عدد الابيات : 30
رَضِيتُ بِمَا تُهْدِي اللَّيَالِي تَكَرُّمًا
وَمَنْ يَدْفَعُ الْأَقْدَارَ إِذْ جَاءَ وَعْدُهَا؟
أُجَالِدُ فِي الدُّنْيَا صُرُوفًا كَأَنَّمَا
أُقَاتِلُ ظِلًّا كَيْ أُجَنِّبَ جُنْدَهَا
أُحَاوِلُ وَصْلًا لَا يَمُدُّ لِيَ الْهَوَى
يَدًا، وَصُدُودُ الْحُبِّ أَضْنَى جُلُودَهَا
وَكَمْ جِئْتُ أَبْغِي فِي الْمَوَدَّةِ وَاحِدًا
فَأَلْفَيْتُ كُلَّ النَّاسِ خُلْفًا وَعُدَّدَا
وَكَمْ ظَنَّ قَلْبِي أَنَّ لَيْلَ الْهَوَى هَنًا
فَمَا دَرَى أَنَّ الْمُدَلَّلَ جَرْدُهَا
إِذَا طَالَعَ الْأَحْلَامَ فِي سِفْرِ شَوْقِهِ
رَأَى الْوَجْدَ نَارًا يَسْتَبِدُّ وَوَقْدُهَا
وَأَعْجَبُ مَا فِي الْعَاشِقِينَ تَعَقُّلٌ
يَرَى الْغَيَّ رُشْدًا وَالْعُقُولَ تُبَدَّدَا
يَفِرُّ مِنَ السُّلْوَانِ وَهْوَ مُبَرِّحٌ
وَيَلْتَذُّ بِالْأَحْزَانِ إِذْ عَزَّ رُشْدُهَا
فَمَا الْحُبُّ إِلَّا سَاحِرٌ ذُو خَدِيعَةٍ
إِذَا شَاءَ أَمْرًا لَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدُهَا
وَكَمْ مِنْ صُرُوفِ الْغِيدِ جَيْشٌ تَأَهَّبَتْ
لِتَجْتَاحَ أَفْئِدَةً بِكُلِّ تَعَدُّدِهَا
تُغِيرُ لِحَاظُ الْعَاشِقِينَ بِنَبْلِهَا
وَيَشْرَبُهَا قَلْبُ الْمُحِبِّ وَيَرُدُّهَا
فَيَا قَلْبُ خُذْ عِظَةَ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ
عَدُوٌّ لِمَنْ يَأْمَنُ الدَّهْرَ عَهْدُهَا
وَلَوْلَا جُنُونُ الْعِشْقِ مَا صَبَّ عَاقِلٌ
إِلَى نَارِهِ يَرْتَادُهَا وَيُحِدُّهَا
وَقَدْ كُنْتُ أَدْرِي أَنَّ صَبْرِيَ مَخْدَعٌ
وَلَكِنَّهُ وَهْمٌ يَطُوفُ بِجُنْدِهَا
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ عَقْلٌ يُرَشِّدُ
تَعَسُّفَ هَوَاهُ، قَدْ تَشَابَهَ بَدْرُهَا
لَعَمْرِي مَضَى عَهْدُ الشَّبَابِ وَحَلَّنِي
مِنَ الشَّيْبِ بَأْسٌ لَا يَرُدُّهُ رَدُّهَا
فَمَا أَطْلُبُ الدُّنْيَا وَفِيمَ وَفَاؤُهَا؟
وَأَيْنَ وَفِيٌّ لَا تَخُونُهُ يَدُهَا؟
وَكَيْفَ أَلُومُ الْغَادِرِينَ وَإِنَّمَا
رَأَيْتُ زَمَانِي خَانَنِي ثُمَّ عَدَّدَهَا
فَمَنْ لِيَ بِالْخِلِّ الصَّمِيمِ وَصِدْقِهِ؟
وَمَنْ أَبْتَغِي عَوْنًا إِذَا مَاجَ مَدُّهَا؟
صَحِبْتُ بَنِي الدُّنْيَا طَوِيلًا فَلَمْ أَرَ
سِوَى غَادِرٍ أَوْ مُخْلِفٍ فِيهِ وَعْدُهَا
أُحَاوِلُ أَيَّامِي بِمَا لَيْسَ فِيهَا
وَمَنْ طَلَبَ الْمَعْدُومَ أَعْيَاهُ وَجْدُهَا
فَمَا كُلُّ خِلٍّ صَادِقٌ فِي وُدَادِهِ
وَلَا كُلُّ وَاعِدٍ يُصَدِّقُ فِي عَهْدِهَا
وَأَشَدُّ مَا يَلْقَى الْفَتَى فِي زَمَانِهِ
فِرَاقُ صَدِيقٍ لَا يُوَفَّى بِرُشْدِهَا
وَلَوْ كَانَ لِلْفِتْيَانِ جِدٌّ فِي طُلُوعِهِمْ
لَأَدْرَكَ مَنْ يَسْعَى جِبَالَ الْمُعَدِّدَا
وَلَكِنَّمَا الْأَقْدَارُ أَقْوَى مِنَ الْمُنَى
وَأَمْرُ الْفَتَى حَتَّى الْجِهَادُ يُعِدُّهَا
وَمَا أَنَا بِالْمَغْلُوبِ فِي كُلِّ سَاحَةٍ
وَلَكِنَّ بَعْضَ الدَّهْرِ تَحْنِي زُنُودَهَا
وَلَوْلَا أَنَا أَوْدَعْتُ فِيهَا مَوَدَّةً
لَمَا كَانَ يُؤْلِمُنِي وُدَادِي وَصُدُّهَا
أَبَى الدَّهْرُ إِلَّا أَنْ يَسُودَ نَذَالُهُ
وَيَحْكُمَ فِينَا وَقْدُهُ وَحَقُودُهَا
وَحَسْبُكَ فَخْرًا أَنْ تَكُونَ مُشَرِّفًا
إِذَا ذُكِرَ الْحَقُّ الْمُضَاعُ فَرُدَّهَا
وَإِنْ نَامَتِ الْأَسْيَافُ فِي غَمْدِ صَبْرِهَا
سَتَصْحُو يَوْمًا حِينَ يُؤْذِنُ جُنْدُهَا
186
قصيدة