا الأَيَّامُ نَحوَ المُزَحلَلِ

أُسَائِلُ أَطلَالَ الزَّمَانِ بِعَبرَةٍ

فَهَل فِي بَقَايَاهُ نَشِيدٌ لِمُرسَلِ؟

تَنَازَعَنِي ذِكرَاكِ نَفسٌ هَوَامِدٌ

تَفِيضُ عَلَى أَيَّامِنَا كَالزَّنَازِلِ

قِفَا نَبكِ يَا صَاحِيَّ مِن رَسمِ مَفزَعِ

تَقَوَّضَ فِيهِ الحُبُّ كَالهَيمِ الأَجدَلِ

فَأَيكَةُ ذِكرَانَا بِهَا الطَّلْلُ مَاثِلٌ

تَنُوشُهُ أَنسَامُ شَرقٍ وَمُقبِلِ

تُشَاهِدُ آثَارَ الظِّبَاءِ كَأَنَّهَا

نُثَارُ دُرُوعٍ فِي ثَرًى مُتَنَاثِلِ

وَكُنتُ كَمَن يَنقُبْ جُرُوحَ فُرَاقِهِ

بِمِعوَلِ صَبٍّ فِي غُصُونِ المُرسَلِ

فَأَوقَفَنِي صَحبِي وَقَد هَمَّ رَحلُهُم

وَقَالُوا: تَجَمَّلْ، لَا تَكُنْ بِمُتَذَلِّلِ

فَقُلتُ: دَوَائِي دَمعُ عَينٍ مُتَيَّمٍ

يُسَائِلُ طَلْلًا فِي المَفَاوِزِ مُقفِلِ

كَمَا كُنتَ تَبكِي أُمَّ رَوضٍ سَبَقتَهَا

وَجَارَةَ حُسنٍ فِي المَعَابِرِ مُمتَلِ

فَإِن هَبَّتَا، خَالَ الزَّمَانُ بِطِيبِهِ

نَفِيحَ عَبِيرٍ مِن جَنَاحَينِ مُرسَلِ

فَسَالَت مَدَامِعُهُ عَلَى الجَيبِ لَوعَةً

كَأَنَّ اِنهِمَالَ الغَيمِ فَوقَ المُنزَلِ

أَيَا لَيتَ أَيَّامَ الهَنَاءِ تُعَادُ لِي

بِدَارَةِ خُصبٍ فِي كَنَافِ المُرَملِ

وَيَومٌ نَحَرتُ الوَجدَ حَتَّى تَضَوَّعَت

مَدَامِعُ عَينِي فِي السُّرَاةِ المُخَيَّلِ

فَخُضنَ جَنَانَ الوَجدِ يَحطِبنَ خَافِقِي

كَنَفْضِ قَصِيبٍ فِي الدُّجَى المُتَهَدِّلِ

وَيَومٌ سَرَيْنَا فِي جُنَاحِ تَكَتُّمٍ

فَنَادَت: أَتُرجِي وَهجَ نَارِي المِشعَلِ؟

تَقُولُ: أَمَا تَخشَى الطَّرِيقَ وَزَخَّةً

مِنَ الشَّوقِ تَُرعِي كُلَّ رَكبٍ مُعَوِّلِ؟

فَقُلتُ: دَعِي الرَّكبَ، اِنثَنِي وَتَفَتَّحِي

فَقَد حَانَ مِيقَاتُ الهَوَى المُتَهَيِّلِ

وَزُرتُ غَوَانِيَ فِي ذُرَى البَيتِ خِلسَةً

تُنَاغِي صَغِيرًا بِي وَتَنسَى المِقمَلِ

وَإِن صَاحَ مُهدٌ مِن وَرَائِكَ هَاجَهَا

بِطَرفٍ، وَمَا تَزحَزَحَت لِيَ مَحلَلِي

وَيَومٌ عَلَى صَهوَاتِ رَملٍ تَلَاثَمَت

عُيُونُ التَّجَنِّي فِي سُكُونٍ مُخَيِّلِ

أَسَارَةُ، رِفقًا فِي التَّجَنِّي، فَإِنَّنِي

أَجُودُ كَرَغمِ الجُرحِ لِلمُتَسَهِّلِ

فَإِن خَالَفَتْنِي فِي سُجُومِي خَلِيقَةٌ

فَنَحِّي رِدَاءَ الوُدِّ عَنِّي وَاِرتَحِلِي

أَغَرَّكِ أَنِّي كُلَّمَا نُدِبَ الهَوَى

أُجِيبُكَ مِن عُمقِ الجَوَانِحِ مُقبِلِ؟

دُمُوعُكِ خَدعٌ، إِن بَكَتْ فَكَأَنَّهَا

سِهَامُ مَنَايَا تَستَبِي قَلبَ مُقتَتِلِ

وَيَانِعَةٍ مِثلَ السَّحَابِ تَفَتَّحَت

دُخُولِي إِلَيهَا فَوقَ وَصفِ المُخَيِّلِ

تَسَلَّلتُ كَالسِّرِّ المُبَاحِ بِوَسْطِهِم

وَخَلفِي عُيُونٌ، وَالهَوَى لَم يُمَلِّلِ

وَإِن لَاحَ وَجهُ اللَّيلِ فِي شَعرِهَا دُجَى

فَقَد لَاحَ صُبحِي فِي خِصَالِ المُجَمَّلِ

فَدَارَتْ كَمَا تَدُورُ شَمسٌ تَأَوَّدَتْ

وَعَانَقَهَا نُورُ الغَوَايَةِ الأَوَّلِ

فَقَالَتْ: أَلَا تَتُوبُ؟ قُلتُ: لَو تَعلَمِينَ

مَا بِقَلبِي لَعُذتِ بِكَيدِي المُسَلسَلِ

خَرَجنَا كَنَجمَينِ اِغتَفَيَا فِي سَحَابَةٍ

وَذَيلُ الرَّجَاءِ عَلَى الدُّجَى مُتَنَقَّلِ

وَحِينَ اِجتَوَيْنَا خَافِيَاتِ سَكَائِنٍ

تَنَاثَرَ مِنها الشَّوقُ فِي كُلِّ أُميَّلِ

فَأَمسَتْ كَسَعفِ النَّخلِ يَرتَجُّ خَصرُهَا

عَلَيَّ، وَفِي عَينَيَّ سِرُّ المُنَزَّلِ

إِذَا أَقبَلَتْ نَاحَت عَبِيرًا جَبِينُهَا

كَأَنَّ نَسِيمَ الشَّوقِ نَبضُ الأَندُلِ

رَقِيقَةُ خَدٍّ فِي الحَيَاءِ كَمَائِسٍ

تُجَلْجِلُ فِي صَدرِ اللُّجَينِ المُنصَلِ

كَأَنَّ بِهَا رُوحَ الجَمَالِ مُخَلَّقًا

مِنَ السُّندُسِ الغَضِّ النَّدِيِّ المُخَمَّلِ

تُوَارِي اِشتِيَاقِي حِينَ تَلقَانِي وَفِي

عُيُونِهَا خَوفٌ مِنَ اللَّومِ مُبتَهِلِ

تُقِيمُ عُنُقَ الحُسنِ فَوقَ تَفَتُّنٍ

كَقَامَةِ رَوضٍ فِي النَّدَى المُتَهَلِّلِ

كَأَنَّ اللَّيَالِي نَازَلَتْ فَوقَ جِيدِهَا

فَغَابَ النَّهَارُ بِالظَّلِيلِ المُنسَدِلِ

تُخَالِطُهَا نَفحَاتُ زَعفَرَانَ مُسكِرٍ

يُضِلُّ بِهَا العُقَّالُ فِي المُتَجَمِّلِ

وَخَصرٍ كَمَا يَهوِي السَّرَابُ بِمُقلَةٍ

وَسَاقٍ كَنَسغِ النَّبعِ فِي المُتَسَلسِلِ

وَتَرقُدُ كَالفَجرِ الرَّقِيقِ نُعَاسُهُ

وَيَنفُحُهَا عِطرٌ كَنَفحِ المُنَدَّلِ

تَنَاوُلُنِي كَفٌّ كَنَبتِ رَبِيعِهَا

رَقِيقَةُ لَم تُؤذِ بِخَشنٍ وَمُرمِلِ

تَلُوحُ كَبَرقِ الغَيهَبِ فِي وَجهِ دَامِسٍ

وَيُشرِقُ مِنها النُّورُ كَالبَدرِ المُكمِلِ

تُذِلُّ الحَكِيمَ الرَّاسِخَ العَقلِ إِن هَفَتْ

خُطَاهُ وَمَالَ القَلبُ نَحوَ المُتَيَّمِلِ

تَفَانَى صِبَايَا القَومِ فِي اللَّعِبِ وَالهَوَى

وَظَلَّ هَوَاكِ اللَّدْنُ فِي الصَّدرِ مُنفَعِلِ

وَكَم نَصَحُونِي فِي هَوَاكِ فَكُنتُ

لَا أُبَالِي مَلَامًا أَو عَذُولًا مُفَندِلِ

سَرَى فَوقَ أَجفَانِي كَظِلٍّ مِنَ الجَوَى

وَأَثقَلَ نَفسِي بِالضُّلُوعِ المُقَلقِلِ

أَيَا لَيلُ، رِفقًا بِالذُّهُولِ فَإِنَّنِي

ضَعِيفُ السُّرَى فِي الهَاجِسِ المُتَنَقِّلِ

أَضَاءَ الصَّبَاحُ وَالجُرُوحُ كَمَا هِيَ

فَمَا نَفَعَ الإِشرَاقُ قَلبًا مُثَقَّلِ

تَغَنَّتْ نُجُومُ اللَّيلِ فِي سِرِّ سَهدِهَا

كَأَنَّ مَشَاعِلَهَا بِيَذبُلَ تَرتَحِلِ

تَدَلَّتْ كَزِينَةِ حُسنِهَا فِي سَمَائِنَا

كَعَقدٍ عَلَى صَدرِ السَّحَابِ المُطَلسَلِ

أُغَالِبُ صُبحًا فِي السُّرَى وَعُيُونُهُ

تَلُوحُ كَنَجمٍ فِي الدُّجَى غَيرِ مُخمَلِ

يُغَيِّرُ وَجهَ الأَرضِ فِي كُلِّ قَفزَةٍ

كَمَنزَلِ رَعدٍ فِي السَّمَاءِ المُقَبِّلِ

يُجَافِي الهَوَادِيَ عَن جَنَاحَيهِ هِمَّةً

كَزَلَّةِ نَجمٍ فَوقَ رَحبِ المَجدَلِ

فَسِيحٍ كَنَفحِ الرِّيحِ، إِن شَدَّ سَيرُهُ

أَثَارَ غُبَارَ العِزِّ فِي كُلِّ مَنزِلِ

يَغِيمُ عَلَيهِ الصَّدرُ مِن فَورِ نَخوَةٍ

كَقِدرٍ تَفُورُ بِالهَوَاجِسِ مُتشَعِلِ

تَنَازَعَهُ الخُفَّافُ وَهُوَ جَودُ صَرِيحِهِم

فَيَجزَعُ مَن ضَعُفَتْ يَدَاهُ وَمُفصَلِ

كَأَنَّهُ طِفلُ الهَوَى فِي كَفِّ لَاعِبٍ

يُدِيرُهُ فِي الدَّهرِ رَميًا وَمُفتَتِلِ

تَنَازَعَ فِيهِ الخَلقُ مِن صُنعِ خَالِقٍ

فَجَمَّلَهُ كُلُّ البَهَاءِ المُكَمَّلِ

تَثَنَّى كَزُفرُدِهِ يَلُوحُ بِعِزَّةٍ

وَيَصقُلُهُ السَّيرُ المُجَلِّي المُعَجِّلِ

كَمَا يَسهَرُ العُشَّاقُ فِي جَفنِ هِمَّةٍ

يُقِيمُونَ صَبرًا لَا يُمَلُّ وَيُبذَلِ

وَبَانَتْ كَغَيمِ الحُسنِ يُدنِي خَيَالَهُ

خُطَى الحَسرَةِ العُذرَاءِ بِالمَوكِبِ المُقبِلِ

فَجَاءَتْ كَقِطعِ النَّورِ يَنفَضُّ نَسجُهُ

عَلَى جِيدِ مِثلِ البَدرِ فِي اللَّيلِ الأَوحَلِ

فَأَدرَكَهُنَّ السَّبْقُ وَالخَيلُ جَامِحٌ

يَخُوضُ بِأَروَاحِ الحَيَاةِ وَلَا يَكِلِ

فَصَاحَتْ مَضَارِبُهُ كَنَفخِ مَذَابَةٍ

تَسِيلُ وَلَم يَبقَ السُّرَاةُ لِمُرسَلِ

وَسَالَ دُهنُ الطِّيبِ فِي جَمرِ قِدرِهِم

كَأَنَّهُ عِطرٌ فِي مَجَالِسِ مُقبِلِ

كَأَنَّهُ لَم يَسهُ وَلَا رَقَّتْ جُفُونُهُ

فَمَا اِستَرَاحَ وَلَا أَجَابَ لِمُنَّقِلِ

تَنَاثَرَتِ الأَلوَانُ فِيهِ كَأَنَّهَا

وُجُوهُ لَيَالٍ فِي سَنَى الفَجرِ مُقبِلِ

فَكَانَ رِدَافُ الأَرضِ مِنهُ مَصِيدَةً

وَيَغلِقُ مَفرَاهَا كَجَأْشِ المُقَاتِلِ

أَمِ الوَهجُ فِي نَحرِ الرِّيَاحِ تَخَيُّلٌ

كَسَرجِ اللَّيَالِي فِي الدُّجَى المُتَهَلِّلِ

تَأَلَّقَ فِي ظُلمَاءِ كَهفٍ كَنُورِهِم

إِذَا اِنبَعَثُوا لِلدَّهرِ وَهوَ مُثَقَّلِ

فَبَاتَ الدُّجَى يَسقِي الرُّؤَى مِن جُمُوعِنَا

وَنَجمُ التَّوَقُّدِ فِي الجَبِينِ المُقَبِّلِ

وَسَالَتْ سَحَائِبُهُ كَحُزنٍ مُفَاجِئٍ

يُقَبِّلُ أَجفَانَ الثَّرَى فِي تَمَهُّلِ

فَأَمسَتْ كَأَسطُرِ مَاضٍ تَنَاثَرَ حَرفُهُ

وَضَاعَتْ مَعَ الرِّيحِ الهَوَادِجُ وَالرُّسلِ

تَدَافَعَ فِي أَفقِ الهُطُولِ كَخَيطِهِ

إِذَا دَارَ فِي كَفِّ المَنَايَا المُجَلْجَلِ

يَلُفُّ جِبَاهَ الصَّخرِ فِي مِعطَفِ الصَّبَا

كَمِسكٍ يُغَطِّي طَيفَ قَافٍ مُبَجَّلِ

وَأَلقَى كَمَن فَاضَتْ عَلَيهِ مَآقِيهِ

فَخَلَّفَ بَينَ الرَّملِ دَمعَ المُرَحَّلِ

تَنَاثَرَ وَجهُ الأَرضِ مِن صَرعَاهُنَّ كَأَنَّهُ

مَضَاجِعُ خَوفٍ فِي سُيُوفٍ وَمَحْلَّلِ

تَمَزَّقَ فِي الأَفقَينِ مَطرٌ مُبَاحُهُ

فَمِنهُ سَنَا، وَمِنَ الطُّلُولِ تُسَائِلي

فَغَاصَتْ بِهِ السَّفحَانِ حَتَّى تَنَزَّهَتْ

ظُلُومُ الدُّجَى وَاِفتَرَّ وَجهُ المُنَزَّلِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

عمار شاهر قرنفل - الرحال

186

قصيدة

عمار شاهر قرنفل، كاتب وشاعر ومدوّن، يحمل دبلومًا في القانون الدولي من كلية الحقوق بجامعة حلب. وُلد في سلقين في 31 مارس 1972، فكان للحروف فيه ميلاد آخر. عاشق للشعر، رحّال بين الكلمات والمعاني،

المزيد عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

أضف شرح او معلومة