عدد الابيات : 21
يَا شَامُ، يَا أُمَّ الْجَلَالِ الْأَرْحَبِ
مَنْ ذَا يُجَارِي حُسْنَ وَجْهِكِ وَيُعْجَبُ
مِنْ طِيبِ تُرْبِكِ قَدْ تَفَجَّرَ عِطْرُهُ
وَغَدَتْ سَمَاءُ الْمَجْدِ مِنْكِ تَغَرْبَبُ
سَكَبَ الزَّمَانُ عَلَيْكِ حُلْيَةَ سِحْرِهِ
فَبَدَوْتِ أَبْهَى مِنْ جَنَانِ الْأَعْجَبُ
مِنْ دِجْلَةَ الْخَضْرَاءِ جِئْتِ بِأَصْلِكِ
فَسَمَّاكِ حَرْفٌ فِي الْكِتَابِ الْمُذَهَّبُ
حَتَّى الْفُرَاتُ إِذَا مَرَرْتِ بِمَائِهِ
شَرِبَ الْجَمَالَ، فَصَارَ نَهْرًا يَطْرَبُ
أَنْتِ الْفُرَاتُ، وَأَنْتِ دِجْلَةُ هَيْبَةً
وَأَنْتِ تَاجُ الْمُلْكِ فِي حُكْمِ النُّجُبُ
فِيكِ ابْتِدَاءُ الْعِلْمِ شَرْقًا، وَانْتَهَى
نُورُ الْحَضَارَةِ فِيكِ، يَا شَامُ، يَنْكُبُ
قَاسِيُونُ شَاهِدُ مَجْدِكِ فِي عَلَنٍ
وَالنُّورُ مِنْ سَيْفِ الْعُلَى يَتَصَبَّبُ
فِي مَسْجِدِ الْأُمَوِيِّ نَفْحُ خُشُوعِهِ
مِنْ كُلِّ مُؤْمِنٍ زَاهِدِ قَلْبُهُ يَتَذَهَّبُ
يَا شَامُ، يَا عِشْقَ الْقُلُوبِ وَمُلْهِمًا
لِلشِّعْرِ، فِيكِ الْحُبُّ شَهْدٌ يُسْكَبُ
غَنَّاكِ نَهْرٌ، وَالسَّمَا لَكِ قُبَّةٌ
وَالنَّجْمُ فَوْقَكِ فِي الدُّجَى مُتَأَهِّبُ
فِيكِ الرَّبِيعُ إِذَا تَبَدَّى زَهْرُهُ
فِيكِ الْجَمَالُ إِذَا الْجَمَالُ يُطَرَّبُ
حَاضِرُكِ الْبَاقِي شُمُوخٌ خَالِدٌ
وَمُسْتَقْبَلُ الْأَجْيَالِ مِنْكِ سَيُعْشَبُ
يَا شَامُ، دَمْعُ الْقَلْبِ فِيكِ يُقِيمُهُ
إِنْ كَانَ حُزْنًا، فَالْحَنِينُ يَغْلِبُ
حَتَّى النَّسِيمُ إِذَا تَنَفَّسَ فِي رُبَاكِ
يُسْحَرُ مِنْ سِحْرِ الْجَمَالِ الْمُرْهَبُ
يَا شَامُ، أَنْتِ الْعِزُّ، يَا أُمَّ الْعُلَى
يَا شَامُ، مَنْ ذَا فِي الْجَلَالِ يُطَالِبُ؟
لَوْلَاكِ، مَا بَقِيَ التَّارِيخُ مُفْتَخِرًا
وَلَا الْكِتَابُ، وَلَا السُّطُورُ تُكْتَبُ
يَا شَامُ، أَنْتِ الرُّوحُ تَسْكُنُ خَافِقِي
وَأَنْتِ دَمْعُ الشَّوْقِ فِي كُلِّ مَطْلَبُ
هُبِّي كَرِيحِ النَّصْرِ دَوْمًا شَامِخًا
فَالْعِزُّ لَا يَأْتِي إِلَّا مِمَّنْ يُغْلَبُ
يَا شَامُ، سِيرِي فِي الْمَفَاخِرِ أَبَدًا
وَأَطْلِقِي لِلْعِزِّ رَايَاتِ الْمَوَاكِبُ
فَالتَّاجُ يَزْهُو إِنْ عَلَتْ أَوْسَاطُهُ
وَالْحُسْنُ يَجْلُوهُ التُّرَابُ الْأَطْيَبُ
374
قصيدة