عدد الابيات : 45
يَا زَائِرِي فِي الضُّحَى وَالْحُبُّ قَدْ بَوَحَا
هَلْ تَذْكُرُ الْيَوْمَ إِذْ كُنَّا وِرْدًا وَرَاحَا؟
كُنْتَ الْكَلَامَ وَكُنْتُ الصَّمْتَ فِي فَمِهِ
وَالْآنَ صِرْنَا غُصُنًا فَوْقَ جَنَاحِ الرِّيحِ سَمَحَا
يَا زَائِرِي فِي الرَوُاح وَالْحُبُّ قَدْ فَصَحَا
أَنْتَ الَّذِي جَاءَ وَالْأَحْزَانُ تَنْسَحُ وَضَحَا
لَيْسَ السَّمَاحُ بِعَطْفٍ مِنْ جَمَالِكَ لِي
بَلْ أَنَّنِي أَسْمَعُ الْأَرْضَ تُغَنِّي وَتُشْرَحَا
أَصَادِحٌ صَدَحًا يَسْتَوْطِنُ الْفَرَحَا؟
أَمْ أَنَا نَارٌ عَلَى أَجْفَانِهِ سُجِحَا؟
غَنَّيْتُ حَتَّى دَمَتِ الْمُقَلُ وَقُلْتَ لِي:
"يَا صَاحِبَ الْعُمْرِ وَلَّى بَيْنَنَا الْقَدَحَا"
أَمْ أَنَا فِي كَفِّهِ نَارٌ وَقَلْبِي سُجِحَا؟
غَنَّيْتُ حَتَّى بَكَى الْوَتْرُ وَقَالَ لِي:
"يَا بَاحِثًا عَنْ زَمَانٍ فِي دَمِي قَدْ حُفِحَا"
يَا لَافِحًا لَفَحَ أَرْضَ الْهَوَى وَمَحَا
كَمْ كَانَ مِنْ دَمِعِي فِي الْخَدِّ مُنْسَحَا؟
هَلْ تَعْلَمُ الْمَاءَ فِي أَحْشَائِيَ انْسَحَا؟
كُلُّ الْجِرَاحِ الَّتِي تَخْفِيهَا ضُلُوعِي
تَبْكِي عَلَى شَفَتَيْكَ الْحُرِّ إِذْ تَضْحَكُ وَتَمْحَا
يَا زَائِرِي فِي الضُّحَى.. هَذَا انْتِشَارُ الضِّيَا
هَذِهِ أَحْزَانُنَا تَذْوِي كَالسَّحَابِ الْوَضَحَا
لَوْ تَعْلَمُ الْكَلِمَاتُ كَمْ أَضَاعَتْ مِنَّا
لَاْحْتَجَبَ فِي جُيُوبِ الرِّيحِ وَ سَحَقَ الصُّبْحَا
هَلْ تَرَى الْوَرْدَ يُحَاوِرُ شَفَقَاتِ الدُّجَى؟
وَيُسَاقِطُ أَحْلَامَهُ كَالنَّدَى نَفْحَا ؟
أَمْ تَرَى الْقَلْبَ يَرْوِي فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ
حِكَايَةَ عُشْقٍ لِلْفَجْرِ قَدْ فُتِحَا؟
غَنَّيْتُ حَتَّى بَكَى الْوَتْرُ وَقُلْتَ لِي:
"يَا صَاحِبَ الْعُمْرِ وَلَّى بَيْنَنَا الْقَدْحَا"
وَالْعُودُ يَحْكِي بَيَاضَ الْغِيمِ فِي صَدَاهُ
وَالرُّوحُ تَسْكُبُ فِي الْأَلْحَانِ صَدَحَا
لَوْ تَعْلَمُ الْأَصْوَاتُ كَمْ أَضَاعَتْ مِنَّا
لَصَمَتَتْ.. وَأَرْسَلَتْ دَمْعًا يُرَاقُ عَلَى الْجَرَحَا
سُكْنَاكَ فِي الْهَدَبِ ضَوْءٌ وَمُتَّسَعُ
وَالطِّيبُ يَرْحَلُ عَنِّي وَالْوَلَعُ صَرَحَا
أَتَرْحَلُ الْيَوْمَ وَتَتْرُكُ الْحُرُوفَ لِي دَلِيلًا؟
وَتَخْطُفُ الْأَلْوَانَ مِنْ عَيْنَيَّ صَدَّحَا؟
لَنْ أَنْسَى الْيَوْمَ الَّذِي فِي صَدْرِكَ
كُنْتُ أَنَا الْبَحْرَ.. وَكُنْتَ الْغُصْنَ وَالْمِلْحَا
يَا زَائِرِي فِي الضُّحَى.. لَوْ تَعْلَمُ الْقَدَرَا
لَعَلِمْتَ أَنَّ الْحُرُوفَ الْيَوْمَ تَحْكِي سِرَّهَا
فَإِذَا رَحَلْتَ فَإِنَّ الشِّعْرَ يَبْقَى لِي
وَرْدَةً فِي كَفِّ هَذَا الْوَقْتِ.. قَدْ فُتِحَا
أَصَادِحٌ صَدَحًا.. أَمْ أَنَا فِي الْأُفُقِ اْنطِحَا؟
يَا مَنْ رَأَى ظِلَّهُ يَمْشِي وَيَتْرُكُ دَمْعَهُ سَبَحَا
غَنَّيْتُ حَتَّى بَكَى الْمَاضِي وَقَالَ لِي:
"هَذِهِ الْأَيَّامُ قَدْ صَارَتْ كَأَحْلَامٍ تُنْثَرُ وَتُمْحَى"
…….
هَذَا الْوِتَارُ الَّذِي أَبْكَاهُ صَوْتِي فَمَا
لِلشَّاعِرِ الْمَاسِكِ الْمَجْدَ بِغَيْرِ دَمِيَا؟
عَيْنَاكَ أَعْلَنَتَا أَنَّ الرَّبِيعَ صَفَا
وَعَيْنَايَ قَالَتَا: "الرَّبِيعُ خَلْفِيَا "
يَا زَائِرِي فِي الضُّحَى ، لَوْ تَعْلَمُ الْقَدَرَا
لَرَأَيْتَ أَنَّ الْحَرِيقَ الْحُلْمُ وَالْأَثَرَا
أَنَا الَّذِي لَوْ غَنَّيْتُ لَبَكَى الْوَتْرُ
وَأَنْتَ تَبْكِي وَيَبْقَى الْعُمْرُ أَكْبَرَا
حَرْفِي عَلَى شَفَتَيْـ ـكَ الْمَاءُ وَالنَّارُ..
يَزْهُو كَالنَّجْمِ فِي لَيْلٍ يُنَادِينِي أَشْعَارُ
يَمْشِي عَلَى جِسْرِ أَحْلَامِي، فَتَرْقُصُ الْكَلِمَـ
ـاتُ كَأَنَّ الرِّيحَ تَحْكِيهَا بِأَيِّ لِسَانِ أَخْبَارُ ؟
أَنْتِ الَّتِي تَمْسَحِينَ الدَّمْعَ بِالضِّيَاءِ..
وَتَحْبِكِينَ الْفَجْرَ مِنْ خَيْطِ الْأَشَاقِ
أَدْعُوكِ فِي كَفِّيَ.. لَوْ تَعْلَمِينَ مَعَانِيـ
ـهِ لَرَأَيْتِ الْبَحْرَ يَرْوِي حِكَايَةَ أَشْوَاقِي
هَذِهِ الْحُرُوفُ تُغَنِّي فَوْقَ أَجْنِحَتِهَـ
ـا.. وَالْقَوَافِي تُنْبِتُ الْأَلْحَانَ فِي الْوَرَقِ
أَكْتُبُهَا بِدَمِي.. لِكَيْ تَعْبُرَ الْقُلُو
بَ كَطُيُورٍ تَحْكِي الْأَسْرَارَ فِي الْعُشُقِ
……
وَالطِّيبُ يَرْحَلُ عَنِّي وَأَزَلِي الْوَلَعُ
يَا مَنْ تَحُطُّ عَلَى أَحْلَامِي كَالنَّدَى..
هَذَا الْكَلَامُ هَدِيَّةٌ مِنْ دَفْتَرِ الْوَجَعِ
اِقْرَأِيهِ.. ثُمَّ اِذْكُرِينِي إِذَا الْقَمَرُ الْبَـ
ـرِيُّ سَطَّرَ أَحْزَانَ الشُّعَرَاءِ عَلَى الْجَرَّعِ
385
قصيدة