عدد الابيات : 30
يَا لَيْلُ، إِنِّي وَفَيْتُ الْوَعْدَ فِي كُرَبِي
وَبُحْتُ بِالشَّوْقِ حَتَّى ضَاعَ بِالْخُطَبِ
يَا دَفْتَرَ الدَّمْعِ، سِطْرُ الْحُزْنِ يَكْتُبُنِي
فَاسْقِ الْقَوَافِيَ مِنَ الْآهَاتِ وَالْعَتَبِ
هَذِي حُرُوفِيَ نَارٌ بِالْقَلْبِ لَا يُطْفِئُهَا
إِلَّا الْغِيَابُ، وَاللِّقَا وَصَفْعَةُ السَّبَبِ
مَاتَ الْأَمَانُ، فَقَلْبِي الْيَوْمَ مُنْفَرِدٌ
يَشْكُو الْمَدَى وَصَدَى الْأَيَّامِ فِي نَصَبِ
يَا وَجْهَ مَنْ غَابَ، إِنِّي كُنْتُ أَعْبُدُهُ
فَالْيَوْمَ أَعْبُدُ ذِكْرَى الصَّبْرِ فِي الْكُرَبِ
سَكَنَ الْحِمَامُ جُفُونَ الْحُسْنِ فَانْخَسَفَتْ
شَمْسُ الْوِصَالِ، وَغَابَ اللَّحْنُ بِالطَّرَبِ
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الدَّمْعَ يَكْتُبُنِي
شِعْرًا، وَجَنَاحَ الصَّبْرِ إِنْ طَالَ لَمْ يَطِبِ
قَدْ كُنْتِ نُورَ الدُّجَى، وَالْأُنْسَ فِي سَحَرٍ
وَالْيَوْمَ صِرْتِ رُؤًى فِي مُهْجَتِي مُنْتَثِبِ
أَيْنَ احْتِمَالُ الْفِرَاقِ الْآنَ يَا قَمَرِي؟
أَيْنَ السَّنَا؟ أَيْنَ ذَاكَ الضَّوْءُ بِالسُّحُبِ؟
مَاتَتْ مَعَكِ الضُّحَى، وَالْعِطْرُ مَا بَقِيَتْ
إِلَّا خُطَاكِ، وَرِيحُ الطُّهْرِ فِي الْخُشُبِ
يَا نَسْمَةَ الرُّوحِ، هَلْ تَأْتِينَ فِي سَكَنٍ؟
أَمْ تُبْصِرِينِي وَقَلْبِي غَارِقٌ دَمًا بِعَبِي؟
وَاللَّهِ مَا رَغِبَتْ نَفْسِي بِدُنْيَاكُمُ أَبَدًا
إِلَّا لِأَجْلِكِ، يَا سِرَّ الْهَوَى الْمُتَّقِبِ
أَحْيَيْتِ فِيَّ الْمُنَى، وَالْيَوْمَ قَدْ دَفَنَتْ
كَفُّ الْمَنُونِ رُؤَايَ الْغَضَّ فِي التُّرَبِ
إِنِّي رَضِيتُ قَضَاءَ اللَّهِ مُحْتَسِبًا
وَالصَّبْرُ عِنْدَ الْبَلَايَا أَوْفَقُ السُّحُبِ
فَإِنْ سَأَلْتِ الدُّجَى عَنِّي، وَمَا صَنَعَتْ
أَيَّامُ بَعْدَكِ، قُولِي: مَيِّتٌ لَمْ يَكْتُبِ
مَا كَانَ جُرْحِيَ يُخْفَى وَهُوَ فِي أَدَبِ
كَالنَّارِ تُخْفِي لَظَاهَا بَيْنَ مُحْتَسِبِ
أَمْشِي عَلَى شَفَةِ الْأَشْوَاقِ مُضْطَرِبًا
كَمَرْكَبٍ ضَلَّ فِي أَمْوَاجِهِ الشُّهُبِ
سَهَرِي يُنَاجِي رُؤَاكِ الْغَائِبَةَ، وَلِي
فِي كُلِّ نَجْمٍ صَدًى هَمْسَةُ الشُّهُبِ
يَا زَهْرَةَ الْعُمْرِ، إِنَّ الدَّهْرَ يَغْدِرُ بِي
فَهَلْ تُعِيدِينَ صَفْوَ الْهَوَى الْعَذْبِ؟
مَا زِلْتُ أَذْكُرُ سِحْرَ عِطْرٍ مِنْكِ أَنْشَقُهُ
كَأَنَّهُ الذِّكْرُ يَنْسَابُ عَلَى صَفْحِ الْكُتُبِ
كَأَنَّ طَيْفَكِ مَا غَابَتْ عَنِّي مَلَامِحُهُ
عَنِّي، وَإِنْ زَادَنِي دَمْعِي مِنَ الْعَتَبِ
قَدْ كُنْتِ تَحْمِلُنِي أَحْلَامُكِ الْوَرْدَةَ
وَالْيَوْمَ أَحْمِلُ نَعْشِي دُونَ مُنْتَسِبِ
مَا كَانَ يُشْجِينِي إِلَّا صَوْتُ ضِحْكَتِكِ
أَمَّا الْآنَ، فَالْأَنْفَاسُ تُكَابِدُ فِي تَعَبِ
ضَاعَتْ خُطَايَ عَلَى دَرْبِ الرَّجَاءِ، فَمَا
عَادَ الرَّجَاءُ دَلِيلِي، لَا وَ مَا السَّبَبِ
كَأَنَّنِي فِي بُكَاءِ اللَّيْلِ أَنْتَظِرُ بِالْحُزْنِ
طَيْفًا يُلَامِسُنِي مِنْ نُورِكِ الذَّهَبِ
يَا لَيْتَنِي كُنْتُ ذَاكَ الطَّيْفَ يَشْهَدُهَا
فِي آخِرِ الْعُمْرِ، لَا أَشْقَى وَلَا أَنْهَبِ
لَكِنَّهَا سُنَنُ الْأَيَّامِ تُفَرِّقُنَا وَتُبْعِدُنَا
وَتَزْرَعُ الْحُزْنَ فِي الْأَرْوَاحِ كَالْحَصَبِ
فَامْضِي إِلَى اللَّهِ، مِسْكًا طِبْتِ، يَا أَمَلِي
وَاللَّهُ أَرْحَمُ مَنْ يُرْجَى لِمَنْ ذَهَبِ
نَامِي عَلَى الْحُسْنِ، إِنَّ الْوَرْدَ يَحْرُسُكِ
بِالْقَبْرِ، وَالْفَجْرُ يُهْدِيكِ النَّدَى الْعَذْبِ
وَإِنْ سُئِلْتِ عَنِّي، قُولِي: كَانَ مُحْتَسِبًا
يَمْشِي إِلَى اللَّهِ، وَالْقَلْبُ اكْتَوَى بِالْحُبِ
374
قصيدة